استراتيجيات المتغيرات في المنطقة العربي/ سامي الأخرس

عبَّرت الثورات العربية التي إندلعت شرارتها من تونس في السابع عشر من ديسمبر 2010م عن حالة حراك شعبي – جماهيري اتخذ خطين في مسيرة الفعل التراكمية التي عبَّرت عن انفجار شعبي ضد مظاهر الفساد والظلم، والقمع التي مارستها الأنظمة البوليسية المعتمدة على قوة وارهاب الأجهزة الأمنية الاستخبارتية، والاستسلام للغرب وللقوى الاستعمارية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت – ولا زالت- احتواء الأنظمة ليس العربية فحسب بل في كل القارات، وما محاولاتها ضد الأنظمة في أمريكا اللاتينية إلاّ جزء من سياستها العامة الدولية، لتستطيع فرض سيطرتها وهيمنتها على المنظومة الدولية، بغض النظر عن أيديولوجيا هذه الأنظمة، ونهجها السياسي، وهو ما يتضح جليًا في احتوائها لهذه الأنظمة سواء ذات التوجه الإسلامي كما هو في " تركيا والسودان"، أو في دول البلقان، والقوقاز، أو دول شرق أسيا، وضغطها المستمر على الأنظمة الخارجة عن الطاعة الأمريكية بأساليب متعددة، ومتنوعة كما يحدث مع " كوريا الجنوبية وفنزويلا، وكذلك ايران" مع اختيار الأسلوب والأداة المناسبة، والملائمة لطبيعة النظام والبيئة الجغرافية المحيطة، ومزاج الرأي العام المتبلور في هذه المنطقة، ودرجة الوعي المحيطة بهذا النظام، وهي مختلفة ومتنوعة فما تمارسه بالعالمين الإسلامي والعربي الأقرب لتقبل التدخلات بطريقة عسكرية مثلمَّا حدث في أفغانستان والعراق وليبيا تحت مبررات الخلاص والحريات، أي بما معناه " الغاية تبرر الوسيلة" وهو ما لم تستلم له شعوب أخرى مثل " الشعب الفنزويلي، والشعب الكوري الجنوبي" ، بل قاومته واستطاع الشعب الفنزويلي مواجهته بكل فئاته وشرائحه، منتفضًا على التدخلات الأمريكية، وحاميًا للنظام الفنزويلي الذي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إثارة بعض حلفائها في فنزويلا تحت دواعي الحريات والديمقراطية، وهي اللغة الأقرب للوجدان والوعي الشعبي المرتكز في تحليلاته للواقع الوجداني. ورغم فشلها في ذلك إلاّ إنها نجحت به في ليبيا، حيث سَخرت وسائلها الإعلامية لإطلاق عشرات النكت السياسية الهادفة ضد شخص الزعيم الليبي " الشهيد معمر القذافي" وجعلت منه مسخًا أمام الشعوب العربية، كما حشدت بعض القوى الداخلية التي ومنذ اليوم ألأول لجأت لسياسة استفزاز النظام هناك ودفعه لاستخدام العنف ضد القوى المنظمة التي إتخذت الشكل الشعبي تناغمًا مع الحالة العربية، وهو ما كان مخطط له للإنقضاض على ليبيا وهو ما تحقق وأصبحت ليبيا تحت سيطرة ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وحلف النيتو، وربما مشهد استقبال وزيرة الخارجية الأمريكية " هيلاري كلينتون" للجرحى الليبيين يؤكد قراءات عديدة من الصورة، فلم يسبق للولايات المتحدة الأمريكية هذا العطف الأبوي من قبل سواء في أفغانستان أو العراق، وهنا كان للماكنة الإعلامية التأثير الفاعل على الوعي العام للمواطن العربي الذي لا زال يعيش تحت ـتأثير فعل النظام الأبوي الوجداني، وربما أن الإعلام المتحدث باللغة العربية التي تتبناه أكبر وسيلتين إعلاميتين هما" الجزيرة القطرية، والعربية السعودية" مزج باحترافية ما بين الدين من جهة، وشرارات الفتاوي التي يطلقها بعض شيوخ وفقهاء الدين الذين نصبوُّا أنفسهم قضاة شرعيين لمحاكمة من يرتأوا رغم أن هذا باطل بما أنهم غير مكلفين شرعيًا من خليفة، وعدم استيفاء الاشتراطات الشرعية، ومن جهة أخرى التناغم مع حجم المظالم التي يعاني منها المواطن العربي، والسنوات العجاف التي عانى منها جراء ما موُّرس ضده من هذه الأنظمة.
إذن؛ لدينا خمسة نماذج من الثورات الشعبية في المنطقة العربية، وهي نماذج توحي للقارئ السياسي إنها موزعة باحترافية من حيث الموقع الجغرافي والسياسي، أي ضمن تضاريس دقيقة ذات أهداف بعيدة المدى، تنم عن مخطط شمولي للمنطقة لإعادة ترميمها من جديد، بما يتوافق والمفاهيم المطلبية لمرحلة ما بعد " العراق"، وهي انقلاب في الممارسة والسلوك الذي كان سابقًا يفرض وصايته على المنطقة، مما عرض البعض للتمرد على هذه الوصاية كحالة الرئيسين " صدام حسين ومعمر القذافي"، مما شكل عائقًا أو مانعًا أمام الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ مخططاتها وسياساتها الاستعمارية، وفرض منهجيتها السياسية- الاقتصادية – الثقافية في خضم المعركة متكاملة الأضلاع التي تدور في منطقتنا على وجه الخصوص وفي العالم على وجه العموم، وهي معركة قديمة – حديثة إندلعت على أنقاض الحرب الباردة التي إنتهت بإنهيار الرأس القطبي الشيوعي، ومن ثم الإنقضاض على بقاياه والقضاء على نظام يوغسلافيا كما حدث في " البوسنه والهرسك" والتدخل العسكري الغربي (الناتو)، وبذلك استطاعت أوروبا والولايات المتحدة القضاء على أي آخر الأنظمة الشيوعية في أوروبا الرأسمالية، واستدرار عاطفة المسلمين في الشرق الإسلامي.
وعودة إلى بدء، ولكي نستطيع تحديد ملامح الحركات الشعبية العربية، علينا عدم وضعها جميعها في سلة واحدة من حيث الأسلوب والأدوات فقط، أما من حيث الهدف فالجميع يأتي في سياق واحد، وسلة واحدة، وإن اختلفت الأهداف الفرعية مرحليًا، فإنها تتلاقى بالأهداف الاستراتيجية الممثل بفرض السيطرة على المنطقة.
انطلقت شرارة الحركات الشعبية الاجتماعية من تونس كردة فعل من شاب تونسي تلقفتها جموع الشباب التونسي الباحث عن الحاضر والمستقبل، وإن كانت هذه الأحداث قد مثلت مفاجئة للجميع بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلاّ أن هؤلاء لا يقفوا طويلًا أمام المفاجئات والصدمات وينزوا بزاوية تأثيراتها بإنتظار نتائجها وما تفسر عنه ومن ثم التحرك، بل إن هذه المفاجئات تمثل حراكًا سريعًا لديهم ينتج إستراتيجيات في المطبخ السياسي، بعيدًا عن مشهد المتفرج البليد الذي يمثله العرب. وفعلًا تحركت السياسات الأمريكية لتضع النهاية الحتمية للمشهد التونسي بمشهد أقرب منه للإخراج السينمائي المحبوك بسيناريو يتمثل بإبعاد الرئيس التونسي " زين العابدين بن علي" قسرًا عن تونس، إلى جدة التي توضح الدور السعودي في هذه الأزمات وهو دور أشبه " بالفاتيكان الإسلامي"، ويفرض علينا سؤال جوهري عن ماهية الدور السعودي في الأزمات الحالية؟
في معرض الإجابة عن ذلك يتضح أن الدور السعودي يمثل دورًا أبويًا مشابه للدور الذي تم ممارسته أبان احتلال العراق، حيث أن السعودية بما إنها الدولة العربية الأكبر دينيًا واقتصاديًا، ولها وزنها في العالمين الإسلامي والعربي، فهي تحتل مكانة مميزة ومؤثرة في المنطقة وربما يكون دورها حاضن لبعض السياسات التي حاولت ممارستها من خلال إخماد الأصوات السياسية المتمردة على غرار " نواز شريف" الباكستاني، وترويض وتجهيز بعض الشخوص أمثال" حامد قرضاي" وهو دور مخالف للدور القطري أو معاكس له في الصورة الذي يتخذ على عاتقه شكلين: الأول: إعلامي عبَّر الجزيرة باحترافية إعلامية مميزة تعيد للأذهان الاحترافية التي استخدمتها الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر ميلادي في سبيل تحقيق أهدافها ومراميها وقوة تأثيرها في الرأي العام العالمي، أما الدور الآخر لقطر هو ترويض جماعات الإسلام السياسي، والممثلة معظمها بالإخوان المسلمين، وهو ما اتضح جليًا في قدرة قطر على استيعاب الحالة الشيشانية، ومن ثم الصومالية، والجزائرية، وأخيرًا التونسية، على غرار ما قامت به باريس إبان ثورة الخوميني في إيران كدولة حاضنة للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
بذلك يتم ترويض جماعات الإسلام السياسي وكسر شوكتها المناهضة لأي توجهات مضادة على غرار الحالة الصومالية التي قاومت الوجود الأمريكي، وها هي اليوم تصبح تحت أمرة وسيطرة السياسة الأمريكية، وكما هو الحال في تونس اليوم بعد أن قفز " حزب النهضة الإسلامي" إلى رأس النظام السياسي التونسي، مما يعني أن الهدف والمخطط الإستراتيجي يسير في خط مستقيم نحو ما هو محدد له.
أما الحالة المصرية فهي أقرب للحالة التونسية وتكاد تكون مستنسخة منها، وتتخذ نفس الأدوات والأساليب، حيث تم إقصاء الرئيس " حسني مبارك" لكن بطريقة تحفظ للرئيس مبارك جزءًا من كرامته التي تتناسب وحجم مصر، وحجم الرئيس المصري وما قدمه خلال ثلاثة عقود من خدمات جليلة للأمن الإسرائيلي والسياسات الأمريكية في المنطقة، فكان الإقصاء أكثر جمالًا من مسمى " رئيس هارب"، حيث مُنح لقب " رئيس مخلوع" وهو لقب جاء عليه التاريخ كثيرًا ولا يعتبر إهانة بقدر ما يحمله " مسمى هارب"، وها هي مصر تستعد لتسليم قيادتها لحزب الإخوان المسلمين. وبناءً عليه فالمشهد لا يختلف في تونس- مصر- السودان- الصومال- غزة، حيث أصبحت السلطة السياسية في يد الإخوان المسلمين أو ما يسمى قوى " الإسلام السياسي" المتوافق مع النظام العالمي عامة، والتركي خاصة.
في حين أن المشهد اليمني الذي يمثل حتى راهن اللحظة مشهدًا ثوري سلمي يقوده حزب الإصلاح القبلي الذي ينتهج الإسلام السياسي نهجًا وعقيدة، يعبِّر عنه الشاب " حميد الأحمر" ذو الثلاثة عقود، وهو ما ورثه عن والدة" عبدالله الأحمر"، بداية لإحداث توافق يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الهدف مع سيناريو مغاير للحالتين المصرية والتونسية، هذه الحالة تتطلب إكرامًا أكبر للرئيس اليمني" عبدالله صالح" الذي يرتبط بتحالفات قوية مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يتطلب إخراجًا آخر وبسيناريو آخر، ربما بدأت ملامحه تتضح للشارع اليمني الذي صفق طويلًا لمنح " توكل كرمان" جائزة نوبل للسلام، ولكنه وبحسب معرفتي لطبيعة الشعب اليمني العروبي صعق وصدم ، بلقاء الأخيرة مع وزيرة الخارجية الأمريكية " كلينتون" وعلى الشعب اليمني وقواه الثورية والعروبية أن تضع الإجابات المناسبة لهذه التطورات، ولكن كحال العرب فإن الرد يكون" الغاية تبرر الوسيلة" وهي اللغة السائدة في معظم الإجابات عن الظواهر، لوسان الحال يقول " المهم التخلص من النظام"، دون استدراك أن استبدال" ساقط بساقط" جريمة أكبر منها تغيير.
أما المشهد البحريني فهو منذ اللحظة الأولى لم ينل رضا دول الخليج" السعودية وقطر" وباقي الأسرة الخليجية الأميرية، والولايات المتحدة الأمريكية كذلك، وكان مشهد معاكس للصورة الثورية في المنطقة، فإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب منح " عمرو موسى" الأمين العام للجامعة العربية الضوء لمنح الشرعية لاحتلال ليبيا، فإنها منحت مجلس التعاون الخليجي الضوء ذاته لقمع الثورة البحرينية التي تعتبر اجهاضًا للمخطط في حال إندلاعها، وبذلك سعت الولايات المتحدة والسعودية وقطر لإجهاض والقضاء على هذه الحركة قبل أن يتم عقد المقارنات فيما بينها وبين الثورات العربية الأخرى، والممارسات الإعلامية والعسكرية معها، وبذلك تحدث ثغرة في تمرير المؤامرة على الوعي العربي، وعليه سارعت قوى ردع الجزيرة إلى البحرين وقمعت ثورة الشيعة، وهو المسمى الذي أطلق على الحركة الشعبية البحرينية، ونجحت فعلًا قطر والسعودية والولايات المتحدة من اخماد هذه الحركة، واخماد أي محاولات في التفكير العربي لعقد مقارنة، وهو ما يؤكد ما جئت عليه سابقًا بأن حالة الوعي العربي مستسلمة كليًا للمطبخ الإعلامي الذي يتمتع بقوة احترافية في التحريض وقلب الحقائق، وهو ما يتضح جليًا أيضًا التفكير والتجاوب الشعبي معه، بل ولدى العديد من النخب الثقافية متعددة المشارب التي تعيد للأذهان نفس الحالة التي مرت أبان فترة الإنتدابات وتصويرها كوسيلة للتخلص من الاستعمار بناءً على مبدا وشعار" شيء أرحم من شيء" وهو نفس المبدأ والمنهج حاليًا.
أكدتُ سابقًا على أن الأداة والوسيلة تستند على البيئة السياسية والجغرافية المحيطة بالبلد المستهدف، ولذلك فإن الحديث عن وحدانية الأداة والوسيلة هو درب من الديموغوجيا والمراهقة التضليلية البعيدة عن وصف الموصوف بما هو عليه، ومن هنا فإن المشهد مختلف من دولة لأخرى، وهو ما ينطبق على الحالة الليبية التي تعيد للأذهان المشهد نفسه في البوسنة والهرسك، والذي فشل في فنزويلا إلاّ أنه حقق نجاحًا متوقعًا في ليبيا تماشيًا مع حالة الرأي العام العربي عامة، والليبي خاصة، فتحركت بنغازي في موجة اتخذت الشكل الشعبي متدرجة بحيثياتها المرسومة التي اصطدمت باستدراك العقيد الشهيد " معمر القذافي" للحالة عامة، والمتتبع لخطاباته منذ احتلال العراق يُدرك أن " القذافي" عقبة لا بد من إزاحتها، بأسلوب يتوافق مع حجم ليبيا النفطية الغنية، والذي يكون ضمن وضع اليد وليس الوصاية فقط، وهو ما تم إحداثه، واستغلاله بسيناريو اقرب منه للسيناريو العراقي إلاّ من مشهد جنود المارينز وهو ما لم تنقله وسائل الإعلام الموجهة، وما لم تفضحه كاميرات الفضائيات حتى تحقق الهدف . وفعلًا سقطت ليبيا واصبحت الدولة العربية الثالثة بعد " فلسطين والعراق" في قائمة الدول المحتلة فعليًا، والتي لا يمكن أن تحدد مصيرها بيدها، بل أصبحت تحتاج لإذن من القوى المحتلة بكل شيء، وهي أشبه بسلطة " قرضاي" في أفغانستان والتي لا تملك من السلطة سوى بساط أحمر ولسان عربي تتحدث به أمام وسائل الإعلام لتضليل الرأي العام العربي.
إذن فالمشهد الليبي مشهد خاص يتناغم ويتوافق مع الأهمية التي عليها ثروات ليبيا، وأهميتها في سلم الدول المنتجة للطاقة المصدر الأهم في الصراع التنافسي على هذه المنطقة.
وليس بعيدًا عن ليبيا فإن المشهد السوري لا زال في طي الإعداد، والتجهيز، والتحضير حيث بدأت اصوات المعارضة السورية تحدد ملامح الحالة السورية على المستوى المحلي السوري، وكذلك المستوى العربي وإن كانت الجامعة العربية لم تتلق بعد الأوامر بحسم تشريع التدخل الأجنبي في الشأن السوري الذي يتجه بكل تفاصيله نحو استدعاء قوى الاستعمار الأمريكي – الغربي لحسم الحالة السورية، التي تحتل مكانة وأهمية كقوة ممانعة في وجه التطبيع مع العدو الصهيوني، ورغم اعتراف النظام السوري بإسرائيل ضمنيًا قبل عدة أشهر من خلال اعترافة بدولة فلسطينية على حدود سنة 1967م إلاّ أن ذلك لا يرضي مصالح ومطامع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج وعلى رأسها قطر التي كانت بالأمس القريب حليفًا مع سوريا ضمن دول الممانعة العربية، والذي يؤكد ما جئنا عليه سابقًا هذا الإنقلاب المفاجئ لقطر ضد سوريا دون أسباب واضحة. ولكنه يحمل مؤشرات ودلالات كبيرة.
إذن ومن خلال القراءة السابقة يمكن الخلوص إلى أن:
1. الأنظمة العربية لم تتعظِ من التجربة التونسية ولم تتحرك بخطوات مؤثرة للخلف، بل واصلت اندفاعها للأمام، منتظرة النتائج دون وضع مخططات علاجية لسلوكها وسياساتها، بل منحت القوى الغربية والولايات المتحدة قوة دفع تسعى إليها، وهذا ما دفعها لمواجهة معمر القذافي عسكريًا.
2. أن المرحلة تتجه نحو قيادة جديدة ممثلة بالإسلام السياسي، كبديل واقعي للأنظمة القومية والعلمانية، وبذلك تبدا تجليات منطقتنا تتجه نحو مشروع الشرق الأوسط الجديد.
3. لن تتوقف الحركات الشعبية عند حدودها الحالية، فهي تسير وفق سياسية الخطوة – خطوة، وربما هناك العديد من الدول العربية مرشحة لذلك إن لم تتدارك المخطط، ولا يوجد خيارات إما المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك تواجه مصير الشهيد معمر القذافي، أو تسلم للولايات المتحدة الأمريكية وتجد لها مخارج مشابهة للحالتين المصرية والتونسية وربما السودانية المرشحة أكثر للابتزاز.
4. تقسيم بعض الدول العربية ولكن في مراحل متقدمة عن هذه المرحلة، مع إحداث تغيير في التضاريس الجغرافية وعلى وجه الخصوص في منطقة الخليج العربي.
5. الانقضاض على قوى المقاومة العربية وعزلها عن واقعها الجماهيري والشعبي، وامتداداتها الرسمية الداعمة من خلال إضعافها واحتوائها معًا.

حول ظاهرة إنتشار الهنود في العالم (2 من 2)/ د. عبدالله المدني

وفيما يتعلق بهنود دول شرق إفريقيا مثل أوغندا وكينيا وزامبيا وتانزانيا (تانجانيقا+زنجبار)، فقد بدأت هجرة الهنود إليها إبتداء من عام 1895 ، حينما هـجّرتْ بريطانيا نحو 37 ألفا ،معظمهم من ولاية البنجاب المقسمة حاليا ما بين الهند وباكستان، إلى تلك المناطق من أجل بناء خط حديدي يربط مـُمباسا التانزانية بـكمبالا الأوغندية. ولما كانت عملية البناء تلك شاقة ومحاطة بظروف طوبوغرافية ومناخية صعبة، فقد لقي آلاف الهنود المهجرين حتفهم أثناء العمل. أما من بقي منهم على قيد الحياة فقد إستقر في تلك الديار وتناسل، لكن دون أن يحصل على حقوق سياسية أو يـُسمح له بشغل الوظائف الحكومية، بل أتهم في أحايين كثيرة بتأجيج الأوضاع السياسية طلبا لديمقراطية مشابهة لتلك المعمول بها في وطنه الأصلي. وهكذا إنتهى هنود شرق إفريقيا كباعة على الأرصفة أو كمالكين لمتاجر وضيعة، مع إستثناءات جد قليلة. وبإستقلال أوغندا في الستينات، رفضت السلطات منحهم جنسية البلاد أو هويتها، مما دفع الكثيرين منهم إلى الإستفادة من وثائقهم البريطانية للهجرة إلى بريطانيا. أما من فضل البقاء فقد كان ضحية للوثة الجنرال "عيدي أمين" الذي قفز إلى السلطة في عام 1972 ، وبدأ عهده بتأميم ممتلكات كل الآسيويين وطردهم من أوغندا دون رحمة.
ولا تختلف حالة المهاجرين الهنود في كينيا وتنزانيا وزامبيا عنها في أوغندا، إذ مورس ضدهم شتى أنواع التمييز بمجرد إستقلال هذه البلاد، وهو ما أجبرهم على الهجرة إلى بريطانيا ليلتحقوا بمواطنيهم من أفراد الهجرات الأولى التي بدأت في الخمسينات والستينات من القرن العشرين.
ومما لا شك فيه أن أفضل الظروف التي يعيش فيها هنود المهجر، هي تلك التي توفرها لهم دولتا إمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) بدليل أنهما تجذبان ما بين 80 – 90 بالمائة من الهنود المؤهلين تقنيا ممن يعيشون في الخارج. وعلى الرغم من بروز بعض النزعات العنصرية ضدهم في السنوات الأخيرة بسبب جرائم وأحداث لم يكن لهم فيها يد، فإن المشهد العام يوحي بأنهم – منذ إنتقالهم إلى هاتين الدولتين – يتمتعون بكامل حقوقهم، وينعمون بحياة مستقرة ودخول مجزية، ويشغلون مراكز مرموقة في حقول الطب والمحاماة والهندسة وتقنية المعلومات والأبحاث الفضائية والتدريس الجامعي. ويشير تقرير هندي صدر في عام 1994 إلى أن 20 بالمائة من خريجي معاهد التقنية الإلكترونية في بومباي مثلا إستطاعوا أن يجدوا لهم وظائف في السوقين الإمريكي والكندي، وأنهم إستطاعوا أن يراكموا ثروات خاصة بمعدل نصف مليون دولار سنويا. ومما أورده التقرير أيضا أن جل هؤلاء لا يفكر حاليا في العودة إلى وطنه بسبب ظروفه المعيشية والوظيفية الجيدة، وإن لم ينقطع عن إرسال تحويلات مالية منتظمة إلى ذويه في الوطن الأم.
وأخيرا لا بد من الحديث عن هنود المهجر العاملين في دول الخليج العربية، والذين لا يكف البعض عن تناولهم بمناسبة ومن دون مناسبة، غامزين من قناة تحويلاتهم المالية الضخمة بالعملة الصعبة إلى ذويهم في الهند (علما بأن جل هذه التحويلات تعود مرة أخرى إلى الخليج في صورة مدفوعات الهند لفواتير نفطها المستورد من المنطقة، ناهيك عن أن هذه التحويلات لا تمثل في أفضل الأحوال سوى أقل من 15 بالمئة من إجمالي تحويلات الهنود في العالم إلى وطنهم) أو من قناة منافستهم للمواطنين في الإستحواذ على فرص العمل المحدودة والأنشطة التجارية الصغيرة، وبالتالي تسببهم في إرتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب، ناهيك عن الغمز واللمز من قناة تهديدهم للهوية والثقافة العربية.
تعود هجرات الهنود الأولى إلى منطقة الخليج إلى حقبة ما قبل عقد الستينات، يوم أن كانت المنطقة تابعة إداريا لحكومة الهند البريطانية في بومباي. وقتها، ورغم إستعانة الجهاز المدني الإستعماري بالكثيرين من الهنود من ذوي الياقات البيضاء للعمل في إداراته الرسمية أو شركاته النفطية، ورغم إستعانة الكثيرين من أبناء الخليج الموسرين بالهنود كخدم وموظفين أومساعدين على ظهر سفن الصيد، فإن أعدادهم لم تزد عن 150 ألفا شاملا أولئك العاملين في القواعد العسكرية البريطانية في عدن والعراق، وذلك طبقا لدراسة فريدة ونادرة من إعداد الباحثين "بريكس" و "سينكلير"، نشرتها منظمة العمل الدولية في عام 1980 تحت عنوان "الهجرات العالمية والتطور في المنطقة العربية". غير أن هذا العدد الضئيل شهد إرتفاعا دراماتيكا مع الطفرة النفطية الأولى في منتصف السبعينات، قبل أن تتبعه إرتفاعات أخرى متتالية. فمن 300 ألف نسمة في عام 1973 إلى 2.15 مليون نسمة في أواخر عام 1993 فإلى 3.5 مليون نسمة في عام 2000 وصولا إلى أكثر من 5 ملايين نسمة في الوقت الراهن، لكن مع تغير واضح في نوعية العمالة المهاجرة، بمعنى أن من جاؤوا في البدايات كانوا مجرد عمالة منزلية او باعة أو سائقين أو حلاقين أو خياطين، فيما إشتملت الموجات التالية على عمالة ماهرة في حقول التمريض والهندسة والطب والكهرباء والمحاسبة وتكنولوجيا المعلومات.
والمعروف أن الحكومة الهندية شجعت مواطنيها على الذهاب إلى دول الخليج لأسباب كثيرة منها تعزيز روابطها بهذه الدول عبر تلبية إحتاجاتها من العمالة لأغراض المشاريع التنموية، وحاجتها إلى تحويلات هؤلاء المالية من أجل رفد خزينتها من العملة الصعبة للوفاء بقيمة وارداتها من النفط مرتفع السعر، وتخفيف الضغط على بنيتها التحتية الهشة، ناهيك عن علمها المسبق بحتمية عودة المغادرين يوما ما إلى وطنهم لإستثمار مدخراتهم في شراء المساكن الخاصة وتنمية قراهم ومزارعهم أو في تأسيس أعمالهم الخاصة، وذلك بسبب سياسات البلدان الخليجية المضيفة والتي تمنعهم من الحصول على الإقامة الدائمة على اراضيها أو حصولهم على الجنسية، أي خلافا لما يحدث في دول إمريكا الشمالية وأوروبا.
وما يهمنا في الختام هو التركيز على أن هنود المهجر، في مختلف الظروف والأوضاع والأحداث، كانوا ملتحمين مع وطنهم الأم في السراء والضراء، فلم يسجل مثلا أن أحدهم باع نفسه للأجنبي، أو تجنى بالباطل على بلده أو لفق الإتهامات والأكاذيب ضده، أو سخــّر جهده لتهديد وحدته وسيادته. ومثل هذا الكلام نهديه إلى البعض ممن ينسى أفضال وطنه عليه، ويتجاهل ما تم إستثماره فيه منذ نعومة أظفاره، وليته يكتفي بذلك، بل راح يبيع الوطن بأبخس الأثمان للأعداء والطامعين في سوق الإعلام المفتوح، ويعلن بملء الفم وعلى رؤوس الأشهاد إستعداده للتماهي مع مخططات الأعداء من أجل مصالح فردية أومذهبية زائفة.
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أكتوبر 2011
الإيميل:elmadani@batelco.com.bh

هل ستكون إنتخابات نزيهة؟/ رأفت محمد السيد

إنتخابات مجلس الشعب اصبحت وشيكة ، وتعد هذه الإنتخابات هى الأولى بعيدا عن حكم الطاغية والنظام الفاسد ، فهى أول إنتخابات بعد ثورة يناير المجيدة ، والسؤال الذى يدور فى خاطر كل المصريين : هل ستكون الإنتخابات نزيهة هذه المره ؟ ينجح فيها من يستحق النجاح بالفعل دون رشوة ودون تحقيق مصالح وأغراض شخصية كما كنا نشاهدها فى الإنتخابات السابقة ، المضحك فى الإنتخابات السابقة ان الحكومة كانت تعيد أبى المتوفى ليدلى بصوته فى كل إنتخابات إيمانا منهم بان الأموات لهم حقوق علينا وان مايفعلونه يعد لمسة وفاء لمن تركونا ، فهم يرون بأن الأموات الذين فارقونا لابد وان يكونوا معنا يشاركوننا بأرواحهم وأصواتهم - وعلى الرغم من سعادتى بعودة أبى إلى الحياة ليدلى بصوته إلا أننى هذه المرة اتمنى ألايعود أبى الطاهر العفيف ليشارك فى تزييف الإنتخابات لأنهم فى الماضى كانوا لايتركون أحدا إلا وأساءوا إليه حتى الاموات لم يفلتوا من قبضتهم فقد يكون من أهم اسباب ماحدث لهم هو لعنة الموتى عليهم لانهم جعلوهم يشاركون فى تضليل الشعب وهم مسلوبى الإرادة أحلم أن أرى إنتخابات نزيهة فى مصر هذه المرة فهل حلمى سيتحقق " أتمنى " !

 

انجازات فلسطينية!/ نقولا ناصر

قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، نبيل شعث، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سوف يطلع المجلس الثوري للحركة الذي بدأ دورة اجتماعات له برام الله المحتلة يوم الأربعاء الماضي على "الانجازات التي حققتها القيادة مؤخرا" وتفاصيل "البدائل المتاحة" في هذه المرحلة.

وبغض النظر عن "انجازات" التأييد الدولي المتزايد لعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، و"العزلة" المتزايدة لدولة الاحتلال الاسرائيلي في المجتمع الدولي نتيجة لرفضها هذه المبادرة، و"الجرأة" في اتخاذ قرار يضع منظمة التحرير في بداية طريق "قرار فلسطيني مستقل" حقا عن ارتهان هذا القرار للاملاءات الأميركية – الاسرائيلية كما كان الحال طوال عقدين من الزمن، و"تحدي" هذه الاملاءات بتوقيع اتفاق للمصالحة الفلسطينية مع حركة وطنية مثل "حماس" تصنفها هذه الاملاءات "إرهابية" حتى ولو ظل هذا الاتفاق بانتظار قرار أجرأ بالتحرر نهائيا منها من أجل تنفيذه، فإن "الانجازات" الوحيدة التي تحققت على الأرض كانت اسرائيلية فقط ، وبامتياز.

لقد أعلنت حكومة دولة الاحتلال الاسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو خلال الشهر الحالي عن إقامة مستعمرة "جفعات هاماتوس" (خربة طباليا بجوار بيت صفافا) في جنوب القدس المحتلة عام 1967 كأول مستعمرة استيطانية جديدة في المدينة المقدسة منذ بنى رئيس وزراء دولة الاحتلال نفسه في ولايته الأولى مستعمرة "هار حوما" (جبل أبو غنيم) في جنوبها أيضا عام 1997. وخلال العام الماضي أعلنت حكومة نتنياهو عن بناء أكثر من خمسة آلاف وحدة استيطانية جنوبي المدينة، منها ألفي وحدة لتوسيع مستعمرة "غيلو" باتجاه الولجة وبيت جالا الفلسطينيتين، وألف وحدة لتوسيع هارحوما باتجاه بيت ساحور، ومؤخرا أعلنت عن بناء أكثر من ألفي وحدة للربط بين مستوطنتي هارحوما وغيلو. وفي يوم الثلاثاء الماضي أعلن وزير داخلية نتنياهو، ايلي يشاي، في اجتماع للجنةالاسكان انعقد في القدس عن خطة لبناء مليون وحدة استيطانية جديدة خلال السنوات العشر المقبلة، ومع أنه لم يعلن حصة القدس منها فإن الأولوية التي تحتلها القدس في المخططات االصهيونية للاستعمار الاستيطاني تجعل من شبه المؤكد أن تكون هذه الحصة هي الأكبر.

وهذه الهجمة الاستيطانية الجديدة على القدس من أجل استكمال تهويدها تركز الأنظار الفلسطينية على حقيقة أنه خلال العشرين عاما الماضية من "استراتيجية السلام" التي انتهجتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لم يتحقق أي انجاز سياسي فلسطيني خارج الوطن المحتل يمكن أن يعتبر إضافة الى ما كانت المقاومة الفلسطينية قد حققته قبل أن تتبنى منظمة التحرير هذه الاستراتيجية، بينما تضاعف عدد المستعمرات الاستيطانية وعدد مستوطنيها أكثر من ثلاث مرات فوق الأرض المحتلة، وبخاصة في القدس، بفضل هذه الاستراتيجية باعتباره "الانجاز" الوحيد الذي تحقق على الأرض.

لقد كشف عباس عن "ورشة عمل" تعقدها قيادته مع المجلس الثوري لفتح للبحث عن إجابة على سؤال: إلى أين؟ ومع أنه لم يفصح عن "البدائل المتاحة" في جعبته، ولا عن "شيء مهم جدا وخطير جدا" قال إنه "لن يقول ما هو" الآن، فإن المواطن الفلسطيني لا يجد في هذا "التشويق" الدرامي ما يشده لا لمتابعة ورشة العمل ولا للاجتهاد في معرفة ما هو الأمر "الخطير جدا" الذي يضمره ولا للمشاركة في البحث عن "بدائل" في إطار "استراتيجية السلام" إياها التي لم يعد لدى هذا المواطن أي شك في فشلها وعقمها و"عدم إنجازها" بعد أن منحت مهلة أكثر من كافية لاثبات جدواها لم يتمخض عنها سوى "إنجازات" مادية للاستعمار الاستيطاني على الأرض ترسخ الاحتلال، وتطيل عمره، وترسم عمليا حدود الدولة المأمولة، وحدود القدس، وتفرض حقائق مادية على الأرض تفرض بدورها على العالم الاعتراف بها، كما تعترف الولايات المتحدة وأوروبا وبقية المجتمع الدولي بمبدأ "تبادل الأراضي" على أساسها باعتباره مرجعية لترسيم الحدود.

فهذا المواطن يدرك تماما أن استراتيجية السنوات العشرين المجدبة المنصرمة قد استهلكت ذاتها ولم يعد يتوقع منها أية أسرار هامة وخطيرة، ويدرك أن البديل المجدي والجدي والهام المستحق حاليا هو إحالتها الى متحف التاريخ والبحث عن استراتيجية وطنية بديلة لها.
وحدس المواطن العفوي لا يخذله في الاجابة على سؤال "إلى أين" من هنا، فهو ليس بحاجة الى ورشات عمل تطحن الماء، فهي إجابة يلهج بها كل لسان فلسطيني حتى بحت أصوات الاجماع الوطني وهي تصرخ بها، وقد أشار المواطن الفلسطيني اسعد زياد عليان مرشود المقيم بشارع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في حي الزيتون بقطاع غزة الى بداية الطريق بالدعوة التي وجهها الى "الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية" للقاء على وجبة غداء في بيته يوم الثلاثاء الماضي للتفاهم على إجابة موحدة.
وإذا لم تكن دعوة "أبو زياد" غير مقنعة ويمكن أن يعتبرها المخضرمون في الواقعية التفاوضية مثالية عفوية، فإن دعوة وزير خارجية دولة الاحتلال الذي "يستوطن" إحدى مستعمرات الضفة الغربية، أفيغدور ليبرمان، إلى اعتبار الرئيس عباس "عقبة في طريق السلام يجب إزالتها"، هي دعوة صريحة الى تكرار جريمة "إزالة" سلفه الراحل ياسر عرفات وينبغي أن تكون مقنعة لمنظمة التحرير ورئاستها وقيادتها وسلطتها وحركة "فتح" المفترض أنها تقود كل هؤلاء كي يبحثوا جميعهم عن استراتيجية بديلة عمادها الشراكة الوطنية في مقاومة الاحتلال بديلا للشراكة الحالية مع الاحتلال وراعيه الأميركي في "عملية سلام" ثمنها الانقسام الوطني ورأس المقاومة الفلسطينية وتهويد المزيد من أرض الوطن وتآكل القضية الوطنية، وكي يتوقفوا نهائيا عن البحث عن "البدائل المتاحة" ضمن استراتيجيتهم القديمة التي استنفذت كل بدائلها.
ويجب ألا ينخدعوا بمعسول كلام ممثل الرباعية الدولية توني بلير الذي لم يكن يستهدف سوى استمرار التزامهم بتلك الاستراتيجية كي يستمروا في الحرث في بحر "عملية السلام" الأميركية – الاسرائيلية عندما رد على ليبرمان بإغداقه المديح على عباس باعتباره "رجل سلام، ولاعب أساسي وشريك في عملية السلام" وبأنه "صادق وجدي في جهوده ومسعاه للسلام" قبل أن يدعي قائلا: "نحن جميعا ندعم وبقوة جهوده والتزامه بالسلام وبناء الدولة الفلسطينية"، فبلير ومن يمثلهم قد أثبتوا وما زالوا كل يوم يثبتون بأنهم لا يدخرون شيئا في وسعهم لاجهاض مسعاه حتى يستسلم تماما لاملاءاتهم، أو "يزيلونه" كما أزالوا سلفه.

في كلمته أمام المجلس الثوري لفتح الأربعاء الماضي قال الرئيس عباس إن الولايات المتحدة "استعملت نفوذها لدى العالم" لإجهاض مسعاه لاعتراف مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بدولة فلسطين، ومع ذلك خلص الى أن "أميركا صديقتنا"، وأن اختلافه معها "هذه المرة" لا يعني "فراقا" معها، وتكرر توصيفه للمقدمات الصحيحة والخروج بنتائج لا تتفق معها في الموقف من "الرباعية الدولية"، ومن "أشقائنا" العرب الذين وقفوا موقف الولايات المتحدة من مسعاه، قبل أن يضيف بأن لا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي، وأن "القضية الفلسطينية لم تتغير" والعرب كذلك "لم يتغيروا، لا مسؤولين ولا شعب" بعد الربيع العربي، ومع ذلك فإن عباس قد أعلن بأن لجنة متابعة "مبادرة السلام العربية" سوف تجتمع في الثلاثين من الشهر الجاري لمشاركة منظمة التحرير في البحث عن مستقبل سلطة الحكم الذاتي الاداري المنقوص (السلطة الفلسطينية) التي تديرها بإشراف الاحتلال، مباشرة وعبر "المنسق الأمني" الأميركي. لكن لفت النظر أن عباس في كلمته لم يشر حتى إشارة الى ضرورة حدوث تغيير في تحالفاته الدولية والاقليمية والعربية نتيجة لذلك، لتظل القضية الوطنية أسيرة "استراتيجية السلام" القديمة إياها. وبالرغم من كل ذلك، كان عباس في كلمته صادقا عندما لم يتحدث عن أي "انجازات".

لكن بصيص الأمل الوحيد في كلمته كان إشارة بحاجة الى تطوير وقرار حاسم لانجاز الوحدة الوطنية في اسرع وقت ممكن عندما قال إن الاجابة على سؤال الى أين نحن ذاهبون سوف تكون "أحد المواضيع التي سنبحثها مع أخينا خالد مشعل، باعتباره قائد حماس". والاجابة على هذا السؤال ستكون هي الفاصل والفيصل بين استراتيجيتين، ومدخلا للشراكة الوطنية في الاجابة عليه هو بالتأكيد بداية مسيرة الألف ميل بخطوة واحدة حاسمة تؤهل الوضع الفلسطيني لتحقيق إنجازات حقا.

في الخامس والعشرين من الشهر الجاري كتب استاذ العلاقات الدولية بمركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك، ألون بن مئير، وهو من اسمه يهودي، داعيا رباعية بلير الى "وجوب إعادة التفكير بمطالبها الثلاث من "حماس"، وهي "نبذ العنف" و"الاعتراف بوجود اسرائيل" و"الاعتراف بالاتفاقيات السابقة" التي وقعتها منظمة التحرير مع دولة الاحتلال، أولا لأنه "يوجد أعضاء في الحكومة الاسرائيلية لا ينبذون العنف، ولا يعترفون بحق فلسطين في الوجود، ولا يقبلون الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها سابقا"، وثانيا لأن هذه الشروط تحولت الى "عقبات" تحول دون تغيير "الوضع الراهن الخطير"، وثالثا لأن صفقة مبادلة الأسرى الأخيرة "كانت أول مؤشر عام الى أن اسرائيل تعترف بأنها لا تستطيع إزالة حماس عسكريا" وأنها إذا كانت تستطيع تصفية قياداتها فإنها "لا تستطيع تدمير أيديولوجيتها .. وسواء من خلال حكومة وحدة وطنية أو من خلال انتخابات حرة ونزيهة فإن حماس وأيديولوجيتها في المقاومة سوف تستمر قوة فعالة في الجسم السياسي الفلسطيني".

وهذه الدعوة الموجهة الى الرباعية الدولية ل"إعادة التفكير" بشروط دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تبنتها الرباعية وكانت السبب الحقيقي في الانقسام الفلسطيني الراهن تثبت مرة أخرى أن لغة المقاومة هي وحدها التي يفهمها العالم للاعتراف بالحقوق الوطنية والانسانية المشروعة للشعب الفلسطيني وهي وحدها التي تفهمها دولة لا تفهم إلا لغة القوة مثل دولة الاحتلال الاسرائيلي التي ما كان لها بدون هذه اللغة أن تفرض على العرب في فلسطين.

إن الهوان الذي يعيشه العرب بعد التخلي عن خيارهم الدفاعي واحتكامهم الى حسن نوايا "المجتمع الدولي" باختيارهم "السلام المتفاوض عليه" ك"خيار استراتيجي" وحيد لهم يذكر بتساؤل الشاعر العربي السوري نزار قباني في قصيدة له ممنوعة في كل الدول العربية:

هلْ ممكنٌ أن يَعْـقِـدَ الإنسانُ صُلحاً دائماً مع الهوان؟
اللهْ ... يا زمان ..
 كاتب عربي من فلسطين

مقتل القذافي ومستقبل ليبيا المنظور..!!/ شاكر فريد حسن

لا جدال ان العقيد معمر القذافي كان احد طغاة العصر الحديث، وهو شخصية غريبة الاطوار مصابة بمرض البارانويا وجنون العظمة ، وقد شكل نموذجاً للحاكم الدكتاتوري المستبد الظالم ، الذي حكم الشعب الليبي بيد من حديد لاربعة عقود ونيف .وفي عهده ارتكبت اكبر الجرائم ونفذت الاعمال الشنيعة والفظيعة بحق الشعب الليبي ، هذا الشعب الذي ثار في نهاية المطاف ضد ظلم القذافي وطغيانه وديكتاتوريته واستبداده، فراح يهدده ويتوعده ويشتمه ووصفه بالجرذان ونعته باقذع الالفاظ والاوصاف واتهمه بالخسة والنذالة والعمالة وتناول حبوب الهلوسة.
وطوال فترة حكمه لجأ القذافي الى سياسة كم الافواه وضرب الحريات الديمقراطية ، واختزل الدولة الليبية في شخصه ، وحولها الى مزرعة ومرتعاً خصباً لابنائه وعائلته والمقربين منه ،وجعلهم يعبثون بالمال العام دون رقيب وحسيب . ولم يسع يوماً الى بناء دولة عصرية حضارية ومدنية ديموقراطية ، ولم يعمل البتة على اقامة المؤسسات والبنى الهيكلية لليبيا ، وانما حولها وابقاها ضمن التقسيمات والتجزئات العائلية والعشائرية والقبلية .
لكن ما شاهدناه من صور مروعة بثتها القنوات التلفزيونية وشاشات الفضائيات عن عملية مقتل واعدام القذافي بدم بارد وبدون محاكمة ، واهانته بوحشية وسادية ، هو اسلوب معيب مستنكر بعيد كل البعد عن القيم الاخلاقية والانسانية والتعاليم الدينية والشرائع السماوية والقوانين الدستورية والدولية ، واقل ما يقال فيه انه عمل اجرامي وفعل دنيء وخسيس .
في الواقع اننا باركنا وايدنا ،بحب وفرح غامر، انتفاضة الشعب الليبي وثورته في بداية انطلاقها وتفجرها ضد نظام الطاغية معمر القذافي للتخلص من حكمه وظلمه واستبداده وقهره وديكتاتوريته ، ووقفنا الى جانب الانسان الليبي، انطلاقاً من رفضنا للظلم والجور والطغيان والاحكام التعسفية والاساليب الديكتاتورية الاستبدادية ، وحق الشعب الليبي في التغيير والاصلاح والعدالة والحياة الحرة والسيادة والكرامة والحرية في ظل نظام سياسي مدني تعددي ديمقراطي . ولكن الايام اظهرت للعيان حقيقة ان هناك اجندات خارجية وراء ما يسمى "الثوار" في ليبيا ، الذين اصبحوا "ثوار الناتو" ، وهذا ما تجلى بصورة واضحة في جلب واستقدام القوات الاطلسية ، بموافقة ومباركة من الجامعة العربية ، بهدف مساعدة هؤلاء "الثوار" الاطاحة بحكم القذافي الجائر ، وتحت ذريعة وحجة حماية المدنييين الليبيين من الجماعات المسلحة التابعة للعقيد .
وفي الحقيقة ان القوات الاطلسية بالتعاون مع المجلس الانتقالي الليبي وقواته المسلحة ارتكبت واقترفت جرائم دموية فظيعة بحق المدنيين الليبيين اكثر مما ارتكبه القذافي وجيشه واسطوله الحربي .والسؤال الذي يتبادر للذهن: ما هذه "الثورة" التي تستجدي وتطلب المساعدة من القوات الخارجية ومن حلف الناتو الغربي الاستعماري المعادي لحرية الشعوب ، للاطاحة بالقذافي والتخلص من حكمه الظالم..؟!
لقد وقف القذافي امام كل هذه القوات ،واستبسل واستأسد في الدفاع والمواجهة عن نفسه، وقاتل بشجاعة نادرة قل مثيلها، ولم يرفع الراية ،ولم يرضخ ويهرب كما هرب زين العابدين من تونس ، واصبح مثلاً في المقاومة والدفاع والصلابة والعناد ، وتحول بعد موته رمزاوشهيدا، رغم طغيانه واستبداده،نتيجة وقوفه امام جحافل القوات الاجنبية الاستعمارية ، التي لا تريد الخير لليبيا ، وليس هدفها وغايتها تحقيق السيادة والكرامة والحرية للشعب الليبي ، بل الهدف بالاساس السيطرة على آبار النفط والثروات الطبيعية في ليبيا . وما جرى ويجري في ليبيا هو صورة طبق الاصل من سيناريو العراق ، ما يؤكد ان الهدف هو "عرقنة" ليبيا وتحويلها الى قاعدة للغرب والاستعمار الاجنبي .
يمكن القول ، انه بمقتل واعدام القذافي تنتهي مرحلة ،وتطوى صفحة، ويسدل الستار عن حقبة تاريخية مريرة وعصيبة من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي القمعي في ليبيا . ولكن ما ينتظر الشعب الليبي والقطر الليبي هو مستقبل اكثر حلكة وظلمة من ذي قبل ، وتؤكده الحقائق والمعطيات على ارض الواقع ، ولن تتحقق له السيادة الحقيقية والكرامة الوطنية والحرية والتعددية دون مغادرة القوات الاطلسية وخروجها من اراضيه. وما تقوم به قوات وعناصر المجلس الوطني الانتقالي بمساعدة قوات "الناتو" من عمليات انتقامية وثأرية ضد انصار النظام السابق هو نسخ وتكرار لم كان يقوم به النظام السابق ..وعليه فان المرحلة القادمة تحمل في ثناياها وطياتها الكثير من المخاطر والادلة والمؤشرات ، التي تنبئ بالفوضى والاقتتال الداخلي وتعمق التناقضات والصراعات بين القبائل والعشائر الليبية ، وقيام نظام موال للغرب والقوات الاجنبية والاستعمارية، ويخدم مصالحها في المنطقة.

كلينتون تعلن شروط المعونة لبيع مصر/ مجدى نجيب وهبة

** لم أجد دولة بهذه الوقاحة والبجاحة ، فقدت كل أقنعة الحياء والخجل مثل هذه الدولة المدعوة أمريكا !! .. تقول كلينتون أن تقديم المعونة لمصر البالغة 1.3 مليار دولار ، يجب أن تخضع لعدة شروط ، وهو رغبة أمريكا فى إمتلاك أوراق تفاوضية إضافية أكثر قوة مع القاهرة والتلويح بتمويل بعض برامج دعم الديمقراطية من المخصصات العسكرية ، كما ألمحت كلينتون عن إستياء أمريكا من إستمرار الجهات الأمنية المصرية فى التضييق على منظمات المجتمع المدنى التى تتلقى تمويلا أمريكيا لبرامج تتعلق بدعم المشاركة السياسية ، ونشر الثقافة السياسية .. وأخيرا عدم السماح للمعهد القومى الديمقراطى والمعهد الجمهورى الدولى ومنظمة "فريدم هاوس" بالعمل بحرية فى مصر !!! ، وهو ما يثير غضب أعضاء كثيرين فى الكونجرس ممن لهم علاقات قوية مع هذه المنظمات الأمريكية ..

** يعنى بصراحة كدة مطلوب من مصر هو التنازل وبيع حصة الحكومة فى مصر حتى تتمكن من الحصول على المعونة الأمريكية .. مطلوب من مصر أن تعطى لأمريكا ضمانات موثقة فى الشهر العقارى وتحوز حجية الأمر المقضى به قانونيا فى التدخل فى الشئون الداخلية المصرية فيما تراه أمريكا لصالحها ..

** تهديد المجلس العسكرى بخصم حصة من المساعدات الممنوحة له وتحويلها إلى بعض البرامج الديمقراطية لدعمها وتمويلها .. وبالطبع هذه البرامج تقوم على إعدادها بعض المنظمات الصهيونية والأمريكية لتدريب بعض عملائها بمصر عن كيفية شحن الشارع المصرى ، وهدم مؤسساته العسكرية وإضعافها ..

** المطلوب فورا والأن أن تصدر الخارجية المصرية وقضاة التحقيق المصريين بيانا يعتذروا فيه عن تصريح القضاة الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 2011 ، والمنشور بجميع الصحف الصادرة بالتحقيق مع المنظمات والأفراد الحاصلين على مليار جنيه من الخارج فى خلال 6 شهور ، بل وعلى القضاة أن يقدموا إعتذارهم لهؤلاء الخونة ، بل وإعتبارهم من الثوار المخلصين ، المتواصلين مع أمريكا ، والذى أكدته زيارة البعض الأخيرة لأمريكا ، والإلتقاء ببعض المنظمات الأمريكية وتلقيهم الدعم المادى والمعنوى ..

** على الدولة المصرية أن تطلق العنان وتفتح الأبواب للمعهد القومى الديمقراطى الأمريكى والمعهد الجمهورى الدولى ومنظمة "فريدم هاوس" ، الصهيونية بالعمل بحرية وعدم التعرض لها حتى ولو تدخلت فى وضع السياسة الداخلية والخارجية التى يجب أن تسير عليها "مصر الإسلامية" طبقا للتعليمات الأمريكية ..

** على المجلس العسكرى والحكومة المصرية أن تتواصل مع زعماء القاعدة فى أفغانستان وحماس وليبيا لعمل "تعاون حمساوى إيرانى كابولى" ، يستطيع من خلاله إستقطاب كل خفافيش الظلام المهاجرة وعمل قاعدة جديدة لهم داخل سيناء ..

** على القضاء المصرى أن يحكم أحكام ثورية الأن ضد الرئيس السابق وأولاده وجميع الحكومة السابقة وتكتيفهم وجرجرتهم حتى ميدان التحرير وعمل منصة خاصة لهم وأن تعلق المشانق ويتم إعدامهم تباعا طبقا لمراكزهم فى الدولة ..

** على القضاء المصرى أن يقوم بصرف التعويضات اللازمة لجميع من يدعو أنهم شهداء 25 و 28 يناير ومن قتل منهم أمام الأقسام أثناء محاولتهم إقتحامها للفتك بالنظام السابق .. كما ألمحت الإدارة الأمريكية إعتبار بعض السجناء الفارين من السجون المصرية والصادر ضد بعضهم أحكام تتراوح ما بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة ، وقد قتلوا أثناء هروبهم من السجون المصرية .. إعتبارهم شهداء ويتم صرف التعويضات المناسبة لهم .. هذا وقد نوهت الإدارة الأمريكية عن الدفعة الأخيرة التى تم عمل جنازة عسكرية مهيبة لهم بعد إستخراج تصريح الدفن من الطب الشرعى ورفض أهاليهم تسلم هذه الجثث مما إعتبرته بعض الجهات إنهم شهداء مجهولى الهوية ..

** على المجلس العسكرى عدم الإلتفاف إلى قتلة الأقباط فى المذبحة الشهيرة بماسبيرو وإعتبارهم مهاجمين للنظام وللمجلس العسكرى وللوطن وإلزام أهالى القتلة بالتعويض المناسب ، وعدم الإعتراف بهم كشهداء ..

** على الحكومة المصرية أخذ الضمانات الكافية أن تستخدم هذه المساعدات لدعم المصالح الأمريكية داخل مصر ، وفى المنطقة ..

** على الحكومة المصرية أن تقدم إمتيازات غير مسبوقة لجميع السفن ومراكب الشحن الأمريكية وتخفيض نسبة الرسوم المفروضة على هذه البواخر بنسبة 80% خصم ، مهما بلغت أوزان هذه السفن وأحجامها ..

** على المجلس العسكرى أن يلتزم بوعده بتنفيذ مطالب "الإخوان المسلمين" وتسليمهم "العزبة المصرية" طبقا للإتفاق والعقد المحرر بين كل من "أوباما وجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين" وذلك لتنفيذ وصية والد ووالدة الرئيس الأمريكى المسلمي الديانة ، وهو ما دعا أوباما يقسم بكل نفيس ونفيسة أن يطهر مصر من الأقباط الخونة ويسلمها إلى جماعات "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" .. وبعد أن يطمئن أوباما وكلينتون على توقيع العقود وتسليم الإخوان للدولة الجديدة "مصر ستان" .. ستعلن أمريكا أن الإنتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت نزاهة وديمقراطية لم تشهدها مصر من قبل منذ قيام ثورة يوليو 52 ، ولكن لو عسكنا الرقم سيصبح يناير 25 ، وهى الثورة الأمريكية العظيمة التى إندلعت من قلب ميدان التحرير لهدم مصر ولتغيير معالم الشرق الأوسط التى أطلق عليها أوباما "الربيع العربى" ..

** وفى النهاية أوصت أمريكا أن يكف المجلس العسكرى على توجيه أى إنتقادات للصحفيين حتى لو ساروا عرايا فى الميادين فهذه حرية شخصية ، ومهما كتبوا حتى لو كانت كتاباتهم ضد الأمن القومى المصرى فهذا ليس شأن المجلس العسكرى ، ولا أى جهة أخرى ، ولكن شأن أمريكى خالص ..

** كما نبهت كلينتون وحذرت الحكومة والمجلس العسكرى من عدم إحترام لجان حقوق الإنسان وإحترام حرية الرأى حتى لو كان الرأى تشكيل حكومة طالبانية وتعيين "إسماعيل هنية" رئيسا لها .. وعلى الحكومة المصرية أن تحترم حرية التجمع ، مهما كان العدد وفى أى مكان حتى لو قطعوا الطرق والميادين وعطلوا المصالح ومترو الأنفاق وأتلفوا المنشأت وحرقوها وسرقوا المحلات ..

** وقد تم التوقيع على البيان من كل أعضاء الكونجرس الأمريكى والرئيس الأمريكى أوباما وهيلارى كلينتون ، وتم إرسال صورة من الإنذار على يد محضر محكمة الأزبكية على أن يعلن المجلس العسكرى بمقر مصر الدائم فى ميدان التحرير ، على أن تحدد جلسة البيع فى نهاية هذا العام ..

صوت الأقباط المصريين

النظامان السوري والإيراني وحدهما عدوا لبنان/ الياس بجاني

بمراجعة علمية وأكاديمية مجردة ومتأنية لكل معايير العداء الدينية والإنسانية والحقوقية والدولية نجد بما لا يقبل الشك أن عدوا لبنان الخطيرين والحقيقين هما نظاما الملالوي الإيراني والأسدي السوري مباشرة ومن خلالها مرتزقتهما المحليين من أمثال "حزب الله" الإرهابي والمنظمات الأخرى اللبنانية والفلسطينية الميليشياوية داخل وخارج المخيمات الفلسطينية. وطبقاً للمعايير نفسها نجد أن إسرائيل التي يتخفى وراء دجل ونفاق عدائها ومقاومتها ومحاربتها هذان النظامان واذرعتهما المسلحة في لبنان ليست هي حقيقة العدو كما يسوقان بهدف التمويه على واقع وخطورة مخططاتهم التوسعية والمذهبية والإرهابية.

النظامان الملالوي الإيراني والأسدي السوري هما عدوا لبنان وعدوا كل الدول العربية لأنهما بالقوة والإرهاب والمال و"البلطجة" والمذهبية يعملان دون كلل وبوقاحة متناهية على زعزعة وإسقاط الأنظمة العربية كافة وعلى ضرب كل ما هو لبناني من هوية وتاريخ وكيان ودولة ومكونات اجتماعية واثنية ومؤسسات وتعايش وحريات وانفتاح ورسالة.

الكاتب والمعلق السياسي السعودي طارق الحميد اعتبر في مقالة له نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية باللغتين العربية والإنكليزية بتاريخ 13/10/11 أن إيران هي عدو حقيقي وهذا بعض ما جاء فيها: "فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني خطط من خلال تجار مخدرات مكسيكيين لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. فهذه هي الحقائق، وهكذا يجب أن تقرأ، ووفقاً لتصريحات رسمية وليس إعلامية. وقراءة الخبر بالصياغة أعلاه من شأنها مساعدة القارئ والمهتم على رؤية الصورة الكبرى التي تقول وبكل بساطة إن فيلق القدس الإيراني النافذ في العراق والمتهم بسلسلة الاغتيالات بحق الساسة والطيارين وأساتذة الجامعات منذ إسقاط نظام صدام حسين هذا الفيلق المؤتمر بقيادة قاسم سليماني المعني بإدارة لبنان عبر حزب الله سليماني صاحب الصولة والجولة اليوم في سورية دفاعا عن نظام بشار الأسد والرجل المكلف أيضاً أي سليماني بالتواصل والتنسيق مع تنظيم القاعدة الإرهابي في كل من أفغانستان وحتى إيران. هذا الفيلق يتحالف مع تجار مخدرات في المكسيك لاغتيال السفير السعودي واستهداف سفارة الرياض في واشنطن".

بدورها الصحافية اللبنانية حنين غدار تناولت العلة نفسها مع أعراضها بمقالة جريئة وقيمة باللغة الإنكليزية نشرها موقع "لبنان الآن" بتاريخ 24/10/11 وجاء فيها ما معناه: "حزب الله محشور وفي وضع صعب ومكشوف لأن رسالة المقاومة التي سوق لها طوال 20 سنة قد فقدت معناها ومصداقيتها بعد أن طغى على خطابها الربيع العربي الساعي إلى إسقاط الأنظمة العربية التوتاليتارية والديكتاتورية بالطرق السلمية". وتضيف قائلة: "للمرة الأولى أدركت الشعوب العربية أن عدوها الرئيسي هو حكامها الطغاة وليس إسرائيل التي هي نظريا عدوة حزب الله منذ سنوات طويلة". "وللمرة الأولى أمست كل انتصارات وأسلحة حزب الله "الإلهية" أقل أهمية من أمر الحصول على الحرية والكرامة في حين أن مفردات كثيرة لوصف حالة الربيع العربي اللاعنفي هذا يجري استنباطها كل يوم في الشوارع العربية".

أهمية المقالتين تكمن في أنها المرة الأولى التي يخرج فيها بعض الإعلاميين العرب واللبنانيين المسلمين من معتقل كذب وهرطقات شعارات المقاومة والممانعة والعداء لإسرائيل البالية التي لا تمت للواقع المعاش والقدرات والإمكانيات وميزان القوة العسكرية بأي صلة. إنها فعلاً خطوة إعلامية مهمة جداً من الواجب البناء عليها لوضع الأمور إعلامياً وتوعيةً وثقافةً في نطاقها الصحيح ووقف التسويق الكاذب لمهرجانات ومسرحيات النفاق والدجل حول كل ما هو عداء لإسرائيل ومقاومة وتحرير وممانعة وصمود.

المطلوب مقاربة الشعوب العربية وغير العربية بصراحة وواقعية وتسمية الأشياء بأسمائها من دون استغباء لذكاء هذا الشعوب أو الاستهتار بثقافتها ومعرفتها وتزوير الحقائق وتشويهها واختراع معارك وحروب وانتصارات وهمية وخيالية و"إلاهية".

إن الأعداء الحقيقيين للبنان ولشعوب الدول العربية تحديداً والشرق الأوسطية عموماً هما النظامان الإيراني الملالوي والسوري الأسدي مع كل أذرعتهما ومنظماتهما العسكرية والعقائدية والأصولية والمذهبية والتكفيرية التي هي كلها من نتاج حاضناتهما المخابرتية وإن تنوعت الأهداف أو تغيرت الأسماء.

انكشفت العورات وظهرت الحقائق وها هي شعوب الدول العربية تحاول الخروج من كذبة العداء لإسرائيل التي تلطى بظلها الحكام الطغاة من أمثال الأسد وصدام والقذافي وذلك لذبحهم وإفقارهم وتهجيرهم وإذلالهم ومصادرة حرياتهم وانتهاك كراماتهم وإغراقهم في أوحال وموبوءات ثقافة الجهل والعداء والحقد والتعصب وإرجاعهم إلى العصور الحجرية.

عملياً وبما يخص كل أشكال الضرر والأذى والدجل والنفاق والجحود والمتاجرة بقضايا شعوب المنطقة ومعارك طواحين الهواء لا فرق بين تجار المقاومة التي أوجدها عرفات وجماعات اليسار التي انتهت أدوات بأيدي النظام الأسدي الديكتاتوري والأقلوي، وبين حزب الله وربع المرتزقة التابعين لإيران الذين يستعملهم النظام الملالوي الفارسي انطلاقاً من لبنان لضرب كل الدول العربية واستعباد شعوبها. إن التعصب والجهل وثقافة الكره والحقد قد أدت إلى ما أدت إليه من كوارث والمطلوب اليوم الوعي والشجاعة ورفض كل مدعي مقاومة ضد إسرائيل فكفى دجلاً ونفاقاً.

لبنانياً حزب الله ليس حزب مقاومة ضد إسرائيل وهو فقط يتلطى وراء هذا الشعار ليمرر مشروعه الإيراني الذي يقضي بضرب الكيان اللبناني وإسقاط دولة التعايش والحريات وإقامة جمهورية ملالوية مكانها على مثال تلك القائمة في إيران على جماجم الإيرانيين بالدم والحديد والنار، وهذا كمقدمة لعودة ظهور إمبراطورية الفرس التي كان أنهاها الفتح العربي والتي ستمتد بحسب الحلم الفارسي من قلب آسيا وحدود الصين إلى البحر المتوسط. هذا الحزب المعسكر الأصولي لا يخفي أهدافه ومن يراجع أرشيفه ويقرأ كلام أسياده وشيوخه وقادته وفي مقدمهم السيد حسن نصرالله يرى من دون أي لبس أن أهدافه فارسية خالصة لا تمت للبنان بصلة، لا بل نقيض لكل ما هو لبناني.

من هنا تأتي مخططات ومؤامرات وغزوات حزب الله العاملة بالبلطجة والإرهاب والمال للسيطرة على الحكومة اللبنانية وجعلها مع مسؤوليها ومؤسساتها كافة ملحقة بالدويلة. أما مد الخطوط التابعة لشبكة اتصالات الدويلة في بلدة ترشيش وغيرها من المناطق اللبنانية فهي مؤشرات صغيرة على البرامج التوسعية المعدة.

وما انفلاش مخطط الاستيطان الفارسي في كل المناطق اللبنانية وخصوصاً المسيحية والدرزية منها والذي يعد أكبر بكثير من حجم الطائفة الشيعية في لبنان إلا قمة جبل الجليد الذي يسعى إليه التخطيط الإيراني. وهذه المباني المتعددة الطبقات هي بالفعل مساكن عائلات وثكنات الحرس الثوري الموزعة في المناطق الحساسة في سلسلة جبال لبنان الغربية. وعندما نعلم بهذا كله يصبح الوقوف ضد المحكمة الدولية وشراء ضمائر الزعامات الدينية والزمنية الفاقدة للإيمان والوطنية مع ما تبقى من قائمة الانتهاكات والتعديات والكفر تفاصيل رتيبة ومملة لحقيقة وخطورة ما يقوم به حزب الله هذا في لبنان.

في الواقع المعاش على الأرض ينفذ حزب الله في لبنان بمنهجية متدرجة وتصاعدية مشروع إسقاط لبنان الدولة والكيان والتعايش والرسالة والهوية وتهجير اللبنانيين ليقيم دولة ولاية الفقيه ومنها تنطلق مخططات إمبراطورية الملالي للسيطرة على كل دول المنطقة واستعباد شعوبها. لهذا فإن كل من يؤيد حزب الله ويتستر على جرائمه ويساند النظامين السوري والإيراني فإنما هو عدو لبنان وعدو الله وعدو الإنسانية ويستحق نار جهنم حيث البكاء وصريف الأسنان.

باختصار مفيد نقول، كفى نفاقاً ومتاجرةً بالمقاومة التي هي عملياً وواقعياً مقاومة لكل ما هو لبناني وحريات وتعايش وديمقراطية وحضارة وحقوق وتمدن.
يبقى أن من هو مع حزب الله لأي سبب كان فهو ضد لبنان واللبنانيين، وضد كرامة شعوب المنطقة قاطبة ونقطة على السطر، وعلى كل لبناني تحديد موقفه وموقعه.

تونس تستعيد نهضتها/ د. مصطفى يوسف اللداوي


كما كانت تونس أولى بشائر الربيع العربي الذي أعاد للشعوب العربية حيويتها وشبابها وقوتها وفعلها المؤثر وقرارها المستقل، وأشعرها بعزة العرب وكرامة المواطن، وأعادها إلى حضن العروبة النابض، ومعين الإسلام الذي لا ينضب، وجعل من تونس الخضراء قبلة العالم العربي، ومحط أنظار وإعجاب الباحثين عن الحرية، والمتطلعين إلى الكرامة، والساعين إلى الثورة التي تستعيد الحقوق، وتصد الظلم، وتضع حداً للتسلط والاعتداء والدكتاتورية، وتعلم الحكام أن الإنسان مهما أستعبد فسيستعيد حريته، ومهما أهين فسيغدو عزيزاً، ومهما ظلم فسيأتي يومٌ يرتفع عنه السوط، وتتكسر الأغلال التي تقيد يديه، وتعيق حركته، وتكبل إرادته، وتجعل منه عبداً مملوكاً لا يقدر على شئ، وسيعلم الحكام أنهم مهما استطاعوا أن يعلوا أسوار السجون والمعتقلات فسيأتي يومٌ تتحطم فيه الأسوار، وتنكسر القضبان، ويجتاحها الثوار ليخرج منها كل الأحرار، ولا يكون فيها لمثلهم بعد اليوم مكان، وسيأتي اليوم الذي يصدح فيه الرجال بأصواتهم التي طال خفوتها، واستعصى خروجها، وأصابتها البحة حيناً والخرس أحياناً، ليكون لهم رأيٌ يسمع، ومشاركة مقدرة، ومساهمة محمودة، وسيعود إلى الأوطان كل المبعدين والمطرودين والخائفين والممنوعين، إذ لا إقصاء ولا إبعاد، ولا تهديد ولا ترهيب، ولن تكون قوائم منع، ولا مذكرات جلب، ولا إشارات على الحدود والمعابر بالمنع أو الاعتقال أو بالمراجعة للسؤال والتحقيق بكل ما فيها من إهانةٍ وإساءة.

اليوم تونس الخضراء تلبس ثوبها القشيب، وتغني أعذب النشيد، وتباهي القريب والبعيد، وتقبض بيدها على مستقبلها العتيد، تعتز بتجربتها، وتفخر بثورتها، وتحرص على الحفاظ على منجزاتها، والتمسك بمكتسباتها، فلا عودة إلى الوراء، ولا تطلع إلى الماضي، ولا سلبية في الحياة السياسية، ولا انكفاء في الحياة الاجتماعية، وإنما مشاركة فاعلة في كل مناحي الحياة، فقد خاض التونسيون أولى تجاربهم الانتخابية الحرة منذ الاستقلال، ووضعوا في صناديق زجاجية أصواتهم وأراءهم دون خوفٍ من عقاب، أو قلقٍ من تزوير، أو توجسٍ من غضب الأجهزة الأمنية المراقبة، إذ لم يدخل غرفة التصويت معهم أحد، ولم تعد لهم أوراقٌ معروفةٌ نتائجها من قبل، ولم يتعرض أيٌ منهم لتهديدٍ أو ترويع، ولم تشترَ أصواتهم، ولم يدفع لهم أحدٌ مالاً أو وعوداً ثمناً لها، ولم يكونوا يتوقعون النتائج مسبقاً، بفوزِ زعيمٍ أو قائد، فقد رحل المزيفون، وهرب الظالمون، وغاب الدكتاتوريون، ولم يعد في بلادهم زعيمٌ قائد ولا رئيسٌ خالد، فالمواطن التونسي هو القائد والمؤسس للدولة المدنية الحضرية التونسية الجديدة، فقد بناها بدمه، ورفع أسوارها من حياة أبنائه، وأعلى بنيانها بتضحيات رجاله، فحق لأهل تونس اليوم أن يفخروا بما حققته بلادهم.

لم يكن الرئيس التونسي الهارب وجلاوزة أمنه وأركان حكمه وسكان قصره يظنون يوماً أن من طردوهم خارج البلاد، وعلقوا شبابهم على أعواد المشانق، وزجوا بخيرتهم في السجون والمعتقلات، وضيقوا عليهم سبل العيش والحياة، فلم يتركوا لهم متنفساً في بلادهم الخضراء، ولا مكاناً للعيش في أرضهم الطيبة فهجروهم في مناحي الأرض واتجاهاتها الأربعة، فسكنوا المنافي، وعاشوا في بلادٍ شتى ودولٍ قصية، وهم يتطلعون بعيون الأمل إلى وطنهم العزيز، يبكون عليه بحسرةٍ وألم وهم يرون أن حفنةً قليلة ممن لا يعرفون حباً للأوطان، ولا يتقنون معنى الاخلاص له، والصدق معه، والوفاء لأهله وشعبه، يسيطرون على الوطن بكل مقدراته، يسرقون خيراته، وينهبون أمواله، ويوزعون ثرواته، ويتحكمون في كل شئٍ فيه، يعطون الغريب، ويمنحون الأجنبي، ويغدقون على الأقارب والأصدقاء، في الوقت الذي يحرمون فيه أصحاب الحق وسكان الأرض من كل خيرات بلادهم، فلم يعد في البلاد وظيفة لمتخرجٍ ولا عمل لرب بيت، أو مهنة لصاحب شهادة، فقد أجبرهم حكام تونس على أن يقضوا عمرهم ويفنوا شبابهم في البحث عن لقمةِ عيشٍ لا تتوفر، وكسرة خبزٍ لا تتحقق، وحريةٍ بعيدةٍ المنال، وكرامةٍ دونها أهوالٌ وأهوال، اليوم يعود الغيارى إلى تونس، رؤوسهم مرفوعة، وقاماتهم ممشوقة، واصواتهم عالية، والثقة فيهم كبيرة.

اليوم تونس الخضراء تستعيد أهلها، وتحتضن أبناءها، وتشعرهم بدفئها وحنينها، تعطيهم من فيض خيراتها، وتمنحهم من بركات رزقها، ترفع الرأس بهم، وتباهي الخلق بوجودهم، فقد عاد إليها المبعدون، وسكنها الغائبون، وعاد إليها من كانت تنتظرهم المشانق، وتحن إليهم المعتقلات وزنازينها الضيقة، وتعج بهم كل البلاد إلا وطنهم، ولكن أهل تونس الذين غيبهم ظلم حاكمهم، وأعمى بأهوائه على بصائرهم، فغشى عيونهم، وأسكت ألسنتهم، وختم على قلوبهم وأسماعهم، فأجبرهم على ألا يروا غيره، وألا يصوتوا لأحدٍ سواه، وألا يتوقعوا الخير إلا من يديه، وألا ينتظروا فيض الخير إلا من لطفه، ولا قطر السماء إلا من حبه، وألا يؤمنوا بالنهضة إلا التي يرسم معالمها، ويحدد خطوطها، ويبين ملامحها، فلا نهضة إلا على يديه، ولا عمران إلا بأمره، ولا تطور إلا بعلمه، ولا بناء إلا بتوجيهاته، ولا رفعة إلا بإرادته، فنهضة تونس الخضراء هي ما يرى، وتنويرها ما يعتقد، وسموها ما يخطط، فلا نهضة في البلاد إلا التي يقررها، ولا نهضة يعرفها التونسيون ويخططون لها إلا نهضته، فلا نهضة في تونس تنافسه، ولا نهضة تفضح عيوبه، وتكشف مخازيه وتميط اللثام عن جرائمه، ولا نهضة تنهض بالبلاد بصدق، وترتقي بالمواطنين بحق، وتعمل لهم بإخلاص، وتقدم من أجلهم بلا ثمن.

اليوم يستعيد التونسيون نهضتهم، ويصوتون لحركة النهضة رغم محاولات النظام السابق تشويه صورتها والإساءة إليها، ولكنها بقيت الصورة الأنقى لنهضة تونس، والوجه الأجمل لأهل تونس، والجهد الأصدق لشعب تونس، اليوم ينتخبونها برئيسها الذي يعرفوه، وأمينها العام الذي خبروا مواقفه، وعرفوا منهجه، ومرشحيها الذين قدموا بعضاً من عمرهم من أجل نهضة تونس واستعادتها عصريةً ديمقراطيةً حرة، التونسيون يصوتون لها اليوم بلا خوفٍ أو تردد، يمنحنونها أصواتهم، ويولونها ثقتهم، ويعطونها الولاء الذي كانوا يتطلعون إليه، يضعون البلاد أمانةً بين أيديهم، وكلهم ثقة أن رجالها سيكونون خير من يحمل الأمانة، وأصدق من يقود الدولة، ويتوقعون منها الخير لتونس، والرخاء للبلاد، والحرية للمواطنين، فهنيئاً لتونس حريتها ونهضتها، وهنيئاً للنهضة عودتها ومكانتها، والقيمة الأجل التي قدرها الله لها بين أهلها وفي حضن شعبها.

النظام السوري واليمني :والسباق المحموم من اجل البقاء/ خليل الوافي


تتساقط اوراق التوت العربي عن وجوه انظمة فشلت على جميع المستويات في تحقيق تعايش معقول مع شعوبها .والتي ظلت صابرة لعقود دون ان ترى للافق بوادر اشراقة شمس جديدة .هكذا تحول المشهد السياسي في اكثر من عاصمة عربية .وافرزت رؤية مختلفة لمستقبل الشعوب العربية في اتخاذ قرارات حاسمة وفعالة لتغيير سلطة .ظلت راسخة في التربة العربية دون ان تثمر فواكه ناضجة يستفيد منها الجميع .بل اثمرت انواع الصبار .واشكال الاعشاب التي تقوم بدورها في دورة الحياة .ولم تصمد طويلا امام جفاف التربة من ديمقراطية محلية وعدالة وجراة في تعددية قوية تحدث قطيعة مع انواع النفوذ والفساد .ومظاهر الاحتكار والاقصاء..
السلطة بمفهومها العام لم تتبلور بالشكل المسموح به لتكون مدعومة من الشعب .فهي ظلت معزولة ومنبوذة من القاعدة .وقنوات التواصل بينها ظلت سنوات مقطوعة مما تسبب في فقدان الثقة .واحتدام الصراع الايديولوجي بين ممارسات السلطة في حماية النظام .وبين شعب يريد ان يفهم حقيقة السلطة في توفير شروط الحياة له دون وصاية و لا مضايقات واحتكاكات التي اسهمت في اشعال فتيلة هذه الثورة العربية التي تمتد شعلتها في كل مكان .وفي كل الاتجاهات .وما تفرزه هذه الثورة من تحديات كبرى تحملت الشعوب الحجم الكبير من الخسائر لتتحقق اهدافها الكبرى.والبراهين والادلة الدامغة واضحة للعيان لمن لا يفهم او يستصغ ماهية الثورة في صناعة سياسة شعبية كقاعدة اساسية لاي تحول مرتقب
الثورة العربية .مازالت تفاجىء العالم بامكانياتها البسيطة والقوية في ان واحد من ان تقدم نفسها كرهان حقيقي لرغبة الشعوب في الانتفاضة .والمطالبة باحقيتها في التغيير والاصلاح .واذا ظلت بعض الانظمة تشغل مهمة المتفرج والمحايد دون ان تتحرك في تجاه الاصلاحات الاساسية الواجب اتخاذها .والقطع مع الطرق الملتوية في احتواء الازمة مرحليا في تسليط الجهاز الامني والبوليسي على الشعوب .ومعاقبته على هذه الخطوات .فان الامر يحتاج الى طريقة شمولية وواعية من صناع القرار السياسي في كل بلد حتى لا تسقط هبة الدولة .ويعلو صوت الشعب .عندها لا تبقى حدود واضحة لسلوك النظام من جهة .ومطالب الشعب من جهة ثانية .ويصبح المشهد غير قابل للاحتواء وممارسة سلطة القمع .والامر يختلف بتاتا عما تحدثه الطبيعة في حياتها .فهي تمر بقوة في فترة معينة رغم الخسائر التي تحدثها فهي انية ومرحلية سرعان ما تنتهي في ساعات او ايام .اما الثورة وشرارتها تندلع وتستمر في الاشتعال حتى تحرق من كان سببا رئيسيا في اشعالها .وتنجح الثورة التي تصنعها السواعد والهامات .والارادة الشعبية في الذهاب الى ابعد الحدود حتى تحدث ذلك الفارق المطلوب والهدف الرئيسي..
وهذا الكلام ينطبق على النظامين السوري واليمني اللذان يستمران في نهج سياسة القتل باشكاله المتنوعة .وممارسة استعمال الاسلحة التي تتوفر عليها لحماية النظام .وبقاءه مدة اطول على حساب ارواح المدنيين .وفوق جتث الشهداء التي تسقط كل يوم وكل لحظة .لان الانظمة غير راغبة في اي حوار حقيقي وملموس لوقف العنف .واراقة الدماء الزكية .وضياع مقدرات الشعوب في انتماءها لهذه الانظمة التي كشفت عن وجهها الحقيقي في حق من وضع ثقته في اجهزة وضعت بالاساس لحماية ورعاية مصالحه.لكنها انقلبت عليه .وباشرت فيه جميع الاسلحة وطيران حربي .والمدفعية الثقيلة .واحراق البيوت فوق اهلها .وتعذيب المدنيين حتى الموت .انه مشهد الرعب العربي الذي نجحت فيه الانظمة الفاسدة في تطبيقه والاشراف عليه
ان دمشق وصنعاء ينتظران الاسوء بهذا السلوك الذي فاجا الجميع .ويضرب في الصميم حقوق الانسان في الحياة والتظاهر .ولن يسكت المجتمع االدولي طوال الوقت.فلابد من ساعة قريبة تحسم فيها هذه المهزلة التاريخية التي تمارسها صنعاء ودمشق .ولحظات الحسم العسكري قادمة اذا استنفدت المبادرات واللقاءات التي تعلن عن استخلاص المحاولات الجادة لعدم التدخل العسكري
انها الفرصة الاخيرة امام حزب البعث .والمؤسسة العسكرية في اليمن بقيادة علي عبد صالح الذي تفنن في المراوغة السياسية .لكنه سيسقط في فخ اعماله .وستكون نهايته اعنف .بما حل بالقذافي والعبرة بالخواتم .واستعمال الخيار الامني والعسكري كسلاح رادع في قمع الشعوب .وهو اختيار فاشل .وهذا ما نراه يتاكد كل يوم في اكثر من عاصمة عربية
الجامعة العربية تقوم بالخطوة الاخيرة لانقاذ نظام الاسد من اي تدخل عسكري مرتقب بعد تصريحات مسؤولين امريكيين باحتمال توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري .ومطالب الثورة في الداخل بحظر جوي في المرحلة الحالية بعد استفحال الوضع .مما زاد الامور تعقيدا هو سحب السفير الامريكي من دمشق كما فعل النظام نفس الشيء.وهذا ينم عن خطورة .وموقف تصاعدي في حدوث الاسوا خلال الاسابيع المقبلة
وهذا ما لا يريده اي عربي ان يحدث .لكن النظام السوري عازم على البقاء واستعمال العنف ضد المدنيين حتى اخر نفس .ومما يوشك في حدوث ازمة حقيقية في منطقة الشرق الاوسط .لا يعلم احد نتائجها الكارثية
وكل يوم تفاجئنا جامعة الدول العربية في اعطاء مزيدا من الوقت والفرص الضائعة للنظام السوري في ترتيب بيته من الداخل .وصياغة موقف جديد خلال الاحد المقبل ليقوم النظام في عملياته الشنيعة في حق ابناء سوريا الذين يعيشون اسوا ايام حياتهم .انه امتحان الثورة ومعرفة حقيقة كل عربي ازاء ما يتعرض له الشعب السوري .ونحن نقدم له مزيدا من الوقت حتى ياخذ قراره النهائي حسب اجندة يفرضها النظام على المجتمع الدولي .دون ان ينتضح موقف الجامعة حول ما يجري .وهذا التعامل خلق نوعا من الشك والريبة في نوايا الجامعة التي تدعم الانظمة الاسبدادية وتزكي افعالها .وما يمكن ان نفسر هذا التخاذل العربي في نصرة الشوب المظلومة.... ...

نهاية القذافي : أسلوب لا إسلامي ولا ديموقراطي/ حمّودان عبدالواحد

كاتب عربي يقطن في فرنسا

قامت جماعات الليبيين الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام غرفة التبريد في مصراتة برؤية جثتي العقيد القذافي وابنه المعتصم المعروضتين ، وعبّروا عن الحقد العميق والطبيعي للقذافي وأفعاله المقيتة لما كان على رأس النظام القديم ، فأرادوا تخليد لحظة سقوطه بأخذ صور لهم بالمحمولات وهم على رأسه وهو جثة هامدة. لكنهم لم يعيروا اهتماما كبيرا بالكيفية التي تم بها قتله وقتل ولده وبعض الموالين له ، وكأنهم يعتبرون الأمر عاديا ولا يحتاج لمراجعة أو تساؤل... بالمقارنة مع حجم الجرائم التي ارتكبها.
ومع ذلك ، لا يسع المرء إلا أن يسجل انحراف الثورة عن الصواب وسقوطها في فخ التناقض لمّا أغفلت جانب استعمال القوة وتركته يخضع لقانون الغاب ، ولغة القلب والانفعالات ، ومنطق الغضب والعصبية والانتقام. هنا لابد من طرح مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها ، خصوصا وأن ردود الأفعال في العالم كانت في مجملها سلبية بعد تصفية القذافي ، واتسمت في غالبيتها بالحيرة والاستغراب وعدم الفهم ، وأحيانا بالرفض والتنديد.
هل من قيم الثورة والنظام الجديد الذي كان يطالب النظامَ القديم بالديموقراطية ويسعى إليها ، أن يُضرَب الرجلُ وهو جريح وتعامله جموع بوحشية وهو وحيد ، ثم يقتل على ما يبدو رميا بالرصاص في رأسه ؟ حسب فرانسوا سرجان في جريدة ليبيراثيون 22-10-2011 : " لا يمكن للصور التي تظهر جسم الديكتاتور الملطخ بالدماء ، المقتول والمجرجر على الأرض ، ثم المقتول والمُعروض أمام الجميع ، أن تمثل نظاما جديدا " . وأغلبُ المحللين والمراقبين والقراء عبّروا – على مواقع الصحف العربية والغربية - عن قلقهم وانزعاجهم أمام شناعة هذه الصور، واعتبروا الطريقة التي عومل بها القذافي وقتله لا تختلف في شيء عن ممارسات هذا الأخير ونظامه المستبد لما كان زعيم الجماهيرية الشعبية الليبية.
وإذا كان رئيس المجلس الوطني الانتقالي ، السيد عبدالجليل ، قد أعلن أن المصدر التشريعي لنظام ليبيا الجديد هو الشريعة ، فهل من الأخلاق والإنسانية ، ومن مبادىء الإسلام أن يُعامل الأسير معاملة سيئة ويُقتل بطريقة بشعة ؟ أبهذه الطريقة يُدشن طلوعُ شمس ليبيا الجديدة ؟ لماذا وقع الاختيار على تصفيته عوض تقديمه لمحاكمة عادلة يُطلب منه فيها الجواب عن كل التجاوزات الانسانية والجرائم المتهم بارتكابها ؟ لماذا حُرم الشعبُ الليبي بمجمله من محاسبته بالأدلة والبراهين، والاقتصاص منه عن طريق القانون ؟
ما أحوجنا اليوم أن نتذكر جميعا – لأننا ننسى بسرعة مذهلة تحت وطأة الفتن والمواجهات والدماء - شيئا بديهيا يعرفه المثقف وغير المثقف ، والكبير والصغير من المسلمين ، ويتعلق بالعقاب والجزاء ، وبالنار والجنة في الحياة الأخرى أي الحياة الحقيقية المتسمة بالخلود والمطلق في كل شيء. يقرّ الإسلام في نصوص قرآنية عديدة وواضحة بأن العقاب أو الجزاء يكونان بعد " الحساب " أي الوقوف أمام الرب الخالق للجواب عن كل الأسئلة والاتهامات ، الشيء الذي يقابله على وجه الأرض الوقوف أمام العدالة من أجل البحث عن الحقيقة وتبيين كل العناصر المرتبطة بها.
قد يتساءل المرء : لماذا الحساب ، ونحن نعرف أنّ الله لا يغيب عنه شيء ويعلم كل صغيرة وكبيرة ويعرف ما قام به المجرمون والظالمون من أفعال وأعمال ؟ لماذا إذن يسمح الله لهم بأن يأخذوا الكلمة ويطلب منهم الإجابة عن أسئلة ، وهو العارف مسبقا بالأجوبة الواقعية والحقيقية عنها لأن علمه محيط بكل ما يحدث ؟ الجواب هنا له علاقة مباشرة بالتلاحم الوثيق بين مفهومي العدل والحقيقة في الإسلام . بعبارة أخرى ، لابد - من أجل إثبات الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه – من الأخذ بسبل ووسائل تحقيق العدالة. ومنها إقامة الحجج والبراهين بما لا يقبل الشك أو الرد. وهذا يقتضي عدم التفريط في كل ما من شأنه أن يساعد ويقود إلى إثبات ما قيل ووقع بالفعل : هل قلت هذا ؟ هل أنت الذي فعلت هذا ؟ هل فعلته بوحدك ؟ من ساعدك على المضي في تنفيذه علما بأنه كان ينطوي على أضرار عديدة ونتائج ظالمة كانت واضحة للجميع ؟ ما هي الأسباب والدوافع التي أدّت بك إلى ارتكاب هذا الفعل ؟ ما هي الأغراض والغايات منه ؟ هل كانت الحاجة فردية شخصية أو أسروية أو قبلية عرقية أو طائفية لهدف سلطوي محض يكمن مثلا في إرادة استعباد البشر واستباحة أموال ودماء العباد وحقوق الآخرين ، أم كانت الحاجة جماعية ووطنية لخدمة المصلحة العامة وإرساء قواعد الأمن والنظام الاجتماعييْن ، والسهر على احترام قيم االكرامة والتنمية الخلقية والتحرر من شروط عبودية البشر للبشر ؟
إنّ من شأن هذه الأسئلة أن تلقي الأضواء بما فيه الكفاية وتدريجيا - بالصعود إلى العلل والأسباب والدوافع والبواعث ، ومعرفة الوسائل والأدوات والمساعدات ، والوقوف على الغايات والأهداف والنيات – على حقيقة العناصر المكونة للقول أو/ والفعل الإنساني المسؤول وتحديد مدى مسؤولية كل واحد في القيام به. وآنئذ فقط يمكن استخلاص النتائج المعقولة وإعلان الحكم المناسب لحجم المسؤولية ، فإما العقاب بالسجن ، وإما الغرامة المالية دون السجن ، وإما النفي ، وإما الإعدام ... إلخ.
ولا يختلف إثنان في أنّ العقل الاسلامي يعتقد بمُسَلّمة قاطعة فحواها أنّ الله عز وجل هو الوحيد الذي " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " لأنّ أفعاله منزّهة عن الخضوع للأسباب والعلل. مما يعني أنّ تفسير أفعال العباد ، أكانوا حكاما أم محكومين ، يتطلب بالضرورة الرجوع إلى الأسباب والعوامل الكامنة في إرادة ونية تحقيقها.
كان العالم بأسره ينتظر معرفة الاسباب الحقيقية التي دفعت بالتدخل العسكري في ليبيا ، والكثيرمن الأسرار فيما يخص نوع العلاقات التي كانت تربط بين نظام القذافي والأنظمة الغربية التي كانت صديقة له وانقلبت عليه بين عشية وضحاها ، فهل يكمن سرّ مقتله وبسرعة أي مباشرة بعد إيقافه في هذه النقطة بالذات ؟
إنّ التفكير في خدمة الوطن الليبي الحبيب ، والعمل على تهيىء مستقبل أحسن للشعب الحبيب ، وإعلاء أخلاق الدين السمح الحبيب أيضا ... كل هذا مشروط بمبدأ عدم التضحيّة بالحقيقة، حتى لو كان في هذا الشرط تأخير للتحرير النهائي وإعلان النصر التام على العدو.
ففرق جوهري كبير بين من يريد، باسم محاربة الاستبداد والقمع والظلم والفساد ، الانتقام والانتصار لنفسه وجماعته، وبين من يسعى في رؤية أخرى أن تنتصر الحقيقة أي أن ينكشف أولا المستور، ثم تُعطى الحقوق لاصحابها ويطبق القانون بطريقة إنسانية وعادلة على المجرمين، مع العمل الحثيث الصارم على تبني ومتابعة سياسات الحيطة والحذر حتى لا تتكرر نفس المظالم والاعتداءات والجرائم في المستقبل.
الطريق الأول سهل جدا لأنه قصير النظر وتطبعه لاعقلانية زمنية ومكانية متمثلة في حدود " اللحظات الانفعالية " و ضيق الأفق أو انسداده في ظل " جغرافية ردود الأفعال " الإيديولوجية أو العقدية . أما الثاني فهو خيار صعب لأنه ينبع من مسؤولية إنسانية محفزة بوعي أخلاقي كوني يتحدى الزمان والمكان والثقافة والجغرافيا، وتقف في وجهه عقباتٌ عملاقة من التحقيقات والبحث في التفاصيل وكل أنواع الجزئيات الضرورية لإثبات الحقيقة.
انتفضت ليبيا وثارت على معمرالقذافي الذي حكم البلاد والشعب بطريقة غريبة وعتيقة ، كانت تدعي في البداية التحرر من قوى الاستعمار والعمل على التخلص من التبعية للغرب ، لكنها اتضحت شيئا فشيئا على أنها لا تختلف كثيرا عن الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية. شعر الشعب بأنه يرضخ لإيديولوجية ثورية غير شعبية وفارغة ، إيديولوجية قائمة على الهاجس الأمني ، وفرض القيود على الحريات والزج بمعتقلي الٍرأي في السجون ومراقبة المواطنين ، وإخضاعهم لإجلال الشخصية الحاكمة التي أصبحت العقيدة الرسمية للدولة. كان طبيعيا أن ينتفض المعارضون ضد نظام يُحْرمهم من ممارسة حريتهم ويمنعهم من المطالبة بحقوقهم ، والتعبيرعن أفكارهم وطموحاتهم ومشاريعهم الوطنية.
وإذا كان الثوار الليبيون قد حاربوا هذا النظام الاستبدادي العتيق، وجندوا للإطاحة به كل غال ونفيس من وقت وجهد وأموال وأولاد ، وضحوا بأنفسهم ، وقبلوا من أجل هذه الغاية أن يكونوا ميكيافليين إذ استعانوا بوسيلة اسمها الغرب والناتو ، فإنّ المنطق والحكمة والواجب الوطني والديني يدعوهم إلى عدم التفريط في القيم والمبادىء التي كانت وراء الثورة.

مشاكل اقباط مصر مسؤولة عنها الحكومات المتعاقبة وحدها/ بطرس عنداري

كيف يتمكن كاتب في هذه الايام العربية الدامية ان يختار موضوعاً واحداً يكتب عنه داخل غابة من برك الدماء حيث يسيطر الضياع وتختلط احلام الربيع العربي مع تمنيات اوباما ونتنياهو وساركوزي مع تخوّف من توغل بداوة جديدة متوحشة توصل العرب الى متاهات اين منها زمن الاحكام الفردية.

اننا نعبر فوق تلال الجثث وركام المدن التي كانت عمراناً لنتذكر مآسي المسيحيين المصريين بعيداً عن اي شعور ديني او مذهبي بعد ان دفن الاحياء شهداءهم بانتظار ما يخبئه لهم المجهول.

لقد كتبت اول مقال عن مأساة اقباط مصر عام 1976 اي قبل 35 عاماً وقلت فيه معظم ما سأقوله في هذه المقالة.

كان اول قانون واضح عن علاقة الاقباط بالدولة صدر عام 1840 في عهد محد علي وابنه ابراهيم باشا. وقبل ذلك التاريخ كانت العلاقة مزاجية كما يريدها الحكام حيث استغل معظمهم الاقباط ونكّلوا بهم رغم حاجتهم اليهم دائماً لادارة مالية الدولة وشؤونها الدقيقة.

لقد حدّ ذلك القانون من حرية الاقباط الدينية ثم جرى تعديله بعد ذلك بما يعرف بالخط الهمايوني الذي حرّم بناء وترميم الكنائس والمدارس الدينية الاّ بعد موافقة رأس الدولة اي الملك او رئيس الجمهورية. وهذا القانون ما زال معمولاً به حتى الساعة.

لقد استغلّ المتطرفون هذا القانون الذي سبّب عشرات المجازر وخاصة طوال العقود الاربعة المنصرمة التي تلت غياب عبد الناصر. كان ملوك مصر في القرن العشرين ومثلهم جمال عبد الناصر من المتهاونين والمتسامحين مع المسيحيين في موضوع حرية العبادة وبناء الكنائس والمدارس ولكنهم لم يقدموا على تعديل قانون عام 1840 او الغاء الخط الهمايوني.

بدأت الاحداث الخطيرة في عهد السادات الذي اعاد الى الواجهة المتطرفين الاسلاميين الذين اغتالوه فيما بعد، ومنذ تلك الفترة والاحداث متشابهة والاسباب هي ذاتها حيث رفضت او جبنت العهود المتلاحقة عن تغيير او تعديل قانون الحدّ من بنآء دور العبادة للاقباط والسماح للمسلمين ليشيّدوا ما شاؤوا من المساجد.

وكانت فترة حكم الرئيس مبارك هي الأسوأ حيث عمد المتطرفون او المتأسلمون كما يسمّيهم الدكتور رفعت السعيد الى اسلوب ابتزازي جديد وذلك بالتسلل الى الدوائر الحكومية المسؤولة عن اعطاء تراخيص لبناء الكنائس، والحصول على الرخصة يستغرق حوالي 5 سنوات بينما كانت رخصة بناء المسجد تستغرق اسبوعاً واحداً بعد اعداد الخرائط.

وقد استغل المتطرفون فقرة في ذلك القانون تقول ان بناء اي كنيسة يجب ان يكون بعيداً 500 متر او اكثر من اقرب مسجد. وكان هؤلاء يهرعون الى شراء قطعة قريبة من المكان المقترح لبناء الكنيسة ويحصلون على رخصة بناء مسجد لمنع قيام الكنيسة وهنا تبدأ المشكلة او المشاكل.

لا يعرف احد اسباب تلكؤ الحكومات المصرية المتعاقبة عن تغيير هذا القانون المجحف واصدار قانون يساوي بين جميع ابناء مصر.. حتى الرئيس عبد الناصر نفسه الذي كان بطل اول دستور عربي علماني للجمهورية العربية المتحدة عجز عن تغيير القانون السيء.. فخلال سنّ دستور الوحدة المصرية السورية عام 1958 وافق عبد الناصر على ان لا يكون الاسلام دين الدولة او مصدر تشريعها او دين رئيس الدولة.

هل اسباب عدم تغيير القانون المذكور هو الخوف من المتطرفين؟... هل هو تصرف متعمد لترك هذا الموضوع للابتزاز والاستغلال؟ .. لم يكن الرئيس مبارك طائفياً وكذلك السادات وعبد الناصر، لماذا اذن تجاهلوا هذا الموضوع الذي وصل الى حدود ارتكاب بعض رجالهم الجرائم الفظيعة مثل حبيب العادلي وزير داخلية مبارك الذي تأكد انه كان وراء مجزرة عيد الميلاد الماضي 2010.. لماذا يفسح المجال لبعض المتطرفين الاقباط ليشوهوا سمعة مصر في الخارج وليطلق بعضهم الاستغاثات السخيفة مثل طلب حماية خارجية لمسيحيي مصر؟

لقد قدّر لمصر ان يكون على رأس الكنيسة القبطية رجل قمّة الحكمة والاعتدال خلال العقود المنصرمة الا وهو قداسة البابا شنوده الثالث. ورغم تقدمه في السن فما زال صمّام الأمان والسلم الاهلي في مصر. وحسناً فعل المجلس العسكري الحاكم غير الدستوري او الشرعي بتجاوبه مع توجهات شنوده واصداره المرسوم الذي يساوي بين جميع المواطنين المصريين.

ويأمل الجميع ان تكون مصر الجديدة القادمة اكثر واقعية وعدالة وجرأة في المساواة بين جميع ابنائها مستفيدة من اخطاء مضى على ممارساتها اكثر من 170 عاماً دون ان نتطرق الى الحقبات الأكثر ظلاماً.

السلطة الفلسطينية تواسي سلطات الاحتلال/ د. مصطفى يوسف اللداوي

قد يستغرب البعض هذا العنوان، أو محتوى هذا المقال فينكره أو يستنكره، ويرى أنه افتئات على السلطة الفلسطينية وتجنٍ عليها، وأنه عارٍ عن الصحة ويفتقر إلى الحقيقة والموضوعية، وأنه يندرج في خانة التراشق الإعلامي المتبادل بين السلطة والمقاومة، بل قد يرى البعض أنه من المعيب أن نقوم بنشر مثل هذه المقالات التي تشير إلى عمق الأزمة بين الفلسطينيين، وبيان أنها ليست أزمة سياسية أو أمنية فقط، بل إن جزءاً كبيراً منها يرجع إلى القيم الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية، وأن المقال يهدف إلى تشويه سمعة السلطة الفلسطينية والإساءة إليها بما ليس فيها ولا منها، فهل يعقل أو يصدق أن تقوم بعض الجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية بمواساة الإسرائيليين حكومةً وشعباً بعد تنفيذ صفقة وفاء الأحرار، فتخفف عنهم بعض الألم الذي وجدوه جراء الإفراج عن بعض عمالقة الأسرى، أو تساهم في مواساة ذوي "الضحايا" الإسرائيليين الذين فقدوا بعض أفراد أسرهم في عملياتٍ عسكرية قام بها محرروا الصفقة، أو تقوم بالاتصال ببعض المسئولين الإسرائيليين لتسري عنهم، وتقلل من أهمية الصفقة، وتطمئنهم بأن الأسرى المحررين لن يشكلوا خطراً عليهم، وأنه لن يكون لهم أي نشاطٍ معادٍ أو خطر ضد كيانهم، وأنهم سيكونون جميعاً تحت السيطرة والمتابعة والمراقبة، ولن يسمح لهم بحرية الحركة والعمل واستثمار تاريخهم الوطني وأعمالهم السابقة.

لا شك أن الإسرائيليين مغتاضين من عملية تبادل الأسرى، وأنهم غاضبين من رئيس حكومتهم وغير راضين عنه، ولا يعتقدون بأنه قدم لشعب إسرائيل إنجازاً تاريخياً، ويرون أن ما حققته المقاومة الفلسطينية يفوق بمراحل كثيرة ما حققته حكومته، ويشعرون بأن المقاومة قد نجحت في لي ذراعهم بل وكسره، وتمكنت من فرض شروطها التي أعلنت عنها منذ بدء التفاوض حول إتمام الصفقة، الأمر الذي يشعرهم بالحنق والغضب، وينغص عليهم فرحة استعادة الجندي الأسير، فهم يرون أنهم دفعوا لأجله ثمناً كبيراً وفادحاً، وإنهم وإن أفرحوا والد شاليط ووالدته ومحبيه، فأنهم أغضبوا وأبكوا أمهات وآباء الكثير ممن فقدوا أبناءهم في عملياتٍ عسكرية نفذها الأسرى المحررون.

ولكن الفلسطينيين جميعاً في داخل الوطن وخارجه فرحين بما حققته المقاومة، سعداء بلقاء أحبتهم ومن كان لهم الفضل في رفعة المقاومة وسمو شأو الشعب والقضية الفلسطينية، فالأسرى الأحرار محط احترام وتقدير وتأهيل ومحبة الشعب الفلسطيني كله، وكل من يحب الفلسطينيين ويتمنى لهم الخير عليه أن يحب الأسرى وأن يفرح لحريتهم وأن يبتهج لهم ومعهم، وأن يبذل ما يستطيع من جهدٍ لمكافئتهم وتعويضهم عما فاتهم، وألا يألُ جهداً في التخفيف من معاناتهم، وتذليل سبل العيش لهم، وإزالة العقبات التي تعترض طريقهم، فمن كان فلسطيني الهوى والهوية، عربي الانتماء والنسب، إسلامي الديانة والحضارة فإنه يفرح ويبتهج وتسكن المسرة قلبه لحرية الأسرى، وأما من سكن الحزن فؤاده، واعتصر الألم قلبه، وغطى وجهه خجلاً، ومالئ العدو ونافقه، وذرف الدمع أمامه وبين يديه، وغضب لليالي الفرح ومهرجانات الانتصار، فإنه بالضرورة ليس فلسطينياً، وليس عربياً كما أنه ليس مسلماً، فمن ذا الذي يحزن لغضب العدو ويتألم لألمه، ويشعر بحزنه ومعاناته، إلا أن يكون هو العدو أو مثله، فليس منا من رحم العدو وحزن لمصابه، وغضب له وانتصر ممن قاتله وقاومه، وانتقم ممن أغاظه وأساء وجهه.

إذاً ماذا يعني قيام الأجهزة الأمنية بالتنغيص على المواطنين أفراحهم، وإفساد احتفالاتهم، وتوتير أجوائهم، عندما تداهم سرادقات الأسرى، وترسل عيونها إلى بيوتهم وصالات احتفالاتهم ليرصدوا المهنئين، ويعرفوا الوافدين، ويسجلوا الكلمات والخطابات، ويراقبوا الداخلين والخارجين، قد يقول قائل إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تخاف على الأسرى، وتخشى تعرضهم للخطر، لهذا هي تحرسهم وتراقب حركة المهنئين مخافة أن يندس بينهم من يتربص شراً بهم، ويسعى للإضرار بحياتهم، فإن كان الأمر كذلك فلماذا تقوم فروعها الأمنية في كل المحافظات الفلسطينية باستدعاء الأسرى الذين لا يعرف كثيرٌ منهم السلطة الفلسطينية من قبل، إذ دخلوا السجون الإسرائيلية قبل أن تتشكل السلطة، وقبل أن يكون لها مقرات أمنية في مختلف المدن الفلسطينية، وتطالبهم بوقف الاحتفالات وإنزال الأعلام والصور والشعارات والرايات.

لو كانت الأجهزة الأمنية حريصة على الاحتفاء بالأسرى وإبداء الفخر والاعتزاز بهم، فكان أولى بها أن يقوم رؤساؤها وكبار الضباط فيها بزيارة الأسرى في بيوتهم، وتقديم واجب التهنئة لهم، أما أن تقوم باستدعائهم والتحقيق معهم بحجة دعوتهم لشرب فنجان قهوة معهم في مراكزهم الأمنية، فإنها خطوة مدانةٌ ومرفوضة، كما أنها مستنكرة ومستغربة، فلا تفسير لها سوى أنها تحقيق مع الأسرى، ورسالة لهم أنكم جميعاً تحت السيطرة، وفي إطار المراقبة، وأنه غير مسموح لأيٍ منكم أن يقوم بعملٍ قد يضر بأمن إسرائيل، وإن ظننتم أنكم قد خرجتم من السجون الإسرائيلية واستعدتم حريتكم، وأصبح بإمكانكم أن تفعلوا ما تشاءون وما ترغبون، دون أي مساءلة أو مراقبة، فأنتم مخطئون، فنحن هنا وكلاء الاحتلال، وخدام إسرائيل، وسدنة جيشه وأجهزته الأمنية، نقوم مقامها إن عجزت، ونتكفل بأمنها إن احتاجت، وندافع عنها وقت الضرورة، ونصد عنها كل ضرر وشر، كما أننا على استعداد لاعتقال كل من يفكر بأن يقوم بعملٍ يضر بها وبأمنها، ويعرض مصالحها للخطر، وذكَّر ضباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعض الأسرى أنهم ينتمون إلى حركةٍ خارجة عن القانون، نشاطها ممنوع، والتأطير فيها مخالفة، ورفع راياتها جرمٌ يحاسب عليه القانون، فأعلام حماس ممنوعة، واللون الأخضر محرم، وشعارات حماس وأناشيدها تحريضٌ وإساءة إلى الوحدة الوطنية، ودعوة ممقوتة للفتنة والقتل.

على السلطة الفلسطينية أن تتوقف فوراً عن هذه الممارسات، وأن تعجل بتقديم الاعتذار إلى الأسرى جميعاً، وإلى الشعب الفلسطيني كله، بل إلى الأمة العربية والإسلامية، وإلى الإنسانية جمعاء، فالأسرى يستحقون منا كل تقديرٍ واحترام، ونحن الذين نفد إليهم ونزورهم، ونحن الذين نتقرب إليهم ونتشرف بالدخول إلى مجالسهم وبيوتهم، فهم رجالٌ رؤوسهم في السماء نتطلع إليها، وجباههم في العلياء تنكسر أعناقنا قبل الوصول إليهم، وقاماتهم ممشوقة ننحني لهم تقديراً ووفاءاً، وأصواتهم عالية تخشع أمامها أصواتنا، وتنعقد ألسنتنا خجلاً من رفع أصواتنا فوق أصواتهم، إنهم أسرانا فيهم شئ من النبوة وبعضاً من الرسالة، فهم خير من حمل رسالة السماء، وأنبل من انتسب إلى دين رسول الله محمد.

فؤاد الرازم... سنرجع يوماً الى حينا/ مأمون شحادة

لم تستطع مدينة القدس وقباب مسجدها من احتضان عميد الأسرى المقدسيين "فؤاد الرازم" وهي تنظر الى باب العامود منتظرة الافراج عنه ضمن صفقة التبادل بالفرح والتهليل والتبريك، ولم تنتظر دموع الفرح ان تطرق ابواب مقل العيون للانسياب على وجنتي الاب والام والاخوة والاصدقاء، فرحاً بملامسة اقدام اسيرنا ثرى فلسطين الطهور.
هكذا بدت ملامح الحزن المغلف بالفرح اثناء توافد الجموع الغفيرة وهي تردد الاهازيج على انغام الشبابة ابتهاجاً بقدومه ولو لم يكن "الرازم" قد وطأ ثرى القدس الطهور، لكنه احتضن ثرى غزة هاشم، كهاشم من قبل.
هكذا هي المعادلة وحش يقتل او يسجن ثائر، وارض القدس تنبت الف ثائر، فالفارق بين الوحش ومن تنبته الارض: ان الاول يشبه "ابوللو" بقيثارته اليونانية، اما الثاني فيشبه الراعي مارسياس بنايه اليوناني المصنوع من عشب البوص، وما بين الاثنين تتجسد قصة جريمة ارتكبتها القيثارة بقتلها الناي الحزين، ولكن الاخير اصبح بعد الممات نبراساً وثورة لعشق الحرية والاوطان.
فؤاد الرازم، انا اعرف انك لو استطعت الغناء لغنيت للقدس مثلما غنى سميح شقير: " كنت امد يدي .. لأعانق منك يدا وانا العاشق .. وانا الصوت وأنت صدى "، ولكنك تجيد الشعر وتحب مطلع اغنية فيروز لبنان: "سنرجع يوماً الى حينا".
ان شمس الصباح وغروبها يا "رازم" هي تماماً مثل التي تشرق وتغرب في القدس، وكذلك هي نفسها في الحرم الإبراهيمي وغزة هاشم وصولاً الى أي بقعة مكانية، فالاماكن لن تكون حاجزاً بينك وبين بوصلتك المقدسية، فنبراسك مسجدها، ووجدانك بواباتها، وعزيمتك صخرتها.
عميد الاسرى المقدسيين، "سنرجع يوماً الى حينا"، فباحات الاقصى ومصاطبها العلمية مشتاقة لركوعك وسجودك وتلاوة ايات من الذكر الحكيم، وستجلس على جبل الطور لتطل على جبل المكبر، لتكتب قصيدة درويش:"سجل انا عربي".
wonpalestine@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فؤاد الرازم: اسير مقدسي اصدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة، يلقب بعميد الاسرى المقدسيين، افرج عنه ضمن صفقة شاليط، حيث ابعدته سلطات الاحتلال الاسرائيلي الى قطاع غزة بعد ان امضى في سجون الاحتلال 31 عاماً .


حول ظاهرة إنتشار الهنود في العالم (1 من 2 )!/ د. عبدالله المدني

لا تذهب إلى مكان في العالم إلا وتجد فيه هنودا، حتى قيل – من باب السخرية التي برع فيها العرب تجاه هؤلاء – إنه حتى لو هبط صاروخ على المريخ لوجدت هنديا يركض نحوك وبيده جردلا وقطعة من القماش ليقول لك "بابا .. غسلّ صاروخ"، وذلك في إشارة ساخرة إلى المطحونين من الهنود في دول الخليج العربية ممن تجدهم مستعدين لغسل مركبتك في كل زاوية ومنعطف.
إن ظاهرة إنتشار الهنود في العالم ليست بالجديدة أو الطارئة. فهي قديمة قدم الهيمنة البريطانية على مقدرات شبه القارة الهندية منذ القرن 18 وحتى منتصف القرن العشرين. ففي ظل تلك الهيمنة أقنع المستعمر أبناء الهند - وأحيانا أجبرهم - على الإنتقال من وطنهم إلى أوطان أخرى بعيدة من أجل إستغلال سواعدهم في تحقيق مصالحه الخاصة. وعلى هذا الأساس تم ترحيل مئات الآلاف من الهنود إلى شرق أفريقيا لبناء خطوط السكك الحديدية، وإلى مناطق إفريقية أخرى للعمل في مناجم النحاس والألماس، وإلى سريلانكا للعمل في مزارع الشاي، وإلى الملايو للعمل في مزارع المطاط، وإلى أماكن أخرى من أجل المشاركة كمقاتلين في حروب بريطانيا الإستعمارية.
وحينما إنتهت مهمتهم، رفض المستعمر إعادتهم إلى وطنهم الأم بحجة أن البقاء في أماكنهم الجديدة سوف يوفر لهم مستقبلا معيشيا أفضل، أو بحجة أن تلك الأماكن مثل وطنهم الأم أي جزءا من "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". لكن بأفول الشمس عن الأخيرة وإستقلال الدول الإفريقية والآسيوية تباعا، صار هؤلاء لا مواطنين هنودا، ولا مواطنين في دول المهجر.
هذه كانت البداية لإنتشار الهنود في العالم، والتي تبعتها موجات أخرى من المهاجرين الذين تركوا وطنهم بإرادتهم إلى دول العالمين القديم والجديد من أجل تحسين ظروفهم الإقتصادية، أو بهدف نيل التحصيل العلمي المتقدم. وحينما حقق هؤلاء أهدافهم فضلوا البقاء في دول المهجر المتقدمة للإستفادة من الظروف المعيشية التي لم يكن وطنهم قادرا على توفيرها في الحقبة التالية مباشرة لإستقلاله. وهكذا ظهرت أجيال متعاقبة من الهنود ممن برز أفرادها في مختلف الحقول، وجنوا أقصى ما يمكن من الفرص المتاحة في الغرب الأوروبي أو الشرق الآسيوي، قبل أن يصلح حال وطنهم الأم مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين كنتيجة لقرارات التخلي عن الإقتصاد الإشتراكي المقيد للطموحات والمواهب والحوافز، وبالتالي ظهور الفرص الإستثمارية المربحة ومظاهر الحياة العصرية المشابهة لما تعودوا عليه في دول المهجر المتقدمة. حينها فقط بدأ الهنود هجرة معاكسة كانت لها نتائج إيجابية وأخرى سلبية.
تمثلت النتائج الإيجابية في حجم الأموال والإستثمارات التي حملها هؤلاء معهم من الخارج، إضافة إلى حجم الخبرات العلمية والعملية التي وضعوها تحت تصرف وطنهم الأم، وهي في مجملها عوامل مؤثرة في الإقتصاد الهندي الصاعد حاليا بخطى وثابة. أما النتائج السلبية فقد تجسدت في الظواهر الإجتماعية الدخيلة على المجتمع الهندي والتي جاءت مع العائدين مثل النزعة الإستهلاكية المفرطة، وحب اللهو والتفاخر، والإصرار على التحدث باللغات الأجنبية، والإفراط في التشبه بالمشاهير والنجوم في مجالات السينما والرياضة. وفي هذا السياق أشارت إحدى الدراسات التي أجريت على العائدين إلى الهند من المهجر – ومن ضمنهم بعض من قضى سنوات طويلة في الدول العربية – أن الحكومة الهندية واجهت صعوبة في إعادة إستيعاب هؤلاء في مجتمعاتهم الأصلية، خصوصا أولئك الذين تشربوا بعض الأفكار الإيديولوجية المتطرفة أو المحافظة، كما واجهتها صعوبة في كبح جماح نزعاتهم الإستهلاكية الشرهة وتفضيلهم للمنتج الأجنبي على حساب المنتج المحلي.
وفي دراسة هندية أخرى حول هنود المهجر من إعداد الدكتور "هايرمات" الذي كان في وقت من الأوقات مبعوثا شخصيا لرئيس الحكومة الهندية إلى جنوب أفريقيا، يؤكد الباحث أن أكبر الجاليات الهندية في الخارج تتركز في النيبال وماليزيا، وبورما، وسريلانكا، وموريشوس، وإفريقيا الوسطى، وجنوب إفريقيا، ومنطقة الكاريبي، ودول الخليج العربية الست، والولايات المتحدة وكندا. كما يوضح الباحث أن تعاظم أعداد هؤلاء إستغرق نحو مائة عام في بعض الحالات، ونصف قرن في حالات أخرى. وتتوقف الدراسة عند نيبال لخصوصيتها، فيقول صاحبها أنها تستضيف نحو مليون هندي جلهم ممن إنتقل إلى هذه البلاد المجاورة للهند، مستفيدا من الحدود المفتوحة بين البلدين ومن الإتفاقيات التي تعطي لرعاياهما حقوق العمل والإقامة في بلد الآخر.
وتـُخصص الدراسة المذكورة فصلا كاملا للحديث عن هنود موريشوس، وكيف أنهم إنخرطوا في مجتمعهم التعددي الجديد، إلى حد تحدثهم بلغتها الرسمية (الفرنسية)، وكيف أنهم كانوا حجر الزاوية في الدفاع عن مؤسساتها الديمقراطية خوفا من أن يكون البديل نظاما شموليا يعتمد التمييز والتطهير العرقي. كما تـُخصص الدراسة فصلا آخر للحديث عن هنود منطقة الكاريبي التي لئن بدأ نزوح الهنود إليها في حقبة الإستعمار البريطاني، فإن تعاظم عددهم بدأ مع إلغاء قوانين العبودية. وهكذا صار الهنود يشكلون 49.5 بالمائة من إجمال السكان في غويانا، و42 بالمئة من سكان ترينيداد وتوباغو، و38 بالمئة من سكان سورينام. ويبدو أن تزايد أعداد هؤلاء المهاجرين، وتمتعهم بحياة مستقرة، وحصولهم على فرص معيشية جيدة نسبيا في دول الكاريبي، كانت من العوامل التي ساهمت في إرسال أبنائهم وبناتهم إلى مدارس ومعاهد نموذجية للتحصيل والتخصص، قبل أن يتم دفعهم إلى العمل الحزبي والسياسي، وبالتالي نجاح بعضهم في وقت من الأوقات في الوصول إلى مناصب حساسة كرئاسة الحكومة والدولة (فيجي مثالا)، الأمر الذي أثار سكان البلاد الأصليين من ذوي الأصول الإفريقية وجعلهم يمارسون التمييز ضد شركائهم في الوطن بحكم الميلاد والهوية والتقادم جيلا بعد جيل. وهذه، بطبيعة الحال، حالة مشابهة لما حدث للهنود في جنوب أفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري (الأبارتايد).
أما قصة الهنود في بورما فتختلف من حيث النشأة، وإن كانت النهاية مشابهة لما حدث لهم في منطقة الكاريبي. ذلك أن عوامل مثل إلتصاق بورما جغرافيا بالهند، وإرتباطها إداريا حتى عام 1937 بحكومة الهند البريطانية ساهمت في إنتقال عشرات الآلاف من الهنود إلى بورما في فترات مختلفة، للعمل كتجار أو محامين أو أطباء أو محاسبين أو مقاولين أو جنود أو موظفين في الجهاز المدني الإستعماري. وتقول إحدى الإحصائيات أن عددهم في 1931 وصل إلى مليون نسمة أو 6.9 بالمئة من عدد السكان، وكان معظمهم يسكنون في العاصمة "رانغون"، ويشغلون مراكز مرموقة بسبب شهاداتهم وتخصصاتهم العلمية مقارنة بالبورميين الذين لم يكونوا مؤهلين بعد. ويـُعتقد أن هذا العامل معطوفا على عامل آخر هو منافسة الهنود للبورميين في شراء العقارات والأراضي الزراعية بسبب مداخيلهم المرتفعة، تسبب في ممارسة التمييز ضدهم ومضايقتهم بغية إجبارهم على الرحيل. هذا الرحيل الذي تم فعلا، لكن لأسباب أخرى تمثلت في إنفصال بورما إداريا عن الهند البريطانية في 1937 ، وإحتلال اليابانيين لبورما أثناء الحرب الكونية الثانية. حيث تسبب هذان الحدثان في عودة نحو نصف مليون هندي إلى بلدهم. أما من فضل البقاء فقد ذاق الأمرين، وخصوصا في أعقاب إستيلاء العسكر على السلطة في 1962 ، وإقدامهم على موجة من التأميمات الإشتراكية البليدة. يتبع
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أكتوبر 2011
الإيميل:elmadani@batelco.com.bh