خطابات عربية، وآمال إصلاحية تسودها لغة الحيرة والتعجب والانفعال والتضخيم، وفق ثنائية تفتقر إلى عنصر تركيبي يوافق بين النظرية والتطبيق لصوغ خطاب عربي معاصر يحاكي الأسس النقدية لثلاثية النهضة (الماضي والحاضر والمستقبل)، من أجل بناء واقع عربي يلائم خصوصية المشهد العربي بعيداً عن الهيام والتماهي.
ما يهمنا في هذا الإطار "أن نتناول بالتحليل والنقد الخطاب السياسي العربي المعاصر، لا من وجهة تطبيقه ولكن من وجهة تعبيره النظري ومصادره الإشكالية، من خلال تحليله كخطاب أصل، وكسلطة للتفكير الحاضر". هذا ما قاله الكاتب والمفكر العربي عبدالإله بلقزيز في كتابه "إشكالية المرجع في الفكر العربي المعاصر"، الذي استوجب الخوض في جوهر وكينونة صفحاته.
ما يهمنا في هذا الإطار "أن نتناول بالتحليل والنقد الخطاب السياسي العربي المعاصر، لا من وجهة تطبيقه ولكن من وجهة تعبيره النظري ومصادره الإشكالية، من خلال تحليله كخطاب أصل، وكسلطة للتفكير الحاضر". هذا ما قاله الكاتب والمفكر العربي عبدالإله بلقزيز في كتابه "إشكالية المرجع في الفكر العربي المعاصر"، الذي استوجب الخوض في جوهر وكينونة صفحاته.
متطلبات الخطاب العربي
المتجول في متن نصوص الكتاب يجد أن الخطاب العربي يخضع لهيمنة البعد السياسي، فالفكرة السياسية تشكل الإطار النظري العام الذي يعمل من خلاله الفكر العربي المعاصر ويتحرك في دائرته، وذلك أياً كانت الموضوعات التي تناولها، سواء تعلق الأمر بالاستعمار أو بالتحرر، بالتجزئة أم بالوحدة، بالظلم أم بالعدل، بالاستبداد أم بالديمقراطية، بالتقدم أم بالتخلف، فكل ذلك يرجع إلى طبيعة الظرفية التاريخية بما معناه ظرفية التدخل الأجنبي.
جراء ذلك أصبحت مفاهيم النخب الفكرية تعتمد على مفاهيم الترقي والتنظيمات والقوانين والدستور والديمقراطية والوطن، في حين أنها قبل ذلك كانت تعتمد على مفاهيم الفكر السياسي الشرعي والاجتماعي، كمفاهيم العمران والخلافة والسياسة الشرعية والشورى وغيرها، ما يمثل شكلاً من أشكال الانقطاع الحاصل في الفكر العربي المنقسم إلى شطرين تاريخياً.
كل ذلك يشبه الانقطاع الحاد في مسار الفكر العربي، وهو الانقطاع الذي بات محكوماً على الفكر العربي منه بألا يستمر مرتكزاً إلى ذات القواعد التي كانت تنظم عمله، والذي يتمثل ببدايات التدخل الأجنبي وانتقال المثقف العربي إلى اكتشاف أوروبا في موطنها دون وسائط، والاحتكاك بمنظوماتها، فمن المفارقة أن الأوروبي قام بمعاملة العربي من خلال (الاستشراق)، وأما العربي فأخذ الشكل دون الجوهر متناسياً (الغربنة)، فمن الصعب تطبيق شيء يتناسب مع ظروفه الخاصة على مجتمع آخر مختلف الظروف عن المجتمع الأول، ما أدى إلى تمازج المثقف العربي بالفكر الغربي.
من خلال هذا التمازج بتنوعه المراجعي، فأياً كانت وجهتنا لقراءة نصوص مثقفي النهضة، الذين دافعوا عن النموذج الحضاري الأوروبي أو الذين هاجموه واستنكروه، وكائنة ما كانت المواقف الاجتماعية والسياسية التي نشأت عن أطروحاتهم، فإننا نجد أنفسنا أمام خطاب واحد يدور حول قضية واحدة.
ليست القضية هذه سوى قضية انحطاط (نا) وتأخر (نا) قياساً إلى (الآخر) أي إلى أوروبا التي أيقظت في الفكر العربي حس المقارنة التاريخية، وليس الخطاب ذاك سوى خطاب إصلاح لأحوالـ(نا)، وفي هذا الإصلاح "تنافس المتنافسون" واختلفوا في تحديد مصادره وتعيين رهانه ونموذجه المرجعي: أوروبا أو الإسلام، فظهرت مكونات الخطاب السياسي النهضوي متناقضاً ما بين رفض النموذج الأوروبي ممثلاً بالمثقف السلفي الذي نادى بالحضارة العربية الإسلامية الشامخة بالعودة إلى السلف الصالح، وبين قبول النموذج الأوروبي ممثلاً بالمثقف الليبرالي الذي أخذ بأسباب التمدن الأوروبي.
أخذ الفكر السياسي العربي منذ نشأته، قضيتين مركزيتين وهما: الاستبداد والاستعمار، فالذين انطلقوا من قضية الاستبداد استعملوا لغة التحرر على طريقة الفكر السياسي الأوروبي من خلال مفاهيم الحرية والوطن والأمة والدستور وغيرها، فيما استعمل الذين انطلقوا من قضية الاستعمار لغة الاستمرار والتواصل من خلال مفاهيم، كالعصبية والوحدة، رافضين الإذعان لنظام (الآخر) الفكري والانقطاع التاريخي (العربي الإسلامي(.
من ذلك يتبين أن الانطلاقات النهضوية حملت في جعبتها وجهات نظر، تحولت إلى فكر مرجعي بني على أساسه الخطاب العربي المعاصر، فكل تيار له نظرته، التيار الليبرالي له مرجعيته، والسلفي له مرجعيته المناقضة للأول، ليتضح من ذلك أن معظم المثقفين الليبراليين العرب، نظروا إلى الظاهرة الاستعمارية - كتحد أولاً ثم كواقع ثانياً - بصفتها موضوعات ذات أولوية حاسمة للتفكير، حيث كان التفكير الليبرالي العربي مشغولاً بالدفاع عن مبادئ الحرية ضد الاستبداد والعقل والعلم ضد الدين والدولة الوطنية ضد السلطنة من خلال الاهتمام بمشكلة السلطة (بوعي أو غير وعي) مع بعض أهداف الأجنبي في تلك الفترة حسب قاعدة تفكيك الذات، ما يدل على أن خطابهم، خطاب نضال داخلي اجتماعي - سياسي في سبيل تحصيل الحرية وضد استبداد السلطان، فيما أخذ المثقفون الإسلاميون (الأصوليون) ينظرون باهتمام إلى موضوع الخطر الاستعماري ويغضون الطرف عن مساوئ السلطنة العثمانية وما يرتبط بنظامها السياسي، فلم يكونوا معنيين بمشكلة السلطة، وإنما كانوا معنيين بمشكلة الكيان الاجتماعي والسياسي، ولم يكن انعطافهم نحو قضية الهوية إلا الممر الفكري الإجباري لتعبئة المجتمع والنخبة المثقفة، لمواجهة أخطار الأجنبي، ما يدل على أن خطابهم خطاب نضال وطني في سبيل تحصيل استقلال الأرض والإرادة الوطنية ضد الاحتلال المستعمر.
إن تلك الثنائية المتعارضة في الميل نحو المنظومات المختلفة لا يفسر أن هناك علاقة طلاق بين النموذجين الثقافيين – العربيين، إنما يدل على أن الإشكالية هي واحدة لهما معاًـ وهي إشكالية صاغها (الآخر) بهذا الشكل أو ذاك، ورسم إطار تناولها للفكر العربي المعاصر، ولكن التعبير عنها لم يكن واحداً، بل كان مختلفاً وغالباً ما أنتج لغتين وصيغتين، تقليدية وعصرية، لأسباب اجتماعية – ثقافية تتعلق بطبيعة التكوين الثقافي للنخب الفكرية.
يتبين من ذلك أنها إشكالية نهضة تلتمس السبل إلى الإصلاح بوصفها إشكالية الأنا والآخر، الذات والتاريخ، فقد أنتجت لنا مقاومة ذلك الاحتلال في التوازن بين الجانبين مظهرين أساسيين: مظهر مقاطعة سلفية لـ(الآخر) أرادت نفسها كلية فكانت جزئية. وتماهياً مع (الآخر) توخى لنفسه الشعور بالقوة والندية والخروج من دائرة الاختلال، دائرة الدونية.
إن الخطاب النهضوي الذي تشوبه الكثير من التناقضات بين الجانبين، الليبرالي والسلفي، يتمحور من خلال الصيغة الفكرية للجانب الليبرالي النهضوي الذي أخذها عن الموقف السياسي السلبي من العثمانيين، موقف المعارضة من نظامهم السياسي ومن شرعية حكمهم، عاشوه - ايديولوجياً وفكرياً- كموقف سلبي من الإسلام، بحيث أصبح الإسلام يعني لهم الاستبداد والانحطاط.
هكذا جرت عملية خلط غير شرعية تماماً بين المعتقد والحضارة والثقافة وبين السياسة التي كانت كفيلة بإنتاج موقف عدمي من التراث العربي – الإسلامي. وكما سقط الليبراليون في لعبة المماثلة بين الإسلام والدولة العثمانية، سقط أيضاً في المماثلة بين الإسلام والكنيسة. وكانت المماثلة عنده واحداً من عناصر موقفه السلبي من الإسلام، أما على صعيد الصيغة الفكرية النهضوية السلفية، أصبح رفض المنظومة الفكرية الغربية ومبادئها التنويرية يرادف رفض الاستعمار (هذا الذي أدخل تلك المنظومة إلى بلاد المسلمين للإجهاز على دينهم وثقافتهم ولغتهم) كما ظل السلفي يردد.
يتضح أن السياسة في هذا الموقف أصبحت تطابق الفكر، ولم يعد المثقف المغلوب قادراً على أن يرى الانفتاح الثقافي إلا شكلاً لاستباحة الذات، والهوية والثقافة والحضارة، واعتراف لـ(الآخر) بكونية ثقافته، بما في ذلك من أسباب اضعاف للمقاومة الثقافية والسياسية للتسلط الأجنبي.
والذي يدل على أن السلفي لم يُقبِل على الأخذ من تلك المنظومة بصورة حرة طوعية، ولم يقبلها لأسباب محض معرفية وإنما قبلها بظرفية سياسية هي ظرفية الضغط، وإنه لم يكن يفهم دائماً لجوءه إلى تلك المنظومة على أنه لجوء إلى فكر (الآخر) بل على أنه لجوء إلى أفكار أخذتها أوروبا من الإسلام وهي أفكار إسلامية صرفة، ليدل على أن المثقف السلفي لم يكن قادراً على فك الارتباط - في ذهنه - بين الاستعمار والفكر الغربي.
إن حدود الخطاب العربي النهضوي والذي ظل متناقضاً في ذاتيته الداخلية والخارجية، بالمحتوى المعرفي لليبرالي، والتواصل مع الماضي للسلفي، فإن حدود الخطاب النهضوي الليبرالي ترسمه العلاقة التي كان يفتحها مع الثقافة الغربية المعاصرة، ونعني بها: التأويل، كونها غير منسجمة الكيان النظري والأطر المرجعية المعتمدة، محكومة بالتناقض، وهي تستند إلى النظام الفكري الليبرالي الغربي، الذي عرف حلقات من التطور معتمدة ومتباينة.
فالمثقفون الليبراليون العرب لم يتعرفوا – في نهاية القرن الماضي – على ليبرالية واحدة ذات ملامح متميزة تعكس ملامح عصرها، وتخلق بالتالي التجانس في وعيهم، بل تعرفوا على ليبرالية ورثت روح الفلسفة الغربية الحديثة، وروح الثورة الفرنسية، وروح الردة على الثورة، وروح النخبوية المعادية للديمقراطية والاشتراكية. اما السلفية والتي اخذت كتاباتها تشكل حدودا نظرية رافضة وممانعة للاعتراف بانتصار فكرة الاجنبي على العالم وارجحيتها العلمية، وذلك من خلال الانكفاء الى المدونة الاسلامية، غير ان تلك الممانعة وهذا الانكفاء لم يستمر زمناً طويلا، اذ سرعان ما سينفتح خطاب السلفي لاختراقات فكرية معاصرة، لتتعدل لهجته في الاخر، اي ان خطابه سيتوقف عن انتاج معاني ومشاعر العداء لثقافة (الاخر)، وسيتوقف عن التمترس في الذات، ليمارس لوناً من الوان الانفتاح على العصر، والدليل على ذلك مفاهيم الامة والوطن والدستور وغير ذلك من المفاهيم التي تزخر بها الكتابة السلفية والتي تنتمي الى الفكر السياسي الاوروبي الحديث.
ان هذا الصراع العنيف الذي ما فتئ الوعي العربي يعيشه منذ دخل الغرب مسرحه تاريخيا بين اصالة ومعاصرة، هوية وتقدم، اسلام وحداثة، حولت هذا الوعي حقا الى وعي مشقوق الى نصفين يتصف بالصراع المزدوج، بما معناه هو صراع من النوع غير المحفز على التنافس والانتاج والاختلاف الايجابي.
اذن، وبحسب ما طرحه بلقزيز نحتاج الى موقف تركيبي او مصالحة مؤقتة تمثيلا لنزعة المصالحة التركيبية بين اطراف العناصر المتضادة، وهذا ما مثله الافغاني ومحمد عبده من موقف تركيبي بين تلك الاطراف والتي تكمن اهميتها في الذات لانها تسوية فكرية، اتاحت للفكر العربي ان يتطور ويغتني لفترة دون ان يلجم حركته ذلك التناقض بين مرجعياته، كما تكمن ايضا في انها اتاحت للفكر العربي فرصة تأسيس قواعد للحوار بين مكوناته، واستساغة معنى الحرية الفكرية، بل معنى الثقافة كإبداع وانتاج، حيث ان الافغاني قدم رؤيته حول اطروحتين: التعصب للدين، ومنه موقفه الداعي الى الوحدة الاسلامية، والتعصب للجنس، ومنه اعترافه بوجود امة عربية تجمعها رابطة قومية متميزة، فمن خلال تلك الاطروحتين احس الافغاني بضغط الحالة الاستعمارية التي تستدعي ردوداً ممكنة وواقعية تلائم الواقع المعاش في الملائمة بين الازدواجية في الفكر العربي.
غير ان هذه المصالحة المرجعية لم تعمر طويلا، اذ ما لبثت ان عاش مأزقا حاداً بعد محمد عبده من خلال عودة انقسام وانشطار الخطاب النهضوي والوعي النهضوي الى تيارين متضادين: تيار سلفي عاش على افكار الاصالة الاسلامية لمحمد عبده، وقد مثله رشيد رضا لينبثق عنه بعد ذلك جماعة الاخوان المسلمين بزعامة حسن البنا، وتيار حداثي عاش على الموضوعات الليبرالية لمحمد عبده، ومثله لطفي السيد مخرجا الليبرالية مثل طه حسين، ليفتح الباب امام مرحلة الصدام طويل الامد بين افكار الحداثة وافكار الاصالة، بين التقدم وفكرة الهوية، صدام كان يرشحه لمزيد من العنف والتأجج للطابع السياسي المؤسسي الصريح الذي بدأت تتخذه تلك الافكار، مؤديا الى ثمرة اخفاق الحركة الاصلاحية، مطيحا بامكانيات الحوار بين مكونات الساحة الفكرية العربية، وتكريس قيم النبذ، والانكار، والتخوين، والاتهام، والاستبداد بالرأي بدل قيم الحرية، والاختلاف، والاحترام المتبادل.
ان الخطاب العربي كما وصفه بلقزيز، خطاب رد فعل يتعلق بعطب بنيوي تكويني في هذا الخطاب من خلال ظرفية التدخل الاستعماري في العالم العربي في القرن الماضي، حيث كانت ردة الفعل ممارسة غير حرة، وغير اختيارية جاعلا من الخطاب ذا طبيعة تطرفية (يميناً او يساراً، انغلاقاً اوانفتاحاً)، والذي يدل على انه خطاب متناقض غير متماسك البنى النظرية، وغير منسجم في اطار المرجعية، ليتبين انه خطاب معركة سياسية، اذ ارتبط منذ البداية بقضية سياسية اتى الغرب يطرحها في قلب الفضاء التاريخي الاسلامي (العثماني) هي قضية التأخر: تأخر النظام السياسي (الاطروحة التي قذفت في وجه السلطنة واستبدادها)، وقضية الاستعمار التي شغلت قطاعا عريضا من المثقفين النهضويين، فان القضية تظل هي هي: ارتهان الخطاب ذاك بالمسألة السياسية، ليتضح انه خطاب ايديولوجي سجالي الطباع بمواصفات لا تاريخية، لا يعيش تاريخه في ظل ذلك التجاذب والتوتر، الذي يتحكم فيه بين مرجعيتين: فهو اما خطاب يلتمس اجابات عن حاضره من الماضي( كما في حالة السلفي)، او ما يلمسها له من المستقبل لطموح نهضوي على الطريقة الاوروبية (كما في الليبرالي)، وهو يحيا هذه الثنائية خارج تاريخه الحاضر، والذي جعل الخطاب العربي رهناً باحكامها.
مما ذكر اعلاه، يضع كاتبنا عبد الإله بلقزيز خلاصة مفادها: ان الفكر العربي يفتقد الى تفكيك الماضي والحاضر لنقده ومعالجته قبل الانغمار في تيارات غربية، تربتها تختلف عن تربة المجتمع العربي، او ماضوية افكارها لا تلائم الحياة الحالية، حيث ان الفكر العربي يعتمد على العاطفة قبل العقل، والخيال قبل الواقع (الواقع العربي وتكويناته التاريخية والاجتماعية)، ومن اجل ذلك فانه يحتاج الى تحطيم الاطواق للدخول في فترة جديدة، وتاريخ جديد، لتشكيل خطاب عربي جديد له سماته وركائزه ومكانته.
المتجول في متن نصوص الكتاب يجد أن الخطاب العربي يخضع لهيمنة البعد السياسي، فالفكرة السياسية تشكل الإطار النظري العام الذي يعمل من خلاله الفكر العربي المعاصر ويتحرك في دائرته، وذلك أياً كانت الموضوعات التي تناولها، سواء تعلق الأمر بالاستعمار أو بالتحرر، بالتجزئة أم بالوحدة، بالظلم أم بالعدل، بالاستبداد أم بالديمقراطية، بالتقدم أم بالتخلف، فكل ذلك يرجع إلى طبيعة الظرفية التاريخية بما معناه ظرفية التدخل الأجنبي.
جراء ذلك أصبحت مفاهيم النخب الفكرية تعتمد على مفاهيم الترقي والتنظيمات والقوانين والدستور والديمقراطية والوطن، في حين أنها قبل ذلك كانت تعتمد على مفاهيم الفكر السياسي الشرعي والاجتماعي، كمفاهيم العمران والخلافة والسياسة الشرعية والشورى وغيرها، ما يمثل شكلاً من أشكال الانقطاع الحاصل في الفكر العربي المنقسم إلى شطرين تاريخياً.
كل ذلك يشبه الانقطاع الحاد في مسار الفكر العربي، وهو الانقطاع الذي بات محكوماً على الفكر العربي منه بألا يستمر مرتكزاً إلى ذات القواعد التي كانت تنظم عمله، والذي يتمثل ببدايات التدخل الأجنبي وانتقال المثقف العربي إلى اكتشاف أوروبا في موطنها دون وسائط، والاحتكاك بمنظوماتها، فمن المفارقة أن الأوروبي قام بمعاملة العربي من خلال (الاستشراق)، وأما العربي فأخذ الشكل دون الجوهر متناسياً (الغربنة)، فمن الصعب تطبيق شيء يتناسب مع ظروفه الخاصة على مجتمع آخر مختلف الظروف عن المجتمع الأول، ما أدى إلى تمازج المثقف العربي بالفكر الغربي.
من خلال هذا التمازج بتنوعه المراجعي، فأياً كانت وجهتنا لقراءة نصوص مثقفي النهضة، الذين دافعوا عن النموذج الحضاري الأوروبي أو الذين هاجموه واستنكروه، وكائنة ما كانت المواقف الاجتماعية والسياسية التي نشأت عن أطروحاتهم، فإننا نجد أنفسنا أمام خطاب واحد يدور حول قضية واحدة.
ليست القضية هذه سوى قضية انحطاط (نا) وتأخر (نا) قياساً إلى (الآخر) أي إلى أوروبا التي أيقظت في الفكر العربي حس المقارنة التاريخية، وليس الخطاب ذاك سوى خطاب إصلاح لأحوالـ(نا)، وفي هذا الإصلاح "تنافس المتنافسون" واختلفوا في تحديد مصادره وتعيين رهانه ونموذجه المرجعي: أوروبا أو الإسلام، فظهرت مكونات الخطاب السياسي النهضوي متناقضاً ما بين رفض النموذج الأوروبي ممثلاً بالمثقف السلفي الذي نادى بالحضارة العربية الإسلامية الشامخة بالعودة إلى السلف الصالح، وبين قبول النموذج الأوروبي ممثلاً بالمثقف الليبرالي الذي أخذ بأسباب التمدن الأوروبي.
أخذ الفكر السياسي العربي منذ نشأته، قضيتين مركزيتين وهما: الاستبداد والاستعمار، فالذين انطلقوا من قضية الاستبداد استعملوا لغة التحرر على طريقة الفكر السياسي الأوروبي من خلال مفاهيم الحرية والوطن والأمة والدستور وغيرها، فيما استعمل الذين انطلقوا من قضية الاستعمار لغة الاستمرار والتواصل من خلال مفاهيم، كالعصبية والوحدة، رافضين الإذعان لنظام (الآخر) الفكري والانقطاع التاريخي (العربي الإسلامي(.
من ذلك يتبين أن الانطلاقات النهضوية حملت في جعبتها وجهات نظر، تحولت إلى فكر مرجعي بني على أساسه الخطاب العربي المعاصر، فكل تيار له نظرته، التيار الليبرالي له مرجعيته، والسلفي له مرجعيته المناقضة للأول، ليتضح من ذلك أن معظم المثقفين الليبراليين العرب، نظروا إلى الظاهرة الاستعمارية - كتحد أولاً ثم كواقع ثانياً - بصفتها موضوعات ذات أولوية حاسمة للتفكير، حيث كان التفكير الليبرالي العربي مشغولاً بالدفاع عن مبادئ الحرية ضد الاستبداد والعقل والعلم ضد الدين والدولة الوطنية ضد السلطنة من خلال الاهتمام بمشكلة السلطة (بوعي أو غير وعي) مع بعض أهداف الأجنبي في تلك الفترة حسب قاعدة تفكيك الذات، ما يدل على أن خطابهم، خطاب نضال داخلي اجتماعي - سياسي في سبيل تحصيل الحرية وضد استبداد السلطان، فيما أخذ المثقفون الإسلاميون (الأصوليون) ينظرون باهتمام إلى موضوع الخطر الاستعماري ويغضون الطرف عن مساوئ السلطنة العثمانية وما يرتبط بنظامها السياسي، فلم يكونوا معنيين بمشكلة السلطة، وإنما كانوا معنيين بمشكلة الكيان الاجتماعي والسياسي، ولم يكن انعطافهم نحو قضية الهوية إلا الممر الفكري الإجباري لتعبئة المجتمع والنخبة المثقفة، لمواجهة أخطار الأجنبي، ما يدل على أن خطابهم خطاب نضال وطني في سبيل تحصيل استقلال الأرض والإرادة الوطنية ضد الاحتلال المستعمر.
إن تلك الثنائية المتعارضة في الميل نحو المنظومات المختلفة لا يفسر أن هناك علاقة طلاق بين النموذجين الثقافيين – العربيين، إنما يدل على أن الإشكالية هي واحدة لهما معاًـ وهي إشكالية صاغها (الآخر) بهذا الشكل أو ذاك، ورسم إطار تناولها للفكر العربي المعاصر، ولكن التعبير عنها لم يكن واحداً، بل كان مختلفاً وغالباً ما أنتج لغتين وصيغتين، تقليدية وعصرية، لأسباب اجتماعية – ثقافية تتعلق بطبيعة التكوين الثقافي للنخب الفكرية.
يتبين من ذلك أنها إشكالية نهضة تلتمس السبل إلى الإصلاح بوصفها إشكالية الأنا والآخر، الذات والتاريخ، فقد أنتجت لنا مقاومة ذلك الاحتلال في التوازن بين الجانبين مظهرين أساسيين: مظهر مقاطعة سلفية لـ(الآخر) أرادت نفسها كلية فكانت جزئية. وتماهياً مع (الآخر) توخى لنفسه الشعور بالقوة والندية والخروج من دائرة الاختلال، دائرة الدونية.
إن الخطاب النهضوي الذي تشوبه الكثير من التناقضات بين الجانبين، الليبرالي والسلفي، يتمحور من خلال الصيغة الفكرية للجانب الليبرالي النهضوي الذي أخذها عن الموقف السياسي السلبي من العثمانيين، موقف المعارضة من نظامهم السياسي ومن شرعية حكمهم، عاشوه - ايديولوجياً وفكرياً- كموقف سلبي من الإسلام، بحيث أصبح الإسلام يعني لهم الاستبداد والانحطاط.
هكذا جرت عملية خلط غير شرعية تماماً بين المعتقد والحضارة والثقافة وبين السياسة التي كانت كفيلة بإنتاج موقف عدمي من التراث العربي – الإسلامي. وكما سقط الليبراليون في لعبة المماثلة بين الإسلام والدولة العثمانية، سقط أيضاً في المماثلة بين الإسلام والكنيسة. وكانت المماثلة عنده واحداً من عناصر موقفه السلبي من الإسلام، أما على صعيد الصيغة الفكرية النهضوية السلفية، أصبح رفض المنظومة الفكرية الغربية ومبادئها التنويرية يرادف رفض الاستعمار (هذا الذي أدخل تلك المنظومة إلى بلاد المسلمين للإجهاز على دينهم وثقافتهم ولغتهم) كما ظل السلفي يردد.
يتضح أن السياسة في هذا الموقف أصبحت تطابق الفكر، ولم يعد المثقف المغلوب قادراً على أن يرى الانفتاح الثقافي إلا شكلاً لاستباحة الذات، والهوية والثقافة والحضارة، واعتراف لـ(الآخر) بكونية ثقافته، بما في ذلك من أسباب اضعاف للمقاومة الثقافية والسياسية للتسلط الأجنبي.
والذي يدل على أن السلفي لم يُقبِل على الأخذ من تلك المنظومة بصورة حرة طوعية، ولم يقبلها لأسباب محض معرفية وإنما قبلها بظرفية سياسية هي ظرفية الضغط، وإنه لم يكن يفهم دائماً لجوءه إلى تلك المنظومة على أنه لجوء إلى فكر (الآخر) بل على أنه لجوء إلى أفكار أخذتها أوروبا من الإسلام وهي أفكار إسلامية صرفة، ليدل على أن المثقف السلفي لم يكن قادراً على فك الارتباط - في ذهنه - بين الاستعمار والفكر الغربي.
إن حدود الخطاب العربي النهضوي والذي ظل متناقضاً في ذاتيته الداخلية والخارجية، بالمحتوى المعرفي لليبرالي، والتواصل مع الماضي للسلفي، فإن حدود الخطاب النهضوي الليبرالي ترسمه العلاقة التي كان يفتحها مع الثقافة الغربية المعاصرة، ونعني بها: التأويل، كونها غير منسجمة الكيان النظري والأطر المرجعية المعتمدة، محكومة بالتناقض، وهي تستند إلى النظام الفكري الليبرالي الغربي، الذي عرف حلقات من التطور معتمدة ومتباينة.
فالمثقفون الليبراليون العرب لم يتعرفوا – في نهاية القرن الماضي – على ليبرالية واحدة ذات ملامح متميزة تعكس ملامح عصرها، وتخلق بالتالي التجانس في وعيهم، بل تعرفوا على ليبرالية ورثت روح الفلسفة الغربية الحديثة، وروح الثورة الفرنسية، وروح الردة على الثورة، وروح النخبوية المعادية للديمقراطية والاشتراكية. اما السلفية والتي اخذت كتاباتها تشكل حدودا نظرية رافضة وممانعة للاعتراف بانتصار فكرة الاجنبي على العالم وارجحيتها العلمية، وذلك من خلال الانكفاء الى المدونة الاسلامية، غير ان تلك الممانعة وهذا الانكفاء لم يستمر زمناً طويلا، اذ سرعان ما سينفتح خطاب السلفي لاختراقات فكرية معاصرة، لتتعدل لهجته في الاخر، اي ان خطابه سيتوقف عن انتاج معاني ومشاعر العداء لثقافة (الاخر)، وسيتوقف عن التمترس في الذات، ليمارس لوناً من الوان الانفتاح على العصر، والدليل على ذلك مفاهيم الامة والوطن والدستور وغير ذلك من المفاهيم التي تزخر بها الكتابة السلفية والتي تنتمي الى الفكر السياسي الاوروبي الحديث.
ان هذا الصراع العنيف الذي ما فتئ الوعي العربي يعيشه منذ دخل الغرب مسرحه تاريخيا بين اصالة ومعاصرة، هوية وتقدم، اسلام وحداثة، حولت هذا الوعي حقا الى وعي مشقوق الى نصفين يتصف بالصراع المزدوج، بما معناه هو صراع من النوع غير المحفز على التنافس والانتاج والاختلاف الايجابي.
اذن، وبحسب ما طرحه بلقزيز نحتاج الى موقف تركيبي او مصالحة مؤقتة تمثيلا لنزعة المصالحة التركيبية بين اطراف العناصر المتضادة، وهذا ما مثله الافغاني ومحمد عبده من موقف تركيبي بين تلك الاطراف والتي تكمن اهميتها في الذات لانها تسوية فكرية، اتاحت للفكر العربي ان يتطور ويغتني لفترة دون ان يلجم حركته ذلك التناقض بين مرجعياته، كما تكمن ايضا في انها اتاحت للفكر العربي فرصة تأسيس قواعد للحوار بين مكوناته، واستساغة معنى الحرية الفكرية، بل معنى الثقافة كإبداع وانتاج، حيث ان الافغاني قدم رؤيته حول اطروحتين: التعصب للدين، ومنه موقفه الداعي الى الوحدة الاسلامية، والتعصب للجنس، ومنه اعترافه بوجود امة عربية تجمعها رابطة قومية متميزة، فمن خلال تلك الاطروحتين احس الافغاني بضغط الحالة الاستعمارية التي تستدعي ردوداً ممكنة وواقعية تلائم الواقع المعاش في الملائمة بين الازدواجية في الفكر العربي.
غير ان هذه المصالحة المرجعية لم تعمر طويلا، اذ ما لبثت ان عاش مأزقا حاداً بعد محمد عبده من خلال عودة انقسام وانشطار الخطاب النهضوي والوعي النهضوي الى تيارين متضادين: تيار سلفي عاش على افكار الاصالة الاسلامية لمحمد عبده، وقد مثله رشيد رضا لينبثق عنه بعد ذلك جماعة الاخوان المسلمين بزعامة حسن البنا، وتيار حداثي عاش على الموضوعات الليبرالية لمحمد عبده، ومثله لطفي السيد مخرجا الليبرالية مثل طه حسين، ليفتح الباب امام مرحلة الصدام طويل الامد بين افكار الحداثة وافكار الاصالة، بين التقدم وفكرة الهوية، صدام كان يرشحه لمزيد من العنف والتأجج للطابع السياسي المؤسسي الصريح الذي بدأت تتخذه تلك الافكار، مؤديا الى ثمرة اخفاق الحركة الاصلاحية، مطيحا بامكانيات الحوار بين مكونات الساحة الفكرية العربية، وتكريس قيم النبذ، والانكار، والتخوين، والاتهام، والاستبداد بالرأي بدل قيم الحرية، والاختلاف، والاحترام المتبادل.
ان الخطاب العربي كما وصفه بلقزيز، خطاب رد فعل يتعلق بعطب بنيوي تكويني في هذا الخطاب من خلال ظرفية التدخل الاستعماري في العالم العربي في القرن الماضي، حيث كانت ردة الفعل ممارسة غير حرة، وغير اختيارية جاعلا من الخطاب ذا طبيعة تطرفية (يميناً او يساراً، انغلاقاً اوانفتاحاً)، والذي يدل على انه خطاب متناقض غير متماسك البنى النظرية، وغير منسجم في اطار المرجعية، ليتبين انه خطاب معركة سياسية، اذ ارتبط منذ البداية بقضية سياسية اتى الغرب يطرحها في قلب الفضاء التاريخي الاسلامي (العثماني) هي قضية التأخر: تأخر النظام السياسي (الاطروحة التي قذفت في وجه السلطنة واستبدادها)، وقضية الاستعمار التي شغلت قطاعا عريضا من المثقفين النهضويين، فان القضية تظل هي هي: ارتهان الخطاب ذاك بالمسألة السياسية، ليتضح انه خطاب ايديولوجي سجالي الطباع بمواصفات لا تاريخية، لا يعيش تاريخه في ظل ذلك التجاذب والتوتر، الذي يتحكم فيه بين مرجعيتين: فهو اما خطاب يلتمس اجابات عن حاضره من الماضي( كما في حالة السلفي)، او ما يلمسها له من المستقبل لطموح نهضوي على الطريقة الاوروبية (كما في الليبرالي)، وهو يحيا هذه الثنائية خارج تاريخه الحاضر، والذي جعل الخطاب العربي رهناً باحكامها.
مما ذكر اعلاه، يضع كاتبنا عبد الإله بلقزيز خلاصة مفادها: ان الفكر العربي يفتقد الى تفكيك الماضي والحاضر لنقده ومعالجته قبل الانغمار في تيارات غربية، تربتها تختلف عن تربة المجتمع العربي، او ماضوية افكارها لا تلائم الحياة الحالية، حيث ان الفكر العربي يعتمد على العاطفة قبل العقل، والخيال قبل الواقع (الواقع العربي وتكويناته التاريخية والاجتماعية)، ومن اجل ذلك فانه يحتاج الى تحطيم الاطواق للدخول في فترة جديدة، وتاريخ جديد، لتشكيل خطاب عربي جديد له سماته وركائزه ومكانته.
مرجعية الخطاب العربي والتأويل
اختلافات، وتشابهات، وتناقضات، وتصارعات، هي جملة أفكار لازمت الفكر العربى في نهضته ما بين مشرقه ومغربه، وفق كلمات صيغت على شكل خطاب مليء بالمعنويات، ومفتقر الى الماديات.
ليتضح "ان الفكر العربي يتصف بتعميم الإشكاليات من الخاص الى العام،،، ويعيش في ازمة دائمة مزمنة، ومشاكل تاريخية ملازمة لتاريخ الامة العربية، والغاء تحديد مشاكل الحاضر المحدود ضمن حدود مكانية وزمانية".
من خلال ذلك يرى عبدالإله بلقزيز: ان الاسلام والعروبة، والدين والدولة، والاصالة والمعاصرة، انما تعني اشكاليات وقعت في مشرق الوطن العربي دون مغربه، مما يعني انها اشكاليات محلية وخصوصية، وخصوصا في سوريا الكبرى، حيث تشكلت تلك الازواج كردة فعل ضد الحكم العثماني وسياسة التتريك، للحفاظ على الكيان العربي "لغة وتراثاً"، وكردة فعل على الاضهاد الديني للاقليات الغير مسلمة باسم الاسلام، فيما تشكلت الاخيرة كـ"دعوة" الى الاصلاح لمحاربة الطرقية، والصوفية، والشعوذة.
فتلك الاشكاليات لم يعشها المغرب العربي، ولكن ردة فعله ضد الاتراك كانت من نوع آخر، وذلك بادخال الحركة الوهابية الى المعترك المغربي للتعبير عن حاجة مزدوجة داخلية خارجية، تختلف عن الازدواجية في المشرق العربي.
تمثلت الحاجة الداخلية في اعتبار الوهابية سلاحا ايديولوجيا لمواجهة الحركات الطرقية في المغرب، اما الحاجة السياسية الخارجية، فقد تمثلت في مقاومة الاتراك على الحدود الشرقية للمغرب، فاذا كانت الوهابية في موطنها الحجازي شكلاً من اشكال التمرد على العثمانيين، فلِمَ لا تكون الشيء ذاته في المغرب والذي استمر يتوجس من التمدد التركي على اراضيه.
يتبين من ذلك ان الفكر المغربي مبني على مصادر داخلية: الرد على الطرقية وسلطاتها السياسية اللامركزية المهددة للمخزون، ومصادر خارجية: الرد على الحملة الاوروربية باستعارة بعض الانظمة والافكار الحديثة الوافدة من اوروبا نفسها.
ثمة اسباب عديدة تفسر غياب ظاهرة الازواج المفهومية المتعارضة في الخطاب الفكري الاصلاحي في المغرب، والميل الذي يبديه نحو بناء علاقة تعايش بين المرجعيات، فمنها السياسية، والاجتماعية، والفكرية. فمن ضمن الاسباب السياسية وعلى راسها العامل الاستعماري، فالحركة الوطنية المغربية التي اتصفت في صيغتها المعاصرة في ثلاثينات هذا القرن، تشكلت كاستجابة للتحدي الاستعماري، وكحركة سياسية اصلاحية، اتخذت من نظام الحماية الفرنسي القائم اطاراً للعمل الوطني السياسي.
اما بالنسبة للاسباب الاجتماعية فمن اهمها عدم وجود تعددية دينية في المغرب. فضلا عن ان المغاربة محكومون في اسلامهم بالمرجع المذهبي السني المالكي. فانهم لم يعرفوا مشكلة الاقليات غير الاسلامية، خاصة المسيحية كما هو الحال في المشرق العربي.
ما يعني انه لم تكن قد وجدت بيئة اجتماعية( ودينية) تدفع نحو تشكل ايديولوجيات عروبية في مواجهة ايديولوجيات اسلامية كما حصل في مصر والشام .
اما على الجانب الفكري، فقد درج الاصلاحيون المغاربة - والسلفيون منهم بخاصة- على قراءة افكار الاصلاحيين في المشرق بعد تجريدها من محتواها وخلفياتها الايديولوجية، وتوظيفها. اي انهم اعتادوا التعامل معها بصفتها افكارا دون الانتباه الى ما يؤسسها من اعتبارات ايديولوجية، ودون رغبة منهم في الانخراط في نزاعات الاصلاحيين المشارقة، باعتبار ان معيار اخذهم بها كان هو المصلحة، لتكييف الدعوة الاصلاحية مع الحاجات وقراءتها لا في ضوء الاستقطاب الايدولوجي المشرقي، وبالانتساب الى احد عناصره، وانما في ضوء الواقع المغربي .
يتضح ان شروط انتاج الخطاب الاصلاحي في المغرب كانت متميزة عن شروط انتاجية المشرق، وهذا قاد الى اختلاف تعاطي الاصلاحيين المغاربة مع قضايا كانت- لاسباب سياسية تاريخية- حساسة في المشرق. اما الحقيقة التي تظل قائمة في مطلق الاحوال تدل على ان الخطاب النهضوي الاصلاحي العربي يظل هو هو-في المشرق كما هو في المغرب- باشكالياته ومرتكزاته النظرية، ونظامه المفهومي، رغم اختلاف شروط انتاجه هنا اوهناك.
الحديث في هذا الباب ينأى بنا عن المقاربة السوسيولوجية الثقافية الى المقاربة الابيستيمولوجية والاعتراف المتبادل بين اطراف الصراع الفكري للدخول الى اعادة بناء الوعي بمسألة المرجع بصورة موضوعية غير ايديولوجية، وبصورة سوية غير عصابية، يستطاع من خلالها تجاوز حرب الوعي هذه، وان يتجه الى انتاج معرفة موضوعية بمسألة المرجع، فعن طريق ذلك يستطيع اعادة بناء الوعي العربي من اجل انتاج ثقافة جديدة تسودها لغة التفاهم والتوافق.
ان الفكر السياسي العربي مدعو الى بناء علاقة نظرية صحيحة بين الوحدة والاختلاف في مظهرياتها المختلفة: الوحدة القومية، الديمقراطية والاختلاف( في الراي والتغيير والتنظيم)، العدالة الاجتماعية، الانتماء الوطني غير العصبوي الضيق.
علاقة تقييم التأليف والتركيب بين هذه الحدود، تحتاج الى اعتراف جمعي، بدلا من اقامة عوازل الانكار وعلاقات الالغاء المتبادل والاتهام والنبذ، في الوقت الذي اصبح الهاجس يراود القومي، والماركسي، والسلفي والليبرالي ويرافقه بطريقة التفنن للوصول الى سلطة الدولة، مسببا الانقلابات، والثورة المسلحة، والاضراب السياسي وغيرها من الاساليب، التي حولت العلم السياسي العربي تدريجيا الى علم عسكري دون وعي من المتصارعين. مما جعل من المجتمع العربي يتجه الى الحداثة وفق مفهوم التحديث بالفعل القسري وفق عملية التصارع ما بين قبول الحداثة ورفضها، ما ادى الى نتيجتين: استثارة مقاومة النقيض، تم فشل التحديث ذاته.
ان تحقيق قطيعة ابيستمولوجية هو المدخل نحو تطوير فاعلية الفكر السياسي العربي في المستقبل. ولا سبيل الى ذلك الا باحلال النظرة النقدية ( نقد المسبقات) بدل النزاعات الايمانية البديهية، واحلال السببية في معرفة العالم بدل النزعة المطلقية، التي يمارسها الماركسي العربي والقومي العربي والاصولي العربي، والتي لا تأتي بما هو جديد وانما هم يعيدون انتاج بديهيات منحدرة من اصول ومنطلقات عُدت لديهم حقائق لا يجوز الطعن فيها، حيث تحتاج الى احداث قطيعة مع النزعة النصية المهيمنة على الخطاب السياسي العربي الحديث، الذي يميل الى الاستناد الى نصوص، ومراجع في عملية بناء المعرفة بالواقع العربي، متخذاً شكلا لاقصاء الواقع والاستعاضة عنه بالنصوص، ما يجعل من الوظيفة الابداعية متخلفة فكريا، والعقل الى عقل قياسي فقهي، فتكون تلك النصوص مستقرا، وليس ممرا لما هو جديد، حيث ان جاذبيتها المغناطيسية تشل العقل المبدع، فيكتفي بترديدها ترديدا، وهذا على الاقل حال مفكرينا العرب.
لقد اغلق اسلاميونا المعاصرون باب الاجتهاد في امور الحياة المستجدة ولم يضيفوا اصلا واحدا الى اصول السلف. واكتفى الماركسيون باعادة تصريف مقولات ومفاهيم نشأت في حقل نظري مستجيب الى حقل تاريخي مطابق. ويبقى افضل القومين يعيش في الفكر القومي الاوروبي للقرن التاسع عشر دون اضافة.
ان الذي يستوجب من ذلك ليس ترك النص، وانما اعادة بناء العلاقة به انطلاقا من مرجع اخر، وهو الواقع، لقراءة النص قراءة واقعية، لا قراءة الواقع قراءة نصية.
ان ظاهرة اللفظية الخطابية الشعاراتية السائدة في الخطاب السياسي العربي المعاصر بما يحويه من مفاهيم ومقولات وشعارات يرددها رجل السياسة العربي، تحمل محتوى ايديولوجيا معينا، تتجاوز احيانا المجال الدلالي، وترتفع بالمعنى الى مستوى القداسة عبر الارتفاع باللفظ الى مستوى السحر، وهكذا كلما ذهب اللفظ في اكتساب سحريته، كلما زاد معناه تكلسا، وامعن في قداسة اللفظ، والذي يتوجب ابعاد الفكر العربي عن النظرة الميتافيزيقية من خلال استيعاب النزعة التاريحية وغرسها في التفكير والبعد عن الاستقطاب الحاد الفكري والنظري نحو الاخذ بهذا المرجع او ذاك الفكر: الاسلامي (التاريخ الماضي) او الفكر الاوروبي الليبرالي ( التاريخ المستقبلي) ما يؤدي للهروب من مرجعه الحقيقي( الحاضر)، بمعنى انه يفكر خارج تاريخه الفعلي، اخذا بوصف الواقع لا بتحليله، ولم يعرف من الواقع سوى ( فشل الاشتراكية) ونجاح الليبرالية، او (فشل تطبيق معين للاشتراكية) ونجاح الديمقراطية، او سقوط الديكتاتورية وصعود الديمقراطية.
اما تحليل سياق التناقض الدولي بين المعسكرين فيما يحويه من الامور العسكرية والاقتصادية من تنظيم وتوازنات دولية، فهذه الامور لا تدخل في نطاق التفكير السياسي الا لماماً، مركزا على ظاهرة الوصف والسرد.
من ذلك يتحتم على المفكر العربي الاهتمام بعقلنة الرؤية، والاستشراف المستقبلي وفق خصوصية عربية مبنية على الوعي ونقد "الواقع والذات والتاريخ"، وبدون تلك الاشياء لن يتمكن مفكرنا من بناء سقف هذا البيت، بيت الخطاب العربي.
اختلافات، وتشابهات، وتناقضات، وتصارعات، هي جملة أفكار لازمت الفكر العربى في نهضته ما بين مشرقه ومغربه، وفق كلمات صيغت على شكل خطاب مليء بالمعنويات، ومفتقر الى الماديات.
ليتضح "ان الفكر العربي يتصف بتعميم الإشكاليات من الخاص الى العام،،، ويعيش في ازمة دائمة مزمنة، ومشاكل تاريخية ملازمة لتاريخ الامة العربية، والغاء تحديد مشاكل الحاضر المحدود ضمن حدود مكانية وزمانية".
من خلال ذلك يرى عبدالإله بلقزيز: ان الاسلام والعروبة، والدين والدولة، والاصالة والمعاصرة، انما تعني اشكاليات وقعت في مشرق الوطن العربي دون مغربه، مما يعني انها اشكاليات محلية وخصوصية، وخصوصا في سوريا الكبرى، حيث تشكلت تلك الازواج كردة فعل ضد الحكم العثماني وسياسة التتريك، للحفاظ على الكيان العربي "لغة وتراثاً"، وكردة فعل على الاضهاد الديني للاقليات الغير مسلمة باسم الاسلام، فيما تشكلت الاخيرة كـ"دعوة" الى الاصلاح لمحاربة الطرقية، والصوفية، والشعوذة.
فتلك الاشكاليات لم يعشها المغرب العربي، ولكن ردة فعله ضد الاتراك كانت من نوع آخر، وذلك بادخال الحركة الوهابية الى المعترك المغربي للتعبير عن حاجة مزدوجة داخلية خارجية، تختلف عن الازدواجية في المشرق العربي.
تمثلت الحاجة الداخلية في اعتبار الوهابية سلاحا ايديولوجيا لمواجهة الحركات الطرقية في المغرب، اما الحاجة السياسية الخارجية، فقد تمثلت في مقاومة الاتراك على الحدود الشرقية للمغرب، فاذا كانت الوهابية في موطنها الحجازي شكلاً من اشكال التمرد على العثمانيين، فلِمَ لا تكون الشيء ذاته في المغرب والذي استمر يتوجس من التمدد التركي على اراضيه.
يتبين من ذلك ان الفكر المغربي مبني على مصادر داخلية: الرد على الطرقية وسلطاتها السياسية اللامركزية المهددة للمخزون، ومصادر خارجية: الرد على الحملة الاوروربية باستعارة بعض الانظمة والافكار الحديثة الوافدة من اوروبا نفسها.
ثمة اسباب عديدة تفسر غياب ظاهرة الازواج المفهومية المتعارضة في الخطاب الفكري الاصلاحي في المغرب، والميل الذي يبديه نحو بناء علاقة تعايش بين المرجعيات، فمنها السياسية، والاجتماعية، والفكرية. فمن ضمن الاسباب السياسية وعلى راسها العامل الاستعماري، فالحركة الوطنية المغربية التي اتصفت في صيغتها المعاصرة في ثلاثينات هذا القرن، تشكلت كاستجابة للتحدي الاستعماري، وكحركة سياسية اصلاحية، اتخذت من نظام الحماية الفرنسي القائم اطاراً للعمل الوطني السياسي.
اما بالنسبة للاسباب الاجتماعية فمن اهمها عدم وجود تعددية دينية في المغرب. فضلا عن ان المغاربة محكومون في اسلامهم بالمرجع المذهبي السني المالكي. فانهم لم يعرفوا مشكلة الاقليات غير الاسلامية، خاصة المسيحية كما هو الحال في المشرق العربي.
ما يعني انه لم تكن قد وجدت بيئة اجتماعية( ودينية) تدفع نحو تشكل ايديولوجيات عروبية في مواجهة ايديولوجيات اسلامية كما حصل في مصر والشام .
اما على الجانب الفكري، فقد درج الاصلاحيون المغاربة - والسلفيون منهم بخاصة- على قراءة افكار الاصلاحيين في المشرق بعد تجريدها من محتواها وخلفياتها الايديولوجية، وتوظيفها. اي انهم اعتادوا التعامل معها بصفتها افكارا دون الانتباه الى ما يؤسسها من اعتبارات ايديولوجية، ودون رغبة منهم في الانخراط في نزاعات الاصلاحيين المشارقة، باعتبار ان معيار اخذهم بها كان هو المصلحة، لتكييف الدعوة الاصلاحية مع الحاجات وقراءتها لا في ضوء الاستقطاب الايدولوجي المشرقي، وبالانتساب الى احد عناصره، وانما في ضوء الواقع المغربي .
يتضح ان شروط انتاج الخطاب الاصلاحي في المغرب كانت متميزة عن شروط انتاجية المشرق، وهذا قاد الى اختلاف تعاطي الاصلاحيين المغاربة مع قضايا كانت- لاسباب سياسية تاريخية- حساسة في المشرق. اما الحقيقة التي تظل قائمة في مطلق الاحوال تدل على ان الخطاب النهضوي الاصلاحي العربي يظل هو هو-في المشرق كما هو في المغرب- باشكالياته ومرتكزاته النظرية، ونظامه المفهومي، رغم اختلاف شروط انتاجه هنا اوهناك.
الحديث في هذا الباب ينأى بنا عن المقاربة السوسيولوجية الثقافية الى المقاربة الابيستيمولوجية والاعتراف المتبادل بين اطراف الصراع الفكري للدخول الى اعادة بناء الوعي بمسألة المرجع بصورة موضوعية غير ايديولوجية، وبصورة سوية غير عصابية، يستطاع من خلالها تجاوز حرب الوعي هذه، وان يتجه الى انتاج معرفة موضوعية بمسألة المرجع، فعن طريق ذلك يستطيع اعادة بناء الوعي العربي من اجل انتاج ثقافة جديدة تسودها لغة التفاهم والتوافق.
ان الفكر السياسي العربي مدعو الى بناء علاقة نظرية صحيحة بين الوحدة والاختلاف في مظهرياتها المختلفة: الوحدة القومية، الديمقراطية والاختلاف( في الراي والتغيير والتنظيم)، العدالة الاجتماعية، الانتماء الوطني غير العصبوي الضيق.
علاقة تقييم التأليف والتركيب بين هذه الحدود، تحتاج الى اعتراف جمعي، بدلا من اقامة عوازل الانكار وعلاقات الالغاء المتبادل والاتهام والنبذ، في الوقت الذي اصبح الهاجس يراود القومي، والماركسي، والسلفي والليبرالي ويرافقه بطريقة التفنن للوصول الى سلطة الدولة، مسببا الانقلابات، والثورة المسلحة، والاضراب السياسي وغيرها من الاساليب، التي حولت العلم السياسي العربي تدريجيا الى علم عسكري دون وعي من المتصارعين. مما جعل من المجتمع العربي يتجه الى الحداثة وفق مفهوم التحديث بالفعل القسري وفق عملية التصارع ما بين قبول الحداثة ورفضها، ما ادى الى نتيجتين: استثارة مقاومة النقيض، تم فشل التحديث ذاته.
ان تحقيق قطيعة ابيستمولوجية هو المدخل نحو تطوير فاعلية الفكر السياسي العربي في المستقبل. ولا سبيل الى ذلك الا باحلال النظرة النقدية ( نقد المسبقات) بدل النزاعات الايمانية البديهية، واحلال السببية في معرفة العالم بدل النزعة المطلقية، التي يمارسها الماركسي العربي والقومي العربي والاصولي العربي، والتي لا تأتي بما هو جديد وانما هم يعيدون انتاج بديهيات منحدرة من اصول ومنطلقات عُدت لديهم حقائق لا يجوز الطعن فيها، حيث تحتاج الى احداث قطيعة مع النزعة النصية المهيمنة على الخطاب السياسي العربي الحديث، الذي يميل الى الاستناد الى نصوص، ومراجع في عملية بناء المعرفة بالواقع العربي، متخذاً شكلا لاقصاء الواقع والاستعاضة عنه بالنصوص، ما يجعل من الوظيفة الابداعية متخلفة فكريا، والعقل الى عقل قياسي فقهي، فتكون تلك النصوص مستقرا، وليس ممرا لما هو جديد، حيث ان جاذبيتها المغناطيسية تشل العقل المبدع، فيكتفي بترديدها ترديدا، وهذا على الاقل حال مفكرينا العرب.
لقد اغلق اسلاميونا المعاصرون باب الاجتهاد في امور الحياة المستجدة ولم يضيفوا اصلا واحدا الى اصول السلف. واكتفى الماركسيون باعادة تصريف مقولات ومفاهيم نشأت في حقل نظري مستجيب الى حقل تاريخي مطابق. ويبقى افضل القومين يعيش في الفكر القومي الاوروبي للقرن التاسع عشر دون اضافة.
ان الذي يستوجب من ذلك ليس ترك النص، وانما اعادة بناء العلاقة به انطلاقا من مرجع اخر، وهو الواقع، لقراءة النص قراءة واقعية، لا قراءة الواقع قراءة نصية.
ان ظاهرة اللفظية الخطابية الشعاراتية السائدة في الخطاب السياسي العربي المعاصر بما يحويه من مفاهيم ومقولات وشعارات يرددها رجل السياسة العربي، تحمل محتوى ايديولوجيا معينا، تتجاوز احيانا المجال الدلالي، وترتفع بالمعنى الى مستوى القداسة عبر الارتفاع باللفظ الى مستوى السحر، وهكذا كلما ذهب اللفظ في اكتساب سحريته، كلما زاد معناه تكلسا، وامعن في قداسة اللفظ، والذي يتوجب ابعاد الفكر العربي عن النظرة الميتافيزيقية من خلال استيعاب النزعة التاريحية وغرسها في التفكير والبعد عن الاستقطاب الحاد الفكري والنظري نحو الاخذ بهذا المرجع او ذاك الفكر: الاسلامي (التاريخ الماضي) او الفكر الاوروبي الليبرالي ( التاريخ المستقبلي) ما يؤدي للهروب من مرجعه الحقيقي( الحاضر)، بمعنى انه يفكر خارج تاريخه الفعلي، اخذا بوصف الواقع لا بتحليله، ولم يعرف من الواقع سوى ( فشل الاشتراكية) ونجاح الليبرالية، او (فشل تطبيق معين للاشتراكية) ونجاح الديمقراطية، او سقوط الديكتاتورية وصعود الديمقراطية.
اما تحليل سياق التناقض الدولي بين المعسكرين فيما يحويه من الامور العسكرية والاقتصادية من تنظيم وتوازنات دولية، فهذه الامور لا تدخل في نطاق التفكير السياسي الا لماماً، مركزا على ظاهرة الوصف والسرد.
من ذلك يتحتم على المفكر العربي الاهتمام بعقلنة الرؤية، والاستشراف المستقبلي وفق خصوصية عربية مبنية على الوعي ونقد "الواقع والذات والتاريخ"، وبدون تلك الاشياء لن يتمكن مفكرنا من بناء سقف هذا البيت، بيت الخطاب العربي.
مأمون شحادة / فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق