وانتصر الشر في عقر دار المسلمين/ محمد فاروق الإمام

خيب قادة المسلمين الذين اجتمعوا في رحاب البيت العتيق رجاء الثكالى والأيتام والأرامل وأنين الجرحى وعذابات المفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين الذين فاق عددهم الملايين في خلال سبعة أشهر من عمر ثورة السوريين على استبداد وظلم حكامهم الساديين، ولما يجف بعد دم الأطفال والنساء والآمنين في بيوتهم بانتظار مدفع الإفطار في مدينة اعزاز المتاخمة للحدود السورية التركية في شمال مدينة حلب، التي تعرضت لقصف وحشي همجي من الطيران الحربي لنظام الأسد الفاشي، استخدم فيها قنابل فراغية محرمة دولياً أدت إلى تدمير حي كامل على رؤوس ساكنيه.. خيب هؤلاء الحكام رجاء المظلومين والمقهورين والمعذبين بما ختموا به بيانهم الهزيل الذي أطلقوا عليه "ميثاق مكة المكرمة الإسلامي" الذي أكد فيه هؤلاء القادة على تمسكهم بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول منظمة التعاون الإسلامي في أي ظرف وتحت أي عنوان نزولاً عند ضغوط إيران، بعد أن أيقنت طهران أن قرار تجميد عضوية النظام السوري في هذه المنظمة الإسلامية أمر حتمي ومجمع عليه، وبذلك تكون طهران قد حققت ما هو أهم من تجميد العضوية، فتمسك هؤلاء القادة بمبدأ عدم التدخل ينفي عن إيران أي تدخل في سورية ويجعلها في موقف مريح يبعد عنها شبهة دعم النظام السوري بكل أشكاله التسليحية واللوجستية والمخابراتية والتدريبية، وحتى انخراط الآلاف من عناصر الحرس الثورة في مواجهة الثوار، وقد تمكن الجيش السوري الحر – كما شاهدنا عبر الشاشات الفضائية المختلفة - من أسر العشرات من هؤلاء الخبراء وأعضاء الحرس الثوري الإيراني وهم متلبسون في قتل السوريين، بما لدى بعضهم من الخبرة في القنص الذي لا يفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ، وقد أفتى لهم أئمتهم فعل ذلك دون أي حرج بل وشجعوهم على ذلك، لأن في قتلهم باعتقادهم هو الطريق الأقصر إلى دخول الجنة.
جاء هذا البيان الختامي المخيب لآمال السوريين في إنصافهم من عدو غاشم مجرم أوغل في دمائهم حتى الركب، دون أن تحرك هذه الدماء ضمير كل من حولهم من قريب أو بعيد لا من منطلق إنساني أو أخلاقي أو ديني أو قيمي، فقد تبلدت الأحاسيس وخوت النفوس من كل أشكال القيم ومات فيها الضمير وانعدم الحس الإنساني.
ومن المحزن أن قادة العالم الإسلامي وهم الأجدر في تحمل المسؤولية والأحق في تنفيذ أوامر النبي محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوما"، قيل: ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً. قال عليه الصلاة والسلام: "الأخذ على يده"، أي منعه من الظلم، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وهذا جبار سورية ومجرمها وقد تمادى في قتل السوريين والتغول في دمائهم لأكثر من سبعة عشر شهراً راح فيها ما يزيد على 22 ألف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين، ألا يكفي كل هذا العدد المهول من أن يأخذ حكام المسلمين على يد هذا القاتل المجرم، ويوقفوا حمام الدم اليومي الذي يفجره من أجساد أطفال سورية ونسائهم وشيوخهم والمدنيين في طول البلاد وعرضها؟!
ألم يسمع هؤلاء الحكام تصريحات واشنطن بأن "إيران تجهز ميليشيات مقاتلة لمساعدة بشار الأسد على ذبح أطفال سورية وانتهاك أعراض حرائرها"؟!
ألم يسمع هؤلاء الحكام الشهادة الموثقة التي عرضها الجيش السوري الحر للقناص "الحزبللاوي"، واعترافه بأنه دخل إلى سورية مع 1500 قناص محترف وتوزعوا في معظم المدن والبلدات السورية ليقوموا بقنص الأطفال والنساء وكل ما يتحرك أمام ناظرهم؟!
ألم يسمع هؤلاء الحكام نشرات الأخبار وهي تنقل خبر عبور السفن الإيرانية لقناة السويس متوجهة إلى ميناء طرطوس وهي تحمل كل صنوف الأسلحة والذخائر لتزود بها نظام القتلة في دمشق؟!
ألم يشاهد هؤلاء الحكام الأساطيل الروسية وهي تمخر عباب المتوسط إلى ميناء طرطوس وعلى متنها أحدث ما أنتجته الترسانة العسكرية الروسية من أسلحة القتل ومعدات التخريب، عزَّ على العرب الحصول عليها في كل حروبهم مع العدو الصهيوني، تزود بها النظام المجرم في دمشق، إضافة إلى كل ما لديه من أسلحة فتاكة دفع ثمنها من جهد وعرق ودم السوريين ليقتلوا ويذبحوا بها؟!
ألم يتمعر وجه هؤلاء الحكام من الفيتو الروسي الذي حال ويحول حتى من إصدار قرار من مجلس الأمن يندد بجرائم الأسد وبوائقه؟!
أليس من المعيب والمخزي أن ينهي هؤلاء القادة مؤتمرهم في كنف البيت العتيق، الذي شهد ولادة "حلف الفضول" لكفار قريش من أجل إنصاف المظلوم والأخذ على يد الظالم، ويختموا مؤتمرهم هذا ببيان يفتقر إلى ما فعله كفار قريش قبل البعثة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "تمنيت لو كنت ممن شارك في حلف الفضول"، ويقروا ما ذهب إليه الروس والإيرانيون الذين يغوصون حتى الحلقوم في دعم الأسد ومساندته، دون أن يعتبرهم هؤلاء القادة متدخلون في الشأن السوري الداخلي وأنهم بالتالي ليسو أجانب ولا غرباء؟!
ورحم الله شاعرنا الذي قال:
ولكن قومي وإن كانـوا ذوي عدد
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
ومن إساءة أهل السـوء إحسـانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق