القرية السوريّــة/ سعدي يوسف


قبل سنواتٍ ثلاثٍ أو نحوِها، كنت أتحدّث في مقهى بإحدى عواصم الشمال الأوروبي، مع سيدةٍ من هناك.
لم تكن السيدة الكريمة تعرفني معرفةً كافيةً.
سألـتْني: أأنت سوريٌّ؟
أجبتُ: بل أنا عراقي.
لكنْ ... لِمَ سألتِـنـي إنْ كنتُ سوريّـاً؟
ردّتْ: لأنهم يريدون سوريّين هنا.
اسفسرتُ: ما الخبر؟
قالت: لأنهم شرعوا يقِـيمون 'القرية السورية'!
*
وفي مثل البرقِ، عادتْ بي الذاكرةُ المتعَبةُ إلى السنوات التي سبقت احتلال العراق، حين أقيمت 'القرية العراقية' في غير عاصمةٍ أوروبية واحدة. في براغ. في بودابست ... إلخ.
وتذكرتُ كيف أن عراقيّين (وبينهم يساريّون معروفون) شاركوا، بأجرٍ مدفوعٍ، في إقامة تلك 'القرى' حيث سيتدرّبُ غزاةٌ متوحشون، متعطشون للدم، على احتلال العراق.
*
تلك 'القرية السورية'، تشيَّدُ، باعتبارها قريةً سوريةً، ببيوتها وأكواخها، ودكاكينها، ومقهاها. وسوف يتعلّم الجنودُ الأغرارُ، الغزاةُ اللاحقون، أشتاتاً من دارجةٍ سوريّةٍ، وجانباً من عوائد السوريّين في قريتهم: التحية والمأكل والملبس ... إلخ.
إنهم يبنون 'قريةً سورية' في بلادهم، ليهدموا القرى السورية، في ســوريّـة، على رؤوسِ أهلها الآمنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق