كثرت، في الآونة الأخيرة، التوقعات حول ما ستقترفه حكومة الرؤوس الثلاثة. وأجمع المتوقّعون بأن حكومة الحرب الإسرائيلية تعدّ عدّتها للهجوم، وخيارات استهدافها عديدة، فمن غزة إلى لبنان وحتى إيران، بعدما كانت قد مارست هوايات صيدها في السودان وغيرها من مناطق تعتبرها غابات مباحة وميادين رماية وترفيه.
ما يجري في هذه الأثناء مؤسف، موجع ومستفز. ضحايا تدفع أرواحها أثمانًا لعنجهية مسلّحة ما حصدت يومًا إلّا دماءً زكيّةً، وما زرعت إلّا الحقد والكراهية والبغضاء.
إسرائيل التي على حدّ سيوفها تعيش بقلق وخوف، وبرضا الظالم الذي لا ينام ولا يتيحه لغيره، ماضية في محاولاتها لترويض الفلسطينيين وتعتقد أنّها ستنجح. إسرائيل اليوم كإسرائيل الأمس وأخطر بكثير، فالشعب فيها يبدي أقدارًا من العنصرية المعلنة التي وصلت إلى نسب تزداد من يوم إلى يوم، ونظام الحكم يخرّ ويسقط، فلا قانون يسود ولا قيم تهدي وتزجر وحكومة بثلاثة رؤوس: نتنياهو وباراك وليبرمان مرضى سلطة، من أجلها يخوضون كلَّ المعارك ولتجرِ أنهار من الدماء ولتبكِ جميع الأمهات.
إسرائيل اليوم دولة خطيرة وحساباتها مبنية على معطيات، بعضنا يقرأها أو يستنتجها أو يفترضها، ومعطيات بعضنا لا يريد أن يقرأها ويصر أن لا يستنتجها ويفشل بافتراضها. وبالعودة إلى هجومها الدموي على غزة وما خلّفه وما زال من خسائر في الأرواح وغيرها، أسأل: هل كان من الممكن تفادي الذي يحصل هناك؟ فإذا كان يقين البعض أن إسرائيل تخطّط وتنوي وربما ستفتعل وتختلق الأسباب لهجوم على غزة أو لبنان أو إيران أما استوجب هذا اليقين أو الافتراض سلوكًا مبنيًا على هذا المعطى؟
إلى ذلك، نذكّر أن نتنياهو قرّر تقديم موعد الانتخابات العامة للكنيست الإسرائيلي وقرر، كذلك، التحالف مع حزب ليبرمان العنصري، ولقد بات جليًا أن من شأن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ترسيخ قيادة حزبية جديدة لدولة إسرائيل، قيادة تحمل مشاريع سياسية استراتيجية مغايرة لما ساد حتى اليوم، وقيادة تتصدّر نظامًا فاشيًا كما يصح وصفه بالقاموس السياسي.
ولمن تتبَّع تاريخ المعارك الانتخابية الإسرائيلية، من فجرها الأول وإلى يومنا هذا، عليه أن يلحظ اعتماد ساستها على افتعال معارك عسكرية أو ضربات حربية ضد أهداف عربية في محاولات لتجنيد شعبهم، من خلال استفزاز غريزة الخوف عندهم وغريزة البطش والقوة، بعدما أقنعوهم أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة والقمع لأنهم عكس ذلك "سيبلعوننا ويقضون علينا".
ونذكّر، كذلك، أنّ الحالة السياسية الفلسطينية أفضت إلى وضع انقسام بين غزة والضفة الغربية، وكان هذا الوضع فوزًا لإسرائيل وربحًا صافيًا ثمينًا لها. والأهم هو ما ساد في السنوات الأخيرة من هدوء شبه تام على الحدود الغزّية الإسرائيلية، فباستثناء مناوشات تكتيكية تبعتها تفاهمات سياسية، مباشرة أو من خلال أطراف ثالثة، لم تكن حدود غزة مصدر قلاقل يكبّد إسرائيل مخاسر مادية أو معنوية خطيرة؛ إلّا أن هذا الهدوء لم يُحفظ فمؤخرًا قضّ ضجيج "القذائف" الساقطة على جنوب إسرائيل مضاجع سكينة كانت كافية ولم تعد مقبولة، لأن المعطيات تغيّرت، وما كان يمكن تحمله كقرصة تكتيكية تحوّل والانتخابات قاب قوسين إلى استفزازات تصيب "الحصانة الإسرائيلية" في القلب والكبد، والثلاثي المتمرّس بالصبر والصيد يجيد كذلك قنص الفرص.
إن أضفنا إلى كل ذلك أن إسرائيل الجيش والأمن والقوة، سمعت وأحسّت مثلنا أنّها فقدت قسطًا من قوة ردعها وهو أهم ما ملكت من سلاح وقوة. وتيقّنت أن شعبها أحسّ بفقدان هيبتها في غزة والجنوب اللبناني، لذا انتظرت، بصبر جمل، لمواتاة فرصة من خلالها توهم مجدّدًا وتستعيد ثقة شعب أكثريته تدين بدموية وعنصرية.
ألا يصح أن نسمي كلّما ذكر أعلاه بمعطيات وحقائق؟ فكلنا قرأنا ما خُطّ على جدران غزة وتل أبيب بخطوط من نار ودم وصراحة فائضة ولذا سألت: أما كان ممكنًا تفادي ما يحصل اليوم في غزة؟ أما كان ممكنًا أن يقرأ ذوو الشأن ما يعدّه الأعداء من مصائد وغايات؟!
ولكن... وقع الذي وقع والدماء تسيل وتسقط الضحايا، ضحايا سياسة الاحتلال والقمع والعنجهية العسكرية الإسرائيلية، ويلح السؤال، ماذا بعد؟ كيف من الممكن أن يتغيّر واقع الحال وأن يتعدّل ميزان القوى بما يكفل إيجاد روادع تضمن عدم استفراد إسرائيل القوة والجيش بميادين الرماية والصيد؟ فها هو ما يجري في غزة اليوم يعرّي الربيع العربي ويظهره خريفًا عربيًا مشابهًا لما عرف وما زال يسمّى بـ"العالم العربي" ويعرّي النظام الإسلامي الحاكم فيما يسمى "مجموعة الدول الإسلامية" ويعري كذلك منظومة العالم الغربي فيما يسمى بمجموعة "العالم الحر".
ما يجري في الضفة الغربية وغزة سيجري وسيدوم لأن أكثرية أمّتي لا تقرأ وبعضهم ما زال يؤمن بجامعة عربية وخليفة. سيدوم لأن إسرائيل القادمة هي إسرائيل ابنة ربّها "يهوة"!. الحال سيدوم ما دام هنالك مِن شعبي من يؤثر حفنة من فضة ويسلّم نفس أخيه ليصبح هدفًا ولحمًا منثورًا.
ما يجري في حق غزة هو جريمة كبرى، ولكن تبقى الجريمة أن يقتل أطفال في معارك لا تخلّد إلّا أسماء الكبار والقادة وتؤرّخ دائمًا بيوم بدايتها والنهاية ودائمًا يكون ما بينهما شواهد حجرية منسية. كم أخشى أن تكون غزة بداية ضياع جديد؟
ما يجري في هذه الأثناء مؤسف، موجع ومستفز. ضحايا تدفع أرواحها أثمانًا لعنجهية مسلّحة ما حصدت يومًا إلّا دماءً زكيّةً، وما زرعت إلّا الحقد والكراهية والبغضاء.
إسرائيل التي على حدّ سيوفها تعيش بقلق وخوف، وبرضا الظالم الذي لا ينام ولا يتيحه لغيره، ماضية في محاولاتها لترويض الفلسطينيين وتعتقد أنّها ستنجح. إسرائيل اليوم كإسرائيل الأمس وأخطر بكثير، فالشعب فيها يبدي أقدارًا من العنصرية المعلنة التي وصلت إلى نسب تزداد من يوم إلى يوم، ونظام الحكم يخرّ ويسقط، فلا قانون يسود ولا قيم تهدي وتزجر وحكومة بثلاثة رؤوس: نتنياهو وباراك وليبرمان مرضى سلطة، من أجلها يخوضون كلَّ المعارك ولتجرِ أنهار من الدماء ولتبكِ جميع الأمهات.
إسرائيل اليوم دولة خطيرة وحساباتها مبنية على معطيات، بعضنا يقرأها أو يستنتجها أو يفترضها، ومعطيات بعضنا لا يريد أن يقرأها ويصر أن لا يستنتجها ويفشل بافتراضها. وبالعودة إلى هجومها الدموي على غزة وما خلّفه وما زال من خسائر في الأرواح وغيرها، أسأل: هل كان من الممكن تفادي الذي يحصل هناك؟ فإذا كان يقين البعض أن إسرائيل تخطّط وتنوي وربما ستفتعل وتختلق الأسباب لهجوم على غزة أو لبنان أو إيران أما استوجب هذا اليقين أو الافتراض سلوكًا مبنيًا على هذا المعطى؟
إلى ذلك، نذكّر أن نتنياهو قرّر تقديم موعد الانتخابات العامة للكنيست الإسرائيلي وقرر، كذلك، التحالف مع حزب ليبرمان العنصري، ولقد بات جليًا أن من شأن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ترسيخ قيادة حزبية جديدة لدولة إسرائيل، قيادة تحمل مشاريع سياسية استراتيجية مغايرة لما ساد حتى اليوم، وقيادة تتصدّر نظامًا فاشيًا كما يصح وصفه بالقاموس السياسي.
ولمن تتبَّع تاريخ المعارك الانتخابية الإسرائيلية، من فجرها الأول وإلى يومنا هذا، عليه أن يلحظ اعتماد ساستها على افتعال معارك عسكرية أو ضربات حربية ضد أهداف عربية في محاولات لتجنيد شعبهم، من خلال استفزاز غريزة الخوف عندهم وغريزة البطش والقوة، بعدما أقنعوهم أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة والقمع لأنهم عكس ذلك "سيبلعوننا ويقضون علينا".
ونذكّر، كذلك، أنّ الحالة السياسية الفلسطينية أفضت إلى وضع انقسام بين غزة والضفة الغربية، وكان هذا الوضع فوزًا لإسرائيل وربحًا صافيًا ثمينًا لها. والأهم هو ما ساد في السنوات الأخيرة من هدوء شبه تام على الحدود الغزّية الإسرائيلية، فباستثناء مناوشات تكتيكية تبعتها تفاهمات سياسية، مباشرة أو من خلال أطراف ثالثة، لم تكن حدود غزة مصدر قلاقل يكبّد إسرائيل مخاسر مادية أو معنوية خطيرة؛ إلّا أن هذا الهدوء لم يُحفظ فمؤخرًا قضّ ضجيج "القذائف" الساقطة على جنوب إسرائيل مضاجع سكينة كانت كافية ولم تعد مقبولة، لأن المعطيات تغيّرت، وما كان يمكن تحمله كقرصة تكتيكية تحوّل والانتخابات قاب قوسين إلى استفزازات تصيب "الحصانة الإسرائيلية" في القلب والكبد، والثلاثي المتمرّس بالصبر والصيد يجيد كذلك قنص الفرص.
إن أضفنا إلى كل ذلك أن إسرائيل الجيش والأمن والقوة، سمعت وأحسّت مثلنا أنّها فقدت قسطًا من قوة ردعها وهو أهم ما ملكت من سلاح وقوة. وتيقّنت أن شعبها أحسّ بفقدان هيبتها في غزة والجنوب اللبناني، لذا انتظرت، بصبر جمل، لمواتاة فرصة من خلالها توهم مجدّدًا وتستعيد ثقة شعب أكثريته تدين بدموية وعنصرية.
ألا يصح أن نسمي كلّما ذكر أعلاه بمعطيات وحقائق؟ فكلنا قرأنا ما خُطّ على جدران غزة وتل أبيب بخطوط من نار ودم وصراحة فائضة ولذا سألت: أما كان ممكنًا تفادي ما يحصل اليوم في غزة؟ أما كان ممكنًا أن يقرأ ذوو الشأن ما يعدّه الأعداء من مصائد وغايات؟!
ولكن... وقع الذي وقع والدماء تسيل وتسقط الضحايا، ضحايا سياسة الاحتلال والقمع والعنجهية العسكرية الإسرائيلية، ويلح السؤال، ماذا بعد؟ كيف من الممكن أن يتغيّر واقع الحال وأن يتعدّل ميزان القوى بما يكفل إيجاد روادع تضمن عدم استفراد إسرائيل القوة والجيش بميادين الرماية والصيد؟ فها هو ما يجري في غزة اليوم يعرّي الربيع العربي ويظهره خريفًا عربيًا مشابهًا لما عرف وما زال يسمّى بـ"العالم العربي" ويعرّي النظام الإسلامي الحاكم فيما يسمى "مجموعة الدول الإسلامية" ويعري كذلك منظومة العالم الغربي فيما يسمى بمجموعة "العالم الحر".
ما يجري في الضفة الغربية وغزة سيجري وسيدوم لأن أكثرية أمّتي لا تقرأ وبعضهم ما زال يؤمن بجامعة عربية وخليفة. سيدوم لأن إسرائيل القادمة هي إسرائيل ابنة ربّها "يهوة"!. الحال سيدوم ما دام هنالك مِن شعبي من يؤثر حفنة من فضة ويسلّم نفس أخيه ليصبح هدفًا ولحمًا منثورًا.
ما يجري في حق غزة هو جريمة كبرى، ولكن تبقى الجريمة أن يقتل أطفال في معارك لا تخلّد إلّا أسماء الكبار والقادة وتؤرّخ دائمًا بيوم بدايتها والنهاية ودائمًا يكون ما بينهما شواهد حجرية منسية. كم أخشى أن تكون غزة بداية ضياع جديد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق