لم يكن الاعتداء الهمجي "اللينش" في وسط مدينة القدس الغربية على أحد الشبان العرب هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير. في القدس وفي غيرها من المدن والبلدات هوجم شبّان عرب من قبل مجموعات من الشباب اليهود.
في جميع هذه الاعتداءات لم تكن أية معرفة سابقة بين الجناة وبين الضحيّة ولم يكن للهجوم أيّ مبرر. ألحدث عرضي وسوء حظ الضحيّة أوقعها فريسة في طريق مفترسين. الاعتداء ينفّذ ببساطة وبدون حرفيّة تذكر. ساحة الجريمة المعدّة: كل مكان. الزمن: كل زمان، والشمس ضوء وإنارة. الجمهور: خَلقٌ من المارة كالقردة في الحكمة الصينية، لا يقشعون ولا يسمعون ولا يتكلّمون.
يشم الجناة دم العربي فينقضّون كقطيع من الضباع. الضحيّة على الأرض، غالبًا بدون وعي، تنزف. تُنقل إلى مستشفى قريب، عادة من قبل مجهولين يخشون تربص الجناة. الشرطة لا تعرف شيئًا، حتى وإن تواجدت عناصرها في محيط الجريمة فلديها دائمًا ذرائع وأسباب تستشفع بها وتنجو. لا يعتقل من الجناة أحدٌ وهو متلبس بجرمه. لاحقًا تكتشف الشرطة أن هنالك كاميرات منصوبةً في المكان ولكن، يا للعجيبة، يتبيّن أن هنالك عطلًا في الكاميرات أو أن ما وثّقته لم يكن واضحًا وكافيًا ليصير بيّنة تدين أيّا من المعتدين.
في البدايات تعتقل الشرطة بعضًا من المشبوهين. تمدد اعتقال بعضهم ببضعة أيام وتطلق سراح الأغلبية بذرائع وذرائع. في النهاية لا يدان أحد وإن أدين لا يسجن وإن سجن لا يمضي إلّا بضع أيام تكون أقل وأقصر ممّا قضت الضحية على فراش المرض والعلاج.
تمامًا كما كان متوقّعًا وكأنّه سيناريو مكرر وجاهز، بدأنا نقرأ عن هذه الجريمة، أن جميع الكاميرات المنصوبة في تلك الساحة المركزية في القدس الغربية كانت معطّلةً بسبب تصليحات جارية عليها!. كذلك بدأنا نقرأ أن للحادث تداعيات سابقة وحيثيات لاحقة والصورة ليست جليّة كما اعتقدت الشرطة وأعلنت في بيانها الأول حينما وصفت ما جرى لذلك الفتى العربي بأنه اعتداء دموي شارك به عشرات من الفتية والفتيات اليهود بسبب عنصري، وأسمته بـ"اللينش"، وكاد الاعتداء أن يقضي على حياته لولا الحظ.
على جميع الأحوال أستطيع أن أجازف وأقامر مخمّنا أن الشرطة لن تفلح بالقبض على العشرات من الجناة، كما جاء بالخبر وكما كانت الحقيقة، وفي النهاية لن يبقى في السجن جناة فمحاكم الدولة ستعمل بنزاهة قصوى! ولن تدين من في حقّه ظَنٌ وستنصف جميع المشبوهين وسيبقى الملف وصمة عار على جبين مجهول، وللعربي ستبقى أبواب السماء مشرعة، إليها يرفع الشكر والدعاء لأنّه نجا ولم يمت.
لقد قلت في الماضي وحذّرت أن الجميع مرشّح ليكون ضحيّة قادمة. لا أحد يستبعد أن يلقى ابنه أو ابنته، في كل مكان وكل زمان، مجموعة من تلك الضباع السائبة، فاصطياد فريسة عربية أصبح إحدى الرياضات المتفشية والوسائل متاحة (هاتف، ميل، وماسيج!) والأهم أنّها رياضة تشفي النهم وغير مكلفة.
قلنا إن السوس بدأ ينخر في جذع السلطة القضائية، الركن الثالث والأهم في مجتمع صحيح ومعافى، ويوقعه. بعض القضاة وأعدادهم في تزايد، تحوّلوا أبناء هذه العقلية وإفرازًا من هذا المناخ المسموم القاتل.
إنّها مسيرة انحطاط طويلة. لم تبدأ اليوم ولكنّها تستفحل اليوم وتكمل حلقة الدم الخطيرة. فالمحكمة العليا الإسرائيلية تستوعب قاضيًا مستوطنًا، واستوعبت لسنين طويلة قاضيًا اسمه إدموند ليڤي، شارك في مئات من الملفات وقضى باسم القانون والعدل وتستر بحرفية عن حقيقة ما يؤمن به، وها هو ينكشف على حقيقته مجرد أن خرج إلى التقاعد. بدون أعذار ولا مبررات وبدون خجل يجاهر بتقرير يشرعن الاحتلال وموبقاته، يشهر، دون أن يندى له جبين، سيفه ويعلن، احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية مشروع وقانوني والاستيطان جائز. الخطورة ليست في مضمون التقرير فحسب، الخطورة أنّه معد من قاضٍ أنهى عمله قبل مدة وجيزة ولسنين كان يحكم في تظلّمات آلاف الفلسطينيين بينما كان يؤمن بشرعية الاحتلال الإسرائيلي وشرعية نشاطاته.
قصتي في أروقة المحاكم الإسرائيلية بدأت قبل ثلاثة عقود وهي مسيرة شهادة على سقوط هذه المنظومة. قصص من الخيال ومن العبث والمأساة "أبطالها" من لحم ودم. ضحايا مرتين ودومًا مظلومين. ضحايا السياسة والممارسة الإسرائيلية وضحايا الكذبة الكبرى أن محاكم هذه السياسة ستنصف وسترضع حليبها للعطاش والجائعين.
لعقود تعاطى الفلسطينيون مع واقع هذه المحاكم كقدر محتوم وأجل لا غنى عنه ولا بدائل. واليوم، وعلى خلفية ما يعتري هذا الجهاز من عطب وتغييرات خطيرة، هنالك حاجة ماسة لإعادة النظر ودراسة ما يمكن وما يجب أن نفعله نحن العرب كزبائن لهذه المحاكم.
من القاطع والواضح عندي أن هنالك فوارق جوهرية ومبدئية في ردَّي الفعل الجائزين في الحالتين الفلسطينيتين. فالفلسطينيون، سكان المناطق المحتلة عام ١٩٦٧، لديهم من الخيارات كثرة وفي طليعتها دراسة جدوى التعاطي مع هذه المحكمة لا سيما على ضوء تقييم جدي ومدروس لتاريخ طويل من الخسارة المزمنة في أروقتها وخاصة بعدما تكشفت رؤيا مبدئية سياسية واضحة من عدة قرارات مفصلية "درّتها" بلا شك ما أفصح عنها تقرير القاضي "ليڤي" وتعيين قاض مستوطن.
بالمقابل علينا، نحن الفلسطينيين سكان إسرائيل، وضع رؤية إستراتيجية مدروسة تصوغ علاقتنا المرجوة والمفيدة لمصالحنا مع المنظومة القضائية في الدولة وفي طليعتها المحاكم على تفرّعاتها. أعتقد أننا، إذا نوينا وقررنا، قادرين على التأثير وتغيير واقع الحال وفي بعض الحالات سننجح بوقف النزف وتضميد بعضٍ من جراحنا.
لن نبقى طرائد لعمليات "لينش" متزايدة فلننصب كاميراتنا، عساها تكشف وتضبط بعض الضباع السائبة. وإلّا فكل "لينش" ونحن سالمون.
في جميع هذه الاعتداءات لم تكن أية معرفة سابقة بين الجناة وبين الضحيّة ولم يكن للهجوم أيّ مبرر. ألحدث عرضي وسوء حظ الضحيّة أوقعها فريسة في طريق مفترسين. الاعتداء ينفّذ ببساطة وبدون حرفيّة تذكر. ساحة الجريمة المعدّة: كل مكان. الزمن: كل زمان، والشمس ضوء وإنارة. الجمهور: خَلقٌ من المارة كالقردة في الحكمة الصينية، لا يقشعون ولا يسمعون ولا يتكلّمون.
يشم الجناة دم العربي فينقضّون كقطيع من الضباع. الضحيّة على الأرض، غالبًا بدون وعي، تنزف. تُنقل إلى مستشفى قريب، عادة من قبل مجهولين يخشون تربص الجناة. الشرطة لا تعرف شيئًا، حتى وإن تواجدت عناصرها في محيط الجريمة فلديها دائمًا ذرائع وأسباب تستشفع بها وتنجو. لا يعتقل من الجناة أحدٌ وهو متلبس بجرمه. لاحقًا تكتشف الشرطة أن هنالك كاميرات منصوبةً في المكان ولكن، يا للعجيبة، يتبيّن أن هنالك عطلًا في الكاميرات أو أن ما وثّقته لم يكن واضحًا وكافيًا ليصير بيّنة تدين أيّا من المعتدين.
في البدايات تعتقل الشرطة بعضًا من المشبوهين. تمدد اعتقال بعضهم ببضعة أيام وتطلق سراح الأغلبية بذرائع وذرائع. في النهاية لا يدان أحد وإن أدين لا يسجن وإن سجن لا يمضي إلّا بضع أيام تكون أقل وأقصر ممّا قضت الضحية على فراش المرض والعلاج.
تمامًا كما كان متوقّعًا وكأنّه سيناريو مكرر وجاهز، بدأنا نقرأ عن هذه الجريمة، أن جميع الكاميرات المنصوبة في تلك الساحة المركزية في القدس الغربية كانت معطّلةً بسبب تصليحات جارية عليها!. كذلك بدأنا نقرأ أن للحادث تداعيات سابقة وحيثيات لاحقة والصورة ليست جليّة كما اعتقدت الشرطة وأعلنت في بيانها الأول حينما وصفت ما جرى لذلك الفتى العربي بأنه اعتداء دموي شارك به عشرات من الفتية والفتيات اليهود بسبب عنصري، وأسمته بـ"اللينش"، وكاد الاعتداء أن يقضي على حياته لولا الحظ.
على جميع الأحوال أستطيع أن أجازف وأقامر مخمّنا أن الشرطة لن تفلح بالقبض على العشرات من الجناة، كما جاء بالخبر وكما كانت الحقيقة، وفي النهاية لن يبقى في السجن جناة فمحاكم الدولة ستعمل بنزاهة قصوى! ولن تدين من في حقّه ظَنٌ وستنصف جميع المشبوهين وسيبقى الملف وصمة عار على جبين مجهول، وللعربي ستبقى أبواب السماء مشرعة، إليها يرفع الشكر والدعاء لأنّه نجا ولم يمت.
لقد قلت في الماضي وحذّرت أن الجميع مرشّح ليكون ضحيّة قادمة. لا أحد يستبعد أن يلقى ابنه أو ابنته، في كل مكان وكل زمان، مجموعة من تلك الضباع السائبة، فاصطياد فريسة عربية أصبح إحدى الرياضات المتفشية والوسائل متاحة (هاتف، ميل، وماسيج!) والأهم أنّها رياضة تشفي النهم وغير مكلفة.
قلنا إن السوس بدأ ينخر في جذع السلطة القضائية، الركن الثالث والأهم في مجتمع صحيح ومعافى، ويوقعه. بعض القضاة وأعدادهم في تزايد، تحوّلوا أبناء هذه العقلية وإفرازًا من هذا المناخ المسموم القاتل.
إنّها مسيرة انحطاط طويلة. لم تبدأ اليوم ولكنّها تستفحل اليوم وتكمل حلقة الدم الخطيرة. فالمحكمة العليا الإسرائيلية تستوعب قاضيًا مستوطنًا، واستوعبت لسنين طويلة قاضيًا اسمه إدموند ليڤي، شارك في مئات من الملفات وقضى باسم القانون والعدل وتستر بحرفية عن حقيقة ما يؤمن به، وها هو ينكشف على حقيقته مجرد أن خرج إلى التقاعد. بدون أعذار ولا مبررات وبدون خجل يجاهر بتقرير يشرعن الاحتلال وموبقاته، يشهر، دون أن يندى له جبين، سيفه ويعلن، احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية مشروع وقانوني والاستيطان جائز. الخطورة ليست في مضمون التقرير فحسب، الخطورة أنّه معد من قاضٍ أنهى عمله قبل مدة وجيزة ولسنين كان يحكم في تظلّمات آلاف الفلسطينيين بينما كان يؤمن بشرعية الاحتلال الإسرائيلي وشرعية نشاطاته.
قصتي في أروقة المحاكم الإسرائيلية بدأت قبل ثلاثة عقود وهي مسيرة شهادة على سقوط هذه المنظومة. قصص من الخيال ومن العبث والمأساة "أبطالها" من لحم ودم. ضحايا مرتين ودومًا مظلومين. ضحايا السياسة والممارسة الإسرائيلية وضحايا الكذبة الكبرى أن محاكم هذه السياسة ستنصف وسترضع حليبها للعطاش والجائعين.
لعقود تعاطى الفلسطينيون مع واقع هذه المحاكم كقدر محتوم وأجل لا غنى عنه ولا بدائل. واليوم، وعلى خلفية ما يعتري هذا الجهاز من عطب وتغييرات خطيرة، هنالك حاجة ماسة لإعادة النظر ودراسة ما يمكن وما يجب أن نفعله نحن العرب كزبائن لهذه المحاكم.
من القاطع والواضح عندي أن هنالك فوارق جوهرية ومبدئية في ردَّي الفعل الجائزين في الحالتين الفلسطينيتين. فالفلسطينيون، سكان المناطق المحتلة عام ١٩٦٧، لديهم من الخيارات كثرة وفي طليعتها دراسة جدوى التعاطي مع هذه المحكمة لا سيما على ضوء تقييم جدي ومدروس لتاريخ طويل من الخسارة المزمنة في أروقتها وخاصة بعدما تكشفت رؤيا مبدئية سياسية واضحة من عدة قرارات مفصلية "درّتها" بلا شك ما أفصح عنها تقرير القاضي "ليڤي" وتعيين قاض مستوطن.
بالمقابل علينا، نحن الفلسطينيين سكان إسرائيل، وضع رؤية إستراتيجية مدروسة تصوغ علاقتنا المرجوة والمفيدة لمصالحنا مع المنظومة القضائية في الدولة وفي طليعتها المحاكم على تفرّعاتها. أعتقد أننا، إذا نوينا وقررنا، قادرين على التأثير وتغيير واقع الحال وفي بعض الحالات سننجح بوقف النزف وتضميد بعضٍ من جراحنا.
لن نبقى طرائد لعمليات "لينش" متزايدة فلننصب كاميراتنا، عساها تكشف وتضبط بعض الضباع السائبة. وإلّا فكل "لينش" ونحن سالمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق