بحزن وخيبة أمل وقرف نسأل أي زمن هذا الذي نحن فيه، أهو زمن المحل، أم زمن "سدوم وعامور"، وزمن ما قبل "طوفان نوح"؟ أم أنه زمن "سوق عكاظ"؟
بالواقع الحالي الصعب والإسخريوتي المعاش في وطن الأرز، وطبقاً لممارسات وأقول وهرطقات العديد من رجال الدين، وجحود وكفر السواد الأعظم من السياسيين، وموت ضمائر ووجدان وكرامة المسؤولين، نقول براحة ضمير إنه زمن بؤس بامتياز تنطبق عليه كل هذه العناوين والإبليسية مضافاً إليها، عنوان "زمن خمير الفريسيين" و"زمن التخلي والابتعاد عن الله وعدم خوفه".
لا، أبداً، هذا الإحساس ليس قنوطاً ولا اكتئاباً ولا تشاؤما لأن المؤمن يعيش على الأمل والرجاء، أمل ورجاء القيامة يوم الحساب الأخير، والقيامة أيضاً على الأرض من كل عثرة تواجهه بالاتكال على الله ومن خلال التقيد بتعاليم كتابه المقدس. إن الشهادة للحق تحرر وهي ليست تعدياً على أحد وإنما واجباً دينياً ملزماً، والمسيح نفسه علمنا ذلك يوم قال للكتبة والفريسيين الذين طلبوا منه إسكات تلاميذه: "لو سكت هؤلاء لتكلمت الحجارة" (لوقا 19-40)، وحجارة "دير مار انطونيوس خشباو" في غزير رفعت الصوت أمس الأحد معاتبة الأباتي طنوس نعمة.
لماذا هذا الكلام؟ لأنه قد انتابتنا حالة من الذهول والغضب ونحن نقرأ عظة الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية، الأباتي طنوس نعمة، التي ألقاها يوم الأحد خلال القداس الإلهي في "دير مار انطونيوس خشباو" في غزير- مقر الرئاسة العامة للرهبانية اللبنانية المارونية، وكانت موجهة إلى الرئيس ميشال سليمان الذي كان من بين الحضور، لا، بل بالتحديد كانت معدة خصيصاً له ومفصلة غب طلبه وفيها الكثير من خمير الفريسيين ومسايرة مقامات البشر.
العتب كبير على الأباتي نعمة لأنه في عظته هذه غرف بنهم من خوابي خمير الفريسيين، وناقض كلياً قاعدة إيمانية أساسية هي ضرورة عدم مسايرة مقامات البشر تحت أي ظرف ولأية أسباب كانت على حساب تعاليم السيد المسيح والحق والحقيقة، وفي هذا السياق يقول القديس بولس الرسول (غلاطية01/10) "هل أنا أستعطف الناس؟ كلا، بل أستعطف الله. أيكون أني أطلب رضا الناس فلو كنت إلى اليوم أطلب رضا الناس، لما كنت عبدا للمسيح".
هذه حرفياً عظة الأباتي نعمة حسبما جاء في تقرير الوكالة الوطنية للإعلام 29/10/2012:
"والقى نعمة عظة شكر فيها سليمان على حضوره وقال: "أتيتم اليوم مع صحبكم الكريم للصلاة في هذا الدير المبارك، وقلبكم ينبض بمشاعر الإيمان. تحملون هموم الوطن، وتقدرون دقة الظروف المحدقة بالمنطقة، التي تتلاطم فيها أمواج المصالح والمطامع، وتستعر فيها الأزمات وتأخذ تسميات وأشكالا مختلفة، ووجوه العنف تتقلب أدوارا متنقلة والإنسان يدفع من حياته ضريبة الحقد والطمع والمصالح. فخامة الرئيس نحن نعلم يقينا تعلقكم بالإيمان وممارستكم الصلاة والتأمل يوميا، وهذا ما يعطيكم رؤية معتدلة، وحكمة تخولكم اجتياز المحن بسلام والنأي بالوطن وبأبنائه عن الانزلاق نحو التهلكة، عبر اعتدالكم وتحملكم الضغوط من أي جهة أتت. لقد عكستم في خدمتكم روح الوكالة الصادقة، فما ظلمتم ولا استبديتم ولا تسلطتم ولا استضعفتم ولم تغلبوا يوما مصلحتكم الخاصة على الصالح العام. لقد عرفتم يا صاحب الفخامة أن الطعام المؤتمنون عليه هو الخير العام الذي من أجله وجدت السلطة السياسية، وهو مبرر وجودها. الخير العام هو ثمرة عيش السلام وتأمين مقتضياته، ودون الخير العام يصبح السلام كلمة جوفاء، ولا سلام نرجوه ما لم يكن مؤسسا على الحقيقة، ومستنيرا بمبادئ العدالة، ومنطقيا بروح المحبة، ومتمما بحرية". أضاف: "معكم اليوم، ولأجلكم، نصلي ليأخذ الرب دوما بيمينكم ويسندكم بروحه، فتزدادون حكمة وأمانة، ويبعد عنكم وعن الوطن كل مكروه".
إن أعمال القدح والمدح تعود إلى حقبة سوق عكاظ، ولن نزيد، لأن مفردات العظة "العكاظية" هذه والنافرة بامتياز تحكي بوضوح ما أزعجنا وأغضبنا. ومفردات العظة بجحودها وعكاظيتها الفاقعتين، وبغربتها الكاملة عن الحق والحقيقة دفعتنا بمحبة وعفوية إلى توجيه هذا النقد الإيماني إلى الأباتي نعمة لعلى تكون فيه إفادة ولفت نظر حيث من المفترض انه صاحب دعوة وقد نذر "العفة والطاعة والفقر"، وبالتالي مطلوب منه إنجيلياً وكنسياً أن لا يساير مقامات الناس، وأن يبتعد عن خمير الفريسيين، وقد وجاء في إنجيل القديس لوقا 12/01 و02: "إياكم وخمير الفريسيين الذي هو الرياء. فما من مستور إلا سينكشف، ولا من خفي إلا سيظهر. وما تقولونه في الظلام سيسمعه الناس في النور، وما تقولونه همسا في داخل الغرف سينادون به على السطوح".
يبقى، هل بعد هذه العظة التأليهية سيتم العمل على إعلان الرئيس ميشال سليمان طوباوياً؟
ونختم مع الني اشعيا (05/21) قائلين وبصوت عال: "ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما الجاعلين المر حلوا والحلو مرا. ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق