يبدو أن قوى 14 آذار لا تقرأ ولا تعتبر من التعامل مع الغرب، الذي "يعلف" حلفاءه، تمهيداً لصفقة ما مع أخصامه، ليقدم حلفاءه ضحايا قبل عيد الأضحى المبارك، والذين لم ولن يريدوا أن يشاهدوا الأضاحي التي كانت قد قُدّمت على المذبح المشترك بين الغرب والدول العربية والإسلامية الممانعة، وفي مقدمتها سورية وإيران وحزب الله، أي المقاومة وقائدها الأمين العام السيد حسن نصر الله، ورئيس النواب رئيس حركة أمل؛ المحامي نبيه بري، وزعيم التيار الوطني الحر؛ الرئيس الجنرال ميشال عون، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، والأحزاب الوطنية العروبية والانفتاحية، وهي شخصيات وأحزاب سنية ومسيحية، وبطبيعة الحال أيضاً درزية.
نستغرب كيف أن رجال الدين تلقوا إشارات التغيير وخطورة عدم الانزلاق بالمخطط الأميركي الإسرائيلي بتفتيت وتقسيم المنطقة العربية والإسلامية إلى دويلات متناحرة، وكيف لا يلتقط هذه الإشارات من هم مسؤولون عنها، كتيار المستقبل وحلفائه، الذي مد يده إلى الداخل السوري لإسقاط النظام الوحيد الممانع، أي الجمهورية العربية السورية، التي يرأسها الدكتور بشار الأسد! وكذلك الحملة التي يتعرض لها الجيش اللبناني؛ رمز وحدة البلاد وقائده العماد جان قهوجي، بالإضافة إلى الدعوات على التحريض ضد الجيش اللبناني من طائفة معينة من قبل تيار المستقبل، الذي يمثل الأغلبية السنية بالمجلس النيابي، وتزامن هذا الهجوم على الجيش العربي السوري في الوقت ذاته تحريضاً، وبواسطة الإعلام والفضائيات التي وصل عددها إلى 52 فضائية، بالإضافة إلى الكمائن والقنص والقتل الذي يتعرض له في أمكنة محدودة في سورية، ويسقط له الشهداء والمعوقون والجرحى، كما حصل للجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، عند تفجير حافلاته في طرابلس.
الوضع الداخلي السوري ممسوك
لقد ظنت قوى 14 آذار أن الوضع في سورية آيل إلى السقوط، وأن نظام الأسد سيسقط، لكنهم يفتقرون ويفتقدون إلى الحسّ الوطني العربي، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. فسقوط نظام الرئيس بشار الأسد هو أمر ممنوع دولياً أيضاً، وما مناشدة الرؤساء والملوك والأمراء بإسقاط الرئيس الأسد، وارتفاع وتيرتهم في هذا الطلب، إلا دلالة كاملة على أن الوضع الداخلي في سورية جيد وممسوك، والأزمة في طريقها إلى الانحسار.
مواقف الراعي المشرّفة
إن هذا الأمر جعل غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن ينتبه إلى خطورة هذه المؤامرة، وما تصريحه من قصر الإليزيه بعد اجتماعه بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا دلالة كاملة وحنكة واسعة وشراكة ومحبة حقيقة من أجل الحفاظ على مسيحيي الشرق، وفق القول المأثور: "أهل مكة أدرى بشعابها".
وكذلك كثرت التأييدات لتصريحات البطريرك الراعي في فرنسا، فخرج الأمين العام القطري لحزب البعث في لبنان؛ الوزير السابق فايز شكر، بإعلان تأييده ودعمه لمواقف الراعي بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وكذلك تصريحه قبل الوصول إلى الإليزيه في الدفاع عن الجيش اللبناني، وعدم الانزلاق إلى الرد على أي شخص يريد المسّ بالجيش ومؤسسات الدولة، مروراً برئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة والمؤسسات كافة، وكل ذلك ما هو إلا تحذير يتناغم مع مواقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح؛ الجنرال ميشال عون.
موقف مفتي طرابلس.. الشعار
أما بالنسبة إلى موقف مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، فكان تصريحه يتناغم أيضاً في الدفاع عن الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية، وهو موقف عوّدنا عليه هذا المفتي المنفتح على كل الطوائف والأطياف، فهذه هي طرابلس الفيحاء والشمال الأبيّ.
وكذلك موقف نقيب المحامين في طرابلس "بسام الداية" والنقباء السابقين في النقابة العريقة.
المفتي قباني.. قلوب مليانة
أما المشكلة الكبرى التي انفجر فيها الوضع، فهي عندما زار قائد الجيش العماد جان قهوجي المرجعيات الروحية الإسلامية مهنئاً بعيد الفطر، حيث كانت زيارته لافتة إلى دار الفتوى بعد الموقف اللافت لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، عندها صدق المثل اللبناني الشائع "كِمِل النقِل بالزعرور"، وهذا أمر طبيعي أن يزور قائد الجيش مهنئاً بالعيد، لكن كونها بعد زيارة سفير سورية في لبنان الدكتور علي عبد الكريم علي إلى دار الفتوى للتهنئة بالعيد، فكثرت الأقاويل، وبدأ نواب تيار المستقبل السنة ينقلبون 360 درجة لشن هجوم على المفتي قباني، حتى وصل بهم الأمر إلى مطالبة بعضهم له بالاستقالة، وكذلك زيارة النائب البعثي في كتلة الرئيس بري الدكتور قاسم هاشم إلى دار الفتوى، تمهيداً لاستقباله في بلدته شبعا، حيث أعلن المفتي من البلدة المقاومة الجنوبية مقابل الأراضي المحتلة الفلسطينية، بأن هذا هو العدو الإسرائيلي وليس لنا أعداء غيره.
وشاءت الصدف أن تكون زيارة السفير السوري إلى دار الفتوى للتهنئة أثناء تمرد مسلحين إرهابيين في حماه على الجيش والدولة والشعب، فتركوا العنان لألسنتهم بأنه جرى توقيت الزيارة مع "المجازر" التي تحصل في حماه، وهو الأمر الذي نفاه عدد كبير من الوفود عندما جاءوا إلى دمشق في أسبوع "سورية بخير"، وهي شخصيات من مختلف أنحاء العالم.
لقد هنأ السفير السوري علي المفتي بعيد الفطر، وأثنى على مواقفه، وجرى الحديث على أن لبنان وسورية بلدان شقيقان، لكنه لم يقدم له دعوى لزيارة سورية، فالزيارة إلى سورية هي دائماً مفتوحة، وعلاقة المفتي قباني بالمفتي العام السوري الدكتور أحمد بدر الدين حسون، وكذلك بدار الفتوى والمرجعيات الدينية السورية لم تنقطع.
المستقبل يشن هجوما استباقياً
في الوقت الذي بدت الدعوة مفتوحة للمفتي قباني لزيارة دمشق، ولقاء الشخصيات الدينية، وربما السياسية، شنّ عليه أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري هجوماً استباقياً، طالب فيه قراءة ثوابت دار الفتوى، بمعنى: إما أن تكون معنا وإما أن ترحل إلى منزلك لكي نأتي بغيرك بمفتٍ يكون إلى جانب سياستنا، ولو كنا مع أميركا، ولو كنا مع أي دولة نريد، حتى لو كنا ضد عروبتنا.. فرفض المفتي هذا الكلام، وأعلنها جهارة عندما قاطعه تيار المستقبل بأنه باق حتى السن التقاعدي، أي ما يزيد عن السبع سنوات، حتى بلوغه عامه الـ72، وبأن تيار المستقبل بمقاطعته له قد حرره من كل التزاماته غير المقنعة.
في الخلاصة، إن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ د. محمد رشيد قباني كان قد زار سورية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري فوراً، واجتمع بالرئيس السوري بشار الأسد، وأعلمه بأنه لا يتهم سورية باغتيال الحريري، وأثبتت الأيام أن هذا الأمر صحيح، وكذلك ستثبت الأيام أن اتهام أربعة قياديين في المقاومة هو غير صحيح..
في 6 أيلول توفي مفتي حلب؛ الدكتور إبراهيم السلقيني، بعد نوبة قلبية أصابته، فهل سيزور المفتي قباني مفتي حسون معزياً وزائراً لدمشق بعد 6 سنوات من القطيعة، أم أنه سيكتفي بالاتصال الهاتفي في الوقت الحالي؟!
الأمور والوقائع تشير إلى أن زيارة المفتي إلى إخوانه المفتين في سورية أصبحت قريبة جداً للتكامل العربي الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق