هل أقباط مصر في حاجة إلى رئيس أم إلى محرر؟/ أنطوني ولسن

هل أقباط مصر في حاجة إلى رئيس أم إلى محرر ؟؟!! .

أوحى إليّ بهذا السؤال عندما قرأت هذا العنوان " البابا شنودة ترشيح قبطي لمنصب الرئيس ( نكته ) غير مقبولة ، غاية ما يتمناه الأقباط أن يكون منهم محافظ " . هذا ما نشرته احدى الصحف المصرية بالقاهرة وبثته احدى القنوات الفضائية العربية .

ما صرح به قداسة البابا المعظم شنودة الثالث هو الحكمة كلها والتواضع المبني على الواقع الذي يعيشه أقباط مصر منذ زمن بعيد . وقد عبر عنه قداسته بكلمات بسيطة واضحة لا لبس فيها . غاية ما يتمناه الأقباط أن يكون منهم محافظ . أما أن يحلم الأقباط .. مجرد حلم .. بأن يرشح قبطي لمنصب الرئيس في حد ذاته ( نكتة ) غير مقبولة . حقيقة ( نكتة ) غير مقبولة .

ضاعت أحلامنا نحن الأقباط في مصر ومعها أمالنا وتمنياتنا في أن نقدم الخدمات لوطننا مصر على خير وجه بأمانة وصدق في مختلف المجالات العملية ، الصناعي منها أو التعليمي أو الريادي أو القيادي . كل هذا بسبب أننا مسيحيون ، نُحرم بقانون غير مكتوب ولكنه يطبق ، وبدستور غير واضح ، لكنه لا مجال للمناقشة أو الأعتراض . عليك أيها المسيحي أن تقبل شاكراً للدولة ما تتعطف به عليك .. هذا ان تعطفت .. على الرغم من أنك أحد أكبر دافعي الضرائب التي منها ينعم الجميع بالمراكز العالية التي منها رئيس الجمهورية وكل المسؤلين . أو عليك بشد الرحال وترك البلاد وأشكر ربك أنك تعلمت وحصلت على شهادة جامعية ، أو أنهيت تعليمك الثانوي . أما أن تحلم أو تتمنى أو تطلع الى مجرد ترشيح نفسك للرئاسة ، فهذه ( نكته ) . صدقت سيدنا البابا .

في الزمان البعيد عاش الأسرائيليون في مصر فترة زمنية ذاقوا فيها مرارة الغربة والأضطهاد ونظرة فرعون مصر اليهم على أنهم خونة ولا أمان لهم ، ومن السهل عليهم التعاون مع أي عدو لإلحاق الضرر بالبلاد وفرعون البلاد .

حدث هذا لهم بعد أن كان فرعون مصر قد إتمنهم على خزائن مصر وكان سيدنا يوسف الرجل الثاني في مصر . وقد خدم هو وأسرته الصغيرة مع أسرته الكبيرة التي أمر بإحضارها مصر بكل أمانة واخلاص .

تغير الفرعون والزمان وتغيرت معه نظرة الفرعون اليهم . تطلعوا الى محرر يحررهم من نير وظلم ذلك الفرعون الظالم . تعرضوا للكثير من المعاناة ومحاولات التخلص من المواليد الذكور اما بالقتل بعد الولادة، أو بإلقائهم في النهر ليموتوا غرقا .

مع ذلك نجا سيدنا موسى . نشأ وتربى في بيت فرعون وصار الذراع الأيمن له يأتمر بأمر فرعون ويأمر بأسم فرعون .

صرخ بنو اسرائيل الى الرب ليعين لهم محرراً يحررهم من عبودية فرعون ويأخذهم الى أرض الميعاد وتمّ لهم ذلك على يد موسى النبي .

هذا كان ما حدث لبني اسرائيل في مصر وصرختهم التي استجاب لها الرب وعيّن لهم النبي موسى لتحريرهم والخروج من مصر الى أرض الموعد .

بنو اسرائيل خدموا مصر بعد أن نزحوا اليها . عندما خاف فرعون مصر من تكاثرهم بدأ اضطهادهم خوفاً على عرشه .

لكننا نحن أقباط مصر ليس لنا بلد آخر نخدمه ولا وطن أخر يمكننا أن نطلق عليه أرض الموعد . ولم يصدر منا ما يجعل فراعنة مصر الجدد سواء الحكام منهم أو المتشدّدون يخافون منا كل هذا الخوف العظيم فيعملون بكل ما يمكن لعبقريتهم الفذة في التفرقة بين أبناء الوطن مصر بسبب الدين .

نعم بسبب الدين ولا شيء آخر يضطهد أقباط مصر وتسلب حقوقهم علناً وبدون استحياء . وأصبح القبطي ان اراد أن يعيش في مصر عليه قبول التعايش مع كل الصعاب التي تواجهه على جميع أصعدة الحياة . ولا يجب عليه أن يفتح فمه معترضا ولا أن يصرخ متألماً ولا أن يذرف الدمع باكياً . هكذا يعيش أقباط مصر في وطنهم الوحيد الذي يعرفونه والذي أحبوه وأخلصوا له وتفانوا في خدمته .

ارتفعت صرخاتهم للرب . انهم يريدون حلاً لمشكلاتهم المتعددة . ولا بد من أن يستجيب الرب لصراخهم بتعيين محرر لهم لا رئيس . لأن الرئيس يحكم أما المحرر فهو مكسر القيود .. قيود العبودية .

نعم نحن أقباط مصر غير أحرار ونحتاج لمن يعمل على تحريرنا من أهم شيء وهو الخنوع والسلبية والأبتعاد عن المشاركة في جميع نواحي الحياة السياسية منها والأجتماعية والرياضية والثقافية والأعلامية .

نعم نحن أقباط مصر في أشد الحاجة الى أن ننفض عن كاهلنا غبار الخوف الذي على مرّ السنين تحول من غبار يمكن تنظيفه بسهولة الى جدار حائل يحتاج الي معول لهدمهه والتخلص منه حتى نستعيد الثقة بأنفسنا ونعلم تمام العلم أن أي حق يسلب منا لن نسكت عليه بل سنطالب به . لأن الحق لا يمنح ولكنه يكتسب بالإصرار على إكتسابه مهما كانت الضغوط أو التضحيات .

نعم نحن أقباط مصر في أشد الحاجة الى محرر يأخذ بيدنا للنهوض من سبات الخوف والخنوع ويخرج بنا ليس من مصر كما فعل النبي موسى .. لا . لكن ليخرج بنا الى نور الحياة لنتذوق طعم الحرية ونعرف كيف نقول لا والوقوف في وجه كل من يحاول أن يعتدي على أي حق من حقوقنا هذه ليست ثورة " وإن كنت أتمني أن تكون " . لكنها المخرج الوحيد لمصر لكي تعود اليها سماتها التي التصقت بها طوال عهودها . انها أرض السلام والمحبة والتآخي .

نحن المهاجرون نضرب المثل بمصر للذين يتحدثون عن التعددية الحضارية . مصر البوتقة التي انصهرت بها كل الجنسيات وكل الأديان والألوان . ولم يحدث حتى أيام الأستعمار الفرنسي الذي لم يطل والأنجليزي الذي قاومه كل المصريين .

لم يقل أحد منهم أنا مسلم أو أنا مسيحي . بل الجميع كانوا يقولون نحن مصريين . لذلك عاشت مصر على الرغم من وجود مستعمر جاثم على صدرها أزهى عصورها الحضارية والتي أخشى أنها لن تعود . أيام ثورة 1919 العظيمة .

أضطهد فرعون مصر بني إسرائيل وسخرهم فصرخوا وطلبوا من الرب محرراً .

ونحن أقباط مصر وان كان التشبيه هنا في الظلم والأضطهاد مع الفارق .. أننا أبناء مصر لسنا دخلاء ولا ضيوفاً . ولا مكان لنا غير مصر . حتى الذين هاجروا لم ينسوها ولن ينسوها ولن ينسوا علاقاتهم الطيبة مع اخوة لهم في الوطن مهما اختلف الدين أو الفكر والعقيدة فأن مصر وطن لكل المصريين .

أعود وأسأل .. هل أقباط مصر في حاجة الى رئيس أم محرر ؟؟!!.

أجيب على هذا السؤال بأن أقباط مصر في حاجة الى كل مصري ، مسلماً كان أو مسيحياً ، ليكون محرراً يعمل من أجل تحرير مصر من قيود هذا الذل والأستعباد الذي أصبح مقيداً لروح مصرالعظيمة .

هذا المقال من ذاكرة كتاب " المغترب " ج 6 ، الذي أصدرته عام 2006 / سدني / أستراليا .

والأن ونحن على أبواب الأعادة لأنتخابات الرئاسة

لعام 2012 ، ماذا يريد كل المصريين ؟!.

نعم ، ماذا يريد كل المصريين ؟! .

تحدثت عن أقباط مصرالمسيحيين في المقال أعلاه الذي كتبته عام 2005 . والأن الحديث لا بد وأن يكون عن مصر التي لكل المصريين خاصة ونحن أمام محك إختياري ما بين مرشحي الأعادة في إنتخابات الرئاسة .

نظام مبارك السابق فساد ، وجماعة الأخوان في نفس الفترة على الرغم أنهم جماعة محظورة إلا أنهم قد أُعطيّ لهم من قبل مبارك الضوء الأخضر لفعل ما يحلو لهم في الشارع المصري .. فأفسدوه . عملوا من أجل أنفسهم وراعوا من له الولاء لهم . ركزوا على التدين المظهري ، وتغاضوا عن روح التدين والدين الأسلامي . مصر لم تعد كما كانت وكما عشناها . بل أصبحت غريبة في طباعها وتصرفات أهلها . بَعُدَ الحب وحل محله الكُره للغير والبغضاء وازداد التكفير لكل مخالف لهم .

تخلص الشعب من نظام مبارك . وبطريقة بارعة حل الأخوان مكان نظام مبارك دون حنكة أو خبرة سياسية تؤهلهم لحكم بلد مثل مصر . وكانت البداية وحتى الأن مؤسفة لا تبعث على الأطمئنان . مصر بالنسبة لهم مجرد سلم يصعدون عليه للوصول إلى الولايات المتحدة العربية والتي عاصمتها القدس وليس القاهرة ولا مكة .

سيدنا سليمان الحكيم المحتكم إليه في صراع بين سيدتين على مولود. كل منهما تدعي أمومتها للطفل وتطالب بحق حضانته وتربيته . جاء رده حكيما مقنعا عندما قال لكلتاهما أنه يحكم بقطع الطفل إلى نصفين وتأخذ كل إمرأة نصف . وافقت إمرأة ، وصرخت الأخرى رافضة الفكرة قائلة له .. لا فلتأخذه صحيحا سليما معافى . وهنا وضحت الرؤيا وظهرت الأم الحقيقية للطفل وزهق الباطل .

في مصر الأن من ينادي بأمومتها وأنها أم الدنيا ومهد الحضارات ويجب أن تعود إلى عظمتها ومجدها . ولم يختلف البعض الأخر عن هذا ولكنهم لأخذ مصر إلى ما يصبوا إليه أبناؤها عليهم العودة بمصر إلى عصور وعهود تكاد تكون قد إندثرت تماما . الحكم ديني والشريعة الأسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وعدم تغريم ختان الإناث ، والحجاب والنقاب و .. و .. إلخ .. وظهرت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشياء كثيرة لا أظن أن مصر ستقبلها بعد أن رفضتها جملة وتفصيلا إبان الحكومات والدول الأسلامية السابقة .

المصريون يريدون من مَنْ يتولى إدارة شئونها أن يأخذها خطوات إلى الأمام ويصل بها إلى مستوى علمي وثقافي وحضاري ما يواكب ركب الحضارة والتقدم بناء الشخصية المصرية القادرة على إستيعاب كل ما يدور حولها وأن تكون مصر فاعلة متفاعلة مع العالم والتقدم العلمي مرشحان يتنازعان على كرسي الرئاسة في الأعادة يومي السبت والأحد القادمين 16 & 17 من شهر يونيو الحالي . وأستطيع أن أقول أن مصر في حاجة إلى رئيس محرر . بمعنى أننا في حاجة إلى رئيس يحررنا من التخلف والرجعية ويأخذ مصر إلى ركب الحضارة والتقدم .

قبل أن تدلي بصوتك راعي ضميرك في مصر أولا وأخيرا .. والله الموفق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق