قصة التغيير"الربيع العربي" معروفة متى وكيف واين بدأت، وهي معروفة للقاصي والداني في هذا العالم الذي اصبح قرية صغيرة، شاب تونسي اضرم النار بنفسه بتاريخ 17 ديسمبر2010 في مدينة سيدي بوزيد التونسية تعبيرا عن غضبه لمصادرة الشرطة العربة التي كان يبيع عليها ليؤمن قوت يومه، هذا الحادث أدى الى احتجاجات عفوية ضد الشرطة القمعية والغلاء والفساد والبطالة، ومن ثم تحولت هذه الاحتجاجات للمطالبة بالحريات والاصلاحات السياسية، هذا فقط للتذكير لمن نسي ما حدث، ولا اظن بأن البوعزيزي كان ينفذ مخططا اميركيا لتحرير الشعوب عندما اشعل النار بنفسه.
بعد ذلك انتقلت الاحتجاجات الى شوارع وميادين مصر وليبيا واليمن والبحرين ومن ثم الى سوريا، فالأنظمة في هذه البلدان لم تكن تتوقع بأن تشملها الاحتجاجات والتغييرات، لأن كل نظام كان يظن نفسه مستثنى من هذا التغيير، ولا تزال بعض الانظمة حتى الأن وبالرغم ما يجري تظن بأن التغيير بعيد عنها ولا يعنيها.
فأمريكا والغرب يتحملون المسؤولية عن هذه السنوات الطويلة من القمع والظلم وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة، فالغرب كان شريك هذه الانظمة في قمع الشعوب، فسكوته طوال هذه السنوات عن هذه الاوضاع كان سببه المصالح المشتركة التي تربطهم ببعض. فالحكام عملوا على تأمين مصالحه في المنطقة، والغرب بدوره سكت عن دكتاتورية الحكام وفسادهم بكل اشكاله وبقاءهم في الحكم لعشرات االسنين
ان التشرذم الذي نعيشه على مستوى الشعوب والانظمة مرده الى الثقة في سياسة بريطانيا التي استغلت العرب للوقوف الى جانبها لمحاربة الاتراك وتعهداتها الكاذبة بالاعتراف بالاستقلال العربي بغية تحقيق مصالحها في المنطقة العربية، وكان الفضل لتحرير العرب من حكم الاتراك كما قيل لضابط بريطاني اسمه لورنس العرب، ولكن بعد ذلك اتضحت المؤامرة وتم اقتسام الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا(سايس- بيكو)، ولم تكتف بريطانيا بذلك وانما تعهدت بإقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين.
بعد كل ما حدث، يبدو ان العرب لم يتعلموا من دروس التاريخ وما زالوا يطلبون المساعدة من دول لا يهمها سوى مصالحها، فالربيع العربي شكل فرصة ذهبية للغرب للتدخل مرة اخرى في منطقتنا، ولا بد ان نعترف بأن سبب ذلك هو تشبث بعض الحكام بالسلطة، وكان ليس بالسهل عليهم ترك السلطة دون استعمال القوة وهذا ما كانت تفتقد اليه هذه الشعوب.
ولكن المطالبات بالتدخل الخارجي قد شوهت صورة هذه الثورات، واصبح لبعض الشعوب شركاء في حريتهم، وهذه الدول بدأت بالتبجح بأنها سبب تحرر هذه الشعوب ويجب دفع الضريبة والثمن من ثروات البلاد والخضوع لارادتهم .
لا احد ينكر بأن الغرب والادارة الاميركية ساعدوا على التخلص من بعض الحكام، ولكنهم فعلوا ذلك من اجل مصالحهم، لا من اجل عيون الشعوب العربية، ليكون لهم موطئ قدم في هذه الدول، ومن ثم اقناع الجماعات الاسلامية المتشددة منها والمعتدلة التي تقود دول الربيع العربي بأن الغرب صديق لهم ولدولهم، ولكن الذي لم يتوقعه الغرب وخاصة اميركا وبعد عرض الفيلم المسئ للاسلام بأن تشتعل الاحتجاجات بهذا الشكل ضد الولايات المتحدة، مما استدعى التساؤل من قبلها عن جدوى الدعم السياسي والعسكري الذي قُدم لهذه الدول.
اوباما حاول اقامة علاقات جيدة مع دول الربيع العربي والتشديد على انه يدعم الديمقراطية والحرية في هذه البلدان، وكان يريد الظهور بمظهرالمُخَلص لهذه البلدان وسبب تحُررها، واراد أيضاً ان يسجل نقاطاً لصالحه في الانتخابات القادمة وأراد ان يبرهن انه يستأهل جائزة نوبل التي حصل عليها.
لكنه لم ينجح بذلك، لان شعوب الربيع العربي وبالرغم من مساعدة اميركا لها فانها لا ترى في اميركا صديقا، وخاصة الجماعات الاسلامية المتشددة، وتعرف هذه الشعوب ان اميركا دعمت الانظمة الدكتاتورية السابقة وهي الان تدعم هذه الانظمة، ولذلك توجد ازمة ثقة بين الشعوب العربية والولايات المتحدة الاميركية. اما على صعيد اخر فان علاقة اميركا مع اسرائيل تؤثر على الرأي العام العربي وتنعكس سلباً على الولايات المتحدة، فاوباما تعهد بالحفاظ على امن اسرائيل ودعمها مادياً وعسكرياً لتبقى متفوقة على العرب، وإدراج القدس عاصمة لاسرائيل في برنامجه الانتخابي، وفي بداية ولايته وعد بإقامة دولة فلسطينية، وفي ظل ادارته ازداد الاستيطان على الارض الفلسطينية.
ان الإيمان بمبادئ الحرية ونشرها لا تعرف الاستثناءات وهي حق لكل انسان، ولكن الحقائق التي تتبعها اميركا منافية لهذه المبادئ من خلال استثناء الشعب الفلسطيني من هذه الحرية لصالح دولة تحتل اراضي شعب اخر ومصادرة حريته.
ونستطيع القول ان التغيير الذي حصل في الوطن العربي حصل بإرادة الشعوب ومن صُنعِها، ولم يُستورَد بصناديف كُتب عليها صُنع في الولايات المتحدة، وان الربيع العربي الحقيقي سوف يتحقق عندما تَستكمِل الشعوب ثورتها بالاعتماد على نفسها والضغط على انظمتها للتخلص من التبعية للغرب.
كاتب وصحافي فلسطيني
ielcheikh48@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق