إعتصام القضاة.. هو إعتصام لكل شعب مصر/ مجدي نجيب وهبة

** يبدأ اليوم الإعتصام المفتوح لقضاة مصر .. لمواجهة البلطجة والإرهاب الإخوانى الذى يقوده رئيس مصر ، بهدف هدم المؤسسة القضائية وإسقاط الدولة المصرية ..
** اليوم .. مصر تكون أو لا تكون .. فإذا سقط القضاء سقطت مصر .. وهذا ما تسعى إليه الجماعة التخريبية التى بليت بها مصر ..
** اليوم .. يقود المستشار الوطنى المصرى "أحمد الزند" ، رئيس نادى القضاة ، ثورة القضاة من أجل تحرير مصر من الهجمة الشرسة التى يقودها "محمد مرسى العياط" لإسقاط المؤسسة القضائية .. فإذا سقط القضاء لن تكون هناك أى دولة بل سيكون هناك أكثر من وجه ، مثل النائب العام "طلعت عبد الله" ، وستفتح أبواب المعتقلات والزنازين ، بإسم القضاء والمحاكم الإسلامية التى يخطط لها النظام الحاكم ، وستصدر أحكام بإتهام كل المعارضين للنظام بتهمة الخيانة العظمى التى تقضى بإعدام المعارضين ، وستمر مصر بمرحلة لم تراها من قبل ، وهى مرحلة وصول الإرهابيين ومحاكم التفتيش لحكم مصر .. ومرحلة الإنتقام من هذا المجتمع ، ومرحلة الدعارة والفجور والبلطجة والإغتصاب وفرض الجزية ، وفرض الإتاوات ، وإعدام المعارضين ، وحرق الكنائس ، وقتل الأقباط !!...
** إذا سقط القضاء .. فلن يقف أمام محمد مرسى العياط ، وعصابته .. لا الجيش ولا الشرطة ولا أحزاب المعارضة ولا أى أحزاب سياسية ولا أى تيارات شعبية .. فالجميع واهمون .. والجيش سيحرس النظام والشرطة تقوم بدور منفذ الأحكام ودور الجلاد ..
** دعوكم من الكلام المنمق ، فالمستقبل شديد السواد والخراب .. فلا تظلوا جهلاء ، ولا تستسلموا للغباء المهيمن على العقول .. فلا مجال لتبرير موقف مجلس الشورى ، فما يتم الأن داخل مجلس الشورى هو إلتفاف ومراوغة ومناورات وتربيطات ومؤامرات من أجل تمرير قانون السلطة القضائية .. وسيخرج علينا جهابذة النصب والإحتيال ليعلنوا إنه طبقا للمادة ( ...... ) من الدستور المصرى الذى إستفتى عليه الشعب ، وأعطى السلطة والحق القانونى لمجلس الشورى لإصدار التشريعات .. هؤلاء النصابون سيحتالون على الشعب فى كل القنوات الإعلامية الحكومية والخاصة لإقناع الشعب أن كل ما يتم هو بالدستور والقانون .. وسيهل علينا رئيس الدولة ليحدثنا عن إحترام القضاء وأحكامه ولا توجد أى إجراءات إستثنائية .. فأين هو هذا الدستور الذى فرضوه على الشعب المصرى بالبلطجة والإكراه ، فى الوقت الذى خرج علينا رئيس الدولة ، وهو يعلن أنه أعظم دساتير العالم ..
** نعم .. إنه أعظم دساتير العالم ، حيث شارك فى صنعه الحبسجية وأرباب السجون والمعتقلات ، وتم سلقه وخبزه وعجنه فى 24 ساعة .. فمن هم الذين وضعوا هذا الدستور .. ألم يكونوا هم أنفسهم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة .. ألم يكونوا هم أنفسهم سجناء الأمس .. ألم يكونوا هم أنفسهم من حاصروا المحكمة الدستورية العليا لمنع قضاتها من إصدار أحكام بحل الجمعية التأسيسية للدستور .. يعنى بالبلدى جماعة بلطجية حاصروا القانون وفرضوا الإرهاب ، ووضعوا دستور يفرض على الشعب المصرى .. وألغيت دولة القانون ...
** وإستكمالا  لسيناريو البلطجة والفوضى .. تم إختيار نائب عام خادم للإخوان وليس للشعب .. فماذا تنتظرون لو تم السيطرة على القضاء المصرى .. وكم من مواطن أحاله النائب العام للمحاكمة !!..
** لقد رأينا أن المجنى عليهم تحولوا فى ظل النائب العام الإخوانى ، المستشار "طلعت عبد الله" إلى متهمين وصدرت تأشيرات قضائية بضبط وإحضار العديد من الكتاب والسياسيين ورؤساء الأحزاب المعارضين ، ورغم بشاعة الصورة بإستخدام "ضبط وإحضار" ، وكأنهم من عتاة المجرمين ، إلا أن الحقيقة لم تكن تعدو إلا بلاغات كاذبة وكيدية قدمت من محامى الإخوان ، ومن مؤيدى الإخوان لكسر أنوفهم وإرهابهم وتهديدهم بالسجون والإعتقالات ...
** ولم يكن دور الشرطة إلا تنفيذ قرار النائب العام ، وبدأنا نسمع عن عودة زوار الفجر وكسر الأبواب وإقتحام المساكن وإرهاب الشعب .. لم يكن كل ذلك إلا بأمر النائب العام الإخوانى ، وعندما أدرك القضاء الشريف والنزيه ما يسعى إليه الرئيس وجماعته وسلطة النائب العام .. كانت المحاكم تدقق فى أدلة الإتهام لتكتشف فى معظم البلاغات إنها ملفقة وباطلة .. بل أن بعض المحاكم ورؤساء الدوائر رفضوا نظر بعض القضايا المقدمة من المستشار "طلعت عبد الله" لأنه ليس له أى صفة ، وأفرج عن المتهمين فى التو واللحظة ...
** وأتساءل .. ما هى الصورة الظلامية التى ينتظرها شعب مصر .. لو نجح الإخوان ورئيسهم فى إسقاط القضاء ، وعودة المحاكم الإسلامية ، وإستيلاء قضاة من أجل مصر على المحاكم والدوائر ..
** أفيقوا ياشعب مصر ، وعليكم أن تدركوا أنه إذا سقط القضاء ، سقط كل شئ فى الدولة .. والنموذج أمامنا .. فقد سقط القضاء فى العراق ، وسقطت الدولة .. وسقط القضاء فى ليبيا ، فسقطت ليبيا .. وسقط القضاء فى أفغانستان ، وسقط القضاء فى السودان وأقيمت المحاكم الإسلامية فسقطت الدولة وأصبحت هشة صنفت بأنها دولة تأوى الإرهاب ، وسقط القضاء فى الصومال فسقطت الدولة وأقيمت المحاكم الإسلامية وأعدم المعارضين فى الشوارع والميادين .. إذا سقط القضاء المصرى فلن تقوم لمصر قائمة..
** أفيقوا ياشعب مصر .. فلا أمل لكم إلا بالوقوف مع القضاة ، ومع القضاء الشريف لمحاربة هذه الشياطين والأفاعى والذئاب .. أخرجوا يا أقباط مصر إذا كنتم تريدون السلامة لكنيستكم ولأبنائكم .. أخرجوا أيها المسلمين الشرفاء ، فالدفاع عن القضاء لا يختلف عن الدفاع عن الأزهر الشريف .. لا تنتظروا الدعاوى التى تطلق للخروج يوم 30 يونيو .. فهو حق يراد به باطل ..
** أفيقوا ياشعب مصر .. الأمل يبدأ من اليوم .. ولا أمل لديكم إذا لم تقفوا مع قضاة مصر الشرفاء .. وليكون عصيان مدنى مفتوح .. يبدأ من اليوم لإنقاذ مصر .. هذا هو الحل ولا حل أخر !!!!!...
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين

ثقافة الاستجواب ووجوب المساءلة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

الاستجوابُ والمساءلةُ وحجبُ الثقةِ والمحاكمةُ ليست ثقافةً غربيةً، وسلوكاً ديمقراطياً لا نعرفه، ونريد أن نتعلمه من غيرنا، بل هو من صميم ديننا، ومن أصل تراثنا، وهو من أعرافنا القديمة وعاداتنا الأصيلة، وقد علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ به من بعده صحابته الكرام وخلفاؤه الراشدون، وحض عليه ديننا الحنيف لئلا يتفرد الحاكم ويتغطرس، أو يصيبه الغرور ويظلم، أو يظن أنه فوق القانون فلا يسأل ولا يستجوب، أو يستهتر برعيته فيصادر حقوقهم ويبطش.
بل كان الخلفاء الراشدون يطلبون من الرعية أن يقوموهم ولو بحد السيف، وأن يقفوا لهم في المساجد، وأن يعترضوا طريقهم في الشوارع، أو يسألوهم في الأسواق، وألا يسكتوا لهم عن خطأ يدركونه، أو عيب يكتشفونه، أو انحرافٍ يرونه، وألا يغمضوا عيونهم عن تسيبٍ في الإدارة، أو إهمالٍ في المال، أو إفراطٍ في الصرف، أو سوء استخدامٍ للسلطة، أو تفريطٍ بحقوقهم، أو إهدارٍ لكرامتهم، وألا يقبلوا من الحاكم محاباةً أو محسوبية، بغيرِ طاقةٍ ولا كفاءة، وبدون خبرةٍ وسابق معرفة، أو إقصاءً وحرماناً، لغاياتٍ وأهدافٍ شخصية، ولا محاولاتٍ مذمومة لشراء الذمم، وإفساد النفوس، وقتل الضمائر وإماتة القلوب، لضمان تأييد، وتأكيد بقاءٍ واستمرار، أو لسكوتٍ عن الخطأ، وتجاوزٍ عن الجريمة.
وقد فهمت الرعية حقها في السؤال والاستجواب، فاستخدمته خير استخدام، ولم تقصر في سؤال خليفة، أو مساءلة عامل، أو محاكمة أمير، أو القصاص من حاكمٍ أو من ولده، فأوقفهم الأعرابي وأغلظ عليهم في سؤاله، واعترضت عليهم المرأة وخالفت آراءهم، ووقف الأطفال في طريقهم ولم يوسعوا لهم، ولم يخافوا منهم، وشكاهم الأقباط واستعادوا منهم حقوقهم، ولم يخش المسلمون في مساءلتهم سطوة حاكم، ولا قوة عامل، ولا هيبة خليفة، ولا رهبة قائد، بل كانوا يرون ما يقومون به عبادة، وما ينفذونه تجاه حكامهم مراقبة ومساءلة، وهو واجبٌ عليهم، لا ينبغي التفريط فيه أو التنازل عنه، فهي أمانةٌ سيسألون عنها، وسيحاسبون عليها، ولن يغفر الله لهم صمتهم وسكوتهم، ولن يقبل منهم عجزهم أو ضعفهم، ولن يشفع لهم خوفهم من بطش الحاكم وسطوة السلطان، ولن يقبل منهم جهلهم أو غفلتهم، أو عدم معرفتهم وضحالة تجربتهم، وقلة درايتهم وضعف إمكانياتهم، فما من عذرٍ يبرر لهم جنوح الحاكم نحو الظلم والغطرسة والانحراف.
هذا ما تعلمناه من ديننا الحنيف، وهو ذاته الذي يفخر به الغربُ ويباهي به الشرقَ، ويظن أنه به سبقنا وجاء بما لم يكن عندنا، ولكن له الحق أن يباهي به ويفخر، فما يتحلى به فضيلةٌ وخلق، وسلوكٌ راشدٌ وعاقل، وحكمةٌ بالغة ومسؤولية حقيقية، وهذا هو الذي كان عندنا يوم أن سُدنا وكُنا، لكننا عندما نسيناه وتخلينا عنه ولم نعد نلجأ إليه ونستخدمه استبد حاكمنا، وانحرف نائبنا، وفسد وزيرنا، وضل كل مسؤولٍ فينا، وحكمنا الأرذلون، وتقدمنا الأفسدون، وتحدث باسمنا الرويبضة الهالكون، وأصبح يمثلنا الجهلة المتلعثمون.
واستظل الفاسدون بالحاكم واحتموا بسلطانه، وضربوا بسوطه، وظلموا بسيفه، وسرقوا بعلمه، ونهبوا لجيبه، وأقصوا لصالحه، واعتقلوا معارضه، واستغل الأولاد والنساء سلطان والدهم وأزواجهم، فسرقوا أموالنا، ونهبوا خيراتنا، وسجنوا أبناءنا، وحرموا أجيالنا، وجوعوا شعبنا، حتى غذا الوطن لهم، والخيرات كلها لأجلهم، وبات غيرهم فقيراً لا يملك، ومشرداً لا يسكن، وعاطلاً لا يعمل، وجائعاً لا يأكل.
يتعلم لكنه لا يعمل بشهادته، ولا يجد وظيفةً بكفاءته، فعمل المثقفون وخريجوا الجامعات باعةً متجولين، في الأسواق أو على الأرصفة والطرقات، أو سائقين بالأجرة، أو موظفين في محلاتٍ ودكاكين صغيرة، ما جعلهم يأنفون من الحياة ويكرهونها، وينعزلون عن المجتمع ويبتعدون عنه، فأصابتهم الأمراض النفسية والأزمات العصبية، وحلت بهم الكآبة ونزل بهم السقم والسأم، ما دفع بعضهم إلى الانتحار، أو التطرف وحمل السلاح، والاشتغال في الشر وصناعة الموت.
إنها مسؤولية كل مواطنٍ أياً كان موقعه أو منصبه، عاملاً كان أو عاطلاً، موظفاً أو حراً، فإن عليه أن يمارس دوره في الرقابة والتفتيش، وعليه أن يدرك أنه قوي، وأنه صاحب سلطان، وأن لديه القدرة على التأثير والتغيير، والإقالة والإطاحة والطرد، وأنه بات يملك صوتاً ناخباً مؤثراً، كما يملك القدرة على أن يخرج ويحتج، وأن يتظاهر ويعتصم، وقد أصبح المواطنون جميعاً يعرفون أنهم أقوى من الحاكم، وأثبت من سلطته، وأبقى من حكمه، فسوطه لم يعد يخيف، وأبواب سجونه لم تعد تفتح، وبات الجلاد يخاف من المستقبل، ويدرك أن الحاكم لن ينفعه، وأنه أول من سيتخلى عنه، ويتبرأ منه ومن عمله، ولن تنفعه عبوديته، ولا أنه كان يوماً تبعاً له، بوقاً له أو عصاً في يده.
لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا، فالله لن يغفر لنا تقصيرنا واهمالنا، أو خوفنا وجبننا، أو عدم مبالاتنا وانشغالنا، بل يجب علينا أن نوقف المسؤول والحاكم، والموظف والنائب، والشرطي ورجل الأمن، نسألهم عن كل خطأ، ونخوفهم من أي ظلم، ونحاسبهم على أي جرم، ونسألهم عن كل فلس، ونجردهم من كل سلب، ونحرمهم من كل نهب، فلا ينبغي في هذا الزمان أن نسمح لضابطٍ بالإساءة إلى معتقلٍ أو سجين، ولا أن يوقفه بلا قانون، ولا أن يعذبه ويضيق عليه، ولا أن يستخدم سلطاته فيفرج عن مجرم، ويدين بريئاً بغير أدلة، ولا نسمح لسلطانٍ أن يخرسنا، أو يحول دون ممارستنا لحريتنا، فلا حرمان من وظيفة، ولا إقصاء من موقع، ولا منع سفر، أو كسر قلم، أو تمزيق صحيفة، كما لا تكميم لفمٍ ولا مصادرة لحق، إلا نفعل هذا ونمارس حقنا، بعالي صوتنا ويقين إيماننا، فلنقبل بالذل، ولنرتضي المهانة، ولنصعر الخد، ولنطأطئ الرأس، ولنحنِ الظهر، ولنسمح لعبيدٍ دوننا أن يركبونا، ويأخذوا بخطامنا ويقودونا، ولنأكل من أيديهم برسيماً وشعيراً، ونقول لهم قودوا الركب فأنتم الحادي ونحن العيرَ. 

أينما وجدوا حل الخراب.. هذه حقيقة/ مجدى نجيب وهبة

      
** إنها ليست شماتة .. فهذا هو ما نستحقه ، عندما نصل للمرحلة التى سوف نتصارع فيها من أجل قطرة ماء .. فقد بح صوتنا ونحن نحذر ونكتب ونصرخ "لا للإخوان .. ولا لمحمد مرسى رئيسا لمصر ولو ليوما واحدا" .. ولكن كان العند والغباء والتكبر والإدعاء بالمعرفة من الكبير قبل الصغير .. فالجميع قالوا لماذا لا نجرب الإخوان .. فهم جماعة دينية ويعرفون ربنا .. حذرنا منهم كثيرا وضربنا نماذج وأمثلة كثيرة ...
** نموذج الصومال .. وكيف وصلت هذه الدولة التى كانت غنية بالموارد الطبيعية ، وبالطبيعة الساحرة ، إلى دولة عصابات وقطاع طرق ، وقرصنة ضد البواخر العابرة .. فقد حل الخراب بالصومال منذ دخول هذه العصابات الإسلامية الدولة ، وصراعهم الدموى ضد الحكومة الصومالية والرئيس الصومالى ، والفجور الأمريكى الذى ظل يدعم هذه العصابات ..
** بدأ سقوط الصومال ، مع بداية سقوط نظام حكم "محمد سياد برى" عام 1991 ، وعقب ذلك إنهارت مؤسسات الدولة ، بعدها تحولت الحياة هناك إلى جحيم ، فمن غياب العدل ، إلى غياب الخدمات الأساسية .. ومن غياب الأمن والإستقرار ، إلى غياب الخدمات كالدواء ورغيف الخبز وفرصة العمل ..
** فى ظل غياب الدولة المركزية ، إنشغل الصوماليون بمواجهة الموت ، جوعا أو حربا ، وفى ظل هذه الأوضاع كان من الطبيعى أن تزداد المعارك على الأرض الصومالية عنفا ، وتزداد أعمال القرصنة خطورة ، بعد أن سقط العلم ، والنشيد الوطنى ، وحلم الصوماليين القومى .. وفى ظل هذا الجحيم ، كان الهروب هو الحل ، الذى لجأ إليه عدد كبير من أبناء الصومال .. إما سيرا على الأقدام ألاف الكيلومترات إلى السودان ، أو إلى دول الجوار ، حيث يموت أغلبهم جوعا أو عطشا أو مرضا ، أو يهربون بحرا إلى اليمن ، حيث تتلقف الناجين من الغرق معسكرات الإيواء فى "خرز" ، بمحافظة "لحج" اليمنية ، و"البساتين" فى عدن ، واللاجئون الصوماليين فى تلك المعسكرات يعيشون فى ظل معاناة حقيقية ، حيث لا تجد سوى الجوع والفقر ، الذى قضى على المواطن الصومالى ، بعد نشر الفوضى والرعب ، وإنتشار ما يسمى بـ"المحاكم الإسلامية" التى كانت سبب النكبة والبلاء بالصومال ..
** ولم يعد هناك سوى شباب عاطل ، وأزواج يرسلون زوجاتهم للعمل ، وربما لممارسة الدعارة ، وأكواخ لا تكاد تحمى ساكنيها من حر الصيف ، أو ماء المطر .. وبدأ يتغير سلوك المواطن الصومالى إلى العنف ، وإندلع جحيم الحرب الأهلية ، والتى أدت إلى قتل أكثر من 20 ألف صومالى ، ومع تزايد الفقر والجوع بدأ الصوماليين فى خطف مراكب الصيد الأجنبية ، والإستيلاءعلى ما لديها من صيد ، ثم تطور الأمر إلى عمليات القرصنة وطلب الفدية .. فى الوقت الذى هيمنت "المحاكم الإسلامية" ، لتصبح قوة رئيسية مهيمنة على الساحة الصومالية ، وقد وصل عددها إلى 13 محكمة ، لكل منها هيئة قضائية وميليشيات مسلحة ، ونظام العمل الخاص بها .. فلا دولة ، ولا قانون ، ولكن فوضى !!! ..
** وقد إتهمت أثيوبيا ، الجارة الملاصقة للصومال ، هذه المحاكم تشاركها دول عديدة بأنها ترتبط بتنظيم القاعدة ، وأقام قادة الفصائل فى الصومال تحالفا مع أثيوبيا ، لمواجهة إتحاد "المحاكم الإسلامية" ، وتفاقم الصراع بين المحاكم الإسلامية ، وبين إتحاد الفصائل ، وإنتهى الصراع بسيطرة المحاكم على "مقديشيو" ..
** وقد إستطاعت هذه المحاكم هزيمة إتحاد الفصائل الذى أنشأته المخابرات الأمريكية ، وهو ما جعل حكومة الصومال الموالية لأثيوبيا للإستقواء بقوات حفظ السلام الأفريقية لتصحيح ميزان القوى المختل .. وإتسع نطاق المعارك ، ثم بدأت حرب عصابات بين قوات المحاكم الإسلامية ، وقوات الحكومة الأثيوبية ، والحكومة المؤقتة فى الصومال ..
** وتستمر المأساة ... قتال مستمر ، ومفاوضات دون طائل لا تنقطع .. والمواطن الصومالى يدفع الثمن ويموت جوعا .... فهل يسمح المصريين بتحويل مصر إلى صومال أخر ؟!!!!!! ...
** تحدثنا عن نموذج أخر أشد فجاجة وفجور .. وهو النموذج السودانى .. فمنذ أن بليت السودان بما أطلقوا عليه "المحاكم الإسلامية" ، وتطبيق الشريعة ، وسمعنا عن حكم بجلد إحدى الصحفيات لأنها تجرأت وإرتدت بنطلون جينز فى ندوة سياسية .. وسمعنا عن جلد فتاة أخرى تجرأت وإرتدت مايوه ، وهى تمارس السياحة وسط أسرتها ، وسمعنا عن تطبيق الحدود على رجل ضبط متلبسا بشرب قدح من البيرة فى إحدى الفنادق ... والكثير .. والكثير ..
** وإنهارت السودان وتحولت إلى دولة عصابات وميليشيات ، وأصبحت تصنف بأنها دولة إرهابية .. ومع ذلك ورغم هذا الجوع الذى تعيشه السودان إلا أن الجنيه السودانى تفوق بقدرة قادر على الجنيه المصرى !!! ..
** حذرنا من النموذج الأفغانى .. وإنهيار دولة أفغانستان ، وإستيطان كل رموز الإرهاب فى جبال تورا بورا ، وتحول تنظيم القاعدة إلى وكر لهذا التنظيم الملقب بتنظيم القاعدة بزعامة الإرهابى الراحل "أسامة بن لادن" !!!!
** حذرنا من كل النماذج التى ظهرت فيها الحكومات الإسلامية ، وإنها طاعون ووباء أشد فتكا من وباء الكوليرا ، ومن السرطان .. ولا تخرج هذه الأوبئة بسهولة من جسد الإنسان ومن دمه ، بل هى أوبئة فتاكة مدمرة !!!...
** حذرنا منذ نكبة 25 يناير التى دبرتها بعناية فائقة للإدارة الأمريكية ، وشاركهم المشير "محمد حسين طنطاوى" المسئول أنذاك  عن إدارة شئون البلاد فى تحقيق أهدافهم للوصول إلى هذا السيناريو المسئول ..
** حذرنا من هذه النكبة السوداء ، ووصول الإخوان إلى سدة الحكم ، فكان البعض يسخر منا ، وكان من الأقباط المدعين بالعمل السياسى يروجون لبعض أعضاء جماعة الإخوان ويدعمونهم ، بل ويدعون إلى إنتخابهم .. بل أعترف بأننى فشلت فى عملية التوعية أو التحذير .. فهناك من قبل الرشوة وصمت ، بل جاهد لمساعدة الإخوان .. وأغلب هؤلاء كانوا يتفاخرون بأنهم أحد الرموز الوطنية التى دعمت الثورة ؟ .. وظلوا بالتحرير معتصمين بضعة أسابيع .. وأتساءل ، أين هؤلاء الأن .. للأسف إختفوا جميعا ، بعضهم هرب إلى كندا بعد أن ساهم بقدر كبير فى دعم هذه الفوضى التى وصلنا إليها الأن ، والبعض الأخر خرست أصواتهم .. ولم نعد نقرأ لهم لا مقالات ولا تصريحات ولا مؤتمرات .. كما كانوا يعلنون عنها سواء فى فنادق أمريكا أو فى هولندا أو فى مصر .. وعندما كنا نعترض على هذه المؤتمرات الفاشينكية ووصفناها بأنها مجرد بيزنس وسبوبة .. لم يصدقنا أحد ووجهوا إلينا العديد من الإنتقادات ...
** والأن .. يبدو أن كل هؤلاء أصابهم الحول ، وفقدان الذاكرة .. بعد أن أدوا دورهم الهزيل الذى رسمته لهم أمريكا ، وهىى إبداء تعاطفها مع قضايا الأقباط .. فى نفس الوقت كانت هناك لقاءات ومبادلات وإجتماعات بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين ، لمساعدتهم وتدعيمهم للوصول للحكم .. ومع كل ذلك والمؤمرات والسيناريوهات المعلنة واضحة للجميع .. فللأسف لم يعقد مؤتمر واحدا أو خرجت لافتة واحدة أو إعلامى واحد فى أى قناة مسيحية داخل مصر أو خارجها ليتحدث عن المؤامرة الأمريكية الصهيونية لدعم الإخوان لإسقاط وتدمير الدولة المصرية ..
** حذرنا من كل ذلك .. بينما الكثيرين مغيبين .. حتى الأقباط داخل مصر لم يكن لهم أى دور للدفاع عن الدولة المصرية والكيان والهوية المصرية والكنيسة .. عندما تطاول السفهاء والإرهابيين على قداسة البابا المتنيح "شنودة الثالث" ، وعندما تطاولوا على الكنائس من هدم إلى حرق ، وعندما إعتدوا على منازل الأقباط وأعراضهم من خطف الفتيات القصر وإجبارهم على إعتناق الإسلام ، وظهورهم فى الإعلام وهم يتفاخرون بإشهار إسلامهم .. بينما توضع الخناجر والسيوف فى ظهورهم .. وعندما ناشدت الأقباط أن يخرجوا ، لم يستجب من الأقباط إلا بضعة مئات رغم ما يعانيه الأقباط أنفسهم من هذا الحكم .. ورغم أنهم أعلنوا أن تعداد الأقباط أكثر من عشرين مليون ..
** لم يكن بالغريب بعد كل ذلك أن تتحدى أثيوبيا الدولة المصرية التى لم يعد لها وجود أو كيان أو هيبة .. وتعلن عن تحويل مجرى نهر النيل ، وهى بداية الطريق إلى الصومال والذى حذرنا منه كثيرا ..
** لم يكن بالغريب أن يخرج علينا المستشار "حاتم بجاتو" ، وهو ينكر علاقته بالخطاب الذى نشر بالأمس فى كل المواقع الإلكترونية والصحف .. والذى تم تسريبه عن طريق عقيد متقاعد "صبرى ياسين" .. وكان الخطاب موجه إلى المشير طنطاوى بإعلان محمد مرسى رئيسا لمصر ، وإلا سوف تحترق مصر بمن فيها ..
** وقد تناسى الجميع .. أن هذه هى خطة ورغبة الإدارة الأمريكية .. وإذا لم تكن كذلك ، فلماذا دعم أوباما محمد مرسى العياط بمبلغ 50 مليون دولار .. هل مازلنا نضحك على أنفسنا ونحن نحرك عرائس المارونيت ، ونشدو بمنالوج الليلة الكبيرة للفنان الراحل "سيد مكاوى" ..
** لا تتعجبوا من كل القرارات التى يصدرها رئيس الدولة .. ففى النهاية نحن على أبواب الصومال .. فالغاز والسولار يتم تهريبهم إلى قطاع غزة بمباركة الإخوان ، و الإقتصاد المصرى ينهار بفعل فاعل ، والسلع المصرية يتم تسريبها عن طريق الأنفاق ، والرئيس يدافع عن الأنفاق ويرفض هدمها .. فلا كهرباء ولا ماء ولا خبز !!..
** ورغم كل ذلك .. هذا الشعب أصابه البرود والتبلد ، ولم نعد نسمع إلا عن مؤتمر خيبان لمن أطلقوا على أنفسهم جبهة الإنقاذ الوطنى ، وقد تعودنا على الوجوه الثلاثة "محمد البرادعى – حمدين صباحى – عمرو موسى" ، ويصدرون بيانا هزيلا ، وكلمتين حنجوريتين ، والدولة فى طريقها بكل سرعة وخطوات ثابثة إلى مستنقع الدمار والخراب والفوضى ...
** مبروك لكل المصريين .. هؤلاء هم الإخوان .. فأينما يحكمون .. يحل الخراب والدمار والفقر !!!!!!.....
صوت الأقباط المصريين

تدمعُ عيناكِ شوقاً إلى إلى جفونِ العراقِ/ صبري يوسف

إلى الفنّانة الأصيلة لبنى العاني

تنضحُ عيناكِ شوقاً إلى فرحٍ
تاهَ بينَ غربةٍ مفتوحةٍ على أجنحةِ الكونِ 
تاهَ بينَ همهماتِ غيمةٍ متشرِّبةٍ بدموعِ الأطفالِ
تاهَ بينَ متاهاتِ إنشراخِ الأوطانِ
أوطانٌ في مهبِّ التِّيهِ
     في أوجِ الجُّنونِ!
عيناكِ شهقتا حزنٍ في وجهِ هذا الزَّمان
منارتا بحثٍ عن سرِّ الحياةِ
عيناكِ شهوةُ مطرٍ مندَّى بأغصانِ الرُّوحِ
هائمتانِ عميقاً في تجلِّياتِ بوحِ الأغاني!
عيناكِ أُغنيتا شوقٍ إلى ظلالِ النَّخيلِ
زهرتان معبَّقتان بأريجِ النَّارنجِ
عيناكِ ألقُ اخضرارٍ إلى أغصانِ الخميلِ
شموخُ ابتهالٍ في روعةِ الغناءِ الأصيلِ
عيناكِ ألفُ سؤالٍ عن بكاءِ الأمّهاتِ
عن حنينِ الرُّوحِ إلى النَّسيمِ العليلِ!
عيناكِ تلألؤاتُ حضارةٍ متأصِّلة في أرقى الحضاراتِ
أيّتها المنسابة كأريجِ فرحٍ تدلَّى من مآقي السَّماءِ
تشعُّ عيناكِ أملاً رغمَ أنينِ السِّنينِ
وجهٌ مكلَّلٌ ببسماتِ وردٍ من نكهةِ الياسمينِ
يشمخُ عالياً كأجنحةِ نسرٍ فوقَ الجَّبينِ!

عيناكِ حلمٌ مندّى بأغصانِ الوفاءِ
عيناكِ ينبوعا أملٍ فوقَ تيجانِ العطاءِ
قلبُكِ هدهداتُ أغنيةٍ مرفرفةٍ
فوقَ أجنحةِ ذاكرةٍ محفوفة بالطُّفولة
شوقاً إلى أحضانِ العراقِ!
عيناكِ أحلامُ فنّانة شامخة نحوَ الأعالي 
أيّتها المسربلة ببوحِ الأغاني
كَمْ مِنَ الحنينِ حتّى غنّتِ الرّوحُ أبهى الأماني!
تنبعُ أغانيكِ من هلالاتِ البيتِ العتيقِ 
من وهجِ الحنينِ إلى بغداد
إلى براءةِ الطُّفولة
تدمعُ عيناكِ شوقاً إلى ظلالِ النَّخيلِ
      إلى جفونِ العراقِ!
عيناكِ مورقتان بإخضرارِ الأملِ
ثمّة حزنٍ دفين معشَّشٌ
في تلافيفَ ذاكرتكِ المفخَّخة بالأوجاعِ
أوجاعُ المدائنِ الَّتي تبرعَمْتِ فيها
أوجاعُ أزقَّةٍ ينضحُ في رحابِها حنينُ الفؤادِ 
دموعٌ منسابة ببوحِ الحنينِ إلى أيَّامِ الصِّبا
دموعٌ لا تفارقُ ليلَكِ الطَّويل
أغاني فيروز تؤنسُ غربتكِ المعفَّرة بالجِّراحِ
عيناكِ رحلةُ انبهارٍ في خضمِّ الضِّياعِ
رحلةُ حنينٍ إلى صدرِ الأمِّ
إلى قاماتِ أحبَّةٍ تاهوا في سديمِ الحياة!

كم من الشَّوقِ حتَّى تلألأتِ الأزاهيرُ في مقلتيكِ
كم من لظى الحنينِ حتّى هاجتْ أمواجُ البحارِ!
وجهٌ مبلَّلٌ بنضارةِ الأقحوانِ
معبَّقٌ بأريجِ الرِّيحانِ
متألقٌ بحبقِ السَّوسنِ
وجهٌ يصدحُ فرحاً رغم جراحِ الغرباتِ
أريدُ أن أهمسَ لقلبِكِ أسرارَ الحنينِ
أريدُ أن أمسحَ عن وجنتيكِ أنينَ السِّنينِ
أريدُ أن أهدي عينيكِ عذوبةَ البحرِ 
أن أرسمَ فوقَ شطآنِ شوقِكِ إلى العراقِ فراشةً 
     من أبهى ألوانِ المروجِ! 
تهطلُ عيناكِ أملاً مع رذاذاتِ المطرِ
تسطعُ حنيناً مندّى بنسيمِ ليلِ العراقِ
تتلألئينَ كزهرةِ النَّارنجِ
معطّرةً بنسيمِ الصَّباحِ
كأنَّكِ فراشة تائهة عن أريجِ الرِّيحانِ
تنضحينَ عذوبةً
كانبعاثِ حلمٍ من شفاهِ الغيومِ
 كانبعاثِ حبٍّ من روحِ الإنسانِ!
ستوكهولم: أيار (مايو) 2013
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

فاس المدينة الحلم في رواية "مرافئ الحبِّ السبعة" لعلي القاسمي/ د. سوسن البياتي

جامعة تكريت، العراق

للفضاء المكاني أهمية كبيرة (( في تشكُّل الفرد وأحاسيسه وانفعالاته منذ مراحله المبكرة. ومن هذا الارتباط يبرز الوعي والإحساس عند الفرد بالانتماء إلى الفضاء المحدَّد)) (1) ، ذلك أن الفرد يتحرّك ضمن فضاء مكاني خاص به ، يفرض في كثير من الأحيان هيمنته وسيطرته عليه من خلال إشغاله أولاً ، والتغييرات التي يحدثها عليه ثانياً ، لذا فهو ينتمي إلى الفضاء الذي يعنيه هو ويتواءم معه بصورة أو بأخرى .
وتمثِّل المدينةُ في منظور هذا الفرد، وفي المنظور القصصي السردي عموماً، البؤرةَ المركزية التي يستند إليها الفرد في الحركة ، إذ تمثِّل نقطة الصراع الحيوية والغاية الأساسية منه. لهذا يرتبط الإنسان بالمدينة ارتباطا وثيقا. ويعدُّ هذا الارتباط المِفْصل الأساس لازدهار العلاقة ونموها.
ونتيجة لهذا الارتباط الحميمي بين الإنسان والمدينة ، فقد عمل الإنسان على انسنة المدينة وبث روح الحركة فيها، (( فكان لكل مدينة شخصيتها وروحها المميزة لها عن غيرها من المدن الأخرى، تبعا لتمييز عادات وتقاليد وحاجيات ساكنيها ونشاطاتهم، حتى موقعها الطبيعي انغلاقا أو انفتاحا )) (2).
إننا في قراءتنا السردية هذه نطمح إلى أن نُكوِّن أطروحة سردية خاصة بالمدينة، ودرجة تفاعلها مع الذات الإنسانية، وتفاعل هذه الذات معها، لاسيما إذا ما ارتبط الاثنان بعلاقة حميمية تنشد الأمن والأمان فـ(( كثيراً ما يحدث التشابه بين الإنسان والمكان الذي يسكنه.)) (3).
 لذا لا يمكننا، بأي حالٍ من الأحوال، فصل المدينة – بوصفها فضاء مكانيا بامتياز – عن العناصر السردية التي تجسّد بؤرة النظرية السردية. وتظهر المدينة في النص الروائي ((بصورتها السردية، مرتبطة بالعناصر الأخرى، فلا أثر لوجود مدينة / بوصفها إطاراً مكانياً خاصاً ، من دون وجود شخصيات تتفاعل في زمان معين وتتعرض لحوادث معينة في سياق حكائي تجسد منظور الراوي . )) (4).
      يعدُّ (( فضاء المدينة وأفقها القصصي، وبؤرتها التي تلتقي فيها الحركة، تتجمع وتتفرق،
يتسع باتساعها، ويضيق بضيقها، ينغلق بانغلاقها، وينفتح بانفتاحها، يمثِّل بما فيه من بشر .. غادين رائحين، مقبلين مدبرين، حالّين راحلين، وبما فيه من أمكنة اللقاء والحوار، والمناقشات التي تطرح ويدلي بها .. البُعدَ الحضاري لمجتمع المدينة في ثلاثة مستويات متقابلة: مستوى الثبات والتحول، مستوى الاستقرار وعدمه، مستوى الزمان والمكان.)) (5).
وتتحدَّد أطروحتنا السردية هذه أولاً بالتعايش مع أفق الفضاء المرتبط بالشخصيات ارتباطا كلياً، ومنسجماً معها انسجاما تاما ، هذا الفضاء الذي يحرص على استبقاء الشخصيات ضمن الحيز الخاص بها ، والمرسوم لها ، مشكِّلاً ما أطلق عليه المكان الأليف ، فالمكان الأليف – من وجهة نظر خاصة بنا – يتحدَّد حالما تحس الشخصيات بنوع من التجاذب السحري تجاهه بحيث يغدو من المستحيل عليها استبدال هذا المكان بآخر، انه إحساس بالانتماء والاستقرار والأمان. وإذا ما انعدم شرط من هذه الشروط أو تلاشى يتحوَّل هذا المكان إلى نقيضه المغاير أي إلى مكان معادي .
ثم تتحدد هذه الأطروحة ثانياً بالانقياد التام نحو فضاء روائي اكتمل بناؤه السردي، إلا انه لم يكتمل مشروعه الطباعي. فالنص الذي وقفنا عنده في مقاربتنا السردية هذه نص مخطوط وهو نص روائي بعنوان " مرافيء الحب السبعة " لعلي القاسمي، لم يصل إلى يد القارئ بعد، وبالتالي فإن دراستنا هذه ستتحدد بأنها استجابة نوعية لمفهومنا الخاص في التعامل مع نص لم يقرأ بعد ولم ينقد بعد. من هنا سيأخذ عملنا طابع الجدّة والموضوعية، وسيُلزِمنا باتخاذ مقترحات سردية قد تفتح الطريق أمام دراسات أخرى أكثر جدية حالما يكتمل النص طباعيا كما اكتمل بنائيا.
تذهب الدراسات النقدية إلى أنَّ الرواية المغربية عمّقت اتجاهاتها القرائية نحو توسيع رقعة القراءة المدينية / نسبة إلى المدينة، حتى إننا لا نكاد نعثر على رواية لم تمس مدينة من مدن المغرب مساً مباشراً من قريب أو بعيد إذ ((ارتبطت الرواية المغربية، في جلِّ نصوصها، وعلى امتداد عقودها الزمنية السابقة، بالفضاء الحضري المديني تحديدا. واحتفاء الرواية المغربية بالمدينة لا يمكن فهمه وتلقيه، على مستوى العديد من نصوصها المتلاحقة عقدا بعد آخر، فقط مجرد ارتباط تقني بعنصر يعتبره المنظرون والنقاد أهم مكون في الآلة السردية، بقدر ما يتعين ملامسته، أيضا، كارتباط بالمدينة بوصفها فضاء إشكاليا في الرواية، أي باعتباره سؤالا يؤطِّر، في الآن ذاته، سؤال التخييل والكتابة الروائية ككل، حيث نجد أن سؤال المدينة في الرواية المغربية قد شغل الروائيين المغاربة على الأقل منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بمعنى أن الوعي باستثمار المدينة كفضاء إشكالي في الرواية قد ارتبط في العمق بنضج الوعي بالكتابة الروائية في المشهد الأدبي/ الروائي بالمغرب، أي بعــد أن أضحت الرواية تستند في انكتابها العام إلى وعي كُتّابها الاستطيقي، الأمر الذي يستوجب هنا مقاربة طبيعة العلاقة القائمة بين المدينة والرواية، من منطلق تصور كلي وجدلي يستلزم مبدئيا خرق مسألة التصنيف الزمني ليغلب سؤال الامتداد بين نص ومدينة، وبين تجربة روائية ومرحلة زمنية..)) (6).
لقد حرص الروائيون على اتخاذ المدينة فضاء سرديا يؤسِّس اشكاليتها من خلال تواجدها الفعلي في النص، وأصبح لزاما على الروائي أن يتخذ موقفا حاسما يثير أسئلة عدة في مقتطفات بارزة، لاسيما تلك التي تلح أسئلتها في صياغة تاريخية للوجود المديني، فمحمد عز الدين التازي– على سبيل المثال- يخرق قوانين اللعبة السردية وأنظمتها، ويدفع بالفضاء المديني دفعا يستثير من خلاله جوهر هذه اللعبة، وتصبح ( فاس ) المدينة الأكثر تشعبا وتشظيا واستقبالا في هيكلية الحاضرة المغربية، فعلى مدار ثلاثة عقود من الزمن – استنادا إلى أول رواية كتبها وهي "أبراج المدينة" عام 1978- تفاعلت خلالها هذه المدينة في نصوصه الروائية تفاعلا قويا، حتى عُرف التازي بمدينة فاس، وعُرفت فاس بروائيها التازي، ولعل ثلاثيته: " زهرة الآس " تشي بعمق أسطوري لهذه المدينة، كما نجد ذلك أيضا في روايته " حكاية غراب " حيث المدينة / الحلم والرمز والأسطورة، وكلها تتداخل في شبكة نسيجية تقوي آصرة هذه المدينة وعلاقتها بالشخصيات، وعلاقة هؤلاء بها، في أجواء حكائية تستمد من الموروث عمقها وسردنتها وحيويتها .
علاقة القاسمي بالمدينة علاقة حميمة تتجسد في حضورها الأزلي في اغلب كتابته، ففي رواية " مرافئ الحب السبعة " تتحرّك المدينة بتنوعاتها المختلفة لتشكل نقطة جذب تتآلف معها الشخصية الرئيسة/ الهاشمي تآلفا حميما، وتصبح هذه العملية السردية المدار الأهم لرسم البؤرة الهندسية المحيطة بالمدينة.
تطرح الرواية العديد من الأسئلة التي تشي بنصيب وافر من تواجد المدينة فيها لاسيما
أن المدينة، هنا، رمزٌ للوطن المفقود، فالقاسمي في مشروعه الروائي هذا يبحث عن وطن أضاعه منذ عقود ثلاثة، على الرغم من أنه موجود فعلاً وواقعاً وتاريخاً وحضارة، إذ تتجسد تلك الأسئلة في علاقة الإنسان بالوطن / الحلم، علاقته بالوطن الآخر / المغترب، طبيعة هذه العلاقة بين قطبيْن متضاديْن يسكنان مدينة واحدة، تربطهما قيم وعادات وتقاليد مختلفة ؟
لابد من الإشارة بدءاً إلى أن هذه الرواية تمثل صراعا بين مدن غربية / أوروبية، وأخرى شرقية/ عربية، إذ إنها تمثل استجابة نوعية لمنطق التفاعل الحكائي المتمثل بالمرور السردي للمدن التي جابها وعاش فيها الهاشمي ردحا من الزمن، ولابد من الإشارة ثانية إلى إن هذه الاستجابة تشكِّل نوعاً من السيرة الذاتية لحياة القاسمي في هذه المدن .
        فقراءة سردية فاحصة سيجد القارئ هناك : القسم الأول: بغداد ـ بيروت / القسم الثاني:نيويورك ـ أوستن، تكساس / القسم الثالث: الرباط ـ الرياض ، وفي كل قسم من هذه الأقسام ثمة حكاية يصوغها الراوي بإتقان، حكاية حبٍّ تظل ملامحه مرسومة في القلب والذاكرة، ويستحيل على شخصية مثل الهاشمي أن يتجاوب مع النسيان بكل تلك السهولة ويخرق تلك الحميمية التي دعته يوما إلى الاستكانة، حتى إننا نقف عند شخصية يجعل من الحبِّ المطمح الأول والأخير، وربما كانت النظرة السردية التي يُطلقها الراوي / الشخصية أوضح تجسيد لهذه الأزمة التي سيبقى يعاني منها طوال حياته ، حينما يقول :
(( ستمضي حياتي موشومةً بثلاث نسوة: امرأة أرادتني وأردتها، ولكن القدر لم
يُرِدنا معاً؛ وامرأة أرادتني ولم أُرِدها فكسرتُ قلبها، وظلَّ ضميري مصلوباً على خيبة أملها؛ وامرأة أردتُها، ولكنّها لفظتني ولم أستطِع نسيانها. وأنت المرأة الأخيرة، يا أثيرة.)) (7).
ليضع من خلالها تجربته المريرة التي انتهت بفشل الهاشمي في حياته العملية كما فشل في حياته العاطفية، إذ يتعثّر في العمل ويعيش بذاكرة مشرّدة ، متجاهلة ، غير مستوعبة لما يدور حولها .
بدءا من العنوان، يضعنا القاسمي في متاهات المدن السبعة، التي يسميها المرافئ، والمرفأ في مفهومنا اللغوي يشير إلى محطات للاستراحة والتنقل من مكان إلى آخر، أو فلنقل من حال إلى أخرى، وجمعها مرافئ، والى هذا الجمع حدَّد القاسمي عنوان روايته، ذلك أن سبعة مدن تشكل مرافئ للهاشمي/ بطل الرواية وهو يجوب الأرض بحثاً عن ملاذ آمن، بدءا من بغداد المغترب السردي الهارب منه الهاشمي انتهاء بالرياض الذي يشكل بياضا في ذاكرته، ليعود بعدها إلى المغرب بتضاريسها المتشعبة من الرباط وفاس ومدن أخرى .
تقسَّم الرواية على ثلاثة أقسام، كل قسم يتحدد بمدينتين، الأولى ، المدينة التي تركها ، والثانية التي لجأ إليها ، فمن بغداد إلى بيروت، ومن نيويورك إلى أوستن ، والعودة بعد ذلك إلى مدن عربية تربط الرباط بالرياض لينتهي أخيرا بعودة الهاشمي إلى المغرب وهو في حالة لا تسمح له بالقيام بأي عمل لما يعانيه من شرود ونسيان وتكاسل يُفصَل بسببه من العمل . 
لقد مثلّت المدينة بمختلف أقطابها وتوجُّهاتها الحلم الكبير للهاشمي لاسيما وهو الهارب من مدينته الأزلية / بغداد، الباقية دوما في الذاكرة، والحاضرة أبدا في الروح والجسد، يحمل معالمها وذكرياتها أينما توجَّهَ، حينما يقول عنها :
(( أتوضأ بالدمع وبالسُّهد، أيممُ وجهي شطر بغداد، أصلي ركعتَين للعشق وثالثةً للوجد، تتطاير في عينَيّ فراشات بيض وصفر وزرق، تحمل على أجنحتها الشوق، أحترق بالحنين، تطمسني ظلال الرؤى، وأغيب في صلاة ودعاء.  طوبى للنخيل المتشبثة جذورُه  بأرض النخيل، المجد للإنسان الراسخ الأصيل. )) (8).
    فيما تتجسَّد الأخرى في نظره غريبة عنه على الرغم من لجوئه إليها، فهو يقول عن أوستن :
((ينظر إلى شوارع المدينة وأبنيتها، فيجدها غريبة العمارة، لا تلقى منه إلا الاستغراب بل الاستهجان. وأخذ يتساءل ما إذا كان الجمال موضوعيّاً يكمن في خصائص الشيء الذي نراه، أم أنّه ذاتي يعتمد على ذات الشخص الذي ينظر إلى ذلك الشيء. وهل يتغيّر حُكم الفرد على الموضوع نفسه بتغيّر الظروف والمكان والزمان. فعند وصوله إلى هذه المدينة أوَّل مرَّة، كان يجدها جذاّبة فاتنة تزدان شوارعها بالأشجار المورقة التي تتقافز عليها السناجب الصغيرة، وبالمارّة الذين تطفح وجوههم بالبشر والبسمة. أمّا اليوم فلم يعُد بشعر بالارتياح إلى الفضاء وما يؤطِّره من أشجار وحيوان وإنسان. حتّى السناجب  الصغيرة التي كانت قد أثارت انتباهه وإعجابه عندما وصل أوّل مرَّةٍ إلى أوستن، وهي تقطع الشوارع بخفَّةٍ وتتسلق الأشجار بسرعةٍ، أخذت تزعجه وتثير أعصابه. )) (9).
من المؤكَّد أن لهذه الغربة دوافع دفعت الهاشمي إلى هذا الإحساس ، فموت أُمّه وهو بعيد عنها ، وحصوله على شهادة الدكتوراه من دون أن يشاركه احد من أهله فرحة الحصول عليها عمّقت لديه الشعور بالغربة، مما دفعه إلى اتخاذ قرار بعدم قبول عرض الأستاذ هايدي بوجود كرسي الأستاذية شاغراً ويمكنه إشغاله .
فيما تبدو الرباط فضاءً سردياً جديداً يلجأ إليه تعويضاً عن خسارة وطنه ، والإحساس الذي انتابه في البلاد الأوروبية لم يكن له وجود، ذلك أن الرباط مدينة عربية ، وجوه أهلها تحمل ملامح وجوه أهل بلدته ، من هنا نجد ذلك الارتباط النفسي والجسدي والانتماء إليها نتيجة طبيعية ، يقول الراوي :
((وصلتُ إلى الرباط، مدينة جديدة كلَّ الجِّدَّة عليّ. لم أَرَها من قبل، ولم أَخْبُر دروبها، ولم أعرف أزقّتها، بل من السهل أن تضيع خطواتي فيها. ولكنَّ شيئاً في هذه المدينة جعلني أشعر بأنَّها ليست غريبة. فوجوه أهلها تحمل ملامح وجوه أهل بلدتي. وصوامع جوامعها ينطلق منها ذات الأذان الذي كنتُ أسمعه في منزلي منذ طفولتي، وأزياء أهلها قريبة من أزياء أعمامي وأخوالي. أليس هذا ما كنتُ أبحث عنه بلسماً لمرض الحنين إلى الوطن الذي أصابني في أمريكا؟)) (10).
إذن فثمة موازنة سردية أنتجتها المخيلة الروائية، لوضع شخصياته في موضع انتماء، حنين، شوق، شعور بالألفة والطمأنينة، وسؤال يجسِّد كياناً عربياً موحداً في أن كل المدن العربية واحدة، وأنها تحتضن أبنائها بغض النظر عن موطنهم الأصلي ولغاتهم وهوياتهم الدينية والعرقية وتوجهاتهم الفكرية، طالما أن هذا الإنسان ينتمي إلى هذه المدينة بعد أن يلجأ إليها فبإمكانها احتضانه .
إن القاسمي يحرك شخوصه في مدار سردي تلتقي فيه بشخصيات أخرى، فأغلبها لاسيما الهاشمي/ البديل السردي للقاسمي، يتحرّك في مدن، يشهد أحداثا وتطورات سردية مهمة، يتعرض لمواقف ونكبات يجابهها بالصبر تارة وبالهروب تارة أخرى، وكل خرق في هذه المواقف يفسح المجال أمامه للمغادرة والانضمام إلى مدينة أخرى أكثر أمنا وبراءة من سابقتها .
إن ما يهمنا هنا هي تلك العلاقة التي تتجسّد بين الإنسان والمكان / المدينة لاسيما في قسمه الثالث : الرباط – الرياض ، فبعد أن جاب الهاشمي الأقطار وانتقل من مكان إلى آخر ، استقر في المغرب ، بوصفه أستاذا في إحدى الجامعات ، تتوطّد العلاقة بينه وبين إحدى طالباته ، تتحوّل فيما بعد إلى علاقة حب، وبفعل هذه العلاقة ينتقل من الرباط حيث يعيش إلى فاس المدينة التي قدمت منها هذه الطالبة / أثيرة بعد أن تدعوه للزيارة ، لذا فان أول خيط سردي يربط الشخصية بفاس يتحدّد من خلال هذه العلاقة ، يقول الراوي : 
(( ولكي أشجِّعكِ على الكلام، سألتكِ:
 ـ هل أنتِ من الرباط؟
 ـ لا، فاس..
 ـ. لا توجد جامعة في فاس، ولهذا فأنتِ بعيدةٌ عن الأهل.
 هززتِ رأسكِ موافقة.
 ـ هل يؤثّر ذلك على دراستكِ أو استيعابك الدروس؟
وظللتِ صامتةً، يا أثيرة. فقلتُ محاولاً مواصلة الحديث:
 ـ لا شكٌّ في أنَّكِ تحنّين إلى الأهل في فاس وإلى مدينة فاس، فقد سمعتُ أنّها مدينة عريقة، جميلة بأهلها وبمعاهدها العلمية الشهيرة.)) (11).
كما أن التأكيد على الخيط السردي يتم عن طريق السماع ، فالهاشمي سمع بهذه المدينة، وهي حيلة مراوغة لجذب الشخصية إلى هذا القطب المديني الحي ، يتفاعل بعدها ويندمج معها على اثر مشاهدته لها ، إذ يقول :
(( الشمس مشرقة، والهواء منعش، والطريق إلى فاس يترنّح ثملاً بالجمال، بين السهول والتلال، والوهاد والجبال، والوديان المتخمة بالمياه المتدفِّقة. وأشجار الصفصاف السامقة تنتصب مرفوعة الرأس على جانبَي الطريق، كما لو كانت تحيِّينا، ترحِّب بنا، ترافقنا، تزفُّنا إلى فاس. والمروج المترامية على مدى البصر تزدان بالخضرة المزركشة بألوان الزهور البيضاء والصفراء والحمراء، كأنَّها في مهرجان يرحِّب بالربيع القادم بعد بضعة أسابيع. واللافتات على الطريق تحمل أسماء القرى والمناطق: المغاوير، بلاد الدندون، غابة المعمورة. حتّى الأسماء تنم عن حضارةٍ عريقةٍ وذائقةٍ فنِّيَّةٍ متميِّزة.
التفتُ إليكِ وقلتُ:
ـ بلادكم جميلة رائعة، أثيرة.
أجبتِ بنبرةٍ حزينة:
ـ ولكنَّ الأغنياء والسيّاح الأجانب فقط هم الذين يستمتعون بها. أمّا معظم الناس فيعانون الفقر، ويرزحون تحت وطأة الجهل والمرض. )) (12).
الصورة السردية التي يعتمدها الراوي في نقل مشاهداته هي صورة نابضة بالحركة والحيوية ، تنهض فيها الصورة البصرية على قدر كبير من الفاعلية ، الإطار الذي يتحرّك خلاله الهاشمي إطار يعتمد على تناوب الطبيعة مع الألوان . 
يتحدَّد النص بالزمن السردي الذي يعود به في نقطة استرجاعية إلى الماضي ، فالذاكرة بوصفها (( المركب الذي يحقق حضورا للماضي ، ويجعله ممتدا إلى حاضرنا ، فكأنهما يتجاوران في فضائها ليكونا زمنا واحدا غير منقطع ، مما يؤهِّل الذاكرة – وبامتياز- لتسمى جوهر وجود الإنسان ، بما تحققه من ضمان سيلان الزمن وتدفقه بحاضره وماضيه. )) (13)، تعمل بأقصى توجه سردي وفاعلية ، والماضي حاضر في ذهن هذه الشخصية بكل ملابساته وديمومته ، وهو الماضي الناصع / الجميل / الذي لا ينسى ولا يمكن أن يشطَب من الذاكرة ، وإذا كان هذا النص يتحدد بعلاقة الهاشمي  بهذه المدينة ويشخصها عبر تحديد هويتها التاريخية ، وموقعها وحاراتها إذ يشير الراوي إليها بقوله :
((في اليوم الثاني أخذتِني في جولةٍ في مدينة فاس القديمة. وهي مدينة رائعة حصينة تقع على نهر يُسمّى اليوم " وادي فاس " .... دخلنا من باب أبي الجلود أو أبي الجنود وسرنا في أسواق متخصّصة مثل سوق الصناعات الجلديّة والأحذية، وسوق الأقمشة والملابس التقليديَّة، وسوق الجزّارين، وسوق الحدّادين، وما إلى ذلك. وكان لكلِّ حارةٍ من حاراتها مسجدها الذي يُستخدَم في الوقت ذاته ملتقىً للدرس والتعلُّم، فالمساجد كلُّها توظَّف كتاتيبَ يتعلّم فيها صغار الأطفال، ومن هنا يسمى الكُتّاب في المغرب " مَسيد" (أي مسجد). وذكرتِ لي أنَّ السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين جعل التعليم إلزاميّاً لجميع الأطفال، فحينما دخل فاس قبل حوالي ألف عام، ألزم أهل كلِّ حارةٍ ببناء مسجدٍ يتعلَّم فيه أبناؤهم.
ودخلنا مدرسةً قديمةً رائعةَ المعمار، مزيَّنة البناء، محكمة الترتيب بحيث أُفرِدت غرفٌ لإدارة المدرسة، وغرفٌ للأساتذة والدرس، وغرفٌ لسكنى الطلاب. وقلت لي إنَّ السلطان أبو عنان المريني ، قبل أن يقدِم على بناء المدرسة، بعث بالعلامة ابن خلدون، صاحب "المقدّمة" الشهيرة ومعه معماريّون إلى بغداد، للاطلاع على الجامعة المستنصريَّة، والوقوف على هندستها وتصميمها، للإفادة منها في بناء مدرسته تلك.
ثمَّ وصلنا إلى جامع القرويِّين، الذي يُعدّ أقدم جامعةٍ في العالم. وقلتِ لي إنَّ رجلا من أهل القيروان في تونس اسمه محمد بن عبد الله الفهري قدِم إلى المغرب أيامَ الأدارسة، واستقرَّ في فاس رفقة زوجته وابنتيه فاطمة ومريم. وبعد وفاته ورثت منه ابنتاه ثروةً كبيرة، وكانتا من المُحسِنات الصالحات، فأنفقت فاطمة  من مالها الخاصّ لبناء مسجدٍ كبيرٍ رائعِ البناء على أرض فسيحة في محلَّة العالية على الضفة اليسرى لوادي فاس. وقد استُخدِم هذا المسجد للعبادة والعِلم، وسُمِّي باسم نسبها " جامع القرويين"( أي القيروانيِّين). وبنَت أختها مريم مسجداً أصغر منه على الضفة الأخرى من الوادي حيث يسكن الأندلسيّون... )) (14).
 فإن النص – على طوله- يكشف تاريخية هذه المدينة وواقعها الجغرافي عبر مخيلة روائية تستقدم المعلومات والأحداث من مكمنها، ويصبح الهاشمي جزءا من هذه المدينة حين يستوعب وجودها، ويثير أسئلة وجوده تحديداً من خلال هذا المدار الكوني الشامل .
لقد برزت فاس في ذاكرة الهاشمي مدينة تاريخية لها أهميتها، وانتماء الإنسان إليها إنما هو انتماء صميمي نابع من طبيعة المدينة التي تستقطب الناس إليها من كل حدب وصوب، إلا أن انتماء الهاشمي يعود لأسباب عدة منها أنها موطن أثيرة، ولعل خير دليل على ذلك هو أنه حالما تنقطع الصلة بينه وبين أثيرة لا تعود المدينة موجودة في ذاكرة الهاشمي أو مرتبطة به .
لقد حرص القاسمي على أن يقدَّم رواية تستلهم المدينة – بمختلف أقطابها وتوجهاتها -  تُفعِّل منطق الوجود الذاتي، وتثير العديد من الأسئلة والبحث عن روافد الإجابة عبر منظور تاريخي، واقعي.
وإذا كان الخطاب الروائي يستند في أساسه وبنائه الفعلي على منظور متعدِّد ، بين سرد موضوعي – في اغلب الأحيان – وذاتي يشير إلى الأنا الساردة، وهي تحكي حكايتها بأسى وحزن وذاكرة متقدة تعود بالبطل / الهاشمي إلى الزمن البعيد ، إذ الذاكرة هنا تتحدَّد بمُدد زمنية مختلفة بين مدىً طويل حيث الطفولة وأيام الصبا والقرية والأم والنخلة والنهر والأصحاب والمدرسة ونصائح الأب وعلاقته مع الآخرين لاسيما مع كاكا يارة التي تربطهما علاقة وثيقة تنقطع الصلة بينهما على اثر ترحيله لكنه يبقى في ذاكرة الأب والابن لا يبارحها ، ومدىً زمني قصير حيث الرباط والجامعة وفاس وأثيرة والألم المتصدع في القلب بعد أن أعلنت أثيرة حملها منه وإصرارها على إجهاض الجنين، وهو إجهاض لحلم الهاشمي في الاستقرار والأمان في وطن آخر غير وطنه الحقيقي . 
لقد جاءت المدينة رمزاً معبراً عن طموح الهاشمي، فالقرية التي جعلها القاسمي مجهولة التسمية إنما هي رمز لبغداد، الباقية في الذاكرة والوجدان، وبغداد رمز للعراق الغائب عنه جسدا والحاضر أبداً ودوماً، روحا ووجدان وذاكرة وفعلا وواقعا، يقول الراوي : 
(( كيف أنسى يا أبي تربةَ أهلي، وماء الفرات، ونخلة أُمّي؟ فقد تشرَّبتْ بها روحي، وسرت في دمي، ونبضَ بها قلبي. وهل يحيا المرء بلا قلب؟ كيف أنسى يا أبي وطني؟ ليتني كنت أستطيع ذلك لحظةً واحدة، فهو يسكن كياني، ويملأ أحلامي.
 إنَّك لا تدري، يا أبي، أنَّني منذ ذلك الفجر الذي احترفتُ فيه الرحيل، والشمس تشرق كلَّ صباح في عيني من العراق، وتغيب كلَّ أصيل في العراق، وأنَّ ساعتي أدمنت توقيت بغداد، أينما ذهبتُ، لأنَّ هذه الساعة التي أهديتَها إليّ ذات يوم، تعمل بالنبض،نبض قلبي الذي تجسّه في معصمي. وقلبي ينبض بحبِّ العراق.
تقول، يا أبي، إنَّني قد أنسى وطني حينما أعبر إلى الضفة الأُخرى، وأنتَ على يقينٍ، يا أبي، أنَّني في أيِّ المحيطات أبحرتُ، وفي أيِّ البحار نشرتُ أشرعتي، فإنَّ بوصلة القلب ستبقى متجهةً دائماً نحو منائر وطني، وأنَّ ساريتي ستظلُّ أبداً ملفّعة بشال أُمّي وضفائر أُختي. وسأستنشق عبير بستاننا في نسيم البحر. وسوف يغتسل طيف بلادي في مجرى مركبي، وأرى خيال أعناق نخلاتنا في الغمائم فوق السفن، وسيجري ماء الفرات على الدوام في عروقي وأوردتي وشراييني ودمعي. وسأظلّ صادياً ظمآنَ لن أرتوي إلا ببضع قطرات من ماء الفرات الفرات. )) (15).
لقد جاءت المدينة لتفتح المخيلة الروائية على اتساعها ولتشرع في بناء فضاء روائي قائم على تعددية مدينية واضحة. ومن خلال هذه التعددية تثير أسئلتها الوجودية، عبر مجموعة سردية تشكّل النسيج الجامع لهذه التعددية.
لقد جاءت المدينة هنا رمزاً معبراً عن الوطن الضائع لدى القاسمي، فبغداد أو القرية التي جعلها القاسمي مجهولة التسمية هي رمز لبغداد، وبغداد رمز للعراق، ولعل قول الراوي خير ما يمثل هذا المرتكز السردي المعبر بوجدان ذاتي يفيد من ضمير المتكلّم/ الأنا في الانشداد والركون والاستسلام إلى ذلك القدر الذي فرقّه عن الوطن جسداً لكنه حاضر فيه روحاً وضميراً وأخلاقاً، أثارت الكثير من الأسئلة وحتّمت على متلقّيها الإجابة عنها ذاتيا، حرصاً من الروائي على استيعاب كافة الممكنات الوجودية للنصِّ السردي .




الهوامش والإحالات :
(*)  للدكتورة سوسن البياتي أعمال نقدية عديدة منها كتابها "
ــ بنية النص القصصي: رؤية سردية في مجموعة " دوائر الأحزان" لعلي القاسمي (القاهرة: دار رؤية، 2013)
(*) كتبت الدكتورة سوسن البياتي دراستها النقدية قبل صدور الرواية  عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء وبيروت بتاريخ 12/6/2012.
1. قال الراوي ، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية ، سعيد يقطين ، ط1، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، 1992 . 241 .
2. دلالة المدينة في الخطاب الشعري العربي المعاصر ،– دراسة في إشكالية التلقي الجمالي للمكان ، قادة عقاق ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ،2001 .،  19 .
3. الإنسان والمدينة في العالم المعاصر ،مجموعة مؤلفين ، تر: كمال خوري ، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي ، دمشق ، 1977،  5 .
4. جماليات التشكيل الروائي ، دراسة في الملحمة الروائية "مدارات الشرق " ،محمد صابر عبيد وسوسن البياتي ،ط1،  دار الحوار ، دمشق ، 2008،  189 .
5. أطياف الوجه الواحد ، دراسة نقدية في النظرية والتطبيق، نعيم اليافي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1995 ، 266 .
6. المدينة فضاء إشكاليا في الرواية المغربية .
7. الرواية ، 47 .
8. الرواية ، 184 .
9. الرواية ، 180 .
10. الرواية ، 201 .
11. الرواية ، 209 .
12. الرواية ، 234 .
13. سرد الذات – فن السيرة الذاتية ،عمر منيب ادلبي ، ط1، دائرة الثقافة والاعلام ، الشارقة ، 2008،  202 .
14. الرواية ، 238 .
15. الرواية ، 78 .

عيد النصر/ عباس علي مراد

سلام الى الأيادي
التي رفعت راية الحرية
سلام الى من حطم الاسطورة
واصبح القاهر مقهوراً
وفرّ من ديارنا مدحورا
*******ً
سلام الى كل من عانق تراب المحبة
سلام الى الأمهات المجاهدات الفرحات
يزغردن نشيد النصر
يراقصن الساحات فخراً
على رؤوسهن تيجان الغار
في عيد الحرية والاحرار
********
سلام الى كل من ضحى
حتى يبزغ هذا الفجر المجيد
وأصبح للنصر عيدا
********ً
سلام الى الشهداء الأبرار
جنودٌ ومقاومون أخيار
*********
سلام الى القرى والبلدات
التي سكنها الهجر
عندما عبرتها الهمجية
واثقلت انفاسها البربرية
وخطف السكون حراكها
واغلق نوافذها على الضوء
قبل ان تعود وتنعم بالحرية
********
سلام الى الجبال الواقفة سداً
سلام الى الوديان الهانئة
سلام الى الأرض التي ازهرت
وروداً بلون دماء الشهداء
********
يوم النصر
اشرقت الشمس من الجنوب
وسطعت فوق سماء لبنان
واضاء شعاع مجدها ربوع العرب
فكان الخامس والعشرون من أيار
هزيمة مدوية للأعداء
ونصراً للأحرار والشرفاء
لآلئ  تزين عنق الوطن
في الخامس والعشرين من أيار
عادت الأرض الى الوطن
واصبح للنصر عيد
القيت في مهرجان التحرير 2013 الذي اقامه
اتحاد شباب الجنوب في سدني

مقامات قتيل الزمان السَهَرْعندي 8/ د. عدنان الظاهر

مقامة 8
شبعتُ حدَّ التُخمة من البحار والسواحل الرملية المترامية الأطراف بل وحتى مرضتُ بسرطان الجلد جرّاء التعرض طويلاُ لأشعة شموس بعض سواحل شمال إيطاليا منبطحاً على الرمل تحت أشعة الشمس الحارقة التي تتخطى الأربعين مئوية أحياناً. شبعتُ من الترف ومن المغامرات وغدوت أكثر ميلاً للإستقرار والهدوء والدَعة في الحياة بعيداً عن الصخب والأضواء الساطعة وأصوات الموسيقى العالية . وعليه قررتُ العودة إلى بلدي الذي آواني وأكرمني وعالجني من عللي وأوجاعي وقد أصبحت مزمنة ومتعددة الأشكال والنوعيات . ف [ يا غريب اذكرْ هَلَك ] !
أصاب تلك العائلة الإسبانية هلع وجزع كبيران . صُدموا جميعاً بقرار مغادرتي والعزوف عن مصاهرتهم . لاذوا جميعاً بصمت غريب كئيب ولم يسألوا كثيراً عن دوافع قراري المفاجئ .  كانوا في غاية الأدب والكياسة وفي ساعة توديعي ومغادرتي المطار بكت الوالدة والكناريتان لكنَّ الوالد لم يبكِ عَلَناً بل غطّى وجهه بمنديل وكان هذا مؤثّراً وكافياً .  قبّلتني النسوة وقدّم الوالدُ لي إكليل ورد جوريٍّ أحمر وأصفر وكانوا يعرفون أني أحبُّ هذين اللونين في ورود الجوري . كان الوداع صعباً حتى أوشكتُ أنْ أفقد السيطرة على نفسي . ليس يسيراً عليَّ مفارقة مّنْ يُسدي لي جميلاً ومن يُكرّمني ويحيطني بعناية خاصة ففي طبع المفارقة عنصر مأساويٌّ  مخفيٌّ أسود ربما يعني الموت ! غيابُ الفُرقة موت . لهذا درجَ المرحومُ والدي على معارضة مشاريعي للسفر ومغادرة العراق . كان دوماً يقول : إذا سافرتَ يا عدنان فسوف لن أراكَ ثانية ! وهذا ما حصل .. سافرتُ سفري الأخير فتوفي والدي بعد مغادرتي بأربعة أشهر فقط ، لا رآني بعد سفري ولا رأيته .
تتنقلُّ برشاقة وخفّة مضيفات الطائرة من كل جنس وقومية ولون ، فيهنَّ التركية والتايلاندية واليابانية والهندية والإفريقية والإسبانية وأخرى مالطية . يتكلمن العديد من اللغات لتأمين التواصل المرن والمريح مع المسافرين . بصراحة ... تمنيتُ أنَّ فيهنَّ واحدة عربية أسألها الماء وحاجات أخرى بلغة آبائي وأجدادي . عندما يجد المرءُ نفسه مُحاصراً بألسنة وأجواء غريبة عليه ينكفئ على نفسه فيعود القهقرى إلى حيث مساقط رأسه ونشأته الأولى . تناولتُ طعامي من يد إحدى المُضيّفات حين كنتُ غارقاً في حزني 
أردد بيت شِعر الشاعر معروف عبد الغني الرصافي :
وإني جبانٌ في فراقِ أحبّتي
وإنْ كنتُ في غيرِ الفراقِ شجاعا
يا غريب اذكرْ هلك . غريب .. أنا غريب إلاّ حين أكون في بلدي الوطن . جرّبتُ وطناً آخر لكني فشلتُ . لم أستطع التكيّف لهذا البلد الجديد لا أرضاً ولا بشراً ولا طبيعةً ولا مناخاً فكيف أبقى . بين الإنسان والأجواء المحيطة به علاقات تأثير مُتبادل فأي معنى للجو المُحيط بي إذا لم أستطعْ التكيّف له ولم أستطعْ التفاعل معه ولا هظمه
وتمثيله ؟
ملاحظة : " يا غريب اذكرْ هَلَكْ " مطلع قصيدة للمرحوم الملاّ عبّود الكرخي قالها لمناسبة موت الملك فيصل الأول وكان هذا المطلع كما يلي :
يا سفينة التايهةْ طرها الفَلَكْ
ماتْ فيصلْ يا غريب اذكرْ هَلَكْ
ولما رحل الملك غازي عام 1939 في حادث مثير للجدل .. قرأ الناس هذا المطلع كما يلي :
يا سفينة التايهة طرها الفَلكْ
مات غازي يا غريب اذكرْ هَلَكْ
بوضع اسم الإبن في موضع اسم الأب وغازي هو نجل فيصل .
مقامة 9
أحبُّ المقام العراقي خاصة بصوتي محمد الكبنّجي ويوسف عمر أما الباقون ... فليعذروني !
هل تحبُّ مقامات بديع الزمان الهَمَداني ؟ بل أهوى مقامات قتيل الزمان ، زماننا قتّال وكاسرلا يرحم بل لا يعرف للرحمة معنىً وهل يُبدعُ قاتلٌ سوى صنعة وهواية القتل ؟ أنا اليومَ في بغداد فهل زماني في بغداد بديع ؟ سأوجّهُ هذا السؤال لعبود الكرخي بطل قصيدة المجرشة وللرصافي صاحب قصيدة " إِليكِ يا بغدادُ عنّي " ثم للجواهري الذي تغنّى بدجلة الخير فطرب وأطرب لكنه بقيَ أبداً ظمآنَ مائها :
إني وردتُ عيونَ الماءِ صافيةً
نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني

  وماذا عن السيّاب الذي سبوهُ وسبّوهُ وسيّبوهُ على جسر ؟ السياب موّالٌ آخر مختلف ، هواه مع ماء آخر هو ماءُ  نهر بويب وقرية جيكور .. إنه بصراوي وانا اليوم في بغداد.
" جيف انتَ بغداد وآنةْ من الجنوبْ ؟ " .. من أغنية كانت زميلاتنا تغنيها في سفراتنا الربيعية إلى منطقة الصدور والفلوجة والرمادي وبحيرة الحبانية وسدة الهندية . الكلام فيها عن حبيب يتكبّر على مَنْ تُحبه لأنه من العاصمة بغداد وهي فتاة جنوبية . " جيف " تعني كيف أي لأنني جنوبية ... أو بسبب كوني من جنوب العراق . كان مطلع هذه الأغنية يُثير حفيظة فراشي الأقسام الداخلية في الكلية وكنا نصطحب البعض منهم لمساعدتنا في بعض شؤوننا . إنهم طيبون ومحافظون لذا كانوا يشعرون بالكثير من الحَرَج حين يسمعون طالبات الكلية يصدحن فَرِحاتٍ مثل صبايا القرى العراقية بأغنية تقول :
عالهُبّ الهُبّ الهُبْ
والهوة شال الثوبْ
 حسنك وجمالكْ
 علّمني دروبْ دروبْ
...
هذه بعض مقامات قتيل الزمان وهي تنافس مقامات الحريري والهمداني بل وقد تكون أفضل منها في الأقل لأنها مقامات عصرية مثل قصائد الشعر المنثور التي لا يطيقها الفراهيدي ولا تطيقها بحوره ولا راكبو هذه البحور أو البحار . علّمني قتيل الزمان كافة الدروب درباً دربا فيا له من قتيل حيٍّ كما قال ديك الجن الحمصي في حبيبته القتيلة :
عهدي به ميْتاً كأحس نائمِ
نعم ، قتيلي الذي فيَّ نائمٌ لا ينام .
وماذا تعرف من مُقامات الكوفاوي الشاعر المتنبي ؟ إنها كثيرة تُعدُّ ولا تُحصى . ما أقام في بلد أو مكان إلاّ وارتحل على عَجَل . أوَليس هو مَنْ قال :
فما حاولتُ في أرضٍ مُقاماً
ولا أزمعتُ عن أرضٍ زوالا
على قَلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي
أوجهها جَنوباً أو شَمالا
لمقامات المتنبي مزايا ومواصفات مُفرطة في الخصوصية منها على سبيل المثال مُقامه بأرض نخلة حيث قارنه بمُقام عيسى ابن مريم بين اليهود :
ما مُقامي بأرضِ نخلةَ إلاّ
كمُقامِ المسيحِ بين اليهودِ
ومنها المكان الذي ربطه بالخيول فرسم لنا صورة مثيرة مُتحرّكة بل وكأنها طائرة في الفضاء :
أعزُّ مكانٍ في الدُنى سرجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ
جمع الشاعرُ في هذا البيت كُلاًّ من المكان والزمان ليأتي بعده بألف عام فيزيائي جمع هذين البعدين معاً وأسماهما [ الزمَكان ].
إسمعْ يا متنبي : إتهمك بعضُ السفهاء أنك ضدَّ الثقافة ! فليقرأ هذا البعضُ هذا البيت الشعري جيّداً وليقرأه مِراراً [[ وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ ]] . فيا أيها السفهاء ... ما معنى كتاب ؟

إن شتت اغفرلي/ فاطمة الزهراء فلا‏


اغفرلي فأنا في جنوني
دوما أغيب عن صوابي
اغفرلي فأنا معك
كل لحظة يزداد عذابي
اغفرلي وضع وشاحك علي صدري
واضمم يدي وامسح بيديك شعري
وناجي النجم يزداد بك هيامي
وارسل تنهيدة عاشق فتصل للقمر أنغامي
ولملم أوراقك واطفأ للهوي مصباحي
لقد رأت عيني أفراح الهوي
والجنون أباح لنا ما أباح
هيا ودع تلك الهموم اللواتي
يتوثبن في الدجي أشباحا
هيا عطرني بالحكايا القديمة
وطارحني الغرام في لهفة
وازرع أزهاري في فرحة
فأجمعها وبالأمر أصمت
عن الكلام المباح
فآتيك أضفر شعري
وأغسل أهدابي بضياء شوقي
وأرسم عازف يغني لحن الفراق
وأنا في مساءاتي العميقة
وبين دروبي العتيقة
أراك تهديني شالا وسوارا
فأرسم بالحناء وشما بكفي
فتحملني عند النهرحلما
يتراقص ويجمع أحرف القصيدة
فييرتمي الليل مكتئبا
ويسأل هل جاء الفجر ؟
أم تراه يرحل يبحث عن الديك في الحديقة

حدوتة سيناوية.. وأفلام هندية/ مجدي نجيب وهبة

  
** منذ ساعات قليلة فى فجر اليوم .. تم الإفراج عن العساكر السبعة المختطفين منذ حوالى أسبوع .. وقد تم الإفراج عنهم بعد السقوط المروع لهذا الفيلم الهندى المصرى المشترك بين مرسى والمختطفين السبعة !!! ..
** ولأننا شعب يطلق عليه أهبل وأغبى شعب فى العالم .. فقد صدقنا هذا السيناريو ، وتناسينا جميعا المصائب والكوارث التى يعيش فيها هذا الوطن منذ نكبة 25 يناير 2011 ...
** عاش الشعب الأهبل هذه الأكذوبة الكبرى والفيلم الهندى "مرسى والمختطفين السبعة" .. يقول البعض إذا كنت تزعم أن هذا فيلم هندى ، فما هو الداعى للجوء لهذا الفيلم الهندى الساقط والفاشل ، ومن يتحمل هذه التكاليف الباهظة ، لتحرك وحدات الجيش والمدرعات والمعدات العسكرية والأفراد .. هذا بجانب حرق الأعصاب ..
** بالنسبة للتكاليف .. تقول بعض الأمثلة "ضربوا الأعور على عينه .. قال كده خربانة وكده خربانة" .. وإذا كانت لا يوجد أصلا دولة ، فمن يحاسب من ، ومن يحاكم من .. الإجابة لا يوجد !!...
** أما عن مغزى هذا الفيلم الهندى والمصرى المشترك أو الداعى له.. فالوحيد القادر على هذه الإجابة هو الرئيس مرسى نفسه ، ومكتب الإرشاد ، ومحمد البلتاجى ، والمهندس "خيرت الشاطر" ..
** أما عن الأهداف .. فهى معروفة للكل .. ولكن البعض يعتبرونها ساذجة ، ويمكنكم مراجعة حالة الشعب المصرى ، والإعتصامات اليومية ، والشحن الإعلامى ، والتهكم على الرئيس ، والمطالبة بنزول الجيش للدفاع عن الوطن وحماية الشعب .. فى الوقت الذى تصدر فيه بعض التصريحات من القوات المسلحة والتى تؤكد وقوفها مع الشعب ، لو طلب الشارع المصرى ذلك .. وفى نفس الوقت .. تنفى هذه التصريحات !!...
** وأخر هذه التصريحات هو ما صرح به السيسى نفسه .. أنه لا صحة لما يتردد عن نزول القوات المسلحة للشارع المصرى والإنقلاب على الشرعية ، وعلى الشعب أن يلجأ إلى صندوق الإنتخابات البرلمانية القادمة التى سوف يتعهد الجيش بحمايتها !!...
** وبعد هذا التعهد للفريق أول "عبد الفتاح السيسى" للحفاظ على الشرعية .. عاد إلينا بعض المحللين والخبراء السياسيين ، ليحللوا كلمة السيسى ، فالبعض قال أنها رسالة واضحة للشعب .. سأكون معكم فى الميدان إذا طالبتم بذلك .. والبعض قال أنها رسالة طمأنينة لكل القوى السياسية .. وهو ما لجأت إليه بعض البرامج الإعلامية من تفسيرات بلهاء وغبية رغم أن القرار والتصريح لا يحتاج إلى ضاربى الودع ، ولا إلى فاتحى المندل ..
** ولأن هذا الشعب يتسم بالبلاهة والجهل .. فكان لا بد من رسالة أخرى تذكرهم بوجود رئيس للدولة ، وهو المهندس "محمد مرسى العياط" ، وهو صاحب القرار وليس الفريق أول "عبد الفتاح السيسى" ، وهو أعلى سلطة فى القوات المسلحة ، وجهاز الشرطة .. فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة المصرية .. ولكن كيف يتحقق هذا السيناريو على أرض الواقع حتى يكف البلهاء والساذجين عن مطالبة الجيش بدعم الشعب أو إنقاذ الوطن ؟!! ...
** فكانت حدوتة سيناوية تم التدبير والتنسيق لها بالإستعانة ببعض البلطجية أو الخارجين عن القانون ، أو فصيل من الجماعات الإرهابية ، والتكفيرين التى تربطهم علاقات وطيدة بمكتب الإرشاد .. وكان من الطبيعى أن يشتعل الشارع المصرى وخروج الوقفات الإحتجاجية لمطالبة الجيش بالتدخل الفورى والحاسم .. فتتحرك وحدات الجيش العسكرية ، ومعها بعض وحدات الشرطة ، وتسمح للقنوات الإعلامية بنقل تحركات الجنود عبر وسائل الإعلام ، وظهور قائد الجيش الثانى وهو يدلى ببعض التصريحات ، ويظل المختطفين فى حوزة أبناء العشيرة .. وبالطبع بعض الأحزاب هللت من السعادة وعبرت عن عظيم إمتنانها لدعوة الرئيس وحواره الدافئ .. بل أنه قام بدعوة كل من الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر الشريف ، ومفتى الجمهورية ، لمعرفة أرائهم فى فتوى التعامل مع المختطفين ..
** إعتقد البعض أن الأمور تعقدت ، وكان لا بد من إنفراجها .. وإستكمالا لسيناريو الفيلم الهندى .. تم الإفراج عن المختطفين فى تمام الساعة الخامسة فجرا .. وأوضعوهم على طريق الأسفلت على بعد 10 كم من مدينة العريش .. فكيف يكون ذلك ، وهناك معلومات تقول أن كل مناطق شمال سيناء محاصرة ، وقد شمل الحصار مدينة رفح ومدينة العريش ..
** إذن .. فمن أين خرج هؤلاء الخاطفين .. هل خرجوا من أحد الأنفاق أم خرجوا من قصر الإتحادية ؟ ..
** وإذا كان الهدف من هذه القصة وهذا الفيلم أن يوجه الرئيس الشكر إلى قيادات الجيش والشرطة والمخابرات العامة وأهالى سيناء .. فبالتالى سوف توجه القيادات بالقوات المسلحة والشرطة الشكر لرئيس الجمهورية والإثناء على حكمته فى إدارة الأزمة وتجديد الثقة فى قيادته .. هذا بجانب الحملة الإعلامية التى تنطلق من قناة مصر 25 الإخوانية ، ومن قناة الجزيرة القطرية ، ومن بعض الإعلاميين المندسين ، وتابعين لحزب الحرية والعدالة ، وبالتالى مطلوب من الشعب أن ننسى الـ 16 جندى وضابط الذين إستشهدوا فى رمضان الماضى على الحدود ، ونتناسى الضباط والجنود الأربعة الذين مازالوا مختطفين حتى الأن ..
** فى النهاية .. نحن أمام أفلام هندية هابطة .. فى الوقت الذى تدمر فيه كل مؤسسات الدولة .. وأهم هذه المؤسسات ، هو القضاء المصرى .. لتنتهى دولة مصر التى نسينا إسمها ، بل علينا التأكد أننا أمام دولة فاشلة .. تحرك قطيع من الأغنام ..
** رسالتى الأخيرة إلى الشعب المصرى .. ألا تنخدعوا بالدعاوى للخروج يوم 30 يونيو .. فهذا وقت طويل جدا .. والشعب الذى يريد أن يحرر أرضه عليه أن يخرج الأن .. وأكررها الأن .. فالدولة أصبحت فى الهاوية !!...
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين

أحبكَ ولكن على طريقتى/ ليلى حجازى



أحبك .. ولكن. على طريقتى
قد أخفى عَنك مدى رغبتى
للقائك . ومدى شوقى ولهفتى
قد أخفى ضعفى أمامك وحيرتى
يقناع يريكَ مدى صلابتى
ورغم ذلك يا سيدى
أحبك .ولكن على طريقتى
أغضب منى ما شئت أن تغضب
واهجرنى أن شئت وأهرب
فقد اتخذت من الصمت مذهبى
وحبك مازال مناى ومطلبى
ففلسفتى فى الحب سيدى.
أنى أحبك ولكن على طريقتى

توسل إلي  ما شئت وتودد
فأنا لا تشتهونى الدموع
وهددنى بما شئت وتوعد
فأنا لا أنوى الخضوع
لأنى لاأعرف كيف أحب
الا على طريقتى

قد تمل إهمالي لك.. وجفائي
. وقد تفكر في الرحيل.. عن سمائي..
فإذا لم تستطيع أن تفهمني.. فلملم جراحك.. وارحل
إذا لم تستطيع أن تصبر.. فاقصر المشوار.. ولا تكمل
غير أني سأظل أحبك..  ولكن دائما وأبدا..  على طريقتي!! 
******
باريس

هل ستندلع الحرب على الجبهة السورية؟/ راسم عبيدات

ثمة مؤشرات جدية وجديدة على ان الحل العسكري يتقدم على الحل السياسي في سوريا،ومن تلك المؤشرات ان اللقاء الذي جمع لافروف وكيري في موسكو،لم يحدث أية  إختراقات جدية لجهة ترجيح الحل السياسي على الحل العسكري،حيث وضعت أمريكا شروط لعقد مؤتمر جنيف (2) بأن يكون رحيل الأسد شرط  لبدء الحل السياسي،وكذلك فرنسا الإستعمارية والتي تراودها أحلام الإستعمار القديم،والطامحة الى ان يكون لها دور في إعمار سوريا،حيث التقديرات تشير الى ان كلفة هذا الإعمار قد تصل الى ما بين 70 – 80 مليار دولار،وهي كذلك تريد ان يكون لها حصة من الغاز السوري،تماماً كما فعلت في ليبيا،وكذلك هي تضع "فيتو" على حضور ايران للمؤتمر على اعتبارها داعمة للنظام السوري وجزء من الأزمة وليس الحل،وبالتالي يجب ان لا تكون من الحضور،أما "البريئين" والذين أنفقوا المليارات على دعم القوى التكفيرية والوهابية وما يسمى بمجاهدي جبهة النصرة والجيش الحر من قطر والسعودية وتركيا،فهؤلاء يجب حضورهم  لأنهم "ليسوا جزء من الأزمة"،ولم"تتلطخ أيديهم في الدم السوري" وهم" يريدون مصلحة سوريا والخير والحرية والديمقراطية لشعبها ولأبنائها"،وهذه وقاحة غير مسبوقة في التاريخ،ولكننا تعودنا على هذه القوى الإستعمارية،فما يهمها مصالحها أولا وأخرا،لا حرية ولا ديمقراطية ولا غيره من هذه اللازمة والإسطوانة المشروخة لتلك المصطلحات والتي استخدمت في إحتلال العراق وتدميره وقتل أبناءه ونهب خيراته وثرواته،حيث مسلسل القتل والدمار متواصل في العراق،وأيضاً نفس الشي حدث في ليبيا،حيث تدخل الغرب الإستعماري لضمان حصصه من النفط والغاز الليبي،وما زالت ليبيا تعيش حروب قبلية وعشائرية،ومحرومة من خيراتها وثرواتها.
وكذلك واضح ان نتنياهو فشل في إقناع الروس خلال زيارته لموسكو في منع تزويده لسوريا بأسلحة حديثة وخصوصاً صواريخ اس 300 المضادة للطائرات والجيل الجديد من صواريخ فاخوت المضاد للسفن،بل كان الموقف الروسي حازماً جداً عليكم عدم التدخل في سوريا،فسوريا خط أحمر،وستجدون انفسكم في حرب مع روسيا،وأيضاً الروس لأول مرة منذ خمسين عاماً يرسلون خمسة بوارج حربية ضخمة الى المنطقة،وكذلك هناك الحجيج الى واشنطن من قبل حلفاء أمريكا قد أوشك على الانتهاء،حيث اختتمه أرودغان ومن قبله ذهب للحجيج الى البيت الأبيض وزراء ومشايخ ابو ظبي وقطر والسعودية والملك الأردني،وهؤلاء كلهم جزء ومشاركين في الأزمة السورية،ولكل منهم مصلحة ودور مرسوم له من قبل واشنطن،وينتظر كل واحد منهم الدور والمهمة المطلوبة منه، فيما إذا اندلعت الحرب على سوريا،وكذلك اسرائيل قالت بأنها لن تتوقف عن التدخل العسكري في سوريا من خلال قصف أية شحنات أسلحة ايرانية ترسل الى حزب الله عبر سوريا او اية اسلحة حديثة وكاسرة للتوازن تسلمها سوريا لحزب الله،ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي أي أيه) زار تل أبيب أيضاً لهذه الغاية وهذا الغرض،وبالمقابل سوريا نصبت بطاريات صواريخها تجاه تل أبيب محملة بصواريخ تشرين ذات الرؤوس التفجيرية الكبيرة،للرد على أي عدوان اسرائيلي على سوريا،كما انها أعطت تعليمات صارمة الى قادة وحداتها الصاروخية بالرد مباشرة على أي عدون اسرائيلي بدون الرجوع للقيادة،واعلنت عن فتح جبهة الجولان امام المقاومة الشعبية،في حين أكد سماحة الشيخ حسن نصرالله في خطابه الأخير كان واضحاً، بأن الحزب سيتحمل مسؤولياته في الدفاع  عن لبنان والجولان،وجاهز لتسلم أي سلاح كاسر للتوازن من سوريا.
هذه المعطيات لا تبعث على التفاؤل بقرب وتقدم الحل السياسي على الحل العسكري،وثمة أناس يريدون إطالة امد الأزمة في سوريا،وإستمرار مسلسل القتل والدمار فيها خدمة لأجنداتهم الطائفية والمذهبية ولمصالحهم،وفي مقدمة تلك البلدان مشيخات النفط وتركيا،فمن  أنفقوا ثلاثة مليارات على دعم جبهة النصرة والتكفيريين وما يسمى بالجيش الحر،ودفعوا مئات ألوف الدولارات للمنشقين عن النظام والجيش السوري،وسطو على الجامعة العربية لإصدار قرارت بالسطو على مقعد سوريا في الجامعة العربية لصالح ما يسمى بالمعارضة السورية،وأستضافوا المؤتمرات على أراضيهم ومولوها لما يسمى بأصدقاء سوريا،ومنحوا السفارة السورية في بلدهم لتلك القوى،طبعا سيكونوا غير معنين بإنتهاء الأزمة السورية،وكذلك الحالمين بالإمبراطورية  العثمانية على حساب سوريا والعالم العربي،إنتهاء الأزمة يعني كابوسا لهم ولربما يهدد مستقبلهم السياسي وخصوصا بعد ثبوت ان تفجيرات الريحانية حسب ما زودتهم به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كان بفعل عصابات جبهة النصرة التي يدعمونها،وكذلك حالة التململ العالية في الداخل التركي من تصرفات وسياسات أردوغان وحكومته والتي زجت  بتركيا للتدخل بالشأن السوري،وما سيتركه ذلك من تداعيات على الداخل التركي،ستجعله أول الرافضين لحل سلمي للأزمة السورية، لأن ذلك سيعني سقوطه المدوي هو وحزبه.
مؤتمر جنيف(2) إذا ما قيد له ان ينجح،بالضرورة ان يستند الى التطورات الحاصلة على الأرض،فالنظام السوري الذي يحقق نجاحات جدية في تطهير سوريا من رجس ونجس العصابات المجرمة،لن يوافق بأي حال على حل سياسي خارج بقاء الرئيس الأسد،وإجراء انتخابات ديمقراطية يقرر من خلالها الشعب السوري مصيره،فالمعادلات الآن مريحة جداً للنظام وحلفاءه،ولكنها قطعاً مرعبة للحلف المعادي،فمن غير المعقول ان يسلموا بعد كل هذه الحرب ببقاء النظام وإستقرار الأوضاع في سوريا،فهذا معناه  سقوط انظمة وتصفية حسابات مع أخرى.
المنطقة حبل بالتطورات المتسارعة والمتلاحقة،وعوامل الحرب تتقدم على عوامل الحل السياسي،والحرب ستندلع شرارتها في أي حماقة ستقدم عليها اسرائيل بالعدوان على سوريا،وحينها ستتطور الى حرب إقليمية شاملة.
القدس- فلسطين

هى دى عبلة يا "مصر"/ مجدى نجيب وهبة

 ** بعضنا يتذكر فيلم "الصعود إلى الهاوية" ، والتى قامت ببطولته الفنانة الراحلة "مديحة كامل" ، ونخبة كبيرة من الفنانين الذين مازال بعضهم على قيد الحياة ويؤدى دوره الفنى ، والبعض الأخر وافته المنية !!! ..
** تدور أحداث الفيلم حول شخصية فتاة مصرية .. وهى"عبلة" .. من أسرة فقيرة .. حصلت على شهادة جامعية ، وأرادت أن تستكمل حلم الدراسة فى جامعة "السوربون" فى فرنسا .. وهناك تعرفت على فتاة تعمل ضمن شبكة للموساد الإسرائيلى ، وإستغلت الأخيرة ظروف الفتاة وإحتياجها للمال ، وبدأت تورطها فى ممارسات للشذوذ الجنسى حتى أوقعتها فى براثن الجاسوسية .. وكان الهدف هو إستغلال خطيب الفتاة الذى يعمل بإحدى الإدارات الهندسية لبناء القواعد العسكرية ، وإعادة إصلاح المطارات بعد نكسة 1967 ..
** وكانت عبلة تحصل على ثمن كل معلومة تستدرجها من خطيبها .. وهو ما أدى إلى ضرب القاعدة العسكرية فى مطار "أبو سلطان" ، ومهاجمة بعض القواعد العسكرية .. وينتهى الفيلم بالقبض على "عبلة" ، وعودتها إلى مصر عن طريق ضابط المخابرات المصرية الذى قام بدوره الفنان "محمود ياسين" .. وفى طريق العودة وقبل هبوط الطائرة .. تظهر صورة الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل ، ويبدو أن هذا المنظر أشعل فى قلب ضابط المخابرات إحساسه بالوطن .. فنظر إلى عبلة وقال لها "هى دى مصر ياعبلة" !!!...
** هذه هى قصة "الصعود إلى الهاوية" .. ولكن ماذا عن السيناريو الأن ، بعد أن إنقلب الهرم ، وغضب أبو الهول ، وتجمدت مياه النيل لتتحول إلى ترعة عفنة ، ويمكن أن نطلق على ما نعيشه الأن "السقوط إلى الهاوية" .. ونقول "هى دى عبلة يامصر" !!! ...
** نعم .. إنقلب الهرم وأصبحت "عبلة" هى البطلة .. وهى الوطن والقانون والدستور .. وهى القدوة والظلام واليأس والنظام .. فمصر كلها "عبلة" .. ولذلك فأصبح الجميع ينظرون إلى مصر على إنها عبلة .. فلم يعد هناك أهرامات ولا نيل ولا مصانع ولا دولة .. فقد أهانها الجميع ، وأسقطوها إلى الهاوية ، و"عبلة" تنظر إليها بشماتة من نافذة الطائرة وهى لا ترى إلا خرائب وبرك ومستنقعات ، وتردد فى شماتة "هى دى عبلة يامصر" !!! ...
** يقول البعض بعد الفيلم الهندى الذى أطلق عليه "مرسى والمختطفون السبعة" .. أن هذا الفيلم تم تدبيره عن طريق الرئيس "مرسى" نفسه .. حتى تصل رسالته للجميع .. عندما ناشد الشعب المصرى  ، القوات المسلحة بالتدخل الفورى والحاسم لإنقاذ أبنائنا .. فكان هناك إجتماع  بين الرئيس والأحزاب الكارتونية الهشة للتشاور حول سبل التفاوض مع المختطفين ، ولذلك كان أول رد فعل يصدر منه "علينا أن نحافظ على الخاطف والمخطوف" .. والرسالة الثانية التى أراد أن يوصلها بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة المصرية ..
** والرسالة الثالثة .. إن الدعاوى التى يطلقها بعض المغيبين للمطالبة بالتدخل الفورى والعاجل للقوات المسلحة لإنقاذ مصر من عبلة ، وأمثالها .. هى مضيعة للوقت .. فالذئب الذى إلتهم الفريسة لن يتركها إلا فتافيت من العظام ، ولا تجدى إستغاثة البعض لمطالبة الجيش بالتدخل .. لأنهم كما ترى "عبلة" ، ويرى الذئاب أن الجميع وقعوا على وثيقة بتوكيل الذئاب لإدارة شئون الغابة ... والغابة تحولت إلى مجموعة من القرود والأفاعى والعقارب ، بعد أن تركها الأسود فريسة للذئاب والكلاب .. وبعد أن أصبح رواد الغابة جميعهم "عبلة" ..
** أما عن إختطاف الجنود .. فيرى البعض أننا يجب ألا نناشد الجيش ، بل يجب أن نناشد الرئيس فقط ، وأن نتوسل إليه ، وأن تنقل هذه التوسلات عن طريق العضو البارز بالجماعة "محمد البلتاجى" ، أو "عصام سلطان" ، أو أى عضو تكون له صلة قرابة درجة أولى بالرئيس مرسى العياط ..
** يتحسر البعض على تحركات الجيش المصرى فى مدينة العريش أو مدينة رفح أو الشيخ زويد .. فكل هذه التحركات لا تعد أن تكون نمرة لا قيمة لها ، لأنهم لن يكون لهم أى قدرة على إتخاذ أى قرار فى ملاحقة الإرهابيين أو القبض عليهم أو إطلاق النار .. لأنهم لا يملكون القرار ، بل من يملكه هو الشيخ "محمد مرسى العياط" الأب الروحى لأبناء العشيرة والجماعات والإخوان المسلمين ، وجميعهم من أهله وعشيرته ..
** والدليل على أن القوات المسلحة لا تملك القرار .. فقد قامت بعض الجماعات الإرهابية بمهاجمة المعسكر الوحيد للأمن المركزى فى منطقة العريش .. ولأننا كلنا أصبحنا "عبلة" .. فلن يتحرك أحد وسيظل الجميع صامتون .. هذا بجانب إجبار بعض العساكر المجندين والمسئولين عن منفذ العوجة ، بفتح المنفذ فى خلال مدة أقصاها ساعة واحدة من الإنذار الذى وجه إليهم من قبل مسلحون .. وقد إستغاثوا بعض أفراد هذه القوى بالمسئولين الذين رفضوا حتى الرد على إستغاثتهم مما إضطرهم إلى فتح المنفذ .. وكله ببريزة .. وكلنا عبلة !!...
** ولأننا كلنا عبلة .. فقد لجأ رئيس الدولة إلى أخذ فتوى من الشيخ "أحمد الطيب" ، شيخ الأزهر ، ومن المفتى حول جواز عتريس من فؤادة .. والذى يرى الرئيس أنه صحيح 100% .. كما يرى الرئيس أن خطف بعض المجندين وأسرهم وإذلالهم له مبرره ، ويجب أن تحل المشكلة ويفرج عن المسجونين .. لأنهم لم يرتكبوا سوى جرائم ضد بعض المواطنين الذين لا ينتمون إلى حزب "عبلة" ، أو الجماعة ، أو منظمة حماس أولاد العم .. فلذلك لا يؤخذ بدمهم .. فلا ثمن لهؤلاء بعد أن خرجوا عن الجماعة وخانوا القسم ..
** خلاصة القول .. هذه هى الحقيقة والواقع الذى نعيشه الأن .. وهذه هى عبلة يامصر .. واللى مش عاجبه يخبط دماغه فى أقرب عمود !!!!!!!!!!......
مجدى نجيب وهبة
صوت الأٌقباط المصريين

ورحل فارس الصحافة وعاشق القدس ناصر الدين النشاشيبي/ شاكر فريد حسن

غيب الموت الكاتب والأديب والمفكر والمؤرخ والصحافي الفلسطيني المقدسي الكبير والمخضرم ناصر الدين النشاشيبي ، بعد مشوار حياة ومسيرة عطاء زاخرة وحافلة بالنشاطات الصحفية والرحلات والمنجزات الثقافية والادبية والتاريخية .
يعد النشاشيبي من الأعلام البارزة والرائدة في مجال الصحافة العربية والفلسطينية  المعاصرة ، امتاز بالمهنية والموضوعية والدقة والأيمان برسالة الصحافة . تحلى بثقافة متنوعة ، وكان مثقفاً صاحب أفكار ورؤى سياسية واجتماعية وفكرية خاصة ، ومواقف جريئة . انتقد الكثير من رموز السلطة الوطنية الفلسطينية ووجه لها الانتقادات اللاذعة مما اثار حفيظتها فشنت عليه هجوماً عنيفاً وشرساُ ، فلم يتراجع ولم ينهزم ،مصمماً على أقواله وانتقاداته .
أحب النشاشيبي القراءة والكتابة ، ونشر مئات المقالات في الصحف الفلسطينية والعراقية واللبنانية منها "الدفاع" و"فلسطين" ، وقدم للمكتبة العربية والفلسطينية أكثر من خمسين كتاباً واصداراً في مجالات السياسة والفكر والأدب والرواية والفن وأدب الرحلات ، أهمها وأبرزها :" شباب محموم، خطوات في بريطانيا، عندما دخلوا التاريخ، فلسطين والوحدة، ماذا جرى في الشرق الاوسط، حفنة رمال ، عربي في الصين ، سفير متجول، أريد ان أصلي في المسجد الأقصى، حبات برتقال، قصتي مع الصحافة، المرأة تحب الكلام، في مملكة النساء ، من أوراق الشرق الاوسط ، كلام يجر كلاماً " وغيرها .
عمل النشاشيبي بعد تخرجه من الجامعة الامريكية بموضوع العلوم السياسية، في مجال الصحافة  ، التي شغفها منذ نعومة اظفاره ،ثم معلقاً أدبياً في اذاعة فلسطين بالقدس، بعدها أشغل منصب سكرتير الوفد الفلسطيني في مجلس جامعة الدول العربية ، فمديراً للاذاعة الاردنية ثم مندوباً متجولاً لدار أخبار اليوم القاهرية . بعد ذلك انتقل للعمل في صحيفة الجمهورية القاهرية ثم انتدبته الجامعة العربية ليكون سفيراً متجولاً لها . وفي الثمانينات من القرن الماضي عاد الى القدس ، زهرة المدائن، التي كان يحب ترابها ويعشق أسوارها وحاراتها  وأزقتها  وأسواقها عشقاً بلا حدود ، وكان يردد ويقول في مجالسه وكتاباته : "القدس ستبقى تسري في عروقنا ، وستبقى لقمة العيش في غذائنا، ولن نكفر بها ، ولن ننشد مدينة أخرى سواها ، وسنبقي الضغط على جميع العرب للانتساب اليها .. القدس كل ذرة فيها تساوي الدنيا بأسرها ".
كان النشابيبي على صلة وعلاقة ومعرفة بالعديد من الزعماء والقادة السياسيين من العالمين العربي والغربي ، وكان مقرباً من الزعيم المصري الخالد جمال عبد الناصر ، وحين تسلم الراحل أنور السادات الحكم غادر مصر وتركها .
ناصر الدين النشاشيبي صحفي قدير وكاتب كبير ، جمع بين الصحافة والنضال ، وبين الفكر والسياسة ، وتشكل وفاته خسارة فادحة للحياة الصحفية والاعلامية العربية والفلسطينية ، التي عاصر مراحلها، وعاش احداثها ،وكان شاهداً على نكبة شعبنا ، وغادر دنيانا في ذكراها . وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة التاريخ الفلسطيني والعربي والوجدان الشعبي الفلسطيني .

مقامات قتيل الزمان السَهَرْعِندي 5/ د. عدنان الظاهر

مقامة 5
ما أقسى ساعة الإنشقاق مع النفس . إنها ساعة قتال دموي الطبيعة والمخالب يسقطُ الإنسان فيها أو ينتصر لكنْ ما من ضمان وضامنٍ لهذا النصر . معلومٌ ثمن النصر ومعلومة هي التضحيات فالمنتصر على غيره مغلوب ومنكسر في نفسه .
النصر والهزيمة ضدّان ولكنْ لا ينفصلان ولا يقوم أحدهما دون الآخر . منتصر على من ؟ على مكسور منهزم وهذا مغلوب بذاك . دعْ هذا الكلام الفارغ وفكّر وخطط لمستقبلك وباقي أيامك والمهمة الأكثر إلحاحاً وسخونة أمامك هي قرار الرحيل عن هذه الجزيرة أو البقاء فيها زوجاً لكناريّة تعلّمك زقزقة العصافير وأصوات خرير الماء من عيونه جارياً صوب البحر لينضمَّ إلى ماء الكون حيث أنَّ طبيعته هناك . ستتعلم منها اللغة الإسبانية وسيقصُّ عليك أبوها ، عمّك الجديد ، تأريخ أجدادك العرب في هذه الجزيرة وما بقي من آثارهم شاخصاً حتى اليوم والجِمال بعضُ هذا الباقي :
ولقد مررتُ على ديارهمُ
وطلولها بيدِ البلى نَهْبُ
فتلفتتْ عيني ومُذْ خفيتْ
عني الطلولُ تلفّتَ القلبُ
[[ أظن البيتين هكذا ... وإلاّ فليعذرني القارئ الكريم ]]
وبعد ؟ ما الذي يُحبب لي البقاء في هذه الجزيرة عدا الزقزقة وجِمال صحاري أجدادي ولغة كولومبس ومأساة أبي عبد الله الصغير آخر أمير يغادر قصر الحمراء وقرطبة منفيّاً إلى شمال إفريقيا ؟ يبقى الطقس المعتدل صيفاً وشتاءً ويبقى البحر وماء البحر شفاءً ومُتعةً ومسياراً ومبحاراً . البحر نصف الحياة والأكثر على الأرض .
مقامة 6
الوطن ! الوطنية ! الوفاء للنشأة وتربة هذه النشأة ! الوفاء لمن آوى واحتضنَ وأكرم المثوى ! ما الذي يُغريني على البقاء في جزيرة صُممت أصلاً لإستقبال السيّاح يأتون إليها من شتّى أصقاع العالم كل سائح في رأسه موّال خاص جاءَ ليؤديّه هنا على طريقته الخاصة ووفق منهجه الخاص وحسب رغباته الخاصة وربما شذوذه الخاص . قد أزورُ الجزيرةً سائحاً أو زائراً لذوي عريستي الأولى والثانية . وربما أزورها لأسباب أخرى في مناسبات شتّى أخرى . فلأقتلعَ نفسي من جو وتربة وبحر هذه الجزيرة ولأرحلَ عنها حيث وطني وجنسيتي ومدينتي وهواياتي وغاباتي وبحيراتي . حيث حريّتي في القول وفي السفر إلى حيثُ أشاءُ فالجواز الذي معي يحملني إلى حيث أشاءُ من أقطار وجزائر الدنيا دونما حاجةٍ إلى تأشيرة دخول وتصريح بالمغادرة . مع هذا الجواز دخلتُ بغداد بدون تأشيرة دخول وبقيتُ في بغداد إلى حيثُ شئتُ . بلادي وإنْ شحّتْ عليَّ عزيزةٌ ... كما قال شاعرٌ مجهولٌ أو مجهولٌ بالنسبة لي .
أوربا مفتوحة أمامي صبحاً ومساءً صيفاً وشتاءً مهما تبدّلت أنظمة وأحزاب الحكم فيها . أزورُ متى أشاءُ حتى تلك البلدان التي رفضت دخولي أراضيها حاملاً جواز سفر عراقي مثل الدنمارك وبريطانيا [ العُظمى ] ! لا حاجة بي لدخول أراضي أمريكا ! ليست بي رغبة لزيارة مدنها وولاياتها المترامية الأطراف ! زرتها فيما مضى وبقيتُ في بعض مدنها وولاياتها فزهدتُ فيها ومللتُ منها ومن نظامها الرأسمالي الذي لم أجدْ فيه لنفسي مكاناً أو أية قيمة تستحق الذِكْر . تهتُ فيها بل وخسرتُ نفسي وكل ما كان معي من ذكرياتٍ وتجارب وتأريخ . ما الإنسانُ فيها إلاّ سلعة في السوق عُرضةً للبيع والشراء والمساومة . تعطيكَ صديقتك الأمريكية موعداً للّقاء معها حسب الجدول الزمني الخاص بمواعيد لقاءاتها وغالباً ما يكون الموعد الخاص بك بعيداً حسبَ مكانة صديقتك ومقدار ما تتمتعُ به من جمال جسمٍ وسحر وجه ! أردتُ تثبيت موعد مع إحدى الصديقات لترافقني إلى مرقص ونادٍ وملهى يوناني قالت إنتظر ما سأرى في جدول لقاءاتي . أدارت أقراصاً وغيّرت أرقاماً وأنفقت وقتاً غير قصير ثم قالت : موعدك معي هو أول سبت من الشهر القادم ! قلتُ لها شُكراً .. عندي مع غيركِ موعد أقرب .
كانت هذه إحدى تجاربي مع بقائي في بلدٍ غير بلدي . ثم زهدتُ أكثر في ذلك البلد عندما قالت لي ذاتَ يومٍ السيدة التي قاسمتها منزلها الجميل الكبير ـ ما كانت شابّةً ولم تكنْ بالساحرة الجميلة ـ قالت حرفيّاً : عيناك جميلتان ولكنْ للأسف ... بشرتك سمراء بُنيّة اللون ! عليكِ اللعنة أيتها المرأة التي لم تكن جميلة ولا رفيعة المستوى مهنةً أو وظيفةً أو مالاً ! عليك ألف لعنة . لكم كرهتها واحتقرتها إذْ سمعتُ منها ما قالت . تتأسف أنّي كنتُ شاباً عراقيّاً أسمرَ اللون تتغنى بسمرته مغنيات شهيرات عراقيات وغير عراقيات مثل نجاح سلام في أغنيتها ( الشاب الأسمر جنّني ) وغيرها من مشهورات مطربات العرب . معظمُ الناس في وطني سُمرٌ مثلي لذا فلا من أحدٍ هناك يشعر بأدنى أسفٍ أنّ وجهي وأنَ بشرتي سمراء اللون . أفلمْ يتغنّ رضا علي بالسمار في أغنيته ذائعة الصيت " سمرة ووسيعة عين عيني سمر عيني سمر " ؟ لم يتغنّ المطربون المصريون بالسمار .. على حد علمي .. لأنَّ المصريين جميعاً وعلى العموم سُمْر الوجوه ... عدا أغنية " أبو سمرةْ زعلان " فهل كان أبو سمرة هذا فعلاً أسمر اللون ؟

الحُرّيّة والإغتراب/ أسعد البصري

نحن ننتمي إلى الثقافة العراقية ، وتطور اللغة والفكر والوجدان في العراق . لكننا لا ننتمي للعراق كمواطنين ، لا نعيش فيه ، ولا نحمل أوراقه الثبوتية ، ولا نتأثر بشكل مباشر بظروفه و طقوسه . نحن نعانيه بصفته جزءا من تكويننا ككتاب مغتربين ، جزءا من عذابنا و جوهر ذاكرتنا الرمزية والجمالية كمثقفين فقط . ربما نكون قارب نجاة الحقيقة ، والصدق ، حين تكون الظروف هناك ، لا تسمح بالفكرة الشجاعة بسبب القمع . ربما نحن كريات الدم البيض المتبقية في جسد العراق المريض الهالك . نمتلك اغترابا برجوازيا ، وكآبة فقراء ، و نعاني أوجاعاً فلسفية لا يمكن تفسيرها بلا طفولة ، و لا عراق و لا لغة عربية .ربما بدافع الوجود ، والحنين ، والإبداع الفني نمارس هذه القدرة الخلاقة العجيبة ، التي هي الإبداع والتفكير الحر الوطني و الكتابة . لا هدف لنا سوى جوهر الكتابة نفسها . الغربة منحتنا الإنعتاق من الجاذبية ، و فيزياء الواقع ، نعيش حرية و خيالا باستمرار . قد تعصف ببلادي حرب أهلية ، وقد يسقط عليها نيزك أسود ، قد يبتسم الله يوما بوجهها فيبرد التاريخ ، ويمتليء دم العراق بالأمل والأوكسجين النقي ، قد يولد المستقبل بين ذراعيّ امرأة عراقية يوما . هذا كله لا يُغَيّر من مصيري ككاتب . لأن هدفي الوحيد هو الموت حتى الكتابة ، والكتابة حتى الموت . ربما مشكلتي ، لا علاقة لها بما يحدث اليوم في العراق ، ربما هي متعلقة بإبادة الخوارج ، أو بالدعوة الصفوية ، أو بأخوان الصفا والمعتزلة . إن الزمن الذي نتذكره هو موضوع الكتابة ، حتى لو كان في حالة لا وعي مطلقة . ومهما كان الواقع جميلا ، يبقى حلم الإبداع في صناعة واقع آخر ، في حرية كبيرة تجعلنا كالآلهة ، بمعنى كتاباً حقيقيين . حتى الله العظيم ، لم يتجاهل الأبجدية ، بل كتب كتابا . الغريب حقاً ، ونحن نعيش عالما بعيدا جدا ، ومختلفا منذ عقود ، مع هذا ، تجد مَن يتوقع منك الرضوخ في كتابتك لقوانين المجتمع الأبوي ، والمقدس والحرام ، والقمع الشعبي أو الحكومي في بلداننا . رغم أن لائحة العقوبات البدائية لا تشملنا ، ولسنا جزءا منها ولا من منطقها . نمارس على أنفسنا موتا حقيقيا ، بحيث لا يظهر من وجودنا العدمي ، تحت الشمس ، سوى الكتابة واللغة . أنا مجرد كتابة ، لأنني كشخص غير موجود ، كل يوم أُشعل قبري بحرارة الجحيم و أكتب . كما قال السياب : 
(( مِنْ قاعِ قَبْرِيْ أَصِيْحْ 

حَتّى تَئِنَّ القبور

مِنْ رَجْعِ صَوْتِيْ وَهْوَ رَمْلٌ و ريحْ

مِنْ عالَمٍ في حُفْرَتِيْ يَسْتَرٍيْحْ 

مَرْكومَةٌ في جانِبَيْهِ القصور

و فِيْهِ ما في سِواهْ 

إِلّا دَبِيْبُ الحياةْ 

حتى الأغاني فيهِ حتى الزّهورْ

و الشَّمْسُ إلا أنها لا تدورْ

و الدّود نَخّارٌ بها في ضريحْ

من عالَمٍ في قاع قبري أصيحْ ))
الموتى لا يكذبون ، ولا يكتبون مقابل دولارات ، ولا يريدون شيئا بكتابتهم الجنائزية ، سوى تمجيد الحياة ، والنور ، والحرية . الكاتب ليس جزءا من صراع الحياة ، بل هو حقاً جزء من تمزق الذاكرة الثقافية ، جزء من المستقبل الذي هو الفناء الأخير في الله أو الطبيعة .
......................................
للأمانة والدقة سعدي يوسف يرى أن هذه الحالة من الإغتراب والإنعتاق من الواقع تشمل الشاعر والفنان العراقي الذي يعيش في العراق أيضا . لأنه مختلف و مسافر دائماً عن ما حوله . وفي هذا تحديدا قال أبو الطيب المتنبي 
أَهِمُّ بِشَيْءٍ واللّياليْ كَأَنَّها 
تُطارِدُنِيْ عَنْ كَوْنِهِ و أُطارِدُ .

مطر يقارع شتاء الرحيل/ خليل الوافي

-1
تأتي غيمة على جانبي الطريق 
تحاكي سحب الضباب
يترجل المطر
شقوق الزمن المنسي في عمق الجدار
يكتض الرحيل هجرة أخرى
طائرا يحمي حدود الإشتهاء
أجد هويتي في الضفة
المحاذية لشهوة الإغتراب
قاطنة في روابي الرذاذ
مدينتي تجذبها أعالي الهضاب
شامخة بألوان الصخور
متلألأة بغواية عبق البخور
ترعى خضرة الربيع كل فصل
في سواحل الإشتياق
يأتي المطر غزيرا
على حافة المتوسط
متعطشا لتربة الريف
في محنة الجبل
يروي صخب الحنين إلى الديار
تأتي غيمة على شفا بحرين
  -2
تطل قرطبة من شرفة مرفأ
يقارب صحو الأندلس
يكتب الشوق رسائل البحر
وأخرى تاهت في المحيط
يتحرك الريح صوب موج
عساه يقرأ كف طفلة
لم تبلغ العشرين
يشاكس خصوبة الماء في الحناء
في خطوط الزينة
تأتي بيضاء
  -3
تحت أغصان شجر الصفصاف
تشهق الروح وحشة الغرباء
تعود البراءة إلى غطاءها المتوهج
إلى حضنها المعطر بالقرنفل و الزعتر
في خدود النسوة
أجدك ترتبين مائدة العشاء
تكثر الخيل في ركابك
يتعرج الصبح
درب حكي شفهي
في عودة القوارب إلى حلمها
في طقس السماء
يرقص القمر
تخرجين من الهواء الليلي
غروب شتاء دافئ
أحط الرحال في دربك
أنتظر خروج البحر
من صمت عينيك

خواطر وأحلام (أمير الأبطال)/ سركيس كرم

أصدق أنسان هو من يعاتبك في حضورك بكل بصراحة، كونه يمنح نفسه فرصة معرفة الحقيقة.. اما من يعتب عليك في غيابك فهو يفعل ذلك ليمنح نفسه فرصة الهروب من مواجهة الحقيقة..
*****
في ناس بتحكي وبتفعل وفي ناس بتحكي وبتحكي!
*****
وفي ناس بتفعل وما بتحكي .. يعني بتخّلي فعلها يحكي أحسن ما الحكي يمحي حالو من كترة الحكي..
*****
يرفع أسرى التبعية العمياء شعار "فليسقط الجميع إكراماً لأنانية الفرد".. علماً ان الفرد "الكيدي" سيسقط بسقوط جميع أفراد المجموعة التي لا تجتمع وللأسف إلا عند شفير الهاوية ان لم نقل في قعرها!
*****
بعض الناس يصّرون على الدفاع عن الكذبة من السياسيين.. ليس لأنهم لا يدركون أنهم كذبة، بل لأنهم إما من من أسرى التبعية العمياء، وإما من أرباب الكيدية الذين تكبلهم الرغبة ب"نكاية" الخصم حتى وإن كان هذا الخصم على حق مئة بالمئة!
*****
من ضمن سياق التزامي بالإضاءة على سيرته وافكاره، سوف أقوم في 30 حزيران القادم بتوقيع كتابي الثالث باللغتين العربية والانكليزية عن بطل لبنان يوسف بك كرم بعنوان "يوسف كرم، أمير الأبطال". وسيحتوي الكتاب الجديد على مختصر من كتابي الأول "الأمير الثائر" الكتاب الوحيد الصادر باللغة الانكليزية عن يوسف بك كرم بالأضافة الى الترجمة العربية. سيقام حفل التوقيع في متحف يوسف بك كرم في زغرتا.
*****
عندما نكتب عن يوسف كرم نكتب ببساطة ووضوح عن رقي الأخلاق وعن الإيمان وعن التضامن وعن الفروسية القتالية والانسانية وعن الفكر وعن التضحية وعن الإنفتاح وعن التمسك بالأرض وعن العنفوان وعن الوطنية وعن التاريخ المشرّف.. وكل ما نكتبه لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بسياسة وبسياسيي اليوم الى أي جهة أنتموا مع إحترامنا لهم جميعاً ..
*****
بعدو العزم العايش فينا
عم يشرب من مياتك
ومهما البُعد يسافر فينا
رح نبقى نحلف بحياتك
وكرمال الشوق اللي فينا
ل شي نسمة من نسماتك
يا اهدن أنتي غمرينا
وبقلبك ضللي جمعينا
وضمي الدني بغمراتك
*****
أهلا بعشاق الشعر والكلمة في حفل توقيع كتب الشاعر أسعد المكاري هذا الأحد 26 أيار الخامسة مساء في البيت الزغرتاوي غيلدفورد.