حد الرجم.. العرض القادم/ نبيل بسادة


فيلم "عايز حقي" بطولة هاني رمزي و هند صبري يحكي ان واحد مصري وجد قي الدستور المصري ما يفيد ان القطاع العام هو ملك لكل مصري يعني من حقه ان يكون مشارك في ارباحه يستمتع بخيره او هكذا تصور له انه فيه خير و هو في الواقع الذي خرب مصر

المهم حيث ان حرية التعبير و الراي مكفولة للجميع بطريقة ديمقراطية ,فما كان من البطل ان استغل هذه الثغرة و استطاع ان يجمع بطريقة ديقراطيةامضاءات و توقيعات لاكثر من 51% من الشعب المصري ببيع القطاع العام لاي مستثمر يدفع اكثر بنظام المزايدة

فاستغلت احدي الشركات او الهيئات الاجنبية هذه الثغرات و نفذت و اتصلت بالبطل و اتفقت معه علي التمويل و الاعلان . و حيث ان الموقعين علي التفويض و التوكيل يعيشون عيشة الحرمان و العوز و يحلموا باي شيء يؤمن مستقبلهم و مستقبل اولادهم فوافقوا بدون تردد علي اغفال جنسية المشتري

و بالرغم ان رئيس الوزراء في الفيلم تقابل مع هاني رمزي لمحاولة اثناءه و العدول عن خططه في بيع مصر و لكنه لم يوفق امام القوانين التي تعلن عن ديقراطية الدولة و حرية الفرد المصري في التصرف بصرف النظر عن الضرر الذي سوف يعود علي مصر من جراء بيع رمز من رموز الدولة المصرية..لكن المهم ان يشعر العالم و يقتنع اننا فعلا كمصريين نعيش في ديقراطية كلها هناء و حرية و الحياة عال العال و اننا افضل من اي دولة اوروبية او امريكية من جهة حرية التعبير

اعلن عن يوم البيع و حضر جميع المستثمرين من انحاء العلم لحضور المزايدة و كل واحد منهم داخل لينبش في لحم مصر و يشتري كرامتها ووصل البيع ان كل فرد مصري سوف يكون نصيبه مليون جنيه .الكل فرح انه اصبح ميليونير و تناسوا ان الاسعار سوف ترتفع و ان المليون سوف تساوي الف جنيه و ليس كما يحلمون و يتمنون

الذي اوقف المزاد و شعر بالعار هو البطل نفسه بعد ان استيقظ ضميره في آخر لحظة و رفض البيع ليحفظ لمصر كرامتها و دماء الشهداء الذين استشهدوا و روت دماؤهم ارض مصر و انها استشهدت من اجل تراب مصر و ان يبقي للمصريين فقط, و كان نصيبه هو الدعاء عليه بالخراب و الموت و تم قذفه بالاحذية لانه تراجع و اسقط حلم الملايين من ان يخرجهم من الفقر و الجوع
المهم رجع البطل بالرغم من قذفه و نعته باحط الالفاظ و هو رافع الراس بينه و بين نفسه

ان تفاصيل قصة هذا الفيلم تم صياغتها بعد 25 يناير بالضبط و حرفيا و لكن البطل في الواقع للان لم يستيقظ ضميره بعد و مستمر في بيع مصر و تقسيمها لصالح اجندة اجنبية اوهمت الجميع في مصر ان من يعترض سوف يكون ضد الديقراطية و حرية الفرد في التعبير عن اراؤه

ضحك الغرب علينا في مصر و اوهمنا انهم في بلادهم يعيشون في المدينة الفاضالة, و شربنا الطعم حتي الثمالة و سكرنا ديقراطية و اكلنا ديقراطية حتي اصبنا بالتخمة.

ان الاعتداء الذي كان يتم ضد الاقباط من قتل و خطف و اغتصاب و حرق كنائسهم وسرقة محلات الذهب و قتل اصحابها و لم يكن يجد حتي اي صدي من اي كاتب او مفكر ممن يطلق عليهم ليبراليين يستنكر هذه الاعتداءات و اصيب الجميع بالصم و البكم و السبب معروف حتي و ان لم يعلن عنه و هو ان المعتدي عليه مسيحي فاصبح بالتالي مستباح دمه و عرضه .

و تناسي الجميع و تساوي الجميع في مشاعرهم و حقدهم و عدائهم بدرجات متفاوتة منهم من يزداد و يزايد علي مقتل المسيحيين و منهم من يقف موقف المتفرج واضعا يده في جيوبه و يطلق بعض من التصريحات الاعلامية لزوم الضحك علي الغرب الذي يعملون له الف مليون حساب ان كل شيء في مصر عال العال و ان المسيحيين افضل اقلية في العالم تعيش في حرية و ديمقراطية يحسدهم عليها المسلمون الذين يعيشون معهم في نفس الوطن و يتمنون ان ينعموا بها حيث انهم اكثرية مضطهدة من الحكومة و جميع اجهزتها..و تخيلوا و توهموا ان كذبهم و جبنهم و خداعهم لن ينكشف.

و لكن بحساب الفعل و رد الفعل و في سكرة و تخمة ما يرتكبه المسلمون المدعمون و المسنودين و المستقويون بالحكومة الاسلامية التي لا تعرف معني المساواة بين افراد الشعب مثل اي حكومة محترمة في العالم و لكن تصنف افراد الشعب كل علي حسب ديانته المدونة في بطاقة الرقم القومي و لعقود تزيد عن ستة عقود من وقت ثورة او انقلاب عام
1952
و في آخر الثلاثون عاما الماضية تفنن النظام في لهو الشعب بمسالة الدين فاشاع الزي الاسلامي المستورد للرجال و الزبية اياها و الذقن و السيدات بلبس الحجاب و النقاب كأن من كان من المسلمون قبل ايام حكم الرئيس السابق لم يكونوا كاملي الاسلام و لكنهم كانوا اشباه مسلمون

و كلما ازدادت الذقن طولا و الذبية بروزا و الحجاب و النقاب انتشارا في الاسرة الواحدة توهم الجميع ان الجنة من نصيبهم لا محالة و اصبح اكثر من ثلثي من الشعب المصري من الذين شربوا السم الذي و ضعه لهم نظام حسني مبارك مغطي بالعسل و شربوا و اشتري هؤلاء الذين تم الضحك عليهم من النظام الترام.

و غاب عن الجميع ان النظام الديكتاتوري لا يفرق بين شخص و آخر و لكنه يعمل حساب بمن ايهما يبتدأ و دارت العجلة و ما كان يحدث ضد المسيحيين المسالمين الذين يحرم عليهم دينهم و عقيدتهم برد الاساءة باساءة من منطلق عين بعين و سن بسن و هي المباديء التي دافعت عن المسلمين لرد الانتقام و حسب تعاليم الكتاب المقدس التي انقذت و مازالت تنقذ مصر من بحور الدماء لو كانت تعاليم السيد المسيح تحفز علي الانتقام

ان الذي ارتكبه اعضاء الجيش المصري الذين اعتدوا علي الفتاة و تعريتها لم يكن هذا الفعل مفاجيء و لكنه نتيجة طبيعية لما كان يحدث ضد الاقباط و الجميع ساكتون علي هذا الاضطهاد المنظم برعاية الحكومة و الا ما كان قد استمر طوال هذه السنوات

ان طريقة الضرب و السحل لهذه الفتاة و تعريتها يظهر مدي توغل الفكر الوهابي و كان يشبه ما يصنعه اعضاء الامر بالمعروف و النهي عن المنكر في السعودية
.
ثم نستمع من احد هؤلاء اللواءات في احدي الحوارات مبررا عن طريقة لبس الفتاة و كانت الصدمة علي مدي انحطاط هذا التفكير المتخلف ان الشعوب الراقية الديمقراطية و الحرية فيها مباحة في الملبس لا يجرؤ اي فرد مهما يكن من هو ان يظهر و لو بالتلميح عن ملبس اي شخص

و قلت لو كان الجيش الاسرائيلي الذي كان يحتل مصر لو كان اي فرد منهم كان تهور و ارتكب مثل هذا الجرم في مصر لكان قد حوكم في اسرائيل و انزل عليه اشد عقاب

هذا هو الفرق بين جيش لا يعرف معني الهزيمة و آخر لا يعرف معني الانتصار

ان الطريقة التي تم بها سحل الفتاة و تعريتها تؤشر انها مقدمة لتنفيذ حد الرجم كخطوة تالية حتي نتشبه بالسعودية و الصومال و ايران و السودان الخ.. من الدول التي تطبق الشريعة الاسلامية

لا اتخيل ان مجلس الشعب القادم يمثل ارادة شعب بل هو يمثل ثمن من اجل اللحوم و انابيب البوتاجاز التي توزيعها..
ان الملايين التي تم صرفها في هذه الانتخابات لابد ان يعرف الشعب مصادر التمويل و اسماء الدول

ان الحل الوحيد الان هو الدولة المدنية و ان يتم فصل الدين عن الدولة و ان يتساوي جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات و ليس كما هو الان تساوي في الواجبات للمسيحيين و لا تساوي في الحقوق

ان الزمن لن يرجع للخلف و بعد انتفاضة المسيحيين في العمرانية و التي كانت الشعلة التي اضاءت الطريق لثورة 25 يناير سوف يكون الخيار اما المساواة الكاملة او ما حدث في السودان من انفصال يكون هو الحل

بلاغ عاجل للمجلس العسكرى ووزارة الداخلية/ مجدي نجيب وهبة

** يبدو أن جماعة "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" .. يحاول بعض المغرضين المروجين لتواجدهم على الساحة المصرية ، حتى نجدها بين يوم وليلة صارت أمر واقع نتعامل معهم مثلما بدأت جماعة التكفير والهجرة والإخوان المسلمين والجماعات الجهادية .. ثم نعود ونتباكى على ما وصل إليه الوطن والمجتمع من فوضى ، ومن إرهاب يؤدى بنا إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله ..

** لقد تحولت هذه الجماعات فجأة إلى سبوبة فى بعض الصحف الإلكترونية المغرضة على صفحات الإنترنت ، وهى فى الحقيقة عملية ترويج لبعض البلطجية ، الذين ليس لهم أى تواجد داخل مصر سواء رغبوا فى ذلك الإسلاميين أم لم يرغبوا .. فهذا قرار نهائى من كل الشعب المصرى بعدم السماح بتحويل مصر إلى تنظيم للقاعدة أو إحدى دويلات السعودية ، أو تكون فى يوم من الأيام تابعة لإيران ، أو يسمح الشعب المصرى بتواجد أى تنظيم إرهابى داخل هذا الوطن الأمن ، وما أكثر هذه التنظيمات التى صارت تروع الأمن الداخلى ، ومنهم بعض كوادر من تنظيمات حماس وحزب الله ...

** إن ما يتم ترويجه الأن على صفحات الإنترنت وبعض الصحف المغرضة .. هو الهدف منه ضرب الإقتصاد المصرى وضرب السياحة ، وترويع الشعب المصرى ، وتهيئة المناخ لتقبل حكم الإخوان والسلفيين ...

** وقد بدأت بعض الصحف للترويج لأفكارهم ، فكتبت أحد المواقع الإلكترونية أنه قد اكد العديد من الشباب المنتمين لهذا التنظيم أنهم قاب قوسين او ادني من تأسيس " هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" لتراقب كافة المرافق العامة كالشواطئ والحدائق والملاهى والشوارع والميادين الرئيسية وغيرها لتقويم سلوكيات المواطنين وكل ما يتعارض مع الكتاب والسنة والالتزام بالزى الإسلامى المتمثل فى النقاب.. وفى ظل ترقب الجميع لنزول أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الي الشارع لبدء عملهم , فوجئ أصحاب صالونات الحلاقة بمدينة بور فؤاد ببعض الشباب الملتحى ويحمل بيده عصا , يحذرونهم بعدم حلق اللحية للمسلمين وعدم تسوية حاجب الشباب والرجال والتى تسمى بـ"التنمص" وهذا ما يخالف الشريعة الإسلامية" .
** ولذلك نهيب بالمجلس العسكرى بتشكيل لجنة فورية من الشرطة العسكرية والشرطة المدنية ، للقبض على مروجى هذه الأخبار ، والوصول إلى صفحات الإنترنت ، ومحاكمة أصحاب هذه الصحف ، كما نناشد الأمن العام تتبع صفحة هذه الجماعة ومصادرها والمروجين لها للقبض عليهم ، وتقديمهم للمحاكمة ، بتهمة إثارة القلاقل والفتن .. وألا يسمح المجلس العسكرى بهذه المهازل التى تتناولها بعض الصحف عن بعض البلطجية الذين يدعون إنهم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..

** فحالة الوطن الأمنية والإقتصادية ، لا تسمح بهذه الوقاحة والسفالة من بعض البلهاء ، فمصر لن تكون السعودية .. وأن من يروجون لهذه الدعايات والأخبار هم مخربون نطالب بتنفيذ أقصى العقوبة عليهم ، حتى لو وصلت لإعدامهم ...

** فصمت المجلس العسكرى على التعامل مع هؤلاء هو قمة الفوضى ، وصمت وزارة الداخلية .. كذلك هو قمة عدم الشعور بمعنى حماية الوطن والمواطن .. وصمت الحكومة بقيادة د. "كمال الجنزورى" هى قمة اللامبالاة ... نرجو إصدار بيان هام وفورى والأن لتوضيح هذه الظاهرة التى بدأت تروج لنفسها وتنتشر أخبارها .. حفظ الله لنا مصرنا الحبيبة ..

صوت الأقباط المصريين

حاجة غزة إلى قبة فولاذية/ د. مصطفى يوسف اللداوي

لا يكاد يمر يومٌ واحد دون أن يقوم الجيش الإسرائيلي بالاعتداء على قطاع غزة، ودون أن تغير طائراته العسكرية على أطرافه وقلبه، وتقصف فيه أهدافاً كثيرة، وتقتل فيها رجالاً أكثر، وتثير الرعب بين سكانه، وتنشر الهلع بين أهله، فهي لم توقف اعتداءاتها يوماً واحداً على الأرض والسكان، فإن كانت حربها الدموية البشعة على قطاع غزة قد توقفت، فإن عملياتها اليومية لم تتوقف، ومازال جيشها يمارس أنشطته العسكرية المعتادة كل يومٍ في أرض القطاع وسمائه، دون أسبابٍ تدعوه إلى الاعتداء، وبغير تجاوزاتٍ تبرر اختراقه المستمر للهدنة غير المعلنة، بل إن حكومة الكيان الإسرائيلي هي التي تتحرش وتستفز، وهي التي تتمحك وتتعلل، وهي التي تباشر وتبادر، في الوقت الذي يعلو فيه صوتها تشكو إلى المجتمع الدولي ظلم المقاومة الفلسطينية لها، واعتداءاتها المستمرة بصواريخها عليها، وتطالب المجتمع الدولي أن يساعدها في نصب خيمةٍ فوق رأسها، لتحميها من حمم براكين المقاومة، ومن نيران صورايخها الفتاكة، وتنقذها من الكتل الحديدية الملتهبة التي تسقط فوق رؤوس مواطنيها، وتهدد سلامتهم وتفقدهم أمنهم وتعطل حياتهم.

اعتدت إسرائيل بكل قوتها وجبروتها وسلاح الجو والميدان فيها، واستخدمت كل ما في ترسانتها العسكرية من أسلحة فتاكةٍ مدمرة، مما عرفه العالم ومما لم يجربه بعد ولم يعرف نتائجه، وزلزلت الأرض تحت أقدام سكان قطاع غزة، وحرقت الأرض من حولهم، وأمطرتهم من السماء حمماً ونيراناً، وهي تصرخ أمام العالم وتولول أنها تسعى لحماية نفسها، والدفاع عن مواطنيها، والحيلولة دون تدميرها وتهديد وجودها، وطالبت العالم أن يساندها وأن يتفهمها، وأن يتعاطف معها وأن يقف إلى جانبها، وأن يعينها على تنفيذ أهدافها وتحقيق أحلامها، وسألته أن يزودها بمزيدٍ من المال ليسقف به سماءه، ويظلل فيه أجواءه، وينصب فوق رؤوس سكانه خيمةً فولاذية، لا تسمح بسقوط الصواريخ ولا تمكن الرصاص عبرها من النفاذ.

ليست إسرائيل هي التي تحتاج إلى قبة فولاذية لتحمي سماءها من صواريخ المقاومة الفلسطينية، وليست هي التي يعتدي الفلسطينيون على مواطنيها ومؤسساتها، وليس أبناؤها هم الذين يقتلون وتفجر سياراتهم في الشوارع والطرقات، وتتمزق أجسادهم في بيوتهم وخلال نومهم وأثناء عملهم، وتتناثر أشلاءً في كل مكان بما يصعب العثور عليها، ويستحيل تجميعها، وليس أطفالهم من يفقدون الأب والأخ والأم والشقيق، وليست شوارعهم التي تخرب، ومدنهم التي تدمر، ومزروعاتهم التي تحرق وتخلع، وليست طائراتنا هي التي تخترق جدار الصوت فوقهم، فترعبهم وتثير الهلع في نفوسهم، وتوقظ أطفالهم من نومهم مذعورين خائفين، وليست دباباتنا هي التي تحيط بهم من كل جانب، تصطاد رجالهم وتقتل نساءهم، وتقصف كل شئٍ يتحرك عندهم، وليست طائراتنا الزنانة هي التي تراقبهم وتلاحقهم وتتجسس عليهم وتطاردهم من مكانٍ إلى آخر، وليس قناصونا هم الذين يطاردون الساعين وراء رغيف الخبز، والباحثين عن لقمة العيش، والجادين نحو السترة والعيش الكريم، وليس الفلسطينيون هم الذين يفرضون الحصار عليهم، ويمنعونهم من السفر للتعليم والعلاج والعمل، ويحرمونهم من كل مستلزمات الحياة والبقاء.

ترى من الذي يحتاج إلى الحماية والدفاع، ومن الذي يستحق النصرة والمساندة والانتصار، ومن الذي من أجله يجب أن تجتمع الأمم، وتصدر القرارات، ومن هو الشعب الذي يتطلعُ إلى نيل حريته والحفاظ على حقوقه واستعادة أرضه وتطهير مقدساته وعودة لاجئيه، ومن هو الشعب الذي يُقتلُ أبناؤه، ويُعتقلُ رجاله ونساؤه، ويُطردُ من أرضه، ويحرمُ من حقه، وتنهبُ خيرات بلاده، وتداسُ مقدساته، وتتآمر الحكومات على مستقبله، أليس الفلسطينيون هم أحق الشعوب بالنصرة والمساعدة والمساندة، ألا يستحقون أن يهب العالم الحر من أجلهم، ويقف ضد الكيان الإسرائيلي الذي يعتدي عليهم، ويضع حداً لتغوله على أرضهم وحياتهم وحقوقهم، ألا يستحق الفلسطينيون أن يشعروا بالأمن والأمان، فلا يخافون من طائرةٍ تتجسس عليهم، أو تمزق صمت ليلهم، أو تطلق صاروخاً يفتت عظامهم وينثر دماءهم ويبعثر أجسادهم، ألا يستحق الفلسطينيون أن ينظر المجتمع الدولي في حالهم، ويقرر في مصيرهم، وينطق بكلمة الحق من أجلهم، ويقف ولو لمرةٍ واحدة في وجه الظالم القوي المستبد.

أم أن اللص الذي يسرق، والمغتصب الذي ينهب، والمجرم القاتل، والإرهابي المحترف، الذي امتهن القتل واستمرأ الظلم وعشق الدم، وساكن الحروب، وأغمض عينيه عن أصوات الباكين، وصراخ الموجوعين، وآهات المكلومين، وأنات الجرحى، ودعوات المظلومين، هو الذي يستحق النصرة والمساعدة، وهو الذي يجب أن يتفهم العالم حاجته إلى الأمن، وحنينه إلى السلام، وتطلعه إلى العيش بأمان، وعلى العالم كله أن يصدق حرصه على السلام، وسعيه لبناء الثقة بين الشعوب، وبغضه للحرب والقتال، واستعداده التام للجلوس مع الصديق والشريك، ليحاوره على الاستسلام والرحيل، والعفو والمسامحة والشكر الجزيل، وعلى العالم أن يكذب عينيه وهو يرى السكين في يديه تقطر دماً، لا تكاد تجف حتى تبتل بالدماء من جديد، وأن يكذب أذنيه وهو يسمع هدير مدافعهم وأزيز رصاصهم وقعقعة سلاحهم وهي تقتل الفلسطينيين وتدمر مستقبلهم، ولا تبقي على شئٍ جميلٍ في حياتهم.

أيها العالم الحر، يا أصحاب الضمائر الحية، والنفوس المرهفة الحساسة، يا من تسعون لإرساء السلام وتحقيق العدل ونشر الأمان، افتحوا عيونكم وأصغوا السمع بآذانكم، وافتحوا عقولكم ولا توصدوا قلوبكم، إن قطاع غزة في ذكرى العدوان الإسرائيلي الغاشم عليه يستصرخكم، ويرفع صوته إليكم لتسمعوه وتنصروه، وترفعوا عنه الظلم والحصار، وتمكنوه من العيش بأمنٍ وأمان، فإنه في حاجةٍ إلى الحماية لا إسرائيل، وإنه في حاجةٍ إلى النصرة لا الكيان، وأن سكانه في حاجةٍ إلى الأمان لا مستوطني الكيان، وأن سماءه في حاجةٍ إلى القبة الفولاذية لا سماء الكيان الغاصب التي تمطرنا ناراً ولهيباً كل صباحٍ ومساء.

المجلس العسكرى.. وميدان "الدعارة"/ مجدي نجيب وهبة


** تحول المشهد الأن على المسرح السياسى ، إلى صراع بين إثنين .. الأول هو "المجلس العسكرى" ، وهو يمثل الشرعية الدستورية لمصر .. والثانى هم "دعاة الفوضى والتخريب والدعارة" ، الذين يسعون لإسقاط "مصر" ، و"المجلس العسكرى" ، وإسقاط الجيش المصرى وتوريطه فى قضايا تمس الشرف والفضيلة لبعض العاهرات الذين يستخدمونهم للإطاحة بالمجلس العسكرى .. ناهيك عن الدور المخزى والمخرب الذى يقوده الإعلام المرئى والصحف المقروءة ... مهما كتبنا فيبدو أنهم يتعاطون مخدر من نوع الإحساس بمتعة الدعارة ، وهم يمارسونها سواء من خلال الصحف التى تفسح لهم المجال لكتابة سمومهم ، أو من خلال شاشات الدعارة التى تحولت إلى أبواق للمساعدة فى هدم مصر من أجل الفوز بأى منح أو دولارات أو جوائز تشجيعية من "البرلمان الأوربى" أو "واشنطن" .. التى تراقب كل ما يحدث من فوضى وتخريب فى الشارع المصرى منذ 28 يناير وحتى الأن ، بل أنها تقوم بمراقبة كل ما يقال وما يكتب ، وكلما زادت سخونة الكاتب فى تقديم مواد ملتهبة ومشتعلة تساعد على سقوط المجلس والجيش المصرى ، كلما زادت نسبة الجوائز والعطايا والمنح الدولارية .. فلا فرق بين "الأخبار" التى يرأس تحريرها "ياسر رزق" ، وبين "المصرى اليوم" العاهرة ، التى يرأس تحريرها "مجدى الجلاد" ، والتى تفوقت على "الجارديان" البريطانية ، وعلى "واشنطن بوست" الأمريكية ، فى فنون عرض أفلام السيربتيز لبعض الغوانى .. فلا رقيب ولا محاسب ، لأن الوطن ترنح من عنف الضربات ، فأصبحت مصر بلا وطن .. وتحولنا إلى دولة بلا قانون ، بعد أن حاول الكثيرين إسقاط المؤسسات وإرهابها ، ومازالوا يقومون بهذا الدور التخريبى ، بعد إنتشار الذئاب الجائعة ، وعودتها من الكهوف ، وإنتشار الأفاعى والحيات ، وخروجها من الجحور .. وعندما تنهار مصر ، فسوف يتحول الوطن إلى ذكريات قد لا يسجلها التاريخ ، لأنه ببساطة هم يحرقون التاريخ ، ويحرقون الملفات ، ويحرقون الهوية ، ويحرقون المواطنة .. فلن يتبقى إلا الذكريات التى قد يتداولها بعض الشرفاء ، حتى تنتهى هذه الظاهرة مع مرور الوقت ، فتنتهى الذكريات وتسقط مصر إلى الأبد ..

** نعم .. هناك محاولات مستمرة ومتلاحقة ومستميتة لإسقاط الجيش المصرى ، فهناك سيناريوهات كثيرة ، منها فتاة "السيربتيز" التى أسقطت نفسها بين الجنود ، وهى تعلم جيدا أنها ترتدى عباءة سوداء ، فمجرد أن يلمسها أى شخص سوف تكشف عن جسدها التى جعلته عاريا تماما أسفل العباءة ، ليحقق لها ما سعت إليه وهو نشر صورتها ، وبعض الجنود حولها ، أثناء المواجهات الدامية ، بين الساعين لإحراق وتدمير وتخريب الوطن ، وبين الجيش المدافع عن نفسه وليس عن المبانى التى يتم حرقها ، بل أن المتظاهرين كانوا يقومون برشق الجيش المصرى بزجاجات المولوتوف ، وقطع الحجارة .. أثناء هذه العمليات سقطت الفتاة أو السيدة .. لا أحد يعلم عمنها شئ ، ولكنها تحولت إلى كارت تحريضى ضد الجيش المصرى ..

** لقد حاول أحد هؤلاء الجنود سترها بقطعة القماش السوداء التى إرتدتها عندما سقطت بينهم ، فكانت يدها فى سرعة تحركها لإسقاط العباءة مرة أخرى ، ويمكن الرجوع للشريط للتأكد من هذا السيناريو المدبر .. وكالعادة هاج القوادين وهللوا لسقوط المجلس ، فكيف يتجرأ هذا الجيش الخسيس أن يكشف جسد أحد الحرائر المقدسات الشريفات العفيفات .. وهم يهتفون "شرف البنت زى عود الكبريت" .. يراق له الدماء ، وأحلى من الشرف مفيش ..

** هاجت الدنيا وماجت ، وخرجت نساء الحرائر ، ليهتفوا بسقوط الجيش المصرى ، وظهرت الحرباء "كلينتون" بوجهها القبيح ، ومعها البومة "أوباما" ، وهم يتكلمون عن شرف البنت المصرية "خط أحمر" .. بينما هم يديرون أكبر كباريهات فى العالم ، للدعارة التى تمارس فى الميادين وداخل وسائل النقل وفى الحدائق وداخل السينما .. يضاف إليها الشواذ جنسيا ، رجال مع بعضهم ، ونساء مع بعضهم ، أقر لهم الدستور الأمريكى حرية ممارسة الشذوذ الجنسى ، وحرية الزواج فيما بينهم ، كما أنشئ لهم نقابة ، ولا يجرؤ أحد أن يعترض ، فالويل له كل الويل ..

** هذا بجانب حالات الإغتصاب التى يمارسها بعض ضباط وجنود الجيش الأمريكى ضد المجندات ، دون رغباتهم ، ولا تجرؤ أى ضحية عن الإبلاغ عن مغتصبيها ، وحتى لو أبلغت ، فالدعارة والجنس يملأ الشوارع والمدارس والجامعات .. ولا مجال للرفض أو الشكوى ..

** لم ترى الحرباء "كلينتون" ، ولا القواد "أوباما" .. كل هذه الدعارة التى تعيش فيها أمريكا ، ولكنهم رأوا الطاهرة العفيفة التى سحلها الجيش المصرى ، وإلتقط صورها القوادين ، ليعرضوها على جميع وسائل الإعلام ، والكل يرى ويشاهد ، ويعرض الصورة مع مجموعة أخبار ضد الجيش المصرى الإرهابى المتخلف الذى يدرب جنوده على سحل الشابات المصريات وكشف عذريتهن ، وبالتالى فالمطلب الأن إسقاطه .. والبركة فى جيش حماس وحزب الله ، فهو جيش يؤدى الفرض والصلاة فى ميعاده ، ويتقى الله فى أعراض الحرائر ، ونساء مصر الفاتنات المعتصمين فى ميدان التحرير والقاطنين بالخيام ، وذلك حتى لا نخلط بين نساء مصر الحقيقيين التى تساوى المرأة ، أو الفتاة منهم كنوز العالم .. الذين هم بالقطع أكثر من 85 مليون مواطن مصرى "رجل وشاب وفتاة وإمرأة" ..

** خرج القوادين والعاهرات للمطالبة بإسقاط الجيش المصرى ، وهم يهتفون ، ويحملون الدفوف والنقوط .. "الشعب يريد إسقاط المشير" .. "الشعب يريد إعدام المشير" .. يساعدهم فى ذلك عوانس الإعلام العاهرات الذين يجيدون فن قلب الأوضاع ، وتحويل العاهرة إلى شريفة ، والشريفة إلى عاهرة .. لا نكتب ذلك دفاعا عن المجلس العسكرى أو عن سيادة المشير ، ولكننا نكتب ذلك حرصا منا على أمن وأمان الوطن والمواطن ، حتى لا يهدم المعبد على من فيه ..

** ليس هذا فحسب ، فهناك الأقلام المسمومة التى تعلم جيدا كيف تستثمر الأحداث ، فهل علينا النائب البرلمانى السابق من جماعة الإخوان المسلمين ، د. "جمال زهران" ، فى جريدة الأخبار بالعدد الصادر فى 29 ديسمبر بعنوان "سقوط شرعية المجلس العسكرى فى ميدان التحرير ، ومبادرة لإنقاذ الموقف" ...

** بالقطع ، العنوان لا يحتاج إلى أى تعليق ، ولكن سأكتفى بإقتباس بعض العبارات التى وردت بالمقال .. يقول "إن الذى حدث فى فجر يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 ، حيث قام أفراد الشرطة العسكرية ، بالإعتداء على المعتصمين المسالمين القائمين فى شارع مجلس الوزراء والشعب ، وإنهاء الإعتصام وطردهم من الشارع وضربهم بكل وسائل العنف ، وحرق خيامهم على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام ، وسحلهم فى الشوارع وإخراجهم بالقوة من مربع مجلس الشعب والشورى ، خلف موقفا جديدا على العلاقة بين الجيش والشعب غير مسبوقة تاريخيا ، وسجل التاريخ أن جيش الشعب وجه سلاحه إلى الشعب بدلا من إسرائيل على الحدود" ...

** أكتفى بهذه الفقرة من المقال الذى أصابنى بالغثيان ، وللرد على النائب الإخوانى فى بعض فقرات مقاله ، فهو يتكلم عن الموقف الجديد الذى سجله الجيش المصرى بينه وبين الشعب .. وذلك على سبيل فكر الكاتب وليس فكر الشعب كما يدعى فى مقاله ، فهل الذين منعوا د. كمال الجنزورى من أداء عمله ، ووقفوا حائلا بينهم وبينه لممارسة عمله فى تلك الظروف التى يتعرض لها الوطن لمؤامرات داخلية وخارجية .. والذين يمثلون حركات "6 إبريل" أو "كفاية" ، والذى لا يتعدوا عشرات ، هم يمثلون الشعب المصرى العظيم .. عيب يا د. زهران ، وأنت رئيس قسم العلوم السياسية .. أى علوم ، وأى سياسية ، وأنت ترى الدولة تنهار وتسقط ثم يأتى قلة مأجورة ، بعضهم بلطجية ، وبعضهم شباب غرر بهم ، لينصبوا الخيام ، ويعطلوا أداء الدولة فى عملها ، ثم تدعى فى مقالك أنهم معتصمين مسالمين .. وهم نائمون ... ولم يتطرق السيد الكاتب إلى الدمار الذى لحق بالوطن ، وإلى الإقتصاد الذى دمر ، وإلى الأمن الذى إنهار ... ولم يتطرق الكاتب إلى الحريق الذى أصاب المجمع العلمى ، وكيف إستهزأ العالم جميعا بما يحدث فى مصر ، وأدار العالم جميعا ظهورهم للأحداث الحالية بعد أن إستطاعت أمريكا أن تضحك على الجهلاء والأغبياء وتسقط مصر إلى هذا المستنقع الذى صرنا فيه ....

** فقرة أخرى لأترك لكم بقية المقال الذى يثير الإشمئزاز والقرف .. يقول الكاتب فى أسلوب محاولا الإيقاع بين الشرطة والجيش المصرى .. "يبدو أن الشرطة بدأت ترفض الإنصياع للمجلس العسكرى ، فى ضرب المتظاهرين ، وأعلن الوزير الجديد ذلك " ..

** وللرد عليه .. يبدو أن المفكر الإسلامى ، تناسى أن الشرطة قد أصابها الكثير من جراء هذه الفوضى الممنهجة والمخططة ، والتى أسقطت الشرطة وحرقت الأقسام ، وحرقت جميع المنشأت الخاصة بالداخلية .. مما جعل الشرطة تحاول أن تلملم قواتها لإعادة الأمن فى ربوع أرجاء هذا الوطن ، وقد غسلت أيديها من التعامل مع بلطجية ميدان التحرير ، بعد أن أساء هؤلاء البلطجية لجهاز الشرطة ، فى أكثر من واقعة ، لكن يبدو أن المفكر الإسلامى لا يتذكرها ، ولكن يشيد الأن بدور وزير الداخلية الذى رفض التدخل وترك الأمر للجيش المصرى ..

** ثم يعود المفكر الإسلامى ، د. "جمال زهران" ، فى إصرار غريب على إدانة الجيش المصرى ، ويقول "أن الصور أبلغ من كل حديث أو شرح ، وسحل الفتاة بأيدى قوات الشرطة العسكرية ليؤكد أننا أصبحنا فى ظل الدولة العسكرية ، حيث إجتمع عدد من هذه القوات حول فتاة لتتعرى أمام وسائل الإعلام ، وفى الشارع ، وتمتهن كرامتها التى إنتفض الشعب كله للحفاظ عليها ، وثار ثورته الكبرى ...

** ويواصل الكاتب ، ويوجه كلامه للجيش المصرى .. "لقد ذهبتم جميعا أنتم والمخلوع إلى الجحيم ، ولن يترك لكم الشعب تنعمون بالسلطة ، بعد هذه الجريمة البشعة التى يستحيل محوها من الذاكرة الجمعية للشعب المصرى .. وحتى لا تتحول مصر إلى نموذج ليبيا ، أو اليمن تحديدا .. أن تتركوا السلطة فورا ، وأن يعود المتعصمون إلى أماكنهم فى ميدان التحرير ، وفى شارع مجلس الوزراء ، وأن يتم التحقيق مع قائد الشرطة العسكرية ، ورجاله الموجودين فى المنطقة فردا فردا ، وإحالتهم إلى محاكمة عسكرية مدنية عاجلة" ..

** وهذه دعوى كما يراها البعض ، لتخريب الدولة أكثر مما خربت ، وعودة المعتصمين لغلق المنشأت والمؤسسات الدستورية ووقف الدولة إلى أن يتم الرضا السامى ممن يعتصمون بميدان التحرير ، ومن يحركونهم ، ومن يدفعون لهم بالأموال ، بل ويطالب بعودة الجيش أو طرده من الدولة ولا أدرى أى دكتوراه أخذها هذا الكاتب ، ليتكلم بهذه اللغة وهذا التهديد لمن يقومون بحماية هذا الوطن ، ومن دافعوا عن شرف هذا الوطن فى أكتوبر 1973 ، وردوا كرامة هذا الشعب ، وجميع الدول العربية ، وأريقت دماء عديدة أبناء هذا الجيش العظيم ، ليأتى اليوم "فتاة سيربتيز" لتكون هى الداعية لإسقاط الوطن والجيش المصرى ..

** وبالقطع يواصل مقاله الذى تحت مزاعم حرية الرأى ، فى صحيفة كانت – وأصر على كلمة كانت – لها مصداقية ، ولكن بعد هذا الأعوجاج الإعلامى ، فكل شئ أصبح مباح .. يقول "زهران" ، هو تعديل إختصاصات مجلس الشعب ، وهو أهم ما يسعى إليه الكاتب .. ليخول بإختيار مجلس رئاسى مدنى ، يحكم البلاد فى فترة إنتقالية لمدة عام ، كما له أن يختار حكومة إنقاذ وطنى لإدارة شئون البلاد ، وكذلك له أن يختار لجنة المائة من خارج مجلس الشعب لإعداد الدستور الجديد للبلاد ... نقول للكاتب .. كيف نترك حرية إختيار مائة شخصية ، كما يقول الكاتب لجماعة الإخوان المسلمون والجماعة السلفية لكى يضعوا دستور مدنى ، بينما هم لا يعترفون بالديمقراطية ، ولا بالدولة المدنية ، ويعلنون فى جميع وسائل الإعلام إنهم يريدون تحطيم الأثار بإعتبارها أصنام ، ويريدون فرض الجزية على غير المسلمين ، ويؤمنون أن المرأة عورة يجب حجبها فى المنزل ، ومنعها من التعليم ، ويعتبرون أن أموال البنوك حرام ، والبورصة يجب أن تغلق فهذا مخالف لشرع الله ، ويطالبون بمنع خروج الفتيات من سن الخامسة فيما فوق إلى الشوارع ، وفى حالة خروجهن لا بد أن تكون مرتدية النقاب ، وبصحبة محرم ، وأن يكون ذلك فى وضح النهار ، ويمنعون ذهاب النساء إلى أطباء الذكور مهما كانت الظروف ، ويمنعون السياحة ، ويهددون السياح القادمين إلى مصر ، ويطالبون بغلق الكليات التى تتعارض مع الشريعة أو تعاليم الإسلام ، ويتم تدريس الحقبة الإسلامية فى تاريخ مصر المعاصر ، وإلغاء الحقبة الفرعونية ، على إعتبار أن الفراعنة كفار .. كذلك إلغاء الحقبة القبطية ، ويفرضون سياج حول الإختلاط بين الرجل والمرأة ، ويتحدون المجتمع ، أنهم مطالبون من الله بتطبيق "الشريعة" و"الحكم الإلهى" .. فهل هؤلاء ومبادئهم هم من يطالب بهم د. "جمال زهران" أن نوكل لهم ، لقيامهم بإختيار من يضع الدستور ؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!! ....

** يعنى كده بإختصار ، أن يسلم المجلس العسكرى زمام الأمور الأن لجماعة الإخوان المسلمين الذين سيشكلون غالبية البرلمان هم والجماعة السلفية ، ليقوموا بوضع الدستور ، وتشكيل الحكومة ، وكل ما يتعلق بالدولة .. ونسأل أستاذ قسم العلوم السياسية ، بجامعة بور سعيد .. ألم تكن هذه هى مطالب الإخوان والتى رفضها المجلس العسكرى ، ورفضها الشعب المصرى ، ولكنها مطالب بعض بلطجية التحرير التى تفضلتم وكتبتم مقال طويل عريض بالأخبار ، لتصل لنفس الهدف ....

** هذه عينة من بعض الأفكار ، والأقلام المسمومة .. ينضم لهذه الأقلام دكتور ضليع فى أفلام "السيربتيز" و"البورنو" ، وقد قدم لنا إحدى روائعه ، وهو فيلم "عمارة يعقوبيان" الذى لم تفوح منه إلا رائحة الجنس والشذوذ .. وهو د. "علاء الأسوانى" ، ليواصل مقالاته ، فى جريدة المصرى الذى لا يتورع ليل نهار على الطعن فى الجيش المصرى ، وتشويه صور بعض الشخصيات المحببة إلى الشعب المصرى ، وبالأخص الفريق "أحمد شفيق" ، فقد أصابته حالة جنان ، وفقدان التحكم فى أفكاره ، هو وصديقه الضليع فى تزغيط البط والوز ، د. محمد البرادعى" ، فلا يتركوا موقع على النت ، أو الصحف هم الإثنين ، إلا وقاموا بالطعن فى الفريق "أحمد شفيق" لتهبيطه ، بعدم ترشيح نفسه رئيسا لجمهورية مصر العربية ، إنه الأسلوب الرخيص الذى تعود عليه القوادين لهدم الخصوم ونشر الأكاذيب حولهم .. ونعود للأسوانى بمقاله يوم الثلاثاء بالمصرى اليوم 27 ديسمبر ، ولا أريد أن أقرأ عليكم هذه الهرطقات ، ولكنى أقتبس عبارة إختتم بها مقاله كالعادة .. يقول "مجلس الشعب القادم ، هو الهيئة الوحيدة المنتخبة التى تمثل إرادة الشعب ، ولا بد من منحه صلاحيات مطلقة لتشكيل حكومة بدلا من حكومة الجنزورى المفروضة على الشعب" ...

** ألم أقل لكم ، أنه لا فرق بين "المصرى اليوم" ، و"الأخبار" .. أعانك الله يامصر على هذه الذئاب والأفاعى والكلاب ...

صوت الأقباط المصريين

كلام عن العرب والثورة/ د. أحمد محمد المزعنن


1. من تاريخ الفلسفة:
في البرهان الجدلي المشهور المعروف (بانطلاق السهم) قدم الفيلسوف الإغريقي زينون الإيلي( ) الدليل الفلسفي النظري على إنكار الحركة،وأن ما يبدو من الأشياء متحركًا (mobile) إنما تتكون حركته من عدد )لامُنتَهٍ (unlimitedمن الأوضاع أو النقاط الساكنة( static)،وبمفهوم العصر فإن برهان زينون الإيلي لا يعدو أن يكون برهانًا جدليًا نظريًا وليس تعبيرًا عن حقيقة وجودية،وهو بهذا يلغي عنصر الزمن أو البعد الزمني الذي يجعل من السهل فهم الحركة بانتقال الجسم المتحرك ينتقل في المكان والزمان معًا.
2. العروبة في عصر السوفسطائيين:
ولأننا نعيش عصر السفسطة والسوفسطائيين حاليًا في المعرفة وفي التطبيق السلوكي الفردي والمجتمعي،وعلى المستوى الثقافي والأخلاقي،وهو الحالة التي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي إميل دوركهايم (1858م -1917م ) ،ثم تلميذه الأمريكي روبرت كنج ميرتون (1910م – 2003م ) بالحالة الاجتماعية والثقافية المعروفة باللامعيارية أو الأنومي anomie ،أو فقدان واضطراب المعايير الحاكمة للسلوك،وقد ابتعدنا كثيرًا عن روح الأديان السماوية،وحتى عن شروط وغايات الفلسفة البراجماسية الذرائعية العملية،فربما والحالة هذه نتمكن من استخدام برهان السهم لزينون الإيلي للتعبير عن/ وتفسير وتحليل وضع واقعي في حالة واحدة مستعصية على الفهم وهي أوضاع الأمة العربية في تعاملها فيما بينها كوحدات اجتماعية كبرى،وفي حالة الستاتيك التي طالت وتمددت وألقت بكلكلها كليل امرىء القيس الطويل المشهور في معلقته،وفي حالها مع الطغاة والمستبدين ودوائر متتابعة من السجانين المحترفين للللكبت والتصفية والقتل بدم بارد للأبرياء في الشوارع والساحات وحتى في الطرق التي تربط مدن وطنهم يمشون فيها عراة حفاة.
فإذا حاولنا وقف الزمن كما حاول أن يقنعنا زينون الإيلي ؛وبالتالي وقف الحركة،وإالغاء المكان،وبالتالي ينتفي الوجود الحقيقي،وتظل الأمة العريقة العظيمة مجرد مفهوم تصوري أو فكرة خيالية في أحلام الشعراء والرواة وبعض الفنانين وهواة الأمجاد وعشاق الأوطان،ومبدعي التحليق في المستقبل،ورسم عوالم من التصورات كعادة مفكري بواكير عصر النهضة من الفنانين والأدباء مما يزخر به تاريخ أوروبا الحديثة،وتطبيقات ما بعد الثورة الفرنسية وانطلاق العصر الفكتوري في إنجلترا،وهذا ربما بعض ما نجح فيه بعض الطغاة والمستبدون الصغار ومن التف حولهم محاولين اختزال الأمة في شخص بعض أفراد منها لا يعرف على التحديد الدوافع الحقيقية وراء سلوكهم تجاه أمتهم في أقطارهم وفي غيرها مما حولهم، وجرى تثبيته كواقع طوال عقود من الزمان ،وترتبت عليه الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (المهازل)التي أطلقت عليه بعض الدوائر الإعلامية والسياسية (الربيع العربي) ، ونحن نشاهد حاليًا عمليات سباق على تبني بعض الجهات المشبوهة لهذا الربيع ،وتحاول ادعاء نبني شعاراته،واحتضان منجزاته،وقطف ثمراته ،وتجيير دماء الشهداء من أبناء الأمة النبلاء الشجعان ،وينتظرون اللعب على حبل الديموقراطية المزعومة لإنتاج صيغة جديدة من الصراع العلني الممتمثل في الفصل التعسفي بين المكون الديني والمكونات الاجتماعية الأخرى تمهيدًا لتطبيق صور أخرى في الفصام الوطني وجعل كل شىء ممكن التطبيق ولو كان من الأمور المستحيلة ، ألسنا في عصر التمثيل وإشباع الحاجات إشباعًا إعلاميًا وهميًا وإرضاء الدوافع الغريزية بطرق تحويلية غاية في الكيد والفساد والوهم وما رافق كل ذلك من ظواهر اجتماعية شوهت الحياة العربية وأفسدت ثوابتها وميعت صلابتها ،وحولتها إلى مجرد هلام قابل للتشكيل المخزي والمهين والمذل لكرامة أبناء امة الأمجاد والانتصارات والبطولات؟
3. العسكر ورجال الأمن والحقيقة الاجتماعية:
أ – العسكر والحقيقة الاجتماعية:
تقوم الحياة العسكرية منذ فجر الحياة الاجتماعية الإنسانية على النظام الذي يعرف الناس في إطار ثنائية (صديق – عدو)، والفكرة المترتبة على ذلك أن يقضي العسكري على العدو انتصارًا للصديق ، يقضي عليه بالاستئصال الجسدي ؛لأن الأرض لا تتسع لحياة عدو وصديق في نفس المكان ،وهذه السيكلوجيا تقتضي إعداد العسكر إعدادًا جسديًا ونفسيًا عن طريق نظام صارم لا يعرف الفجوات العاطفية والانفعالية ،ولا مجال لعمل العقل او فعل الإرادة ،ولا يسمح بلحظة من لحظات التفكير الحر خارج نسق التراتبية في هرم الأمر والقرار العسكري ،الفرد للمجموع والمجموع للفرد هذا هو شعار النموذج المثالي لفرسان الكسندر دوماس الكبير في كتابه الفرسان الثلاثة ،وفي العسكرية الكلاسيكية في الأمبراطوريات القديمو وفي الدولة الحديثة والمعاصرة حيث توحدت شخصية الحاكم وذابت في شخصية الوطن ووجدت لها فناءً يوتيبيًا في الميثولوجيا الدينية وغطاءً سحريًا جاذبًا في الفلكلور والثقافة الشعبيين اللتين يعبر عنهما حاليًا في الفنون الشعبية والفنون الحديثة في التمثيل التلفزيزني والسينمائي والمسرحي، وليس ذلك حكرًا على أمة دون أمة أو قصرًا على شعب دون شعب أو حزب دون آخر أو جماعة مسلحة دون أخرى،هذه هي الحياة العسكرية ،وفي هذا افطار يكون الاستعداد الفردي والجمعي الدائمين ،وهذه الفكرة الأولية هي التي تحكم سلوك العسكر ،فأنت إما عدو وإما صديق ،وهذا ما يمثل حاليًا على مسرح الصحراء العربية القاحلة التي اجتاحها الجفاف ومنع عنها الغيث من كثرة الذنوب وانتشار المعاصي التي أقلها قتل النس الإنسانية البريئة المكرمة من خالقها بنزوة أو خاطرة من شيطان قام بحشو رصاصه وقنابله ومقذوفاته وصواريخه بالحقد الطائفي أو الظلام لمذهبي أو الضلال الفئوي أو بشهوة السلطة والكذب والنفاق والتلاعب والكيد الرخيص أو بأوامر تتحكم فيه من قلعة الصهيوينة العالمية الإفسادية هناك في نيويورك وواشنطن وأمم الكذب والنفاق الغارقة في أوحال الأزمات المعيشية المتفاقمة؛عقابًا دنيويًا معجلاً على الظلم وإنكار العدالة والاستعباد المذل المهين للصهيوينة المفسدة ،ولليهودية الملعونة المغضوب عليها المعاندة للخالق ولمنهجه القويم ،والمحاربة للنواميس الإلهية في قيامة شؤون الدنيا والدين.
عند العسكر لا يوجد نقاش أو تفكير أو خيار في إجابة سؤال (لمن أوجه فوهة البندقية؟أو على من أقذف القنبلة ؟ أو إلى من تزحف الدبابة ؟)
والإجابة محسومة بكل وضوح وحزم:إلى صدر العدو وتحصيناته ،ومصادر نيرانه ،ومقومات قوته وخطوطه الأمامية والخلفية ،وكل ما يشكل مصدرًا لوجستيًا يحتمل أن يطيل مدة الصراع ،أو يؤخر حسم المعركة،فالعسكر لا يفكرون أبدًا في الهزيمة ، عندهم وفي كل مستوياتهم ممنوع التفكير في الهزيمة ،وإلا فلا داعي لشن معركة أو مقاومة).
وكل مظاهر التناقض والمآسي التي تنتج عن وجود العسكر في المجتمع تأتي عندما تتحول العقيدة العسكرية لسبب أو لآخر ويتغير تعريف طرفيْ المعادلة البسيطة (صديقX عدو) ويعاد ترتيب أولويات الإجابة عن الأسئلة الأولية السابقة فتتحول البنادق لتوجه إلى صدور أبناء الوطن أو إلى البعض منهم ،ويضطر الجند إلى في لحظات جنون إلى محاربة أبناء وطنهم ، ويهادنون العدو أو الأعداء الحقيقيين .وأكبر مصيبة ممكن أن تحل بالوطن وأهله عندما يصبح العسكر حكمًا فيتصرفون في المعارك السياسية بنفس عقلية وسلوك المعارك العسكرية ،ويستخدمون الخطط الإستراتيجية التي مهروا فيها وأتقنوها في رسم الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لينظر كل منا إلى كفه،السطح الخارجي الخشن الذي ينبت عليه الشعر هو المعروف بالجانب الوحشي من اليد وهم العسكر،خشونة واحتراف للعنف ، وتعرض للصقيع والحر والغبار ،هذه هي حياة العسكر،ولهذا يدخرهم الوطن ، وتعدهم الأمة لهدف واحد وحيد هو الدفاع عنها من الغزاة الخارجيين،وتطلب منهم أن يكونوا في غاية القسوة والوحشية في التعامل معهم،ولا شىء غير ذلك.والجانب الأملس الداخلي الناعم من اليد هو الجانب الإنسي،هو الحياة المدنية الحضارية،فهل يلتقي أيها القارىء الكريم الجانب الإنسي مع الجانب الوحشي من يدك الواحدة؟
ولكن هل يمكن الاستغناء عن أحدهما في القيام بالوظيفة التي خلق الله اليد من أجلها؟ كل ميسر لما خلق له.هذا قول نبي الهدى والرحمة والعلم الحقيقي الرباني محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي العدناني عليه الصلاة والسلام.
ب – رجال الأمن والحقيقة الاجتماعية:
أما عند رجال الأمن الداخلي بكل تفاصيله وتشكيلاته وقواه ومواقعه فالأمر يختلف بعض الشىء؛ والفارق الكبير في تصنيف العدو وطبيعته ومسرح حركته وأهدافه وطرق التعامل معه.
عدو قوى الأمن الداخلي هو الجريمة والمجرمون،والانحراف(حسب توصيف السلطة) والمنحرفون،والضَلال(حسب معايير الأمة وثوابت ثقافتها) والضالون.
وصديقهم هو الشعب والأمة التي ينتمون إليها،ومنها جاؤوا،وفي سبيل سلامها وسلامتها وأمنها حملوا السلاح وانخرطوا في التشكيلات الأمنية :العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.
والصديق أيضًا هم ولاة الأمور والسلطات النظامية التي تقدم لهم الرواتب والخدمات وتوفر لهم ولأبنائهم وأجيالهم مقومات الحياة الكريمة ،والصديق هو السلام الذي يعيشون أجواءه وثمراته هم وأبناؤهم وعائلاتهم وأفراد شعبهم في بحبوحة من العيش،فلا يرفض هذه الحالة من الحياة السلمية الآمنة إلا مجنون أو مأفون أو معتوه أو مشكوك في قواه العقلية أو مريض نفسي ،أو مضطرب المزاج .
وفي بعض الحالات والظروف الاستثنائية تنحرف مهمات ووظائف قوى الأمن الداخلي لتصبح أداة في يد الطغاة والمستبدين والمهيمنين على قرار الوطن ومصير أهله،فلا يطيقون كلمة معارضة،ولا عبارة نقد،ولا نصيحة ناصح،أو كلمة حق من صديق صدوق ، فيصنفون أصدقاءهم وأهلهم ،ويعيدون تعريف ناعصر من شعوبهم ،ويتحولون إلى العنف في مطاردة عدو وهمي أو حقيقي ،وحينئذ تبذر بذور الثورات ، ويتعاظم الغضب ، وتتوزع الرؤى ، ويحل الفصام والخصام محل الوئام.
الكف في حالة قوى الأمن الداخلي لا يمكن تمييز وحشيِّه من إنسيِّه ، فالكف دائم الحركة والتقلب والتشكل والتلون والتمويه والتخفي ، فهما صورتان متداخلتان لا تعرف موقع كل منهما من موقع الآخر، فبينما تجد رجل الأمن في مكان إذا به في مكان آخر،ومرة تراه بلباسه الرسمه وفي غالب المرات يكون بلباس مدني،غنه حولك في كل مكان وزمان،وربما عاش معك في بيتك وفي سيارتك وفي مدرستك،وربما كانت أجهزة المراقبة والتنصت في عصر التقدم التكنولوجي الخيالي تحت وسادتك أو في مروحة منزلك أو مقود سيارتك ،أو داخل هاتفك النقال أو المنزلي أو في محفظتك أو في بطاقة هويتك ،أو في كرسيك أو داخل خشب مكتبك ،كل شىء محتمل أمنيًا نوكل شيء مشروع ،وكل ما يمكن أن تتصوره يمكن حدوثه في عالم اليوم المضطرب المليء بالشكوك والريبة والتوجس والخوف والحذر!إنه الخوف إنه الأمن إنه السلام الاجتماعي الذي يستحق التضحية في سبيله .
4. الثورة ظاهرة متكررة:
الثورات الإنسانية تقليد بشري لِما يجري في الطبيعة من ظواهر،قد تبدو الطبيعة ثابتة رتيبة محافظة على نمط معين في العلاقات البيئية في مساحة معينة،ولكنها في حقيقتها متغيرة تهرب من الرتابة،وتأبى السكون،وترفض منطق عدم التناسق،البراكين والزلازل أكبر دليل على أن ما تحت الحقيقة الطبيعية الوجودية الراهنة التي يبدو عليها الثبات والهدوء النسبي يموج كونٌ آخر من القوى التي تتحرك وفق قوانين غير القوانين التي يألفها من يعيش على السطح بنسيمه وهوائه وشمسه وقمره والسنن الحاكمة للحركة والسكون.
الماء الهادر في السيول والأنهار ومساقط المياه، والعواصف الجامحة الجائحة المدمرة، والرعود والبروق المتلامعة المتتابعة التي تخطف الأبصار(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)(سورة النُّور) والصواعق التي تشق كبد الأرض وتحرق ما عليها من بشر وشجر وصخر،الحركة هي السنة الإلهية المتغلبة على السكون،والتململ والتموضع والتغير والتغيير والنفور من السكون والرتابة والثورة منهج طبيعي يتكرر في تناسق تام مع منطق الأشياء الحاكم ،ويفرض نفسه غرضيًا ووجوديًا لتعديل مسارات الأشياء ، وصناعة دائمة للظواهر الجديدة ،وأداة للتنوع والتنويع الدائم في مكونات السياق الذي يبدو ساكنًا رتيبًا، وتلك الأدوات تعيد ترتيب فعل السنن ، وتوجيه القوانين العاملة في صياغة وبناء الظاهرة الوجودية بمقادير وموازين تحكمها الغائية القدرية التي تنفر من الصدفة وتتضاد مع العشوائية ،إنها منهج أصيل في كل ما يحدث في الكون تحت مظلة علم الله الخالق للأسباب ، ومسخر السنن ، ومرتب الحوادث - دقيقها وجليلها - لحِكَمٍ بعضها يبدو للناظر المتأمل، وكثيرها ينتمي إلى علم الغيب الذي اختص الله به نفسه سبحانه ،والبعض الآخر يتفتح ويظهر كما لو كان منضبطًا بساعة توقيت لا تحيد جزءًا على عدد لا متناهٍ من الثانية .
الثورة منهج من مناهج التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي التي تنحو نحوَ العنف، وتتخذه طريقًا وحيدًا للتغيير، وفيه تنقضُّ الجهات التي تتنبناه على النظم القائمة بغيةَ إسقاطها لأسباب ترى تلك القوى أنها كافية لإحداث التغيير عندما يتمنع من يحاولون تثبيت الوضع الراهن الذين يستملحون ويستحسنون ما يُعرف في منطق العلم بالنظريات المحافظة، فيبادرون إلى إنهاء دورها في قيادة العمل الفردي والجمعي،وإزاحتها عن قيادة الجماهير التي تشعر بحسها الفطري وبعقلها الجمعي بعمليات الخداع والمراوغة والفساد والاحتيال ، وتقوم تلك القوى بتعطيل دور المؤسسات التي استخدمها المحتالون في القيادة والتوجيه، ورسم معالم الطريق للجماهير التي تتطلع دومًا إلى القيادة التي تأخذ بيدها ، وتستثمر طاقاتها في البناء الوطني والتنمية وحماية المكتسبات ، وفيه أيضًا تعمل عوامل الصراع على تفجير التناقض بين القوى المتصارعة ، وتعمل الثورة عادة على الظهور المفاجىء لما تراكم تحت سطح الحقيقة الاجتماعية الواقعية من مظاهر الاحتقان والتأزم حتى يصل إلى نقطة الانفجار التي تندفع عندها الجماهير لمواجهة القوى التي تعتبرها مصدرًا للظلم ، وتصنفها باعتبارها تقف حائلاً دون تحقيق المصالح العليا لها في وطنها، وتحجر عنها القيم الحقيقية للمقدسات التي تهون في سبيلها الحياة ، ويصغر عندها الألم ، وتتضاءل قيمة التضحيات، فتستهدف الشعوب والجماعات من تعتبرهم يستحقون الزوال ، وترفع في مواجهتهم شعارات صادمة تكشف عن الهوة السحيقة التي تفصل عادة بين الجلاد والضحية ، بين المعذَّبين والمعَذِّبين،بين المظلومين والظالمين، بين الطغاة وضحاياهم، وتتهاوى كل النظريات والاجتهادات البشرية المحافظة التي تتحصن بها الأنظمة في سعيها لحماية نفسها ، والمحافظة على الوضع الراهن ، وإحاطة قواها بأحزمة من المحرمات التي تطبق أشكال من الحجر والمنع والاقتراب مما تحوله السلطات إلى مقدساتٍ تتصل بالهيبة والمكانة والوجاهة ، وتتهاوى السدود ، وتنكسر حواجز الخوف والرهبة من البطش بكل مظاهره،وكلما سالت الدماء وتنوعت أساليب التنكيل العلني والسري ، كلما زادت في نفوس الشعوب حوافز ودوافع الفعل والإبداع النوعي في المواجهة.وشكلتْ حائلا دون اقتسام المنافع بين الفئات التي تتقاسم المسؤوليات ، وتتحمل أعباء البناء الاجتماعي وصيانة وحماية الوطن من الأخطار الخارجية .
والثورات إما أن تكون ردة فعل عابرة ،أو أفعال مدبرة تقوم بها جهات لا تجد طريقًا آخر لتغيير الواقع غير العنف في نهاية المطاف ،وهي في النهاية موقف تصادمي مع نظام قائم ، وعندما نتحدث عن نظام فإننا نعني مؤسسات وأبنية اجتماعية وسياسية وأمنية واقتصادية ، وبنى تحتية ذات طبيعة محافظة ، بمعنى أنها تعمل جاهدة على الحفاظ على الأمر الواقع أو الوضع الراهن ، وهي في ذلك تستخدم فلسفة ومنطقًا يتسلح بكل أنواع القوة التي تبرر دفاعه عن وجوده.
وتقوم الثورات كوسيلة تصحيحية أو كحركة تغيير شامل ، وهي ظاهرة سوسيو- بوليتيكية وسلوكية وعملياتية تتخذ أشكالاً وانماطًا متعددة ، فقد تكون مجرد هبة يفلح النظام في احتوائها والتعامل العقلاني معها ، واستيعاب بواعثها ، وتأجيل تفجير طاقاتها ، والتموضع الراشد لاجتثاث عوامل السخط والغضب ، والاستجابة لمطالب الثوار ، وانتهاج النهج التصالحي الإصلاحي ، فتكون الثورة بمثابة هزة لجسد مترهل غاب وعيه ، وتكدست الأقذار على ملامحه ، وصدء بناؤه ، وتآكلت جدره ، وقد تتحول إلى ثورة بركان من العواطف والانفعالات التي تسيطر على النزعات ، وتوجه الطاقات الفردية والمجتمعية وتحولها إلى تيار جارف من القوة التي لا تفلح جميع التدابير في الوقوف في وجهها.
تثور جميع الأمم والجماعات مرة بعد مرة ، فإما أن تستريح بعد الثورة ، وتحسم خياراتها، وتباشر بناء مستقبلها، وتدخل بالثورة في مرحلة متجددة من البناء والانطلاق في طريق اكتشاف الذات ،والكشف عن الطاقات الكامنة ،واصلاح واستثمار الطاقات الظاهرة ،وإما أن تبدأ بالثورة متاعبها، وينجم فيها الأذى والصراعات، فكأن الثورة فتحت جرحًا طال احتقانه ، وغابت عنه أيدي الأُساة النطاسى من أبناء الأمة طويلاً ؛ فانفجر صديدًا ودمًا ، واشتعلت نيرانًا تحرق كل أثر للواقع الذي يعرفه الثوار بانه من مخلفات الماضي ، وقد تكون الثورة تمردًا على نعم الله ، وبطرًا واعتراضًا واستعجالاً للشر، واعتراضًا على السنن الإلهية ، واتباعًا لرأس الشر إبليس اللعين ، فتكون أشبه بسد حجز الماء خلفه طويلاً على ضعف وتصدع ؛ فانفجر سيلاً جارفًا يشرد الجماعات، ويخرب البلاد ، ويضيق الأرزاق ، كما آل إليه أمر دولة سبأ في مسكنهم حيث تبددوا ، وتشردوا فَضُرِبَ بهم المثل ، حيث يُقال: تبددوا أيدي سبأ، وذكر القرآن الكريم تفاصيل قصتهم.
قال الله تعالى في سورة سبأ :{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}

5. قراءة تأصيلية للتاريخ الإنساني :
عند الحديث عن الثورات الإنسانية وغيرها من الحركات الكبرى التي غيرت الحياة الإنسانية كالحروب وعمليات الغزو والفتوح والكشوف الجغرافية والهجرات الكبرى ومظاهر النهضة والتجديد والإحياء القومي والثورة الصناعية والتقدم التقني ، فإننا في الحقيقة نتحدث عن التاريخ الإنساني من حيث صياغة أحداثه بأفعال تكون أحيانًا سلمية هادئة تتراكم فيها المنجزات والاختراعات والثقافات ، واحيانًا أخرى يسيطر عليها طابع العنف والتمرد والعصيان ورفض الظلم ومقاومته بالتحدي واستعمال القوة ،وما يسبق ذلك ويرافقه وينتج عنه من الشعارات والأيديولوجيات التي تستخدم كوقودٍ يغذي الفعل الإنساني بأشكاله المتعددة.إن تلك الأحداث هي التاريخ الإنساني في حركته وسكونه ، في بياضه وسواده وأطياف ألوانه ،ومن هذا المنطلق فمن المفيد أن نشير إلى التقسيم الإنساني المعتمد للمراحل التي يتكون منها التاريخ الإنساني العام وهي
- التاريخ القديم : ويبدأ من تاريخ ابتكار الكتابة حوالى أواخر القرن الثامن قبل ميلاد المسيح ،واستعمالها في تسجيل الوقائع والأحداث،وينتهي بسقوط روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية في أيدي القوط في عام 476م.
- العصور الوسطى:تبدأ من سقوط روما في أيدي القوط حتى سقوط القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453م.
- التاريخ الحديث:،ويبدأ من الثورة الفرنسية عام 1789م حتى أبواب الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
- التاريخ المعاصر :يبدأ من الحرب العالمية الأولى إلى الوقت الحاضر.
هذا التقسيم هو المعتمد لدى الأكاديميين والمؤرخين الغربيين ، وانسحب بالتبعية على كل من يتعامل بالتاريخ من الأمم الأخرى بعد تغلب الثقافة الغربية ، وخاصة الفرع الأنجلوسكسوني واحتلاله العقول والنفوس والقلوب في الشعوب التي استعمرتها بريطانيا طويلاً في بلاد العالمين: القديم والجديد ، وهو كذلك المعتمد عند الأمم ذات الثقافة اللاتينية والشعوب التي تأثرت ثقافاتها بها في العالم .
إنه تاريخ أوروبا كما صنعته حركات شعوبها وإرادات قادتها ،وتصادم مصالحها التي حركت الجيوش ،وأشعلت نيران الحروب ، وكما أغنته منجزاتها الحضارية وقت السلم والحرب ، وكما وثقه وسجله مؤرخوها ، وبقية العالم بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشقيها الأوروبي والآسيوي وأستراليا والصين واليابان كلهم تبعٌ لها ؛ لأنها هي المحركة للأحداث التاريخية منذ بداية الثورة الفرنسية حتى الوقت الحاضر على الأقل.
6. الربيع العربي ... ثم ماذا بعد ؟
ثورات ثورات ثورات
إن فهم التكوين التاريخي للمرحلة الراهنة ضروري لكي نضع ما اصطلح عليه بالثورات العربية الراهنة في موقعها الصحيح من السياق التاريخي الإنساني العام ،والسبب المباشر لذلك هو أن المنطقة العربية كانت منذ قرون ولا تزال تشكل حاليًا منطقة صراع بين العديد من القوى الداخلية والخارجية ، ولا ينتظر لها أن تخرج من هذا الوضع إلا إذا ظهرت على سطح الأحداث مجموعة من القوى الفاعلة في شعوبها لتقود جماهيرها نحو الوحدة والالتقاء السياسي القائم على استشعار كيان واحد يجمع شتات الأمة الواحدة ،ويوفر لها درجة معقولة من الوعي بذاتها وكيانها الموحد المتساند المتضامن لتقف بين الأمم مرفوعة الرأس تسهم بكبرياء وعزة في السياق الحضاري الإنساني العام،وتذود عن حياضها بسواعد أبناء ومنجزات شعوبها ،وبكل ما يضمن لها السلام في الداخل والخارج.
لا توجد في التاريخ ثورات سلمية ، ولم يسجل الصراع الإنساني بين القوى المتصارعة موقفًا تخلت فيها الطبقات الحاكمة عن الحكم طواعية وبطريقة اختيارية ، باستثناء النظام الديموقراطي الذي تعمل فيه القوى بطريقة تصالحية نظامية على تبادل السلطة في عملية مستمرة من اللعبة السياسية التي تعتمد على الأحزاب والقوى الضابطة لإيقاع الحركات الشعبية ، والمتفاعلة مع الثوابت والمتغيرات.
وما يحاول البعض في الوطن العربي حاليًا فرضه كفلسفة خاصة في تفسير ما حدث في بعض البلاد العربية بأنه ثورات سلمية، لا نصيب له من الصحة بمنطق التحليل العلمي ، والقراءة النقدية الدقيقة لتطورات الأحداث في مصر والجزائر وتونس وعمان والأردن والبحرين وأخيرًا في اليمن وليبيا وسوريا.
الأحداث العربية الحالية أكبر دليل على وحدة الأمة العربية ،وأنها جسد واحد مهما حاولت النزعات القطرية والروابط مع الخارج الغريب فرضه من المفاهيم الانعزالية ، والفلسفات الضيقة بذريعة النزعة الوطنية أو القطرية أو المصالح والروابط التي تنشأ من خلالها .
من بين أهم المنجزات التي قدمتها الأحداث والحركات المتوالية في الوطن العربي منذ انتفاضة تونس على الفساد والظلم الذي كان يشكله نظام ابن على ومن التف حوله أننا تلك الأحداث عرضت للمراقب حقيقة أزلية ما كان يتاح للكثيرين السعادة بالنظر إليه لأسباب كثيرة ومن ذلك وحدة جماهير الأمة وقواعدها الشعبية وتماثلها المطلق تقريبًا في الخصائص الإثنية والملامح الشخصية وفي اللهجات والعادات والطباع والخلفيات الثقافية الصلبة والمكونات المعرفية والتماثل التام في الوجدان والعواطف وتفاصيل الحياة.
لقد أتاحث الأحداث وبغض النظر عن العنف الذي صاحبها أو الضحايا الشهداء الذين سقطوا خلالها أن يستعيد الإنسان بالكيان العربي الواحد الذي تكونه القواعد الشعبية في القرى والمدن البعيدة عن المركز الإداري للأنظمة الفاسدة التي كرست الانقسام والإقليمية الممقوتة والقطرية الضيقة،وأسقطت الجماهير كل دعوة مضللة كانت تفرق بين الإنسان العربي في أقطار الأمة ،واستعادت مجموعة كثيرة وبعضها على استحياء المقولات التي جاهد زعيم الأمة مجدد إحساسها بوعيها البطل جمال عبد الناصر ،وهو ما حرصت الأنظمة المتحالفة طوال أكثر من أربعين سنة على طمسه ،ورمته بكل مرذول من النعوث التي كانت هي أولى بها من المرحلة التي قاد فيها هو ورفاقه شعوب الأمة ،وأثمرت في وقت مبكر أول دولة وحدة بين مصر وسوريا ولكن الانفصاليين العملاء حلفاء الغرب المتصهين وأدوها بعد أربعة سنوات من قيامها ،وتحت وطأة الشعور بالإحباط استسلمت النخب والقيادات لحالة فرضها تحالف مريب بين الأنظمة القطرية الانعزالية ،وتعاظمت قوة هذه الانظمة وبطشها بكل صوت حر يحاول أن يذكر بالحقائق الأزلية في التكوين الموحد للشعب الواحد الذي يسكن المنطقة من شواطىء الأطلسي غربًا إلى جبال كردستان وجبال طوروس في الشرق والشمال،وقد ساعد على تكريس تلك الحالة الشاذة تسلق قيادات شعوبية انعزالية من الأقليات التي طمست الانتماء الحقيقي للجماهير ،وزيفت مفاهيم القيادة والأهداف الإستراتيجية والمرحلية واحتكرت جهود الأمة وألقت وراء ظهورها كل فكرة تتجاوز ما تمثله الجامعة العربية الهزيلة في ظل الأمناء المتتابعين القابعين على الكراسي والتابعين للأنظمة بشكل مذلٍ.
وقد ساعد هذه الحالة الكئيبة الاتجاه الاتجاهات الاقتصادية المشبوهة والخطط قصيرة النظر التي اعتمدت على الاقتصاد الاستهلاكي ،والمزيد من الاستهلاك بقصد إلهاء الإنسان العربي عن الجانب المعنوي للحياة وصرفه عن الانشغال بالمثل العليا والقيم والنبيلة .
- ومن الثورات التي يذكرها التاريخ ثورة العبيد في روما بقيادة سبارتاكوس عام 71 ق م ، ذلك الرقيق الذي ثار على روما ، وحرَّض العبيد على السادة ، وخلد سيرته في الستينيات من القرن الماضي الفيلم السينمائي المشهور الذي قام بدور سبارتاكوس فيه الممثل الشهير كيرك دوجلاس.
- وثورة أُوليفر كرومويل في بريطانيا عام 1688م ضد الملك شارل في مؤامرة حاكها اليهود ، ونفذها كرومويل لإعدام الملك الذي رفض دخول اليهود إلى مملكته ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى ما دونته (ويكبيديا) الموسوعة الحرة في شبكة الإنترنت عن تاريخ هذه الفترة ، وهؤلاء الإنجليز الذين قتل اليهود ملكهم هم أنفسهم من تآمروا فقذفوا باليهود إلى وطننا فلسطين لاحتلاله ظنًا منهم أنهم يتخلصون من المشكلة اليهودية ، وما دروا أنهم أنشأوا للفساد دولة يتعاظم شرها ، ويستفحل أمر إفسادها يومًا بعد يوم ، ومؤشرات ذلك ماثلة للأذهان ، ولكن أين من يقرأ أو يعتبر ؟ فسبحان مقلب الليل والنهار ، وكاشف الأستار والأسرار ، وقاهر الجبابرة والفجار، وقامع الطغاة والمفسدين والمستبدين الفجار.
- والثورة الفرنسية عام 1789م التي انتهت بسقوط أكبر قلعة من قلاع الظلم في أوروبا (سجن الباستيل) ، وأعدم فيها الثوار الإمبراطور لويس السادس عشر وزوجه ماري أنطوانيت ذات الأوصل النمساوية ، ولما استقر حكم الثورة وأعلنت الجمهورية اختار الفرنسيون القائد الفذ نابيلون بونابرت وعينوه إمبراطورًا ثم ديكتاتورًا لما كان له من سيط ذائع في الدفاع عن الجمهورية الفرنسية وخاض غمار ما عرف تاريخ أوروبا الحديث بالحروب النابليونية بين أنصار الثورة من جهة ، والحلف الذي تشكل من الأسر الحاكمة في القارة من آل هبسبرج وآل بوربون وآل هوهنزليرن ، حتى انتهى الأمر إلى هزيمة نابليون في معركة ووترلو ثم القبض على نابليون ، ونفيه إلى جزيرة سانت هيلانه وموته ، وانتهت بموته الجمهورية الفرنسية الأولى التي أقامها الثوار ، ثم قامت الجمهورية الثانية بعد ثورة عام 1948م بزعامة عمه لويس نابليون .
- والثورة الأمريكية التي بدأت بما اصطلح عليه حينها بحفل الشاي عام 1773م، وبدأت فعلاً عام 1785 م ، وانتصرت على البريطانيين عام 1785م الذين كانوا يستعمرون القسم الشرقي حيث بداية تشكل الاتحاد الأمريكي ، وأسست بعد حرب التحرير الاتحاد الأمريكي عام 1778م، وهو نواة الولايات المتحدة الأمريكية USA من ولايات الشمال الشرقي المعروفة بإقليم نيوإنجلند أي إنجلترا الجديدة ، وهي الدولة الحالية المتجبرة القاهرة المتحكمة ، فسبحان مغير الأحوال ومقلب الليل والنهار، وقامع الطغاة والمفسدين والمستبدين الفجار .
- ومن أكثر النماذج الثورية شهرة في التاريخ الحديث حروب تحرير أمريكا الجنوبية من السيطرة الإسبانية بقيادة سيمون بوليفار(1782م – 1830م ) الذي كان يعرف بجورج واشنطن أمريكا الجنوبية ،ومن المفارقات الغريبة أن هذا القائد الشجاع المقدام الذي خلص معظم القارة الجنوبية من الاحتلال الإسباني وافاه الأجل في إسبانيا نفسها.
- والثورة البلشفية ثم الشيوعية في روسيا وتوابعها عام 1917م بقيادة فلاديمير إليافيتش إليانوف المعروف بلينين ( 1870م – 1924م ) والتي نتج عنها ظهور كيان سياسي ضخم عرف بالاتحاد السوفييتي عمَّر ما يقرب من ثمانين عامًا ، وكان زعيم ما كان يعرف زمن الحرب الباردة بالكتلة الشرقية أو الكتلة الشيوعية أو دول الستار الحديدي كما أطلق عليه الإعلام الغربي ، والسياسة الغربية القائمة على الاحتلال والاستعمار والثقافة ذات النزعات الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية ، وتفجر الخلافات بين حلفاء الأمس (الغرب والاتحاد السوفييتي) الذين هزموا ألمانيا النازية وتقاسموا مناطق نفوذها.
- والثورة الهندية بقيادة المهاتما غاندي على بريطانيا المحتلة للقارة الهندية ، والتي انتهت عام 1947م بتقسيم القارة الهندية إلى دولتي:الهند وباكستان ، ثم انقسمت باكستان إلى دولتي : الباكستان وبنجلاديش. فسبحان مغير الأحوال ومقلب الليل والنهار ،وقامع الطغاة والمفسدين والفجار .
- والثورة الصينية عام 1945 م على المستعمرين اليابانيين فيما يعرف بالزحف نحو الغرب بقيادة ماو تسي تونج ،ثم بداية حرب التحرير الكبرى ،وإنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1947م . ومن المفارقات التاريخية الغريبة أن الأمم المتحدة ظلت تعترف بما يعرف بفورموزا أو جمهورية الصين الوطنية التي أسسها المنشق شان كاي شيك كممثلة شرعية للشعب الصيني ، ولم تعترف بجمهورية الصين الوطنية التي يزيد سكانها عن مليار من البشر إلا عام 1972م ،وفرضتها أمريكا ممثلة للشعب الصيني حتى فرضت الصين الشعبية نفسها كقوة عظمى ممثلة للشعب الصيني.
- والثورة المصرية المعروفة بثورة يوليو 1952م ،وما نتج عنها من تغيرات كبرى في الوطن العربي وخارجها ،ومن قيادتها لحركات التحرر في آسيا وأفريقيا ودول أمريكا اللاتينية .
- والثورات العربية الحالية ليست بدعًا بين الأمم ،ولا هي هبات انفعالية مؤقتة مرهونة بمؤشرات تفرضها الأنظمة، إنها ظاهرة منطقية تأتي ردًا على مغالطات وأخطاء وتجاوزات الأنظمة في تجاهل طبيعة دور الأمة في مواطنها الأزلية،وأنها في الحقيقة أمة دعوة حضارية أممية لم تفارقها يومًا،وأنها أمة أحرار تأنف من احتقارها واستعبادها من فئات تسلطت عليها واستباحت قيمها،وتنكرت لدورها وقيمتها بين الأمم،وأساءت تقدير حقيقة نفوسها وتركيبة عقولها،
- إن ما يحدث في العالم العربي حاليًا هي مجموعة أحداث تكون سياقًا ثوريًا يتخذ طابع العنف بالقدر الذي يحاول الطغاة استخدامه في مواجهة شعوب سقط لديها مفهوم الخوف ،ووضعت خلف ظهورها ثقافة الخضوع والخنوع ،إنه سياق من رفض الظلم والقهر والاستعباد ،وتطلع إلى مستقبل التعددية والحرية والمواطنة المتكافئة التي ينتج عنها توزيع مقومات الحياة بالعدالة ،وتحمل المسؤوليات الوطنية بشكل تكاملي توافقي ،إنها أحداث ترسم معالم مستقبلها ، وتنهض كل القوى الاجتماعية في المستويات المختلفة للأنساق الاجتماعية بما يناط بها من مسؤوليات حسب موقعها في التكوين الاجتماعي،وتستأنف كل القوى أو معظمها،وتباشر مراكز التأثير المدني والعسكري في كل المواقع أنشطتها التقليدية التي تسير بموجبها شؤون الحياة اليومية في الداخل والخارج،تقوم الأجهزة المختلفة بأدوارها في حفظ التوازن الضروري لحياة الجماعة،وتحرص القوى الفاعلة في المجتمع على تسيير الحياة وفق السنن الدارجة في الكون ،وحسب ما تواطأ عليه العقلاء والمفكرون والفلاسفة وأهل الرأي وأصحاب الحل والعقد.
أيها العسكر العرب :
أنتم حماة الأوطان ،أنتم جند الله للدفاع عن الوطن العربي ضد الغزاة،عودوا إلى الثكنات قبل أن تغرقوا في أوحال السياسة الدنيوية،نرجوكم :حافظوا على طهر ونقاء الصورة التي سطرتموها بدمائكم الطاهرة في معارك النزال ،ولا تنفصلوا عن ماضي أمتكم المجيد في نصرة الحق،وهزيمة موجات الغزو الصليبي والمغولي واليهودي الصهيوني المعاصرنيجب ألا تغيب عنكم صورة سيد البشر رمز الجهاد وقائد أمة الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،فهو قدوتكم ورمز فخاركم،وعنوان عزكم.
يا رجال الأمن العرب :
• لا تقتلوا أبناء شعبكم مهما كانت الأعذار ، تذكروا حرمة دم الإنسان عامة والمسلم خاصة.
• تذكروا أن الدماء لا يمكن أن تضيع.
• تذكروا أنفسكم وأبناءكم وإخوانكم لو كانوا هم الذين في مرمى نيرانكم !
• يا لفظاعة ويالبشاعة ما ترتكبونه في حق الناس عندما تقتلونهم تحت أي عذر من الأعذار.
• تصالحوا مع نفوسكم وشعوبكم الأبية
• واعلموا أنكم أبناء أعز الأمم ،وأعلاها هامة وأنفة وكرامة ،وأعظمها قيمة ،كونوا حماة وذمار وحمى أكرم أمة كرمها الله بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم منها ،وجعلها محضن الدعوة،وجعل لغتها الوعاء المعرفي الشكلي والموضوعي لكتابه الكريم ، تصوروا أن لغتكم التي دُوِّنَ بها كلام الله سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ ، أيُّ مبعثُ عز وفخار هذا الذي تعلو بها رقابنا لتلامس السحب ،وتخترق رؤوسنا أجواز الفضاء ،وتنحني هاماتنا تواضعًا وشكرًا لله على هذه المنة العظيمة،والإحسان الفريد على أمتنا !!!
والله تعالى أعلى وأعلم ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف21)
ـــــــــــــــــــــ
- زينون الإيلي : فيلسوف إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وعاصر سقراط وأفلاطون وأرسطو وبارمنيدس،كان من الفلاسفة السوفسطائيين الذين برعوا في الجدل النظري وفي القدرة على برهنة صحة الشىء ونقيضه.

الرِّسالة الموجّهة إلى باراك أوباما في أوَّل أسبوع من تنصيبه رئيساً/ صبري يوسف

رسالة مفتوحة إلى رئيس أميريكا (الجديد) باراك أوباما


السيِّد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما

تحية أيها المنبعث من خضمِّ الحياة

ها قد أصبحتَ رئيس أكبر دولة مهيمنة على العالم، فهل ستستمرُّ في برنامج الهيمنة مثل أسلافكَ أم أنكَ ستعود إلى جذورِ سمرتك الدَّاكنة الملفَّحة بشمس أفريقيا الدافئة، وتنثرُ هواء السَّلام والمحبّة والوئام بين البشر كلَّ البشر وتضعُ حدّاً لهذه الحروب المجنونة التي تغلي بين أجنحةِ سياسات هذا الزمان؟!
أهنئكَ يا باراك على تنصيبكَ رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، هل تعلم أنَّ أسمكَ مشتق من البَرَكة، فهل ستجدُ سماء الشَّرق والغرب والعالم البَرَكة على يديك؟ آمل هذا، وآمل أن يترجم كل إنسان على وجه الدنيا بركاته ونعمه على الأرض ويقدِّمها للبشر كلَّ البشر.
حضرتُ مراسيم تنصيبكَ رئيساً لأمريكا، عبر التلفاز، بدقةٍ وشغفٍ كبيرين، وسمعت باهتمامٍ إلى خطابكَ المقتضب المكثف المعبر الجانح نحو اخضرارِ الأمل، فهل ستترجم هذا الأمل أم أنه سيبقى مجرد خطاب ساسة، وما أكثرهم في سلِّم الحياة وما أظلمهم وما أبعدهم فيما يقولونه بعد القسم، هل ستطبق ما وعدته للمواطن الأمريكي والشرقي والكوني أم أنك محاصر بجملة من الضغوط الكونية واللَّونية والأمريكيّة، ممَّا يجعلك تنحو منحى من سبقوك في مواعيدهم الممطوطة فلم نجد على مدى عقودٍ مضَت عبرَ أسلافكَ سوى الخراب والدمار في دنيا الشرق والغرب؟!

أدهشني وصولك إلى سدّة الرئاسة في أقوى دولة في العالم، أدهشني هذا ولم يدهشني في الآن ذاته، وراودتني أسئلة كثيرة، تصلح لكتابة روايات بلا نهاية، روايات مفتوحة على هواجسِ التأويل، فهل تنصيبكَ هو محاولة للخروجِ من الفخاخ التي وقعت فيها أمريكا كي تبيِّن للعالم أنها دولة ديمقراطية إلى درجة أن أي مواطن، كائناً مَن كان أصله ممكن أن يصبح رئيساً لأميريكا طالما هو مؤهَّل لذلك، وهل ترى أنكَ مؤهَّل أن تكون رئيساً لأمريكا في هذا الوقت أكثر من أي مواطن أمريكي قحّ، أم أن تنصيبك ناجم عن تخطيط أمريكي مدروس بدقّة للخروج من خلالك من المآزق الأمريكية التي مرّوا فيها من سبقوك، لعلَّ أمريكا تبيِّض وجهها أمام العالم لتبيِّنَ من خلالك على أنها دولة غير مهيمنة على العالم ولا تريد أن تهيمن على العالم فها هو شاب أفريقي يحكم أمريكا نفسها، وهذا بالفعل يشير للوهلة الأولى والثانية والعاشرة أنها دولة في قمّة الديمقراطية، ولكن ألا يعقل أن يكون هذا تخطيطاً أمريكياً لما يشبه أفلام هوليود البارعة، حتى ولو كان اخراجه في سياقِ السياسة بعيداً عن الشاشة الكبيرة أو الصغيرة؟!

من جهتي وبكلِّ صراحة أميل إلى التحليل الثاني حيث أرى أن ترتيبات فوزك ووصولك إلى قمّة الهرم في أميريكا ما هو إلا تخطيط بارع من أميريكا وليس لأنَّ لديك شعبية ومؤهّلات وإمكانيات خارقة مما يجعل المواطن الأمريكي ينتخبك، لأنني أرى أن الرئيس الأمريكي هو صناعة أمريكية بحتة، تتمحور صناعته على جملة معطيات فجاءت هذه المعطيات مفصَّلة بصيغةٍ ما على مقاسك، لهذا راهنوا عليك لأنك المنقذ الأهم لما حلَّ بأميريكا من كوارث وانهيار اقتصادي وسياسي ولما هي متورّطة فيه في سماء الشرق والغرب والعالم، فهل أنتَ بالفعل المنقذ المناسب لتخليص أميريكا من هذه الأوحال الغارقة فيها، وهل ستنتهز الفرصة لما أنتَ عليه من مكانة وتحقق طموحاتك الفردانية كإنسان جانح نحو العدالة والسلام والمحبة والوئام بين البشر أم أنَّكَ لا تستطيع أن تخرج عن طوعِ ديناصورات وحيتان البيت الأبيض المغلَّف بضبابية كثيفة وازدواجية واضحة في الكثير من منعرجاته ودهاليزه غير المرئية؟

آمل أن تؤكّد للشرقِ وللعالم أجمع أنكَ ستنهج منهج السلام والوئامِ وتحقق العدالة لأميريكا والشرق الرازح تحت دخان الغرب الأميريكي المكتنف بالويلات المرئية وغير المرئية، وتنقذ ملايين البشر من فكّي كماشة المواعيد الممطوطة التي ينتظرها ملايين الفقراء والأطفال الذين يتضوَّرون جوعاً وبؤساً وغدراً وحرماناً في دنيا الشرق وكأن حياتهم مؤرجحة على كفِّ عفريت طالما أميريكا لها مكاييل مخرومة، متذبذبة وغير منصفة في احلال العدالة والمساواة في عالم الشرق الغارق في البؤس والتشظِّي والاشتعال!

عزيزي السيدّ الرئيس،
كما تعلم ويعلم الجميع أن أميريكا طرحت نفسها أنها بصدد تجفيف منابع الإرهاب في العالم، معتبرةً الشرق العربي والاسلامي مكمن الارهاب، فهل قضتْ على ما اعتبرته ارهاباً، أم أنَّه بدأ يفرّخ ارهاباً مضادّاً وأصبح أكثر مما كان عليه قبل مرحلة التجفيف، وذلكَ ردَّاً لما تقوم به أميريكا من ارهاب الدَّولة بالتنسيق مع صديقتها المدلَّلة اسرائيل، وفي هذا السياق أودُّ الوقوف عند كلمة الارهاب، فهذه الكلمة التي تم استخدامها بصيغة سلبية، هي ليست كذلك في كلِّ الأحول، لأن الكلمة مشتقة من الفعل أرهب يرهب ارهاباً فهو ارهابي، أي بما معناه أخافَ يخيف ..، فهو مخيف، فأي كائن حي على وجه الدُّنيا لو تعرَّضَ لموقف مخيف ومرعب وارهابي سيضطر أن يردّ على خصمه ويخيفه ويرهبه دفاعا عن نفسه، ففي هذه الحالة ارهاب الآخر أو اِخافته كنوع من الدفاع عن النفس هو حق شرعي وإلا أعتبر كل مَن لا يدافع عن نفسه مجرّد إنسان جبان لا أكثر!
وهنا أتساءل هل يوجد في تاريخ البشرية أكثر ارهاباً ورعباً من اسرائيل لما قامت وتقوم به من مجازر في غزة وجنين وصبرا وشاتيلا والجنوب اللبناني، وعلى امتداد وجودها على أرضِ فلسطين، فهل من المعقول أن يبقى الفلسطيني بكل فصائله الحماسية وغير الحماسية مكتوفي الأيدي أمام هذا الهول الذي يتلقَّونه من اسرائيل، لهذا أرى أنَّ ردَّهم وصواريخهم الخجولة قبل وبعد الغزو المشين الأخير لغزَّة ما هو أكثر من دفاع عن النفس والوجود، وأنا أرى أن اسرائيل هي في خانة الارهاب، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى سلبي وقمعي وارهابي، فلماذا لا تخطِّط أميريكا والغرب والعالم أجمع للقضاء على ارهاب اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني المنقسم على نفسه وعلى أرضه وبيته وهوائه وسمائه ونومه وحلمه المشنفر بالعذاب؟!

لماذا لا تحلحل أميريكا مشاكل الشرق المتعلقة بالغرب بما يناسب الشرق وتعطي لكل ذي حقٍ حقه، وتكون عادلة وديمقراطية ويعيش جميع الأطراف في حالة سلام ووئام بعيداً عن لغة الحروب المجنونة والمدمرة للجميع؟
لماذا عندما احتلت أميريكا العراق تركت حضارة العراق، ومتاحفه، مباحةً للنهب والدمار والخراب؟!
مَنْ أوصل صدام حسين إلى سدَّة الحكم، ومن طلب من صدَّام أن يبقى في وجه إيران، ومن سمح له بالدخول إلى الكويت، أليست أميريكا، فلماذا لا تحاسب أميريكا ذاتها قبل أن تحاسبه؟!!!
هل تجرّأ مواطن عراقي على مدى فترة حكم صدام حسين من تفجير كنيسة أو جامع أو مدرسة أو أية منشأة حكومية أو أهلية، أو قتل شيخ أو مطران أو قسيس أو شمَّاس أو أي مواطن عادي مسيَّس أو غير مسيَّس، ما لم يتدخل المواطن في سياسة صدام الدكتاتورية؟! فصدام رغم انني كنتُ وما أزال ضد ديكتاتوريته وبطشه وقمعه لكنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يقتل في عهده مواطناً عادياً بريئاً في عزِّ النهار، ولكن في عهد الحكومة الجديدة، عهد البشارة بالديمقراطية نجد المواطن العادي غير المسيَّس والمطران رمز السلام والوئام، يتعرضان للقتل على مرأى ومشهد القوات الأميريكية، فأين الديمقراطية التي صدَّعت أميريكا بها رؤوسنا ولم نحصد منها سوى القتل والطائفية والتخريب والدمار في بلاد الرافدين! فلا لديكتاتورية صدام ولا لديمقراطية الخراب التي قدمتها أميريكا للعراق، لهذا وجد الكون برمّته كيف قدّم منتظر الزيدي فردتَي حذائه هدية للرئيس الأميريكي جورج بوش في آخر زيارة له للعراق، فأنا ضد موقف الزيدي كموقف غير حضاري بصفته اعلامي، وكنّا ننتظر منه حواراً مع الرئيس الأميريكي للدفاع عن نفسه وعن عراقه ولكن مَن يعلم ربما ثقافة الحوار بالأحذية تناسب هكذا حالة متهرِّئة وغليانيّة على مدى السنوات العجاف التي قدَّمتها أميريكا للمواطن العراقي، فهل فكَّرتْ أميريكا بحلِّ عادل لما حلَّ من دمار وخراب في العراق وبإيجاد حلٍّ، يجنِّب العراق من قتلِ المزيد من المطارين ورجالات الدين والأبرياء والأطفال والشيوخ والنساء في سبيل مصالح بغيضة أقل ما يمكن أن نقول عنها أنّها لا تمت للسياسة والإنسانية بصلةٍ على الإطلاق؟!

العراق بلد الحضارات، وحضارته الموغلة في القدم مرتكزة على أكتاف الآشوريين والكلدان والآراميين والبابليين والسومريين والأكّاديين، حضارة مرتكزة على أكتاف صانعي إحدى عجائب الدنيا، أليست حدائق بابل المعلقة من عجائب الدنيا، فكيف لا يخطر على بال أميريكا إعطاء هذا الشعب حقه، هذا الشعب البابلي الآشوري الكلداني الآرامي الأصيل، الذي يتعرَّض للإبادة والقمع والإضطهاد أمام مرآى القوات الأميريكية والعالم، أين ديمقراطيتكم وعدالتكم التي قدمتها أميريكا للعراق وكل هذا الخراب والدمار يتفشّى في عراق اليوم، عراق ما بعد صدام حسين؟! لقد تاه أغلب المسيحيين والصابئة والتركمان واليزيديين وبقية الأقليات والأكثريات على وجه الدنيا هرباً من البطش والقتل والدمار في العراق، فأين التحرير والتطوير والديمقراطية يا أميريكا، يا سيادة الرئيس، يا سادة يا كرام؟!

مَن تسبب بطريقةٍ أو بأخرى في هجرة ملايين المسيحيين من بلاد الشرق الدافئ إلى بقاع الدُّنيا غير التراخي الأمريكي والغربي؟!
الإنسان هو غاية الغايات فأين دفاعكم عن هذا الإنسان، ألا ترى معي أن أميريكا لا تملك سوى لغة الحربِ والعدوان والبحث عن تعديل ميزانها التجاري ولو كان على حساب جماجمِ الشيوخ والشبان والأطفال وفقراء هذا العالم؟!

هناك مئات بل آلاف الأسئلة أودّ أن أطرحها عليك يا سيادة الرئيس، لكن الفسحة المتاحة هنا، لا تتسع للعبور في هذا الميدان، وأتساءلُ على سبيل المثال، مَن صنع بن لادن، ومن سانده ودعمه بالسلاح والمال ضدَّ روسيا أيام زمان، أليست أميريكا؟! فما العجب لو انقلب السحر على الساحر!
مَن أوجد الحركات والتكتلات والأحزاب الاسلامية، ألسيت مواقف أميريكا وإسرائيل؟
هل هناك دول عربية تدعم الحركات الاسلامية المتشدِّدة بقدر ما هي ضدّ التيارات والأحزاب الاسلامية كالاخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب والتيارات التي يدعمها الغرب أكثر مما يدعمها النظام العربي، بل يبقى النظام العربي ضدَّها وضدّ برامجها وتوجهاتها وأهدافها وأفكارها.
مَن صنع وهيَّأَ الأنظمة العربية بهذه الصيغة وبهذا المنظور أصلاً، أليست أغلب سياسات الساسة العرب موجّهة بطريقة أو بأخرى كما ترتأيها أميريكا والغرب ومَن ورائهما، ولهذا تنفّذ الأنظمة توجهات الغرب على أكثر من صعيد وفي الكثير من المحاور، فتضغط على مواطنها المتشدد ومواطنها السياسي المعارض وكل من يخالفها الرأي فينشأ كتحصيل حاصل قِوى وأحزاب وتيارات معارضة للأنظمة ولأميريكا معاً، لما يتلقونه من قمع وكبح لتطلعات المواطن ـ الإنسان، على مختلف مشاربه وألوانه وأطيافه الدينية والسياسية، لهذا تزداد الفجوة والهوّة ويزدادُ الصراع بين الأنظمة والشعوب العربية يوماً بعد يوم، وهذا الصراع أو الخلاف والاختلاف منشؤه وأسبابه مصالح غربية، وقد آن الأوان أن تفتح الانظمة العربية حواراً مع ذواتها كأنظمة ومع مواطنيها وتغيُّر من سياساتها الداخلية والخارجية وعلى الغرب أن يفهم كيفية تغيير معادلة التغيير والتطوير والتنوير بما يناسب الشرق العربي بكل أطيافه وأديانه واثنياته وليس بما يناسب الغرب فما هو تطور بالنسبة للغرب ربما يعده الشرقي تخلُّفاً ومنافياً للأعراف والعاداتِ والتقاليد ولهذا لا بدَّ من إيجاد صيغ شفافة ومدروسة بحيث تناسب مآسي وصلابة وتعنٌّت الشَّرق، وربما تأخذ القضية، أية قضية عقوداً وسنيناً إلى أن يقبلونها ويعتادون عليها، فليس من المعقول أن يتم تطبيق برامج الغرب على الشرق دفعةً واحدة، لأن لكل قارة ولكل بيئة ولكلِّ بلد ولكل دولة ولكل أمَّة خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها التي تصبح بمثابة معايير قانونية تسير عليها، فليس من السهل القضاء عليها أو تجاوزها بالطريقة الغربية، فلا بدَّ أن تنمو وتترعرع وتتشرّب القضايا التطويرية والتنويرية في دنيا الشرق بشكل تدريجي مستساغ، بما يلائم كل مرحلة من مراحل التطوير والتنوير، ويصبح تطورها موضوعياً ومنطقياً من حيث التدرّج التطوري، بحيث يناسب خصوصية المكان والزمان لهذه المساحة الجغرافية المتشابكة في هذا العالم.

لم يعجبني موقف أميريكا مما ارتكبته اسرائيل من مجازر وجرائم بحق الإنسانية في غزّة، جرائم تقشعرُّ لها الأبدان وما ارتكبته من مجازر وخراب ودمار في لبنان والجنوب اللبناني صيف 2006، حيث يبدو واضحا لي ولكل إنسان عاقل وصاحب ضمير حي، أن موقف أميريكا هو منحاز حتى النّخاع لاسرائيل، فما هذه الحرب المدمِّرة خلال الاثنين والعشرين يوما مما تبقَّى من حكم جورج بوش، أليس هذا يا عزيزي الرئيس، تحدٍّ للأمم المتحدة والقانون الدولي والعالم، لماذا أصبح هناك هدنة وتوقّفت اسرائيل عن الحرب قبل تولِّي سيادتك يا أيها الرئيس باراك أوباما، أليس هذا اتفاق مع أميريكا محسوب بدقة متناهية، وألا ترى أن اسرائيل لم تقدِّر نهائياً مشاعر المسيحيين والاسلام واليهود حيث كانت البشرية تحتفل بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية ومع هذا كانت اسرائيل تدكُّ صواريخها وقنابلها وطائراتها فوق جماجم أطفال وشيوخ وشبان غزة، فيما كنتُ أهيئُ نفسي لكتابة قصيدة عن السلام والمحبة والوئام، فعكَّرت الحرب مزاجي وخلخلت معالم فرحي، وإذ بي مع عالم الخراب والدمار والنار، فكتبت نصاً من وحي خراب الكون، بعنوان: "ماتَ الغربُ ماتَ الشرقُ ماتَتِ القيمُ"، فإلى متى سيستمرُّ موتُ القيمِ؟

أيهما أكثر ارهاباً، أن تطلق حماس صاروخاً بالكاد أن يقتل ثلاث نعاجٍ على أن يأتي في قلبِ الهدف، بينما سلاح اسرائيل يفوق الخيال، أين التوازن الأخلاقي في الحرب، أم أن الحروب لا تحمل بين طيَّاتها ذرة أخلاق، فلماذا يرتكبها الإنسان، هل فقد أخلاقه وإنسانيته؟!!! أليس عاراً أن تستعرض اسرائيل عضلاتها وتجرب أسلحتها الترسانية العالمية الفوسفوريَّة الفتاكة على شعب بسيط يتضوَّر جوعاً، فهل قتلت اسرائيل المقاومين أم قتلت أكثرية الشعب الأعزل البريء؟
أين ديمقراطية أميريكا وسلام وديمقراطية اسرائيل التي تنادي بها، وعلى أي أساس تنادي أميريكا باحلال السلام في الشرق الأوسط، هل بهذه العنجهية المريرة سيتم بناء حيثيات السلام؟!
ما هذا الجنون الاسرائيلي في القتل والدمار والخراب والغزو والقصف المخيف والمرعب إلى أقصى درجات الإرهاب، وما هذا الصمت الكوني، ما هذا التراخي الأميريكي، وما هذه القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة ولا تكترث بها اسرائيل، كأنها قرارات صادرة من جهة غير مسؤولة وغير قادرة على تنفيذ قراراتها، لماذا لاتعاقب هيئة الأمم اسرائيل طالما لا تنصاع اسرائيل لقرارات هيئة الأمم، ولماذا لا يتم تحويل مسببي الدمار والغزو إلى محكمة دولية ويعاقبونهم كمجرمي حرب، أم أن اسرائيل في رأسها ريشة وترتعد منها أمريكا نفسها وهيئة الأمم والقانون الدولي؟!

ألاحظُ أن أميريكا وأوربا ودول عديدة في العالم تتدخل في الشأن الإيراني، بذريعة وجود السلاح النووي في إيران، أولاً تقول إيران بأنها لا تمتلك أسلحة نووية وما لديها من طاقة نووية هي مسخَّرة لأغراض التطوير والبناء والسلم، وليس من أجل الحرب وتصنيع القنابل النووية، حيث تعتبر أميريكا أن توفر الأسلحة النووية يشكل خطراً على اسرائيل؟ طيب لماذا لا نعكس السؤال ونقول إن لدى اسرائيل سلاح نووي ولا أحد يسألها أو يحاسبها، فإذا كان غرض أميريكا شريفاً وعادلاً فلماذا لا تنزع السلاح النووي من الشرق الأوسط برمّته بما فيه اسرائيل، وإلا فمن المضحك أن تهدِّد أميريكا إيران بضربة أو بعقوبات ما لم تتخلَّ إيران عن تصنيع السِّلاح النَّووي؟؟ ألا يوجد سلاح نووي في أميريكا؟؟ لماذا لا تطالب أميريكا من أميريكا بنزع سلاحها النووي لأنها تشكِّل خطراً على جيرانها؟!!!

من هذا المنظور أقول لكَ يا سيادة الرئيس، لكي يعم السلام والوئام بين البشر في سماء الشرق والغرب والعالم على الإدارة الأمريكية أن تكون عادلة في التعامل مع دول الشرق ودول العالم، لا أن تهدد أميريكا إيران تارة وسورية تارةً أخرى، في الوقت الذي نجد أن سورية في عهد الأسد الأب والابن كانت وما تزال تجنح نحو السلام العادل والشامل، الأرض مقابل السلام، من دون أي قيد أو شرط وبحسب القوانين الدولية، والمعادلة بسيطة وسهلة وتطبيقها لا يحتاجُ لأية عبقرية، وممكن تحقيق السلام في ليلةٍ وضحاها، ولكن لا تستجيب اسرائيل ولا أميريكا لهذا الجنوح السوري نحو السلام، بل تجنح اسرائيل إلى حالة اللاسلام واللاحرب، بل أنها تتحرّش بين الحين والآخر بسورية وسورية لم تردّ عليها وطالبت وما تزال تطالب بالحل العادل والشامل كما تقره هيئة الأمم والقوانين الدولية وبرعاية أميريكا، ولكن اسرائيل لا تريد السلام وهي شغوفة بالحروب وبسلامها وأمنها هي وإن ذهبت دول الجوار في أغوار الدمار والهلاك فلا يهمُّها وهذه غزة مثالاً حيَّاً لما أقول! فإلى متى ستتشدَّق اسرائيل بأنها مهدَّدة من ايران وسورية والعرب، هل أطلقت سورية رصاصة واحدة على إسرائيل منذ حرب تشرين حتى تاريخه؟!!! أي أمان وسلام تريده اسرائيل أكثر من هذا، أصلاً أنا أرى أن الجبهة السورية في أمان تام على اسرائيل، فلا يوجد أي دافع ـ على ما يبدو للعيان ـ من الجانب السوري في فتح جبهة حرب مع اسرائيل، لأن سورية تنتهج فعلاً منهج الحوار والتفاوض للوصول إلى السلام ولكن اسرائيل لا تريد السلام خاصة عندما ترى أن الجبهة السورية هادئة وآمنة، فلِمَ ستوقع السلام مع سورية طالما لا تشكل سورية أي خطر عليها وطالما السلام مع سورية سيفقد اسرائيل الجولان المحتل، لهذا تماطل اسرائيل، وربما ستماطل إلى أبد الآبدين طالما لا يوجد عليها ضغط غربي وعربي وكوني لتحقيق السلام، فهل سنرى أملاً على يديك بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي العالم، ويعيش الإنسان في الشرق والغرب في وئام بعيداً عن الحروب المجنونة؟! فقد شبعنا منها يا سيادةَ الرئيس.

ختاماً، أودُّ أن أقول لكَ انني عندما أسمع وأقرأ مصطلحات من إبداع أميريكا أضحك كثيراً، مثلاً: الفوضى الخلاقة، متى أصبحت الفوضى خلاقة يا سيادة الرئيس؟ هل وجدت في تاريخك الطويل أن تصبح يوماً ما، فوضاك في مجالٍ ما خلاقة، أنا أعرف أن هناك نصاً شعرياً خلاقاً، فكرة خلاقة، رواية خلاقة، لوحة خلاقة، وئاما وسلاماً ومحبة خلاقة، وأما موضوع أن تصبح الفوضى في عرفكم خلاقة فهذا ما لم أستسغه ولا يقبله عقلي ولا أي عاقل على وجه الدنيا!

القنابل الذكية، لقد أصبحت في عرف أميريكا القنابل ذكية، لا بارك الله في القنابل الذكية والغبية، طالما تقتل البشر في العصر الحديث، ولا بارك الله في كلِّ مَن يصنع سلاحاً ويدمِّر البشر والبشرية، هذا القرن يا سيادة الرئيس يجب أن يكون قرن السلام بين البشر!

كم أنظر بسخرية وأسىً كبيرين عندما أراكم تطرحون بعد كل تدمير، مشروع إعادة الاعمار والبناء! طيب لماذا أصلاً يتمُّ تدمير البلاد والعباد ثم تطرحون أنفسكم لإعادة البناء والتعمير، أنكم تستطيعون أن تبنوا جسراً مدمراً وبناية مدمرة وجامعة مدمرة وجامعاً وكنيسة مدمَّرة ولكن هل تستطيعون إعادة بناء إنسان ميّت، هل تستطيعون إعادة روح طفل شهيد إلى جسده المهشَّم، ما فائدة إعادة اعمار غزة وجنين وصبرا وشاتيلا والجنوب اللبناني وبغداد، طالما آلاف الموتى تخلخلت جماجمهم تحت الأنقاض، وأرواح الموتى الشهداء كيف ستعيدون بناءها وإعادتها إلى الحياة؟!

وحول موضوع إشاعة وترويج وتطبيق الديمقراطية في العراق والعالم العربي، فلا بأس يا سيادة الرئيس أن تتركوا الشرق والعالم العربي على حاله وتخلفه، فهو مسرور بتخلفه وسعيد بلا ديمقراطية، لانه حالما تتحقق عنده الديمقراطية بالطريقة التي تتوخّونها، سيرمي مواطنه بفردتي حذائه بوجه أكبر زعماء العالم فكيف والحالة هذه لا يرميها في وجه حكامه، منطلقاً من باب أنّه حرّ وفي بلد ديمقراطي! هل نسيتم يا سيادة الرئيس ان المواطن الشرقي لا يستوعب الديمقراطية بطريقتكم، ولا يتقبّلها بطريقتكم، لأنه غير معتاد عليها وليس من السهولة أن يتوازن معها لأنه مرّ بسنين وعقود وقرون من القمع والاضطهاد والاستبداد من قبل الاستعمار وبعد رحيل الاستعمار، جاء حكامٌ ربّما بعضهم أكثر قمعاً واضطهاداً واستبداداً من الاستعمار الراحل وكأن المواطن في حالة قمعية مفتوحة عبر مراحل الاستعمار وما بعده ولهذا فليس من السهل أن يتقبل الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية بالطريقة التي ترسمونها، وبكل بساطة أن العالم العربي لو طبق العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية دفعةً واحدة من دون مراعاة ظروفه الآنفة الذكر، لدخل في متاهة وفوضى لها أول وليس لها آخر! ستكون فوضاه، الفوضى ما بعد الخلاقة، لأنه سيتجاوز الخلق والإبداع عابراً في دهاليز المتاهة، لهذا يحتاج العالم العربي إلى بناء طفل سليم وسويّ، ينمو ويترعرع في جوّ طبيعي منذ أن تحمل به أمّه في أحشائها، وبعد أن يرى النور، وإلى أن يغادر هذا النور، وكل هذا يحتاج عقوداً، وسنيناً بل قروناً، وهذه المهمة تقع على عاتقِ مجئ ساسة ومفكرين ومبدعين وبحاثة ومحللين على كافة مناحي الحياة، لانتشال الحالة المزرية التي يعيشها العالم العربي، وإلى أن يتحقق هذا الأمر عليكم يا سيادة الرئيس أن تحققوا السلام كي يتمكن هذا العالم أن يخرج من متاهة الحروب ومن شرانقه المجصَّصة ويبدأ بالبحث عن مخارج لتخلفه لعله يبدأ خطوة المليار ميل نحو بناء إنسان مسالم وطبيعي، عاقل ومتنوِّر وخلاق! هدفه نشر رسالة المحبة والسلام والتنوير بين البشر كل البشر، جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان في هذا الكون الوسيع!!!

فهل وصل المرسال؟!!!

تنويه: دوّنتُ هذا التنويه بتاريخ (29.12.2011) الذي يتضمن تساؤلاً مضافاً لتساؤلات رسالتي المفتوحة إلى الرئيس الأميريكي باراك أوباما، ماذا قدَّمتْ أميريكا يا سيادة الرئيس في عهدِك بعد قرابة ثلاث سنوات، غيرَ الدَّمار والخراب لأميريكا وللعام العربي ولفقراء هذا العالم، فلِمَ لا يطالب الشعب الأميريكي بإسقاط النظام الأميريكي دفاعاً عن أميريكا وعن فقراء هذا العالم، وتفادياً من الحروب التي تفرّخها أميريكا في العالم العربي وفي الكثير من بقاع العالم؟

ستوكهولم: 21 . 1 . 2009
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

لماذا كل هذا الهجوم على مناهضة التطبيع؟/ راسم عبيدات

......في أعقاب قيام قوى وفعاليات مقدسية بالتصدي لأنشطة تطبيعية وإفشالها،والتي كان من المقرر لها ان تجري في مدن القدس وبيت لحم وحيفا،انبرت أقلام وسلت سيوف وبحت حناجر تهاجم وتصف من قاموا بهذا العمل"الأرعن" بأنهم" نبت شيطاني وطحالب ضارة سياسياً في المجتمع الفلسطيني"،ونظرتهم للأمور قاصرة ويريدون "تخريب الانجازات" المتحققة على صعيد استقطاب "المؤمنين بالسلام وبحقوق الشعب الفلسطيني من الطرف الإسرائيلي"،والبعض في سياق تبريره لسجله وتاريخه الحافلين في قضايا وممارسة التطبيع،حاول أن يفلسف الأمور ويستحضر كل التاريخ والمواقف،حتى التقول على الرئيس الراحل ابو عمار بأنه فتح الباب لكونفدرالية فلسطينية- إسرائيلية،ولا احد ضد أن يكون هناك كونفدراليات،ولكن تلك الكونفدراليات،ما نعرفه،بأنها حقوق سيادية لدول لها حدودها وسيطرة على أراضيها ومواردها وسكانها،وإنا لا اعرف كيف سيكون هناك كونفدرالية بين حكومة احتلال مغرقة في العنصرية والتطرف وبين شعب يرزح تحت نير الاحتلال بكل تمظهراته العسكرية والاقتصادية والأمنية؟،فأي كونفدرالية هذه التي ينظرون لها"؟،وإصرار البعض وإمعانه في تحدي شعبنا والخروج بشكل سافر ووقح على كل المحرمات والثوابت والخطوط الحمراء،دفعه لعقد مثل تلك اللقاءات التطبيعية في إحدى المستوطنات المقامة على أرض شعبنا المحتلة،مستوطنة أريئيل،وبرعاية جامعة أريئيل،ولذلك مطلوب من اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية وكل فصائل شعبنا ومؤسساته أن ترفع الغطاء عن تلك الزمرة،فالتطبيع ليس وجهة نظر،وان تسارع الى اتخاذ موقف صريح وواضح من مثل هذه الأنشطة واللقاءات التطبيعية المشوهة لنضالاتنا وتضحياتنا.

نحن لم نفقد البوصلة ولا اتزاننا ولا توازننا يا جهابذة التطبيع وتجار المال و"البزنس"والارتزاق والانتفاع،نميز جيداً وبوضوح بين الأنشطة التطبيعية والأنشطة التضامنية التي تقوم بها قوى وحركات إسرائيلية للتعبير عن موقفها في رفض وإدانات ممارسات الاحتلال،وان كانت تلك القوى هامشية وتتجه نحو الضمور والتلاشي،وأغلبها لا تعترف حتى بالحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني – دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس،وبالتالي نحن في هذا الإطار لا نقف ضد أي نشاط أو عمل تقوم به قوة أو حركة إسرائيلية تبادر لرفض وإدانة ممارسات الاحتلال،ولكن البعض يريد أن يستغل هذه النافذة هنا،لكي يلتف على الموقف الوطني من أجل ان يفلسف الأمور ويبرر لنفسه او لمجموعته او مؤسسته القيام بالأنشطة واللقاءات التطبيعية،تلك الأنشطة الهادفة أصلا إلى تخريب وعي شبابنا وشعبنا،والى اختراقنا سياسيا واقتصاديا وثقافياً وحتى نفسياً،وأغلب تلك الأنشطة هي لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية ونوع من الدعاية بأن هناك " تعايش وسلام ووئام"بين شعبنا والإسرائيليين،مثل الأنشطة الرياضية المشتركة والثقافية والأكاديمية والحوارية على المستوى الشبابي والنسوي والسياسي وغيره،وهذا "البزنس" الضار،اولا عدا عن ما يلحقة بقضيتنا وهويتنا وثقافتنا ووعينا من ضرر،فهذه الأنشطة تبييض لصفحة الاحتلال على المستوى العالمي وإخراجه من دائرة عزلته المتنامية عالمياً بسبب ممارساته القمعية والعنصرية.

والبعض يخلط عن عمد ويميع التخوم والحدود والفواصل ما بين التطبيع والتضامن،ويعتبر أنه"فلتت زمانه وسابق عصره"،فهو يريد ان يترجم أفكاره وقناعاته ويجربها ويختبرها على ارض الواقع،بدون أي مساءلة او محاسبة حتى لو كانت متعارضة ومتناقضة مع الموقف الوطني والمصالح العليا للشعب الفلسطيني،ويريد ان يثير من حوله الصخب والضجيج والببروغندا،وهنا يجب ان يكون واضحاً بأن حل هذه الإشكالية منوط بموقف سياسي حازم من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،برفض كل أشكال التطبيع وبمختلف مسمياتها مع دولة الاحتلال وعلى كل المستويات، وبرأي أن عقد مؤتمر وطني لمناهضة التطبيع غير قادر على حل هذه الإشكالية،وليس من شأنه خلق موقف جمعي شعبي ورسمي وحتى فصائلي من قضية التطبيع،ولكن قد يكون هذا المؤتمر قادر على إيجاد حالة توافقية فلسطينية،ثوابت وخطوط حمراء ومرجعيات واضحة ومحددة من ولما لهذه القضية الهامة والخطيرة من تداعيات ذات تأثيرات عميقة تطال الوعي والثقافة والوجود الفلسطيني،نحن ندرك جيداً أن الساحة الفلسطينية منقسمة سياسياً ومنفصلة جغرافيا،وهذا له تداعياته ومخاطره لجهة موقف متطابق من هذه القضية،فصحيح أن المفاهيم من هذه القضية الجوهرية مختلطة باختلاف المواقف والمنطلقات والمصالح،ولكن ما هو صحيح ومهم ان العامل الحاسم في هذه القضية المفصلية والجوهرية هو الناس والجماهير التي تحتاج الى التواجد معها وبينها من اجل فصل موقفها عن موقف السلطة وأحزاب التطبيع،فالسلطة المكبلة بالاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية هي "بلدوزر" التطبيع الممنهج،والأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية بمختلف الوان طيفها السياسي،موقفها من هذه القضية فيه الكثير من البهوت والرجرجة وعدم الوضوح والجدية،أي مناهضة التطبيع في أوساطها،ما زالت على شكل جنين يحبو،ويبقى من السهل تفريغه من محتواه.

وقبل ان نتحدث عن الشكل الأخطر من إشكال التطبيع هل هو التطبيع السياسي؟أم التطبيع الثقافي؟،أم التطبيع الأمني؟أم غيره من إشكال التطبيع الأخرى،وبغض النظر عن صوابية وجهة النظر هذه وتلك،يتوجب علينا حتى نحسم الموقف وننحاز لهذه الرؤيا او تلك،ان نحدد مفهوم التطبيع ومخاطره ومظاهره وما هي الاستراتيجيات أو الرؤى التي يجب استخدامها في مناهضة التطبيع،وأيضا بسبب حالة التوهان والانفلات التطبيعي واختلاط المفاهيم الوطنية،غابت المرجعيات،بل وأصبحت الساحة الفلسطينية أقرب الى السوق"والبزنس" الكل يتاجر يشتري ويبيع لمصالحه وحسابه الخاص بلا ضوابط وبلا مرجعيات، يختلق الحجج والذرائع لممارساته وانتهاكه السافر للثوابت والخطوط الحمراء ويغلف ذلك بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني،بحيث أضحى التنسيق الأمني يدخل في صلب تلك المصالح.

واستناداً لذلك فأنني أعرف التطبيع بالمفهوم العام مع الاحتلال الإسرائيلي والذي بدأ الحديث عنه مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 هو"إقامة علاقات سياسية،اقتصادية،ثقافية،واجتماعية وأكاديمية طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل قبل تحقيق السلام الشامل والعادل،وبالتالي فإن التطبيع مع إسرائيل يعني قيام علاقات طبيعية في واقع وشروط غير طبيعية.

ومن الهام جداً القول بأن التطبيع مع إسرائيل بعد أوسلو،قد اختلف بشكل كبير جداً عن مرحلة ما قبل أوسلو،فأسلو كبل الجانب الفلسطيني بالكثير من القيود السياسية والاقتصادية والأمنية على وجه الخصوص،فعلى سبيل المثال لا الحصر،يحظر على الطرف الفلسطيني القول العدو الإسرائيلي،واستبدال ذلك بالطرف الآخر،وعدم وصف من يسقطون بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالشهداء،ولعل الجميع يذكر الوقاحة الإسرائيلية،عندما اتهموا الرئيس عباس بالتحريض ودعم وتشجيع"الإرهاب" والمقصود المقاومة،وذلك لكونه وافق على إطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي على أحد الميادين في رام الله،والتقى الأسرى المحررين في تركيا ،وكذلك في الجغرافيا الفلسطينية،يحظر على الفلسطينيين في منهاجهم الدراسي،القول بأن مدن عكا ويافا واللد والرملة وغيرها من مدن الداخل الفلسطيني مدن فلسطينية،كما أن اتفاقية باريس الاقتصادي،تلزم الطرف الفلسطيني بإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة،وكذلك إقامة علاقات بين المؤسسات والاتحادات الشعبية الفلسطينية والإسرائيلية وغيرها.

ان الداعين إلى التطبيع مع إسرائيل عرب وفلسطينيين،ينطلقون في دعوتهم بأنه علينا أن نكون "واقعين وعقلانيين" وأن نتعامل مع الواقع،وأنا أرى أن مرد ذلك يعود الى ثقافة الهزيمة،ثقافة الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع،والتي أرسى دعائمها المغدور السادات بالقول أن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا وإسرائيل،ومن جاؤوا بعده من قيادات النظام الرسمي العربي،صاروا على نفس النهج،وأرسو مدرسة تطبيعية عنوانها الخنوع والاستسلام،مدرسة التفاوض من أجل التفاوض،وأي تفكير أو بحث خارج عن هذا الإطار،هو تطرف وعدم عقلانية وواقعية و"إضرار بالمصالح العربية"،وها هو حمد ومن معه من عرب "الاعتلال" يقودون نهج التطبيع والتآمر على القضايا العربية علناً وجهراً.

اذاً التطبيع هنا يصبح آلية سياسية وثقافية واقتصادية تستهدف القفز عن الجذور والأسباب التاريخية للصراع وأيضاً التعامل مع نتائج الأمر الواقع باعتبارها معطيات طبيعية،بمعنى تكريس نتائج الحروب العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والقبول بتلك النتائج باعتبارها حقوق إسرائيلية مكتسبة.

ولعل أخطر ما تحمله وتهدف إليه سياسة وثقافة التطبيع هو فرض التعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية وكأن الصراع معها انتهى،وهذا جوهر ما قامت عليه خطة الرئيس الأمريكي "أوباما" وقف الاستيطان مقابل التطبيع الشامل مع العالم العربي،أي تشريع وتكريس الاحتلال وتأبيده،وأبعد من ذلك توفير الغطاء السياسي والثقافي لذلك الاحتلال ،ونزع الأبعاد السياسية والثقافية والأخلاقية عن شرعية النضال الفلسطيني لإنهاء الاحتلال.

ومن هنا فإنني أجد المبادرة،لعقد مؤتمر وطني مناهض للتطبيع ،مبادرة على درجة عالية من الأهمية،لما لقضية التطبيع من أهمية وخطورة وتداعيات على الوعي والثقافة والوجود والمشروع الوطني الفلسطيني،على كل القوى السياسية الفلسطينية وطنية وإسلامية،أن تشارك في هذا المؤتمر بفاعلية ،من أجل تحديد المرجعيات والاتفاق على أشكال النضال لمواجهة التطبيع ومهام العمل التي يجب الاتفاق عليها والتي تخدم حقوق الشعب الفلسطيني والمرتبطة بهذا الصراع،وكذلك تحديد مظاهر التطبيع من أجل العمل على مواجهتها ورسم استراتيجيات العمل لمناهضة التطبيع على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية.