أيها القوميون واليساريون، انتبهوا.. ورقة للنقاش/ عبد الكريم عليان

توسم كثيرون هذه الأيام بشخصية القائد العسكري العربي المصري، القائد العام للقوات المسلحة لجمهورية مصر العربية.. وراح بعضهم يقارنه بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر، واشتغلت ماكينة الإعلام بذلك أيضا..! ما نرغب بمناقشته هنا.. ليس المقارنة بين القائدين، ولا التقليل من شخصية أي منهما؛ فلكل منهما عبقرية انتصرت بقيادة شعبنا ليس المصري فقط ! بل الشعب العربي بمجمله من الوقوع في شرك الامبريالية والتخلف، رغم الفارق الزمني والحدثي (الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وما يتبعهما من تفسيرات لكل واحد منهما.. لكن ذلك دفعنا للتساؤل عما إذا كانت الثورات العربية القائمة حاليا بغض النظر عن مسمياتها ستنتج مرحلة جديدة بقيادة مصر، كما كانت ثورة يوليو، وما تلاها من حلم عبد الناصر في تحقيق الوحدة العربية من جديد..؟؟ هل سنعيد نفس التجربة ونفس الفشل.. وكأن التاريخ لم يتغير؟؟ خصوصا أن التغيير الذي يجري في الدول العربية بعيدا عن دول الملوك والسلاطين والإمارات..

القومية العربية التي تعيش في عقول ووجدان كثير من النخبة في الوطن العربي المأزوم، وتدفعهم من جديد للأمل بالخروج من عنق الزجاجة فقط يأتي من خلال المشروع الناصري.. حلم مشروع لكل مواطن عربي شريف، لكن ذلك يندرج في إطار البحث عن الذات (الهوية)، وهي إشارة ودليل واضح على مفهوم تحديد الهوية المفقود لدى العربي، فعندما يقول العربي (أنا) فإنه يشير ضمنيا إلى الغير، ومن هو الغير بالنسبة للعرب سوى (الغَرب)؟ أليس غريبا الإشارة إلى الغرب دون أن نعترف بأنه (الغرب) قد سبقنا في الحضارة الإنسانية مئات من السنين؟! سؤال يقودنا إلى آخر هو: كيف يتمثل العرب تاريخهم الطويل الغامض، المشرق منه والمظلم، الموزع بين فتوحات باهرة وانكسارات مشينة ؟؟ لو لم يكن هذا الغرب الذي احتل أراضينا فيما سبق.. وها هو يحتل عقولنا وأسواقنا وجزء من أراضينا، أو كما قال أحد الباحثين بأن الجزائر مازالت جسرا للفرنسيين يعبرون منه إلى الساحل الأفريقي، لو لم يكن هذا الغرب موجودا اليوم.. فهل كنا سنبحث عن هويتنا..؟ لماذا يبهرنا ويستهوينا هذا الغرب ويجلب أبنائنا بالهجرة إليه؟ وفي نفس الوقت نتهمه بالفجور والانحلال والمستعمر أيضا..؟! لماذا نعيش هذه (الشيزوفرينيا) وكلنا أمل بأن نكون مثله؟؟ ومثله في ماذا..؟ في القوة أم في ماذا..؟ وهل القوة التي حصل عليها الغرب جاءته هباء من السماء..؟ أم أنه عمل كثيرا على كافة الصعد، وأولها عزل الدين عن الدولة.. حتى وصل إلى ما وصل إليه..؟ يقول المؤرخ الفرنسي ـ جول ميشلة: " القرن الأعظم وأعني به القرن الثامن عشر نحبه لأسباب نبيلة وأخرى مغرضة، يستهوينا لأنه يفضح الكنيسة وجرائمها؛ فيمدنا بكل ما نحتاج إليه لاتهامها ومحاكمتها، ويستهوينا أيضا لأنه يبرر أشياء محببة إلى نفوسنا.."     

 كيف نحدد هويتنا أمام هذا الغرب الحضاري الذي زالت الحدود والفوارق بين دولِه، في وقت نحن نقسم فيه دولنا إلى دويلات والدويلات إلى أقل.. أو كما قال شاعرنا: "سجونا متلاصقة سجان يمسك بسجان.." ؟؟ كيف يمكننا تحقيق الحلم الذي فشل عبد الناصر في تحقيقه بأيدي زعماء وملوك عرب يشاركونه التاريخ واللغة والجغرافيا والدين..؟ كيف يمكن تحقيق هذا الحلم.. وتلك الزعامات مازالت رغما عن شعوبها.. موجودة على نفس الدول وبطريقة أشرس ومشاركة بمخططات إمبريالية (غربية) أقوى من زمن عبد الناصر..؟ كيف يمكن تحقيق ذلك الحلم.. وزرع الغرب الإمبريالي في وسط الوطن العربي احتلالا كولنياليا بشعا قسم الوطن العربي إلى قسمين شرقا وغربا، ونهب مقدرات وانجازات شعب عربي واحتل أرضه وشتته في بقاع الأرض؟؟ من هنا تشبث الشعب الفلسطيني بعروبته أملا في تعاضدها وتكاتفها مع قضيته، وبالفعل قامت الجيوش العربية التي لم تكن مستقلة في حينها بدخول فلسطين ومحاربة الصهاينة وطردهم، إلا أن تلك الجيوش لم تنجح في مهماتها التي أفضت إلى هدنة كانت نتيجتها تهجير الفلسطينيين، ومن ثم قيام ما يسمى بدولة (إسرائيل..) تلك كانت التجربة الأولى الفاشلة في تأسيس الوحدة العربية، ولعل جمال عبد الناصر الذي كان هو ضابطا عسكريا حارب مع تلك الجيوش، اتخذ من تلك التجربة عاملا أساسيا في فكرة القومية العربية.. لا بد أنه أدرك مبكرا ما قد يتعرض له الوطن العربي من مؤامرات لا يمكن الخلاص منها إلا بفكرة الوحدة، خصوصا بعد العدوان الثلاثي عندما احتل الجيش الصهيوني قطاع غزة وسيناء سنة 1956، وأعلنت الجمهورية السورية في حينها حالة الطوارئ في صفوف جيشها.. حاول عبد الناصر جاهدا في الوحدة مع سوريا برئاسته لم تدم طويلا ( الجمهورية العربية المتحدة: 1958 ـ 1961 ) وانتهت بانقلاب عسكري في الجيش السوري، أدى فيما أدى إليه من انفصال سوريا من الوحدة مع مصر.. ذلك يقودنا بالمقابل إلى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس في دمشق سنة 1947، تحت شعار "  أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وأهدافه وحدة حرية اشتراكية، وهي تجسد الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والإمبريالية وإقامة النظام الاشتراكي العربي " هي فكرة قومية أيضا لا تختلف كثيرا مع رؤية عبد الناصر وعقيدته، رغم ما قيل بأنها لم تلتق معه.. وانتشرت فكرة وفلسفة الحزب في أغلبية البلدان العربية التي تتبنى الديمقراطية وتأسست تلك الأحزاب على أمل أن تفوز بالحكم، بنفس الطريقة التي انتشرت فيها الأحزاب الشيوعية، أو اليسارية... وما عدا سوريا والعراق اللتان وصل فيهما حزب البعث لسدة الحكم بالانقلاب، وفي العراق انتهى حكم البعث مع انتهاء القائد (صدام حسين)، وفي سوريا محاولات لإنهائه بشكل أو بآخر... نستنتج هنا بأن حزب البعث في هاتين الدولتين الجارتين، بأن الحاكمين لم يقوما بتوحيد بلديهما، مما يؤكد أن شخصية القائد، أو الزعيم هي شخصية (الآلهة) التي تتحكم بكل الأمور وليست مبادئ وعقيدة الحزب...

ماذا يختلف الحكم عند بعض الدول العربية عن حكم الأتراك الذي وصفه العلامة، البستاني، حين قال: " الأتراك كانوا يلقبون بالمدمرين، ونحن على ذلك الشاهدين، فقد دمرونا باحتلالهم وأشاعوا فينا الجوع والخوف مما كانوا يصنعون، كان الخليفة ظل الله في الأرض لا يتورع عن القتل أو السلب، تقوم ضد طغيانه من حين لآخر ثورات عارمة يخمدها في المهد بحد السيف وبلا شفقة كعادة الحكام ومنذ قرون عديدة في آسيا.."، لعل أهم مأخذ على الدولة القومية هو أنها اعتمدت الانتقاء والتوافق، وبالتالي تكون قد جمدت التناقض بين ذهنية عتيقة تجسدت في خطاب معين وسلوك محدد من جهة، ومن جهة أخرى سياسة اقتصادية تتوخى التنمية السريعة، وتوظف لذلك الغرض منطقا يخالف تمام المخالفة الذهنية العتيقة؛ فالدولة القومية تعرقل بموقفها التوفيقي، التحديث الفكري والنمو الاقتصادي، ومعنى هذا أنها هي التي احتضنت ما يسمى اليوم (بالحركات أو التنظيمات الإسلامية).. إن نظام جمال عبد الناصر حارب الإسلاميين كأشخاص، كأعداء سياسيين، وكمنافسين، لكنه لم يحارب أبدا النظرية الإسلامية التي تربى عليها فكريا وسياسيا، والأمر أوضح في جزائر بومدين وتونس محمد مزالي... ولا نعتقد أن الأمر يختلف في عراق صدام ولا سوريا الأسد.. 

لا أحد كان يتصور أن نظاما استمر أكثر من سبعين سنة واجتاز محنة حربين طاحنتين، ويملك القدرة على تدمير العالم مرات.. لا مرة واحدة، سينهار يوما في بحر سنتين فقط ، ثم يُطوى خبره كما لو لم يكن وُجد من قبل؟؟ لعل روسيا قد استدركت المرحلة الليبرالية تحت غطاء الماركسية، كما يمكن القول أن أسبانيا استدركت ما فاتها من تاريخ أوروبا تحت غطاء نظام فرانكو.. إلا أن دولنا العربية لم تستدرك بعد ما يجري في العالم وما قد يشكله القرن الحادي والعشرين، الذي ودّع القرن الماضي، قرن الصناعة والإنتاج والبيروقراطية والحدود الجامدة بين العام والخاص، والحرب الباردة، والأيديولوجية.. كلها أصبحت ذكريات جميلة، فإلى أين نحن ذاهبون؟؟ في عصر ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة، ما بعد التكنولوجيا التي تتيح عمل أي شيء في أي مكان، ومن ثم يبيعه في أي مكان من العالم؟؟ الدول العربية الغنية بالنفط والغارقة بالرفاهية والاستهلاك راحت تتسابق في دعم وتخريب الثورات في دول الجمهوريات العربية التي تتبنى الديمقراطية المشوهة.. ليس من قبيل حرصها على شعوب هذه الدول، بقدر ما تخاف من التغيير الليبرالي الذي قد ينجح في هذه الدول ويشكل تهديدا حقيقيا لممالكها وإماراتها فيما بعد.. ولاقت من الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تأييدا ومساندة، إن لم تكن هاتان الدولتان هما من خططتا لذلك حفاظا على مصالحهما.. بقي أن نقول: أن "بيل غيتس" لا يمتلك آبارا للنفط ولا مزارعا ضخمة ولا مصانع كبيرة كي يصير أغنى رجلٍ في العالم، وقد يكون أغنى من عدة دولا مجتمعة..

نستنتج مما سبق أن لا فكرة القومية والبعثية قد نجحت في توحيد العرب، ولا فكرة الأحزاب اليسارية والماركسية في الديمقراطيات العربية قد نجحت في أهدافها.. وأنهم ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة بتفكيرهم الكلاسيكي الذي لا يبتعد كثيرا عن الحفاظ على قياداته التي أغرّ بها البريستيج الاجتماعي والسياسي... لذلك حريّ بنا أن نقف أمام متطلبات ما بعد الحداثة وقراءة ما يمكن أن ينتجه عصر ما بعد الصناعة، وما أفرزته المعرفة الشبكية من قوة اقتصادية لا يوازيها قوة أخرى، وما أحدثته من تغيير متزايد في الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والشخصية، وما يمكن أن تفرزه من أيديولوجيا تتلاءم بما تفرضه واقع ليبرالية القرن الحادي والعشرين..!!

الاتحاد الأميركي .. و"الانقسام العربي"/ صبحي غندور

أمَّة أميركية واحدة مصنوعة من أمم.. وأمَّة عربية تتحوّل إلى أمم!

في مثل هذا التاريخ من كل عام يُخاطب الرؤساء الأميركيون مواطينهم عن "حال الاتحاد الأميركي". ويكون عادةً الخطاب الرئاسي أشبه بتقييم لما أنجزته إدارة الرئيس ولما تطمح بتحقيقه مستقبلاً.
ويتميّز خطاب أي رئيس أميركي عن "حال الاتحاد الأميركي" مطلع كلّ عام بأنّه خطاب الأجندة أو الإستراتيجية التي سيعتمدها الرئيس وإدارته، لفترةٍ من الزمن، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهو خطاب ينتهي عادةً بالتأكيد على "قوة الاتحاد الأميركي" وعلى السعي لتعزيز هذه القوة. أي هو عملياً تطبيقٌ لمقولة: (في الاتحاد قوَّة).
وممّا يلفت الانتباه أنّ الدستور الأميركي يمنع الحكومة الاتحادية المركزية من التدخّل في صلاحيات الولايات الخمسين التي يتألف منها "الاتحاد الأميركي"، لكن هذا الدستور لا يمنع إطلاقاً الحكومة المركزية (الإدارة) من التدخّل في شؤون الدول الأخرى!. 
فواشنطن، مثلاً، هي الآن طرَفٌ مباشر ومتدخّل في معظم القضايا والأزمات العربية الراهنة. هي التي أوقفت على سبيل المثال مرجعية الأمم المتحدة للصراع العربي/الإسرائيلي وجعلت من نفسها المرجعية والحَكم، في حين أنّها طرف مباشر داعم لإسرائيل في هذا الصراع، و"واشنطن" هي أيضاً عرّاب الاتفاقات والمعاهدات التي حصلت بين مصر والأردن ومنظمة التحرير مع إسرائيل.
و"واشنطن" أيضاً كانت قوة عسكرية محتلّة في العراق، وهي الآن طرف مباشر في تقرير مصيره الأمني والسياسي. وكانت "واشنطن" كذلك في تقريرها لمصير السودان حينما دعمت انفصال الجنوب عن الشمال، كما هي (واشنطن) طرف مباشر في ما حدث ويحدث بما يُسمّى بدول "الربيع العربي" من تطوّرات سياسية وأمنية، وبالجوار الإقليمي لهذه الدول، وهي الآن في عموم القضايا العربية التي تتعلّق بالتحالفات الإقليمية!.
***
إنّ الأمة الأميركية جرى "صناعتها" على مدار قرونٍ خمسة فأنتجت "هُويّة أميركية واحدة" يعتزّ ويفخر بها كل أميركي مهما كانت أصوله القومية أو الثقافية أو لون بشرته أو معتقده الديني أو موقع ولايته الحالية. فالأمّة الأميركية هي الآن أشبه بنسيج متعدّد الألوان لكنّه "ثوب" أميركي مميّز له خصوصيته بين أمم العالم، ويحرص على صيانته كل الأميركيين.  
هذا على الجانب الأميركي، فما هو "الحال العربي"؟!
لو سألنا كلَّ إنسانٍ عربي عن أولويّة اهتماماته العامّة الآن، لكانت الإجابة حتماً محصورةً في أوضاع وطنه الصغير، لا "وطنه العربي الكبير"، ولا قضيّته الكبرى فلسطين، فالأمَّة الواحدة أصبحت الآن "أمماً"، وفي كلٍّ منها "أممٌ متعدّدة" بتعدّد الطوائف والقبائل والأصول الإثنية، ولدى كلٍّ منها أزمته الحادّة وصراعاته المفتوحة دون أن يلوح أفقُ أملٍ أو حلٌّ قريب.        
إنّ تعبير "الربيع العربي" أوحى وكأنّ ما يحدث في المنطقة العربية هو ثورةٌ واحدة موحّدة في الأساليب والقيادات والأهداف والظروف، وعلى أرضٍ واحدة وفي كيانٍ واحد، وهذا كلّه غير صحيح. فالمنطقة العربية هي أمَّةٌ واحدة، لكنّها تقوم على 22 دولة وكيان وأنظمة حكم وظروف مختلفة. وكان واضحاً، وما يزال، غياب المعيار العربي الواحد لتقييم هذه الانتفاضات الشعبية. فقد يكون معيار البعض العامل السياسي المحلي فقط، من خلال تغيير أشخاص في الحكم أو إسقاط نظام، بينما قد يكون المعيار، لدى البعض الآخر، مدى قدرة هذه الانتفاضات الشعبية على البقاء متحرّرة من التدخّل الأجنبي وشروطه المستقبلية على النظام البديل. 
أيضاً، تختلف المعايير العربية، ممّا حدث حتّى الآن في المنطقة، تبعاً للمواقع العقَدية الفكرية والسياسية، كما هي أيضاً في المعايير الدينية والمذهبية والإثنية عند من يعتبرونها مرجعيتهم لتحديد مواقفهم من أيّ شأن. 
إنّ هذه المتغيّرات العربية تحدث في مناخ تزداد فيه الطروحات الانقسامية داخل المجتمعات الوطنية، وقد سادت في الفترة الأخيرة بأشكال طائفية ومذهبية مختلفة، فما يحدث الآن في عموم أرض العرب، هو تعبيرٌ لا عن خطايا حكومات وأنظمة فقط، بل هو مرآةٌ تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهويتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي، وفي التماشي مع رغبات "الخارج" وشروطه للدعم والمساندة.
وقد كان من واجب الحركات السياسية الدينية أن تعطي الأولويّة لإصلاح المجتمع في أيِّ بلد، لأنّ ذلك هو مبرّر وجودها الأساسي، ولأنّ ذلك أيضاً هو السبيل الأسلم إلى إصلاح الدولة ونظام الحكم فيها. فالحركات السياسية الدينية، حين تعطي الأولوية لتغيير أنظمة الحكم، فذلك يعني بالنسبة لها بناء أطر حزبية فئوية ثمّ صراعات سياسية يومية مع "الآخر" في المجتمع، ثمّ صراعات لاحقة داخلية على السلطة والمناصب.. بينما إصلاح المجتمع يعني بناءً سليماً للدعوة والدعاة، ويوجب حسن الأسلوب والتعامل مع "الآخر" في المجتمع، واستخدام التأثير الإيجابي في الناس من خلال العمل الثقافي والفكري البعيد عن الفئوية والانتماءات الضيقة والمصالح الخاصة.
إنَّ الضعف العربي، المتراكم منذ أربعة عقود، هو بناء تدريجي كانت أسسه في تعطيل دور مصر العربي بعد المعاهدة مع إسرائيل، ثم في حجم التدخلات الأجنبية في أوطان لم يحصل التوافق بينها على مفهوم "الأمّة العربية" بعد تجزئة المستعمر الأوروبي للمنطقة وقيام أوطانٍ غاب فيها الولاء الوطني الواحد، وسادت في معظمها أوضاع طائفيّة وقبليّة، فامتزجت التجزئة العربيّة بين الأوطان مع الانقسامات الداخليّة في كلّ وطن. 
أيضاً، اللافت في "حال الواقع العربي" الآن، أنّ هناك سعياً محموماً لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية، ممّا يُعيد معظم أوطانها إلى حال الوصاية الأجنبية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي. ويترافق مع مشاريع التدويل الجارية حالياً، وجود "واقع حال" إسرائيلي يقوم على سعيٍ متواصل منذ عقودٍ من الزمن لدعم وجود "دويلات" طائفية وإثنية في المنطقة العربية. وكل ذلك يحصل مع استخدام العديد من الجماعات ذات الأسماء الدينية أسلوب العنف الداخلي المسلّح الذي يستبيح كلّ شيء ويؤدي إلى مزيدٍ من الفتن والتفتّت والصراعات الداخلية.
***
هناك خلاصاتٍ هامّة للعرب من تاريخ التجربة الأميركية. فاستقلال أميركا عن التاج البريطاني كان حصيلة مقاومةٍ أميركية قادها جورج واشنطن، وهذا يؤكّد مشروعية وجود مقاومة عربية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. كذلك، في التجربة الأميركية أنَّ أبراهام لنكولن قاد الجيش الاتحادي الشمالي ضدَّ انفصال الجنوب الأميركي، ولم يكن موقف واشنطن آنذاك قائماً على حقّ "الجنوب الأميركي" بتقرير مصيره !!
أيضاً في التجربة الأميركية، أنَّ قادة 13 ولاية اجتمعوا في فيلادلفيا عام 1787 لأشهر عديدة وهم يتحاورون حول كيفية تحقيق الاتحاد والتكامل بين هذه الولايات، عوضاً عن الشرذمة فيما بينها والصراعات التي عصفت بها عقب الاستقلال الأميركي. 
فلِمَ تناقضت السياسات الأميركية في المنطقة العربية مع خلاصات التجربة الأميركية؟! ولماذا شجّعت "واشنطن" على تجزئة الكيانات القائمة عوضاً عن تسهيل الاتحاد فيما بينها، كما هي تجربة الولايات المتحدة؟
إنَّ العرب يريدون لأمَّتهم ما أراده الأميركيون للأمَّة الأميركية: وهذا يعني مقاومة ضدَّ الاحتلال من أجل التحرّر الوطني. والعرب يريدون لأمَّتهم حقّ اختيار البناء الدستوري السليم المتلائم مع طبيعة الأمَّة العربية وحضارتها، والذي يكفل أيضاً حرّيات المواطنين وحقوقهم في المشاركة بصنع القرار الوطني دون أيِّ تمييز. والعرب يريدون لأمَّتهم تكاملاً بين أوطان الأمَّة الواحدة وتطويرَ صيغ العمل العربي المشترك وصولاً إلى النموذج الاتحادي الأوروبي، إنْ تعذَّر الوصول الآن إلى النموذج الفيدرالي الأميركي. والعرب يريدون في أمَّتهم حقَّ رفض أيّة دعواتٍ انفصالية أو تقسيمية في كلِّ بلدٍ عربي، وتثبيت وحدة الكيانات ووحدة الأوطان ووحدة المواطنين.
فلِمَ لا تجعل واشنطن من تجربتها التاريخية نموذجاً لشعوب العالم، فتكون أميركا فعلاً بمثابة (الحلم الأميركي) لا كما كان حال سياستها "الكابوسية" القائمة على التدخّل السلبي في شؤون الدول الأخرى!.
وإذا كان "حال الاتحاد الأميركي" ما زال قوياً بفعل قوة الدستور الأميركي واستمرار "الاتحاد" بين الولايات الأميركية، فإنّ "الحال العربي" سيبقى ضعيفاً طالما أنّ الحياة الدستورية السليمة ما زالت مغيَّبَة والصراعات الداخلية والعربية هي السائدة!.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

لماذا فشلت تجربة الإخوان المسلمين في الحكم؟/ شاكر فريد حسن

لا جدال أن حركات وجماعات الإسلام السياسي فرضت نفسها على المشهد السياسي العربي ، لا سيما  بعد الحراك الشعبي وثورات ما سمي بـ "الربيع العربي" ، التي  دفعت بها  للظهور على الساحة وتسلم مقاليد الحكم في تونس ومصر ، لكن سرعان ما انهارت هذه الحركات وسقط مشروعها ، الذي لا يتناسب ويتواءم مع معطيات ووقائع الحياة المعاصرة .
لقد تسنى للإخوان المسلمون الوصول إلى السلطة في مصر ليحكموا أكبر دولة عربية في عمقها الاستراتيجي والثقافي والحضاري ، لكنهم ارتكبوا أخطاء كبيرة ، وهي أخطاء ناجمة عن قلة التجربة وعقلية التعصب والانغلاق التي يتميزون فيها ، عدا عن استئثارهم  بالسلطة وعجزهم عن إدارة دفة الحكم بصورة ناجعة وناجحة  ، وإخفاقهم في أدارة شؤون البلاد ، وكان نهجهم سبباً رئيسياً في سقوطهم الذريع والسريع . فقد كرسوا ممارسة الديكتاتورية والاستبداد وانقلبوا على القضاء والإعلام ومؤسسات الدولة وعملوا على إقصاء وتهميش الآخرين ، ولم يلتزموا بوعودهم ، فتنكروا لكل الثوابت التي أوهموا الناس فيها كالعدالة والحرية والكرامة والعدالة ، وهي الشعارات نفسها التي رفعتها وحملتها الجماهير في حراكها الثوري والانتفاضي . إضافة إلى أن الإخوان فرطوا بجوانب أساسية  من ثوابت المجتمع المصري بثقافته وتاريخه وطبيعة الحياة فيه ، وحاولوا فرض سلوك وفكر مختلفين ، فتداخلت السياسة مع الدين في المساجد ودور العبادة ، وتحولت المنابر إلى منصات سياسية أبعد ما تكون عن سماحة الدين الإسلامي وعدالته .
لقد ثبت أن الإخوان كانوا يسعون فقط للسلطة ، وأرادوا بأن تتحول مصر إلى أكثر تشدداً وتطرفاً وتزمتاً واستبداداً وتخلفاً ورجعية وسلفية ، وقد اغرقوا المجتمع المصري في صراعات سياسية وانقسامات حادة في النسيج الاجتماعي أبعد ما يكون عن مبادئ وقيم الإسلام السمح العادل . فكانت الهبة والمواجهة ، وكان السقوط المدوي ، وسحب رصيدهم التاريخي في الشارع المصري .
إن خروج الشعب المصري بتلك المشاهد المذهلة في ميدان التحرير وغيرها من ميادين القاهرة والمحافظات المصرية  ، عكس إرادة شعب مقهور في مواجهة التطرف والإرهاب التكفيري . وكان تفويضاً شعبياً غير مسبوق للجيش المصري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي بأن يقف مع الإرادة الجماهيرية ضد حكم الإخوان ، الذين دفعوا بالصراع السياسي ليتحول إلى صراع ديني . وطالما أن الشعب يمثل الشرعية فأن تفويضه الصريح للجيش بمواجهة الإرهاب والإطاحة بالإخوان وعزل مرسي هو مسوغ قانوني وأمر شرعي وليس انقلاباً عسكرياً ، كما يحلو للعديد من المحللين والناس وصفه . ومن المعلوم أن من حق الشعوب أن تخرج للشوارع في مظاهرات سلمية واعتصامات مدنية تطالب بخلع الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة ، أذا كانت تعتقد بأن الرئيس لم يلتزم بعهوده وخيانة دستور البلاد ، وهذا سلوك ديمقراطي صميمي تكرر في أكثر من تجربة ديمقراطية . وما من شك أنه توفرت للإخوان المسلمين فرصة تاريخية لن تتكرر ابداً ، لكنهم أضاعوها بلمحة بصر ، وذلك نتيجة تغليب مصلحتهم الفئوية الضيقة على مصلحة الوطن وشعبه .
وفي الإجمال يمكن القول أن الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي تقف أمام مأزق تاريخي بعد أن اختارت العنف والإرهاب والتطرف الديني طريقاً لها ، وهذا الموقف يمثل أكبر قطيعة بينها وبين شعوبنا العربية الإسلامية . وعلى جميع القوى الفاعلة في المجتمعات العربية أتن تعي وتستوعب الدرس جيداً بأن الشعب هو الذي جاء بالإخوان وأوصلهم لسدة الحكم ، وهو الذي أطاح بهم وعزل رئيسهم ، وأن إرادة الشعب هي الأقوى دائماً .

مصر على خطى سوريا/ راسم عبيدات

.
....اكثر من مرة قلنا بان مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي للمنطقة العربية،والذي تتشارك فيه قوى إقليمية وعربية،يستهدف ثلاثة دول وجيوش مركزية عربية،على اعتبار انها حوامل المشروع القومي العربي،وهي التي من الممكن ان تشكل خطر جدي على مصالح امريكا والغرب الإستعماري في المنطقة،وكذلك على اسرائيل ووجودها ككيان إستعماري مزروع في قلب الأمة العربية،وهذه الدول لديها سلطة ومؤسسات مجتمع مدني وجيوش وطنية وقومية،وليس مجموعات من العشائر والقبائل متعددة الولاءات والإنتماءات والقرارات،أو ممالك وإقطاعيات مملوكة لحفنة من الشيوخ والأمراء،ولتنفيذ هذا المشروع إلتقت وتقاطعت مصالح امريكا مع مصالح مشيخات النفط والغاز والكاز والمتأسلمين الجدد(حركة الإخوان المسلمين)، وكان العراق أول المستهدفين لهذا المشروع،حيث جرى العدوان الأمريكي والأطلسي الغربي عليه،ومن ثم إحتلاله،تحت يافطة وذريعة دمقرطته وتحريره من ديكتاتورية الشهيد الراحل الرئيس صدام حسين،حيث جرى تدمير الجيش والدولة  والمؤسسات والمجتمع العراقي،واستهدفت الجغرافيا العراقية تفكيكاً وتقسيماً وإعادة التركيب خدمة لهذا المشروع،ثلاثة دويلات مذهبية،وإغراق العراق في الفتن والحروب الأهلية المذهبية والقبلية والعشائرية،وسوريا جار العمل على تدميرها دولة ومؤسسات وجيشاً وجغرافيا،حيث إستقدمت العناصر والقوى الإرهابية ومجموعات القتل الوحشي والبوهيمي من 83 دولة،بحجة دمقرطة سوريا،وتحريرها من الديكتاتورية،وإقامة سوريا الحديثة،سوريا التي لا ينتمي فيها الإنسان لوطنه ولقوميته،بل ماجوراً ومنفذاً لأجندات واهداف معادية لكل ما هو عربي وإسلامي،والان يجري استهداف مصر دولة وسلطة وجيشاً ومؤسسات ومجتمعاً،والإرهاب الذي يضرب في مصر الان،كما قال وليد المعلم هو نفسه سواء كانت ما يسمى السلفية الجهادية او انصار بيت المقدس،هذا البيت الذي ليس لهم صلة به من قريب او بعيد،او حركة الإخوان المسلمين،أو داعش والقاعدة في العراق او داعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها في سوريا،وما يسمى بكتائب عبد الله عزام وجند الإسلام وفتح الإسلام وجماعة الأسير والقصير والطويل وغيرها،هي مسميات لنفس العنوان،جماعات من القتلة والمجرمين والإرهابيين والمافيات والبلطجية تمولها وتسلحها وتدربها وتوفر لها القواعد والدعم اللوجستي مشيخات النفط والكاز وفي المقدمة منها السعودية وقطر،والحالمين والطامحين بالخلافة في أنقرة على حساب الدم والجغرافيا العربية،وامريكا وقوى الغرب الإستعماري واسرائيل.


بتدمير هذا الجيوش والبلدان،يزول الخطر عن اسرائيل،وتفرض الحلول الأمريكية والإسرائيلية على كامل المنطقة العربية،وهذا ما يجري الآن على الجبهة الفلسطينية،حيث تستغل امريكا واسرائيل حالة الضعف والإنهيار العربي ،والضعف والإنقسام الفلسطيني لفرض حلاً على الفلسطينيين،يصفي قضيتهم وحقوقهم.

وما يحدث في مصر الان من اعمال ارهابية واجرامية،هي جزء وإمتداد لهذا المشروع،حيث تحاول تلك القوى الإجرامية والإرهابية،إنهاك الجيش المصري،وإدامة حالة عدم الإستقرار في مصر، والعمل على دفع الأمور نحو إغراق مصر في اتون حروب طائفية ومذهبية،حتى لا يتمكن النظام الجديد من تحقيق أية إنجازات على الأصعدة الإقتصادية والسياسية والأمنية،وبالتالي إبقاء المواطن المصري في حالة من عدم الأمن والأمان،وبما يدفع به إلى الثورة على النظام الجديد، وهذه الأعمال الإرهابية المتصاعدة والمتسعة،ليس بفعل قوى التطرف والإرهاب والإجرام في داخل مصر،بل هناك قوى عربية وإقليمية ودولية،تغذي هذا الإرهاب،وتمده  بالمال والسلاح والتعبئة والتحريض سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً،ومن مصلحتها أن لا تستقر الأوضاع في مصر،وان تستعيد مصر دورها الوطني والقومي،ولا نبالغ القول،حينما نقول مصير الأمة العربية يتوقف على مصر حضوراً ودوراً،فمصر هي الثقل العربي عسكرياً وسياسياً وبشرياً،فتعافيها وإستعادتها لثقلها،يعني بأن المشروع القومي سيتعافى،وبأن المشروع الآخر سيندحر ويتراجع.

الآن وبعد التفجيرات الأخيرة والعمليات الإنتحارية،بات واضحاً بان تلك القوى،قد أغلقت أبواب الحل السياسي،وهي تريد ان ترسل رسالة للحكم الجديد وللشعب المصري،إما  عودة مرسي والدستور والشورى،وإما إغراق مصر في حمام الدم والقتل والإرهاب،ومصر لن تكون إلا إخوانية،فلا دستور غير دستور الإخوان،ولا مجتمع مدني،مصر إخوانية سلطة ومؤسسات ومجتمع،وبدون ذلك الدمار والخراب،وهذا قرار حركة الإخوان على مستوى العالم،وليس حركة الإخوان في مصر،وكذلك هي رسالة لكل الأقطار المجاورة او المتنفذة فيها حركة الإخوان،بأن لحم الإخوان مر،لمن يفكر بأن يثور على الإخوان،او يقصيهم عن السلطة،فهم في سبيل ذلك مستعدين للموت في سبيل ذلك،فهم طلاب سلطة وحكم وليس شهادة.

 المسألة لم تعد تحتمل الحلول السياسية والحوار،فالحوار لا يكون بالعمليات الإنتحارية وإطلاق النار والقتل والتخريب والحرق وقطع الطرق وتعطيل الحياة العامة،ولذلك لخطورة الوضع ولمنع إنزلاق مصر الى نفس مصير سوريا،فإنه من الملح والضروري القيام بعمليات جراحية قاصية وإستئصالية،بحيث يجري إجتثاث تلك الجماعات من جذورها ،وضرب كل الحاضنات والدفيئات لهذا الإرهاب في اوكاره،وقطع وإغلاق كل شريان دعمها وتمويلها،وبما يشمل المصادرة لكل المؤسسات التي تعمل على تغذيتها وضخ المال والفكر التكفيري إليها،ونقل المعارك الى عقر دارها من قبل المصريين والسوريين والعراقيين والليبيين واللبنانيين والتونسيين واليمنيين، ولكم ان تتصورا عندما تصل الأمور الى حد "أن يبول الحمار على الأسد" طائرات قطرية تشن غارات على أتباع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي،من أجل خدمة الجماعات التكفيرية والمافيات والبلطجية التي دمرت وخربت ليبيا وإستقدمت القوى الإستعمارية الغربية للسيطرة على ثرواتها النفطية وغيرها.

إرهاب يستهدف الأمة العربية بكاملها،تحت مسميات وشعارات براقة "ثورات" و"ربيع عربي" يجب العمل على إجتثاثه من جذوره.


نشِيدُ الخُلوُد ِ/ حاتم جوعيه


عَشِقتُكِ  ُرغمَ  جميع ِ الصِّعَابْ         فأنتِ  ورودُ  حياتي   الرِّطابْ   
أراكِ بروحي  وعيني  وفكري         ملاكا ً  بريئا ً   يُنيرُ  الهضابْ     
تلوَّعتُ   حُبًّا    وكنتُ   الخَليَّ         عَشِقتُكِ والعُمرُ  غضُّ  الإهابْ     
تَظلينَ  أجْمَلَ  ما   قد   رأيـتُ          فتاة َ المُنى  والشَّذا  المُسْتطابْ   
أحِبُّكِ   للفنِّ    يسمُو    هواكِ           بفكري  عُلوًّا   مديدَ   السَّحابْ             
رَأيتُكِ   فابتهَجَتْ  جنَّة ُ  الرُّو         ح ِ ، عُمري تجَلى  بأبْهَى كتابْ                
وَلوَّنتِ عيشي فأضحَى جميلا ً         عليهِ    ترفُّ    أماني    عِذابْ     
وَكنتِ كأرض ِ بلادي   سَناءً           وفيكِ الخُشُوعُ ... إليكِ  الإيابْ    
أحِبُّكِ   عُمْرَ  الزَّمان ِ  وَأبقى           وَفِيًّا على الحُبِّ رغمَ الصِّعَابْ    
لأنَّكِ   ُفقتِ   جميعَ   العَذارى          جمالا ًوسحرًا...وعلمَ الصَّوابْ  
وَصَوتُكِ أجملُ صوتٍ سَمِعتُ          نشيدُ  الخُلودِ ... ُلحُونٌ  طرابْ   
حياتي وَروحي وَمُنية َ عمري          فغيرُكِ   كلُّ   جمال ٍ   سَرابْ         
وَصَلتِ   لقلبي   بدون ِ  عَناءٍ          بنيران ِ  حُبُّكِ   زدْتُ   التهابْ     
كأنا    وُلِدنا    ُقبَيْلَ    الزَّمان ِ         وَللأرض ِ  جئنا   كأنا   غِرَابْ   
سَكرتُ  بعَينيكِ  منذ ُ  الوجود ِ         وَشَعَّتْ  خُمُورُكِ  أحلى  حُبَابْ    
ِمنَ  النور ِ نحنُ   برانا  الإله ُ          وَللنَّاس ِ  من  طينة ٍ أو  ترابْ     
حبيبة َ   قلبي    لماذا    البُعادُ          وَفيك ِ الأماني  وَكُلُّ   الطِلابْ         
وَغِبْتِ   فذابَ  الفؤادُ   التِياعًا          وَحَلَّ   الشَّقاءُ   فكانَ   العَذابْ   
وَسَافرتِ من دُون ِأن تخبريني         فذقتُ الأمرَّين ... زدتُ اكتِئابْ   
وَطالَ اتصالي وما من  مُجيبٍ        هَواتِفكمُ ْ لا صدىً ... لا جَوابْ   
لإن  غِبْتِ  عني  قليلا ً  فعندي        شهورًا تكونُ .. سنينا ً عِصَابْ     
غِيابُكِ  عَمَّقَ  أغوارَ  جُرحي         وَأظلمَ  عيشي ،  وفجريَ  غابْ     
فآه ٍ   لحُبِّي   وقلبي    الكئيبِ         كفاهُ اعتِلالا ً... كفاهُ  اضطِرَابْ      
لإن  مَرَّ  يومٌ   وما  من  لقاءٍ          وَلمْ  أحظ َ منكِ   بأحلى  عتابْ    
يكونُ  الجَحيمَ  وَسوءَ  الوَبال ِ         وَهَمًّا  عظيمًا  يطولُ   السَّحابْ    
أكيمياءَ  روحي  كفانا    بُعادًا          فآنَ   اقترانٌ     لنا    واقتِرَابْ   
حَبيبان ِ نحنُ إلى أن ينامَ  الزَّمانُ   ،  وَتنضُو    الحُروفُ    العِجابْ    
وَيَسكنُ خفقُ النجوم ِ الدَّراري          وَيصمتُ  دمعٌ   يَهِلُّ  انسِكابْ    
لقاؤُكِ    يبقى   النعيمَ     لقلبي         وَبُعدُك ِ  حزنا ً  وليلا ً   مُهَابْ    
وَإني   الذي  عَبَدَتهُ   العذارى         وَفِيَّ   فقدنَ    النهى    واللبابْ   
لأجل ِ  جَمالي    يذبنَ   هيامًا          وَمع شعريَ الفذ ِّ  ُتهْنَ انسِيابْ   
جَميعُ  الغواني احترَقنَ  بحُبَّي          لنيل ِ   ِوصَالي  أسَلنَ   اللعَابْ   
وَهَيهات  أسلوُ   هَواكِ   وَإني          وَقفتُ  حياتي ... إليكِ   المَآبْ               
فطيفُكِ   دومًا   بعُمق ِ  خيالي          وَإن غِبتِ عنيِّ  وطالَ  الغِيابْ   
تَظلينَ   أحلى   فتاة ٍ   عَرَفتُ           تُشِعِّينَ  بالسِّحر ِ  بين َ الكعَابْ             
وَإني   فتاكِ   الذي    َتعْهَدِينَ           سَأبقى   وَفيًّا    ليوم ِ  الحِسابْ   
وَرَبُّ  المبادِىءِ والمُثل ِ النيَِّ           رَاتِ  وَليسَ  بقولي اصْطِخابْ      
وَلم   أنسَ  أيَّامَ   فيها   التقينا          وقد  أمرَعَ  الزَّهوُ  فينا  وَطابْ 
فنرتعُ   وَنضحَكُ   في  لهونا           وَيكثرُ  فينا   المُنى   والدّعابْ    
كأنَّ  الذي   كانَ  من   أمرنا           كحُلم ٍ  جميل ٍ  وَوَهم ِ   سَرابْ  
سَلامًا  إليكِ   سَلامَ    الغرام ِ           سَلامَ   الفؤادِ  الكئيبِ  المُذابْ 
سَأبقى   فتاكِ   الذي   َتعْهَدِينَ          مثالَ  الفِدَا  والمُنى  المُسْتجَابْ   
وأنتِ   ملاكٌ   بقلبي   بريىءٌ          يُشِعُّ   سَناه ُ  كضُوءِ   الشِّهَابْ   
تعَمَّدْتُ  بالعِشق ِ منذ ُ الوجودِ          وَأترَعْتُ بالسِّحر ِ كلَّ  الشِّعَابْ  
لإن عِشتُ أبقى الكريمَ الجَسُو          رَ الأبيَّ الوفيَّ مَلاذ َ الصِّحَابْ    
وَإن  متُّ  هذا  مَصِيرُ  الحَياةِ          بموتي  يَمُوتُ الشَّذا المُسْتطابْ       
حَياتي   فتاكِ    َلجَذرٌ   عَميقٌ          يَغوُصُ  بأعماق ِ  هذا  الترابْ    
وَهيهاتَ  يُنزَعُ  عنه ُ غصُونٌ          سَيبقى  مُقِيمًا   وَأنى  انسِحَابْ  
فعُذرًا إذا  شابَ شعريَ  حُزنٌ         وَحَلتْ  بشعري مَعَان ٍ غِضَابْ      
وَحيدًا  أعاركُ  خطبَ  الحَياةِ           وَتدفعُني     رغبة ٌ     للغِلابْ     
وأظمَأ   والكأسُ  في  راحَتيَّ           َلمُترَعَة ٌ     دائمًا     بالشَّرابْ   
وَأروي العِطاشَ  ينابيعَ  حُبِّي          وَعنهُم  أخَفِّفُ  هَولَ  المَصَابْ    
كبيرٌ  على  الذلِّ  ربُّ  الإباءِ         وَلي موطِنُ المَجدِ فوقَ السَّحَابْ           
أطِلُّ على الكون ِ.. أحْيَا الكفاحَ        وأترَعتُ  كلَّ الذرَى بالخِضابْ    
وأختالُ  مثلَ    وُرُودِ   الجنان ِ        أميرُ   البيان ِ    شديدُ   العِقابْ   
أعَدتُ إلى الشِّعر ِ رَوْعَتهُ  من          بَديع ِ  البيان ِ   مَعان ٍ   غِرَابْ   
وَقد عاثَ  فيهِ  الرُّعَاعُ  سنينا ً          وَكم  شَوَّهُوهُ   بدون ِ  صَوابْ  
سَأرجِعُ  للشِّعر ِ  دولته ُ  مِثْ            َلمَا  كانَ  ديوانَ  كلَّ  العِرَابْ   
وَشعري يُحَرِّكُ حتى الصُّخُورَ          ولكنَّ   أشعارَ   غيري  هَبَابْ   
وَشعريَ أقوى  منَ  المُستحيل ِ         يُعَانِقُ  في المَجدِ شُمَّ  الهِضابْ  
رَفيقُ  المُناضِل ِ في المَعْمَعَان ِ         يُشِعُّ     سَناءً    بأبهَى    ثيابْ  
غدًا ينجَلي الحُزنُ عن عالمينا           تزاحُ  سُدُولٌ   وَيجلوُ  حِجابْ       
مَلاتُ   سَماءَ   البلادِ    كفاحًا          وَحَطمتُ كلَّ  الصُّخور ِ الصِّلابْ    
وَحَرَّكتُ في الناس ِصوتَ الضمير ِ        ومن  بعدِ  أن كانَ  تنِّينَ غابْ   
وَعَمَّقتُ  للوَعي ِ جيلا ً  فجيلا ً         وَأدمنتُ دومًا رُكوبَ الصِّعَابْ  
سَأبقى  المَنارَ   لكلِّ  الشُّعوبِ          وَصَوتَ  الإلهِ العظيم ِ المُهَابْ     
وَضعتُ العُلومَ الأصُولَ الرَّواسي         وأشرَعتُ  نحوَ العُلا  كلَّ  بابْ     
وَلم   يُخلق ِ الفنُّ  إلا َّ  لإسمي          وَخَط َّ   يَرَاعيَ    كلَّ    كتابْ 
أباركُ في الناس ِأهلَ الطمُوح ِ          وَللمَجدِ  والفخر ِ  شَدُّ  الرِّكابْ   
وَسَارُوا   السِّنينَ   بكدٍّ   وَجُهدٍ         وَلمْ  ييأسُوا  أو  يَمَلوا  اقترابْ   
أنا   عُنفُوَاني   تحَدَّى  الدُّهورَ          تعَانقني الشَّمسُ رُغمَ  الضَّبَابْ    
وَأرنو  لصَوْبِ  النجوم ِ الدَّراري          وَأختالُ   بينَ  الذرى  والقِبَابْ   
أسيرُ   لأجل ِ  ابتغاءِ  الأماني          وَأطوي الفدَافِدَ ... أطوي  الشِّعَابْ  
أريدُ   الحَياة َ   لكلِّ   الشُّعُوبِ          صَفاءً   نقاءً  ... أماني  ُتجَابْ      
إذا متُّ حُبًّا  فزُوري ضَريحي          وَنوُحِي  عَليَّ   بدمع ٍ   مُذابْ   
وَنادي  بصوتِكِ  لو كنتُ  ميتا ً         تجيبُكِ  روحي  وَراءَ  الترَابْ   
سَيَبقى ليَ الذكرُ طولَ  الزَّمان ِ          ِلبَذلِي الذي كانَ  دونَ حِسَابْ   
وِشعري  سَيَخلدُ  جيلا ً  فجيلا ً         يكونُ  المَنارَ   لجيل ِ  الشَّبابْ  
يُدَوِّيِ  كرَعْدٍ  بأرض ِ  الجُدُودِ         وَيبْعَثُ  غيثا ً  لأرض ٍ   يَبَابْ     
عَشِقثكِ   قبلَ   انبثاق ِ  الحَياةِ          وَيومَ    لِقاكِ    لقيتُ   الجَوَابْ   
فأنتِ   السَّناءُ   وأنتِ   الوَفاءُ          وَإني  الأبيُّ   الذي   لا   يَهَابْ   
خَبرتُ  الحَياة َ بعُمر ِ الوُرُودِ          وَحَلتْ  عَليَّ  الرَّزايا  الصِّلابْ     
عَرَكتُ الخُطوبَ بعزم ٍجَسُور ٍ         وَلمْ   أكترثْ    للعِدَا   والذئابْ   
َفهَيْهَاتَ   يسكنُ  أو   يَسْتكِينُ          الذي عانقَ المَجْدَ غَضَّ الإهَابْ   
دَحَرْتُ  القيودَ  وكلَّ   السُّدودِ          أزَلت   بدربي  سَدِيمَ  الضَّبَابْ  
َوطفتُ  العَوالمَ  شرقا وغربًا           لأجل ِ هَوَاكِ  أخوضُ   العُبَابْ          
وأقسْمُ   باسْمِكِ   لن  أستريحَ           إلى  أن  أنالَ المُنى  والرّغابْ           

اطفالنا بين الموت بطعم السمك والجنون بطعم الباذنجان/ د. رافد علاء الخزاعي

ربما يتسال احدهم عن غرابة العنوان وهل  هو  عنوان لمقالة ساخرة مستوحاة من تغريدات عادل امام في مسرحية مدرسة المشاغبين عندما قاس العلم بالباذنجان المعتق من تداعيات جيل يعيش عصر البطالة والفراغ الفكري  ام نصب البصرة التاريخي المستلهم من الباذنجان ام من فلم احمد زكي سمك تمر هندي وهو يبحر فينا في عالم الصراع الاجتماعي ويحذرنا من مأساة قادمة ان لم تتخذ التدابير.
فلسمك بروتين نباتي  وصد رغذائي مهم وهو يتشابه مع الباذنجان في طرق الطهي وفي تسببه التحسس لبعض الاكلين مسببا شري جلدي حاد وفي اختلاف الالوان المشابه للطيف الشمسي .
ولكنه عنوان هلوسة لطبيب اكتشف واقع خطر يحيط بالاجنة القادمين بما يصيبهم من عوق جسدي وذهني نتيجة التلوث البيئي الذي يدخل لنا عن طريق الطعام ليترسب في جسدنا امراض واورام وينتقل للاجنة  والاطفال ليجعل عوائلهم تعيش المأساة التي لم تسنطيع كل الدراما العربية والتركية والهندية رسمها على الشاشة لانها حخياة يومية متفاعلة مع عوائل كثيرة تعيش تفاصيلها المملة والحزينة كل يوم بدون معين الا الله ولطفه ورحمته.
في اصبحوة خميسية دعيت لمناقشة رسالة ماجستير لطالبة ابنها مصاب بالتوحد وهي تحاول خوض الاسباب الجينية والسموم في اطفال التوحد وقد اخذت عينات من دم 59 طفل مشخص بالتوحد  واجرت عليها فحوصات التغير الجيني للجين المسيطر على الاكسدة في الكبد وقياس نسبة الرصاص والزئبق في دم الاطفال المصابين وابائهم واخوانهم ولكن الفاجعة ان عينات الاطفال ا59 اظهرت كلهم مصابين بتسمم الزئبق وبكميات تفوق التصور حيث النسبة العالمية المسموح بها او الامنة هي 0,003 غرام لكل مائة ملم من الدم للانسان ولكن تبين ان النسبة تصل مابين 0,034-0,066 غرام لكل مائة ملم من الدم وهذه تنذر بالخطر مما تسببه من تلف عصبي وتغيير مناعي,
والتوحد هو إحدى حالات الإعاقة التي تعوق من إستيعاب المخ للمعلومات وكيفية معالجتها وتؤدي إلى حدوث مشاكل لدى الطفل في كيفية الاتصال بمن حوله وإضطرابات في إكتساب مهارات التعليم السلوكى والإجتماعى, ويعتبر من أكثر الأمراض شيوعًا التي تصيب الجهاز التطوري للطفل. يظهر مرض التوحد خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل ويستمر مدى الحياة. وهي إعاقة تصيب الأسر من جميع الطبقات الاجتماعية ومن جميع الأجناس والأعراق.وتقدر نسبة الإصابة به بنحو 1 من بين كل 500 طفل وبالغ في الولايات المتحدة الأمريكية. لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المصابين في كل دولة.  وخصوصا في العراق فنحن لانمتلك إحصاءات دقيقة عن المرض ولاتوجد مراكز بحثية في العراق خصوصا وفي الوطن العربي عموما ،
مرض التوحد بدأ التعرف عليه منذ أكثر من 60 عام وبالتحديد سنه 1944 , ولقد إزدادت نسبة حدوثه بين الأطفال بنسبة طفل في كل 10 ألاف طفل في عام 1978 ونسبة واحد إلى 300 طفل وفي أبريل سنه 2000 , وقد أعلن مركز مراقبه الأمراض (CDC) في الولايات المتحدة الامريكية عن ارتفاع نسبة حدوث هذا المرض في ولاية نيو جيرسي حيث قدرت نسبة الإصابة فيه بحوالي 6.7 طفل لكل ألف طفل الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سبب هذه الإعاقة التي تتزايد نسبتها .
ويؤثر مرض التوحد على النمو الطبيعي للمخ في مجال الحياة الاجتماعية ومهارات التواصل communication skills. حيث عادة ما يواجه الأطفال والأشخاص المصابون بالتوحد صعوبات في مجال التواصل غير اللفظي، والتفاعل الاجتماعي وكذلك صعوبات في الأنشطة الترفيهية. حيث تؤدي الإصابة بالتوحد إلى صعوبة في التواصل مع الآخرين وفي الإرتباط بالعالم الخارجي. حيث يمكن أن يظهر المصابون بهذه الإضطراب سلوكاً متكرراً بصورة غير طبيعية، كحركة اليد أو الجسم بشكل متكرر، كما يمكن أن يظهروا ردوداً غير معتادة عند تعاملهم مع الناس، أو أن يرتبطوا ببعض الأشياء بصورة غير طبيعية، كأن يلعب الطفل بسيارة معينة بشكل متكرر وبصورة غير طبيعية، دون محاولة التغيير إلى سيارة أو لعبة أخرى مثلاً، مع وجود مقاومة لمحاولة التغيير. وفي بعض الحالات، قد يظهر الطفل سلوكاً عدوانياً تجاه الغير، أو تجاه الذات.
لا نستطيع القول أن التوحد مرض وراثي لأنه أيضاً يرتبط بالعامل البيئي فقد يكون الطفل حاملاً للجين المسبب للمرض وتلعب البيئة دوراً في ظهور أعراض المرض، ويرتبط التوحد بعدد من الجينات وليس جيناً واحداً، وهنالك  نظريات متعددة تحاول رسم أسباب التوحد.
 ومن هنا سلطت هذه الطالبة المجدة الضؤ على موضوع خطير جدا يبين لنا مشكلة كبيرة اخرى وهي زيادة نسبة الاطفال المتلكئين في التعليم والمتعثرين في اكتساب المهارات اللغوية والعقلية.
ولو بحثنا عن مصادر التسمم بالزئبق لتبين انها من كحل العين والشامبوات ومواد التجميل وحافظات اللقاحات واصباغ الشعر وماء الانهر ولكن هنالك خطر واضح هو بطعم السمك والباذنجان.
يعتبر السمك من المصادر الغنية بالبروتين لذلك أقبل على اكله اهل الشرق ، ويؤكل مع الرز في هذه الدول الفقيرة ، خصوصاً في الشرق الاقصى و افريقيا ، إلا ان الابحاث أثبتت اهمية اكل السمك خاصة في العمر ما بعد سن الاربعين ، لأنه يحمي من امراض العصر و خصوصاً الجلطات الدموية ، فأقبل عليه اهل الغرب بناء ًعلى النصائح الطبية  وخصوصا مطاعم خاصة له تسمى المطاعم البحرية.
وتتميز الأسماك بأنها غذاء سهل الهضم، يمكن تقديمه كوجبة غذائية بكثير من الطرق ، ويتفنن الطهاة في أسلوب وشكل تقديمه ، وبالإضافة إلى أهميته في بناء جسم الإنسان ونموه، يتميز السمك أيضاً بأنه دواء لكثير من الأمراض ، ومن أحدث ما تم اكتشافه في هذا المضمار، هو أن تناول المرأة الحامل للأسماك يؤثر إيجابياً على نمو الجنين العقلي ، وقد يؤدي إهمال المرأة لتناول السمك طوال فترة الحمل إلى نمو متأخر للجنين داخل الرحم ، وإلى إنجاب مبكر، ويكون الطفل الوليد أكثر عرضة للأمراض والوفاة .
وهذه قدرية مشتركات السمك والباذنجان في الكثير من الصفات والمحاذير رغم انهما من زعماء المائدة الشرقية والغربية المتنفذين دوما  ويعتبران من المنشطات الغذائية الطبيعية المثيرة للجنس وزيادة الرغبة الجنسية وحاز الباذنجان على لقب وحش الطاوة ايام الحصار الاقتصادي البغيض المفروض على العراق في تسعينيات القرن الماضي وان اسم الباذنجان فارسي الاصل  وكان يسمى بالفارسية " إبذ نج " ومعناه "مناقير الجن" وعرفه العرب وأطلقوا عليه عدة أسماء منها: "الأنب" ، و"الحيصل" ، و"المغد" ، و"الوغد"  وايضا يطلق عليه القهقب او الكهكب .
 ان ثمار الباذنجان على بروتين ومواد كربوهيدراتية وفيتامينات أ، ب، ب2. أتت ثمار الباذنجان كنبتات برية في الهند كما تشير المراجع التاريخية، ومنها انتقلت في القرن الخامس قبل الميلاد الى الصين، ثم مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا. ودخلت أوروبا من البوابة الإيطالية في القرن الرابع عشر. واليوم تعتبر إيطاليا وتركيا والصين ومصر واليابان من أعلى الدول إنتاجا للباذنجان.ويعتبر العراق المنتج  السابع  عالميا للباذنجان بعد الصين والهند وتركيا ومصر  واندنوسيا اذا ينتج  380000  طن سنويا واستهلاك الشعب العراقي يفوق هذه الكمية حيث يعتبر الوجبة الاساسية او الثانوية في الشوي والقلي والمخللات والمحشيات والمكدس او المسعقة والبابا غنوج.
وان الباذنجان كان دائما يشكل خوفا في مخيلة الانسان مثلا  في مصر كانوا يعتقدون أن أكل الباذنجان يسبب الصرع والجنون، وعندما عرفه الفرنسيون عام 1760م كانوا يستعملونه للزينة ولم يأكلوه حتى سنة 1795م،لاعتقادهم بأنه يسبب الصرع والجنون كان بسبب كتاب نشر في أوروبا يقول عنه " ثمار كبيرة الحجم مثل الخوخ ولكنه ذو صفات رديئة " وبسبب الحمى وداء الصرع اطلق الأوروبيون على الباذنجان أسماء عدة وغريبة عندما تعرفوا عليه عبر العرب والمسلمين في اسبانيا في القرن الثامن للميلاد، مثل «التفاحة المجنونة» و«نبتة البيضة» وغيره، لذا استخدموا اسمه اللاتيني MalaInsana الذي يعني «البيضة الفاسدة» لسنوات طويلة بدلا من الاسم الصحيح SolanumMelongena المستوحى من أحد الأسماء العربية والمعتمدة لاحقا في القرن السادس عشر.
وفي الطب العربي في تذكرة  داود الانطاكى قد ذكر  أن أقماع الباذنجان اذا سحقت وجففت بعيدا عن الشمس فى تفيد فى علاج البواسير وخاصه اذا استعملت مع اللوز المرأما أوراقه فيستفاد بها فى عمل كمادات تلطف الحروق والخراجات وأيضا للبواسير والقوباء وهو كطعام يفيد المصابين بالسمنه والتهاب الكلى وخاصه المغص الكلوى والروماتيزم وعسر الهضم وحتى لمرض الصرع فان أكله يفيدهم وأيضا يفيد الحوامل.
وكان عالم النبات السويدي كارولوس لينياوس (1707-1778) أول من وثق الباذنجان علميا ونباتيا واعطاه اسمه العلمي الاخير رغم الخلافات المتواصله حول اصله. ووصف العالم جون جيرارد، في تلك الفترة معظم انواعه، خصوصا الطويل الذي يشبه الأوز الابيض. وقد اطلق الاميركيون وسكان المستعمرات في نيوزيلندا واستراليا في القرن الثامن عشر على الباذنجان اسم «ايج بلانت» (Eegg Plant) لأنهم بدأوا باستخدام الابيض والاصفر من انواعه الذي يشبه البيض شكلا وحجما. وقد استلهم الإنجليز اسم «اوبرجين» (Aubergine) الذي يستخدمونه من نفس الاسم الفرنسي الذي يعود اصله إلى الأسبانية (Alberg?nia). اما اسم «برينجال» (Brinjal) فهو المستخدم في سريلانكا والهند حاليا.ويطلق عليها الناس ايضا اسم «مالونجين» (Melongen ) في جزيرة ترينيداد في الكاريبي. والاهم من هذا ان أول اسم للباذنجان كان باللغة السنسكريتية: «فاتين جانا» (VatinGana)، وبعد انتقاله إلى إيران اصبح «بادنجان» (Badingen)، وبعد ان استوحاه العرب اصبح «الباذنجان» (Albadingen)، ومن هناك انتقل إلى اللغة الأسبانية. 
 وحتى  في الطب النبوي فان  الباذنجان : في الحديث الموضوع المختلق على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : " الباذنجان لما أكل له " ، وهذا الكلام مما يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلاً عن الانبياء ، وبعد : فهو نوعان : أبيض وأسود ، وفيه خلاف ، هل هو بارد أو حار ؟ والصحيح : أنه حار ، وهو مولد للسوداء والبواسير ، والسدد والسرطان والجذام ، ويفسد اللون ويسوده ، ويضر بنتن الفم ، والأبيض منه المستطيل عار من ذلك واما السمك من حديث عبد الله بن عمر، عن النبىِّ صلى الله عليه  واله وسلم أنه قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتانِ ودَمَانِ: السَّمَكُ والجَرَادُ، والكَبِدُ والطِّحَالُ)).
وهذه الميثلوجيا انعكست على مفسرين الاحلام مثل تفسير حلم رؤيا الباذنجان لابن شاهين : وأما الباذنجان فإنه غم وحزن وتفكر. وقيل من رأى أنه أصاب باذنجان أبيض فإنه يصيب ثناء حسناً، وإن كان أسود فتعبيره ضده، وربما دلت رؤيا الباذنجان من حيث الجملة على المزاج، وقيل الباذنجان في غير وقته يدل على إصابة رزق بتعب، وقيل ربما دلت رؤيا أكل الباذنجان على حصول ما نواه من خير أو شر لقوله عليه الصلاة والسلام { الباذنجان لما أكل له }  
 اما النابلسي فسر حلم رؤيا الباذنجان : أنه في المنام يدل في وقته على الرزق بأقل جهد، ولكنه في غير وقته مكروه، وأكله دليل على إتيان الرخص، والتملق في الكلام والحقد والغش. وربما دل الباذنجان لأرباب الصيد على الفرح والسرور من جهة الصيد .
وبقيت هذه في احاديثنا اليومية عندما نرى احدهم عصبيا او معصبا  نقول له هل انت متغذي او متعشي باذنجانوهكذا ربطنا الباذنجان بالجنون رغم الدراسات العلمية والبحثية في تعميق اهمية الباذنجان الغذائية.
 وكذلك دخل  رؤية السمك  في الحلم في ازدواجية المفسرين للاحلام فمثلا  من  رأى أنه يصطاد سمكاً كبيراً، فإن ذلك يدل على منفعة وخير، والسمك اللين القشر دليل خير لمن يريد الخديعة، والسمك البني دليل خير لمن أراد الزواج، والسمك الميت في داخل البحر دليل رديء، ويدل على رجاء لا يتم.
ومن رأى سمكة في فراشه فهي دليل رديء لمن يسير في البحر أو لمن كان مريضاً، ومن اصطاد السمك من ماء كدر أصابه هم شديد.
ومن رأى أنه يأكل سمكاً حياً بلغ الملك، وإن كان يأكل السمك المالح أصابته شدة. وقيل إذا بلغ السمك أربعة كان نساء، وإذا كان أكثر من أربعة فهو غنائم وأموال، والسمك المقلي يدل على إجابة دعوة، وقيل السمك المشوي سفر في طلب علم.
ومن رأى أنه يشتري من السماك سمكة فإنه يشتري جارية، أو يتزوج امرأة، وإن كان السمك ينتقل من البحر الحلو إلى البحر المالح، وسمك البحر المالح ينتقل إلى الحلو دل ذلك على النفاق، والسمك الصغير والكبير يدل على الاهتمام بالأفراح والأحزان، فإن نزل عليه من السماء سمك مشوي فبشارة له باستجابة دعائه وانتصاره على أعدائه وارتفاع قدره. وربما دلت رؤية السمك على الهم والنكد والمرض. 
حيث أكدت الأبحاث الطبية أن الباذنجان مفيد للصحة وخصوصاً في علاج تصلب الشرايين والوقاية منه، ويمكن تناوله مطبوخاً مع الطعام أو على شكل مخللات أو مقبلات. ويساهم الباذنجان في الوقاية من السمنة أو إزالة السمنة ، لأنه منخفض السعرات الحرارية، فكل المائة جرام منه تحتوي على 29 سعرة حرارية. كما يعيق الباذنجان انتقال الكوليسترول من المعدة إلى الشرايين، ويخفض من نسبة الدهون كذلك يحتوي الباذنجان على نسبة عالية من المواد المكافحة للسرطان (نفس المواد الكيماوية التي تجعل التفاح مفيداً لك)؛ كما أن الصبغات الداكنة تعمل على منع التأكسد.
وعن فوائد الباذنجان: الباذنجان يزيد الشهوة الجنسية لدى الرجال والنساء وتناوله بصفة مستمرة في الوجبات الرئيسية يقضي على البرود والضعف الجنسي.. ونظرا لفوائده العظيمة في هذا الشأن أطلق عليه اسم "فاكهة الحب".ولكن المشكلة عندما تطبخ العائلة الباذنجان المقلي تزداد المشاكل والعركات العائلية وخصوصا مع انقطاع الكهرباء الوطنية وحرارة تموز. 
ان الألياف الموجودة في هذا النبات تعمل على تحفيز مراكز الإثارة في المخ وبالتالى يتهيأ الرجل أو المرأة لممارسة العلاقة الزوجية، وحتى تتحقق الفائدة كاملة يرى العلماء تناوله مسلوقا أو متبلا، ولا يفضل قليه في الزيت لأنه يفقد الكثير من فوائده المؤججة للعواطف وأضافت أن الباذنجان يحتوي على كميات كبيرة من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة والتي تلعب دورا كبيرا في تنشيط إفرازات الهرمونات الذكرية والأنثوية مثل هرمون التيستسترون الذكري والاستروجين الأنثوي وهذه الهرمونات هي المسؤولة بشكل أساسي عن زيادة القدرة والتحفز الجنسي.. والباذنجان الأسود على وجه الخصوص غني بهذه المركبات المفيدة مثل الزنك والبوتاسيوم وأنسب طرق تناول الباذنجان لتحقيق أقصي استفادة هي أكله مسلوقا ومضافا إليه الملح والليمون، أما إذا تم قليه في الزيت فإنه يحدث تحلل للمواد والعناصر المفيدة الموجودة به ويفقد قيمته الغذائية بشكل كبير. الثمار ذات الطعم قليل المرارة والقوام الإسفنجي للباذنجان، تمثل مصدراً عالياً للحصول على المواد المضادة للأكسدة. في حين أنه ظل لمدة طويلة حبيس أوهام شائعة بأن مرارة طعمه سبب في الإصابةبالسرطان أو الجذام أو الجنون. وتتشابه ثمار الباذنجان كثيراً مع ثمار الطماطم، فكلاهما من فصيلة نباتات ظل الليل. التي تضم بالإضافة لهما البطاطا والفلفل البارد وغيرهما. وأنواعها الكثيرة تجعل الموجود منها على سطح الأرض بطيف واسع من الألوان، يبدأ من البنفسجي الغامق القريب الى السواد ذي الأشكال المتفاوتة الحجم والطول، والأخضر كالكوسا، والبرتقالي، وصولاً الى اللون الأبيض ذي الشكل الطويل أو البيضاوي المتوفر في بعض مناطق الهند، الذي من أجله تُسمى الثمار باللغة الإنجليزية بالبيض النباتي. وبالإضافة الى قائمة من العناصر الغذائية الهامة كالفيتامينات والمعادن، فإن ثمار الباذنجان غنية بعناصر نباتية، كثير منها ذو خصائص نشاط مضاد للأكسدة كمركبات الفينول مثل كافييك وكلوروجينك، ومركبات فلافونويد مثل ناسيونين. والدراسات التي تناولت مركبات ناسيونين لاحظت تركيزه العالي في قشرة الثمرة للباذنجان. وهي المركبات التي حاول العلماء توشيح تأثيراتها على خلايا الجسم، وأشارت في هذا الجانب دراسات عدة جريت على أنسجة حيوانات المختبرات، وأظهرت أن مركبات ناسيونين من المواد المضادة للأكسدة والتي تسهم في تخلص الجسم من الجذور الحرة، مما يحمي جدران الخلايا من التلف. وتحديداً تحمي وجود الكوليسترول في بنية جدران خلايا الدماغ. ومن المعلوم أن مادة الكوليسترول ليست موجودة عبثاً في الجسم، بل لها أدوار حيوية عدة توجب المحافظة على وجودها فيه، ومن أهمها أنها تعمل على التصاق اللبنات المكونة لجدران خلايا الجسم والدماغ، إضافة الى دورها في إنتاج هورمونات الذكورة والأنوثة، وتكوين أملاح أحماض عصارة المرارة اللازمة لامتصاص بعض أهم الفيتامينات. ووجود الكوليسترول بنسبة متوازنة في الجسم وتحديداً في بنية جدران الخلايا يحمي الخلايا نفسها من تأثيرات الجذور الحرة، وبالتالي يسهل دخول المواد الغذائية الى الخلايا وخروج الفضلات منها. 
 وهذا الباذنجان الوحش التي حاولت الحسناوات الاستفادة منه في التجميل  حيث يؤكد الكثير من المصادر العلمية والبحثية الحديثة، ان الباذنجان يزيد من نعومة البشرة وجمالها، خصوصا خلال فصل الصيف. ويصنع من الباذنجان ماسك للوجه لتنعيم البشرة وتخليصها من البثور السوداء. ويتم ذلك عبر تقطيع الباذنجان وتجفيفه ثم طحنه وخلطه مع نصف كوب من الحليب وعصير الليمون للحصول على عجينة لينة. وبعد ذلك توضع العجينة على الوجه لمدة ساعة مع تحاشي منطقة العينين والجفون، قبل غسل الوجه بالماء البارد.
 يقال ايضا ان الكاتب الايرلندي المعروف جورج برنارد شو، الذي توفي عام 1950 عن عمر يناهز 94 عاما، كان نباتيا من الدرجة الاولى، وكان الباذنجان على انواعه أحد الأكثر الاطباق المفضلة لديه.  ولهذا  نراه الاكثر كتب صراحة وجنونا في سبر الحقيقة البشرية والعلاقات الانسانية وفضلا عن انه كان مغرما بالباذنجان المحشي فقد طبخت له مربية منزلته وطباخته اليس لادن الكثير من الانواع الخاصة بها.
اما الرواية العربية والاسطورة البابلية والسومرية ربطت السمك بالجنس والشهوة الجنسية فهذا انكيدوا ازدادت شهوة الحب عنده وقتل خمبابايا بعد وجبة سمك شهية وهذا الكاتب السومري عزيز السيد جاسم ربط الحب والشهوة الجنسية بالسمك وان دعوة محباته وعشيقاته مع وجبة سمك تزيدة من حدة اللقاءات وحميمياتها كما اوردها في روايته الرائعة  الزهر الشقي.
من أهم الإرشادات التي يركز عليها خبراء التغذية والصحة العامة، نذكر: عدم الإكثار من تناول الباذنجان، وخصوصاً ذوي المعدة الضعيفة، والأطفال والمسنين،والذين يعانون من عسر الهضم، لأنه صعب الهضم إذ يستغرق هضمه أربع ساعات، وهي مدة تعتبر طويلة بالنسبة إلى الأغذية الأخرى. تناول الباذنجان المسلوق أو المشوي أفضل من المقلي. عدم تقشيره، لأن معظم العناصر الغذائية تتوضع في القشرة أكثر من اللب. ولكن  البحوث الطبية وضعت للباذنجان مواصفات من خلال احتوائه على العناصر المعنية ويعتبر خطر سميا اذا تجاوزت  النسبة الامنة المحددة من منظمة الصحة العالمية خصوصا للباذنجان المعدل وراثيا بطعم الطماطة او البطاطا  لانه يزيد من نسبة امتصاص العناصر المعدنية من التربة ومن السماد المستعمل مع وجود التلوث المائي المستعمل للسقي وهذا ايضا الخطر يزداد مع الاسماك البحرية وخصوصا المستوردة من دول شرق اسيا نتيجة زيادة تلوث البحار والانهر بالمعادن الثقيلة ومخلفات المصانع وهذه الملوثات من زيادة نسبة الزئبق في لحوم الاسماك مما يزيد من سميتها على الانسان وخصوصا الاطفال والحوامل. 
وهذا يترتب علينا وعلى الجهات المختصة وضع ضوابط ومعايير للاغذية لقياس نسبة الزئبق والرصاص والمعادن الاخرى قبل ادخال المستورد منها واطلاق المحلي للبيع لتنشر السمية لاطفالنا واكبادنا التي تمشي على الارض.
ان تاسيس هئية عراقية للغذاء والدواء مطلب اكاديمي وشعبي لحماية المستهلك ولضمان سلامة الغذاء.
حتى تحمي اطفالنا من الموت بانواع المذاقات وتحافظ على سلامتنا العقلية والذهنية من الانحدار الى الجنون والخرف المبكر.


عشيّة الخروج من النفق/ صبحي غندور

يبدو المشهد الراهن في أكثر من بلدٍ عربي وكأنّ الصراعات فيه مفتوحة الأجل ولا حلول قريبة لها. وهذا مفهومٌ حدوثه بعد سنواتٍ صعبة من عمر هذه الصراعات ومن سيرها المتتالي إلى الأسوأ. لكن رغم قتامة هذا المشهد، ورغم سوء الحاضر فعلاً،  فإنّ جملة تطورات دولية وإقليمية تجعلني أتوقّع قرب خروج هذه البلدان العربية، المتصارع فيها وعليها، من النفق المظلم الذي تعيش فيه حالياً.
لقد مرّ عقدٌ من الزمن على إشعال شرارة الحروب الأهلية العربية المستحدثة في هذا القرن الجديد، وذلك من خلال الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وتفجير الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية فيه، ثمّ من خلال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005، ثمّ بالمراهنة على تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، ثمّ بتقسيم السودان في مطلع العام 2011 وفصل جنوبه المختلف دينياً وإثنياً عن شماله، ثمّ بتحريف مسارات الحراك الشعبي العربي الذي بدأ بتونس ومصر مستقلاً صافياً وانعكس على دول عربية أخرى لكن مع وجود تأثيرات وأجندات إقليمية ودولية مختلفة، أراد بعضها توظيف الانتفاضات الشعبية العربية لكي تكون مقدّمةً لحروبٍ أهلية ولصراعاتٍ طائفية ومذهبية وإثنية، ولتغيير سياسات وخرائط أوطان وليس حكومات وأنظمة فقط.
وقد رافق هذه الأجندات الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض العربية نموّاً متصاعداً لجماعات التطرّف المسلّحة التي استغلت حالات الفوضى والعنف لكي تمتدّ وتنتشر، بعدما صنعت مظلّتها "القاعدة" لنفسها قيمة دولية كبرى من خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
وفي هذا العقد المنصرم نفسه، واصلت إسرائيل عمليات الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مراهنةً أيضاً على تحوّل الصراع الأساس في المنطقة من صراع عربي/إسرائيلي إلى صراعات عربية/عربية، وعربية/إيرانية، وعلى تقسيمات طائفية ومذهبية تبرّر أيضاً الاعتراف بإسرائيل كدولةٍ يهودية.
لكن سمات السنوات العشر الماضية بدأت تتغيّر مع نهاية العام 2013 حيث انتقلت موسكو وواشنطن من حال التنافر والخلاف إلى حال التفاهم على العمل المشترك لحلّ أزماتٍ دولية، أبرزها الآن الأزمة الدموية السورية. كذلك شهد نهاية العام الماضي توقيع الدول الكبرى اتفاقاً مع إيران بشأن ملفها النووي وبدء رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ زمنٍ طويل. وهذان الأمران لهما أهمّية كبيرة الآن في معالجة أزمات عربية متفجّرة أو مهدّدة بالانفجار. وربما هذا ما يُفسّر سبب الغضب الإسرائيلي على إدارة أوباما حيث انتقدت حكومة نتنياهو التراجع الأميركي عن ضرب سوريا ثمّ الإتفاق الدولي مع إيران، ممّا أسقط المراهنة الإسرائيلية على إشعال حربٍ دولية وإقليمية ضدّ إيران وحلفائها بالمنطقة.
وما نسمعه مؤخّراً، من تصريحات إسرائيلية ناقدة للرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ما هي إلا تعبير عن حقبة جديدة في العلاقات الأميركية/الإسرائيلية، حقبة فيها المصالح الأميركية أولاً كمعيار بوضع السياسات وليس حجم التأثير الصهيوني في صنع القرار الأميركي. وهذا التغيير الحاصل في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب لن يؤثّر حتماً على حجم الدعم المالي والعسكري الأميركي لدولة إسرائيل، فواشنطن تُميّز بين الحاجة لدولة إسرائيل وضرورة دعمها، وبين الخلاف السياسي مع حكومة هذ الدولة، ومحاور الخلاف هي الآن شاملة لكيفيّة التعامل مع الملف الفلسطيني إضافةً لمسألتيْ سوريا وإيران.
هذه المتغيّرات الإيجابية في العلاقات بين واشنطن وموسكو، وواشنطن وطهران، والتي يرافقها متغيّرات سلبية في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ستؤدّي حتماً إلى تخفيف الصراعات الدولية والإقليمية على بلدان المنطقة العربية، كما ستضع مشاريع تسويات لصراعاتٍ وتطورات جارية الآن ومعنيّة فيها طهران وأنقرة والرياض والقاهرة وتل أبيب، وشاملة للشريط الممتد من بغداد إلى غزّة مروراً بدمشق وبيروت. 
فخيار التسويات هو المطلوب حالياً من قبل الأقطاب الدولية حتى لو كانت هناك "معارضات" لهذه التسويات على مستويات محلية وإقليمية. لكن هذه التسويات يتمّ وضعها الآن على "ظهر سلحفاة" بعدما فشلت تجارب دولية انفرادية سابقة بوضع مشاريع تسوية في "قطار سريع" لكن على سكك معطوبة من قبل أصحابها أو ملغومة بفعل هذا الطرف أو ذاك.
لكن هل هذه التوقّعات عن التسويات الدولية الممكنة لأزماتٍ في المنطقة ومحيطها تعني "برداً وسلاماً" للأوطان العربية وشعوبها؟ الإجابة هي بنعم في الحدّ الأدنى، وفي ظلّ الظروف العربية السلبية القائمة حالياً وما فيها من مخاطر أمنية وسياسية على الكيانات الوطنية، لكن هي حتماً مراهناتٌ عربية جديدة على "الخارج" لحلّ أزمات مشكلتها الأساس هي ضعف "الداخل" وتشرذمه. فأيُّ حلٍّ يرجوه العرب لصالحهم إذا سارت التفاهمات الدولية والإقليمية تبعاً لمصالح هذه الأطراف غير العربية، وليس مرجعية الحقوق المشروعة للشعوب والأوطان؟!.
***
هي الآن مرحلة عشيّة الخروج من النفق المظلم الذي عليه المنطقة طيلة عقدٍ من الزمن، لكن هي المرحلة الأخطر لأنّ كلّ طرف معني بصراعات المنطقة سيحاول تحسين وضعه التفاوضي على "الأرض" قبل وضع الصيغ النهائية للتسويات. وسيكون منتصف هذا العام هو الحدّ الزمني الفاصل للاستحقاقات المتوجّبة لهذه التسويات. فالاتفاق بشأن السلاح الكيمائي السوري، والاتفاق الدولي مع إيران، كلاهما يستحقّان زمنياً في منتصف العام. أيضاً، فإنّ عدداً من البلدان العربية معنية بانتخابات رئاسية وبرلمانية خلال الفترة نفسها ممّا يجعلها جزءاً من بعض التسويات الدولية والإقليمية، إضافةً إلى ما تؤكّده واشنطن عن سعيها لإعلان اتفاق إسرائيلي/فلسطيني جديد خلال الأشهر الأولى من هذا العام.
وتحدث كل هذه التطورات الهامّة بينما العرب منشغلون في أوضاعهم الداخلية أو منقسمون ومتصارعون حول قضايا جوارهم العربي والإقليمي. فلا توافق عربي على أي أزمة عربية، ولا مرجعية عربية واحدة فاعلة ولا رؤية عربية مشتركة لمستقبل المنطقة في ضوء المتغيّرات الحاصلة. ولعلّ ما يزيد من حجم المرارة في وصف الحاضر العربي أنّ الشعوب، وليس الحكومات فقط، غارقة أيضاً في الانقسامات وفي الخضوع لما تنقله وتعرضه وسائل إعلام عربية من تحريض وتعبئة وأكاذيب ضدّ "الآخر" في الوطن نفسه أو في الأمَّة عموماً.
وتظهر الأزمة الكبرى في المجتمعات العربية الآن حينما نسأل على ماذا تتصارعون؟ حيث الإجابة تتراوح بين من ينشدون الديمقراطية والتغيير عبر العنف المسلّح، وبين من يعتبرون أنفسهم حماة الدين أو الطائفة، بينما واقع الحال أن الديمقراطية والدين براء ممّا يحدث باسمهما من قتلٍ وسفك دماء.
هو انحطاط، وهو انحدارٌ حاصلٌ الآن، بعدما استباحت القوى الأجنبية (الدولية والإقليمية)، وبعض الأطراف العربية، استخدامَ السلاح الطائفي والمذهبي والإثني في حروبها، وفي صراعاتها المتعدّدة الأمكنة والأزمنة خلال العقود الأربعة الماضية. وقد ساهم في ترسيخ هذا الواقع الانقسامي الأهلي، على المستوى الشعبي العربي، هيمنةُ الحركات السياسية ذات الشعارات الدينية، وضعفُ الحركات السياسية ذات الطابع الوطني أو العربي التوحيدي. فالعرب الآن هم بلا قضيةٍ واحدة، وبلا قيادةٍ جامعة. والشعب الذي لا تجمعه قضية وطنية واحدة أو رؤية مستقبلية مشتركة للأمَّة، ولا يمتلك مرجعيةً قيادية واحدة، يتوه وينقسم ويعيش أسيرَ صراعاتِ الداخل التي تعزّز تدخّلَ الخارج.
ومهما حدثت تطوّرات إيجابية على الصعيدين الدولي والإقليمي، فإنّ السؤال يبقى: كيف سيكون هناك مستقبلٌ أفضل للشعوب والأوطان، وللأمّة ككل، إذا كان العرب مستهلكين بأمورٍ تُفرّق ولا تجمع!؟ وكيف ستستطيع أمّةٌ أن تنهض ممّا هي عليه من سوء حال إذا كان العديد من صانعي الرأي والفكر والفقه فيها يتنافسون على الفضائيات وعلى المنابر فيما يؤدّي إلى مزيدٍ من عوامل الانقسام والانحدار والانحطاط في أحوال الأوطان والمواطنين!؟ وما ينفع أن تخرج الأزمات العربية من النفق المظلم بينما تستمر عيون العرب معصوبة بسواد الانقسامات!؟
20-1- 2014
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

خواطر وأحلام (أوستراليا حفظك الله)/ سركيس كرم

نحتفل بعيد استراليا وكلنا فخر واعتزاز بانتمائنا الى وطن استقبلنا بإنسانيته وغمرنا بعدالته وأنعم علينا بحرية قل نظيرها متيحاً أمامنا فرصاً حقيقية لممارسة ديموقراطية هي نموذج يحتذى به، وحرية رأي وتعبير تصونها قوانين حضارية وضعت في خدمة المواطن وليس العكس. 
*****
استراليا برحابتها وجمالها وتناغمها ورقيها هي وطن يستقبل في ربوعه كل انسان يتطلع الى دولة تحميه من شر الفساد السياسي وتسلط زعامات "ملكية" توظف النظام بغية إستعباد المواطن عائلياً ومناطقياً وطائفياُ مذهبياً وطبقياً وسياسياً.
*****
منذ اللحظة الاولى تفتح استراليا ذراعيها مستقبلة المهاجر الجديد وتجعله يشعر انه واحد من ابنائها وتبذل قصارى جهدها لمساعدته على تذليل كل ما قد يعترض سبيل استقراره في الوطن الجديد سواء كان ذلك لغوياً أم مادياً أم معنوياً. كما تعمل كل ما بوسعها بغية إزالة الشوائب التي قد تتسبب بها  قلة "عنصرية" غير مؤثرة. وتشجع المهاجر على الاحتفاظ بثقافته وتقاليده التي لا تتعارض مع تقاليد وقيم وحضارة المجتمع الجديد ومسعاه الدائم الى التقدم والتطور.
*****
حفظ الله استراليا دولة تصون في ربوعها كرامة الانسان وحقوقه ورغبته في بناء مستقبل أفضل.
*****
لقد أرتقت أوستراليا في مدة زمنية قصيرة الى مستويات بات من الصعب مجاراتها. فإعتلت بذلك عرش الريادة في مجالات عدة تشمل كل ما يتعلق بالتعايش والمواطنة والتعاون والتنظيم وحسن الضيافة.
*****
قد يكون من الاجدى بنا في كثير من الحالات ان نكرّس جزءاً من قدراتنا لنسلط الضوء على ابناء جاليتنا الذين ساهموا في تقدم استراليا ونموها وإزدهارها على مدى قرن من الزمن، وما أكثرهم وما أعظم انجازاتهم التي ترفع الرأس وترصّع سمعة الجالية بحبات من أثمن الجواهر، الا وهي الجواهر والدرر الفكرية والعلمية والثفافية التي يعجز عن تجاهلها الغير مهما اشتدت خصومته لنا !
*****
استراليا الحديثة العهد كوطن باتت واحة من ديموقراطية حقة وحرية رأي ومعتقد وعلمانية وعدالة اجتماعية وتنوع ثقافي واطمئنان وازدهار اقتصادي... فلنعمل ما بوسعنا للمحافظة عليها وحمايتها لكي تبقى الملاذ الحضاري للساعين الى حياة أفضل حرمتهم منها الأنظمة السياسية الفاشلة في أوطانهم الأم..
*****
ان أفضل السبل للعيش في هذا البلد العظيم هو في أن نفكر ونؤمن ونتصرف جدياً بأن اوستراليا هي وطننا، وبناء عليه نعمل على تطوير حضورنا ومشاركتنا كمواطنين يهمهم مصير الوطن الذي يعيشون فيه ويسعون الى تقدمه عبر المساهمة بكل ما يعزز روابط المجتمع بعيداً عن كل ما قد يلحق الأذى به.
*****
أوستراليا ...كل عيد وانت بخير ..

ريشة البدوان .. وترنيمة الفنان (3)/ سامح عوده

عبور هادئ .. على ضفاف لوحته " بيت لحم قلب العالم" 

أحد عشر ريشة، وألوان، وخيال فسيح، وبعض من عبق الأرض الطاهرة، اجتمعت معاً في ساحة المهد، ترسمُ للحب لوناً، وترنمُ ترانيمها على قماشٍ مصلوب على لوحة، فيها تفاصيلُ لحياة خلت، ونظرة تأملية لمستقبل نبتغيه..!! مستقبلٍ بات قريباً وان طال المسير، فسحة من أمل لعل الأمل الذي غاب آتٍ على عجل
 آتٍ مع ليلة الميلاد  
آتٍ مع دقات الساعات 
آتٍ من ذاك السفح الحزين 
آتٍ من تلك البقعة العطشى لسلام، فيها الصليب باكي .. والهلال حزين، تلك الثنائية التي لم تتحقق نبؤتها  بعد!!.
أحد عشر ريشة، التقت يجمعها الحب، يوحدها الهدف، يجمعها مخيلة مبدعة وجهت بوصلتها نحو فكرة راقية، ذات مضمون، تنقل بتفاصيل دقيقة شوق غفى على أهدب ليل حزين، تعيد الى المهد الحزين بسمة كبت على وجوه الرعاة الغائبين.
أحد عشر ريشة، التقت في ساحة المهد قبل نهاية العام تلون ما أبدعته المخيلة، وتحطُ في الزوايا الصغير ابداعاً فنياً يسمو بفكرة كعشبٍ طري ما تلبثُ أن تراه زرعاً، على صوت ترانيم منبعثٍ من خلف أسوار المهد، أو من ذاك المدى القريب تسابيح الائمة، وتهاليل الأذان، أظن أن الإيمان الساكن ذاك المكان لا يضاهيه إيمان،  كيف لا ومريم البتول تهزُ نخلتها الباكية ليتساقط رطبها نفحات إيمان  على وجوه المؤمنين الذين هلوا ملبين ومهللين داعين الله الخلاص، لأرض ملت طعم الدم .
أحد عشرَ ريشة، وبعض من ألوان داكنة، تلون قماشاً بالأحمر، لكن الأحمر هذه المرة ليس دماً، إنما حبٌ، لتراب لا يسكنه إلا الحب، أحمر ليس " لعيد العشاق " .. أحمر لأرض تعشقُ العشق عشقاً، فيها تسامح الأديان عنواناً عريضاً لا ينطفئ. 
بيت لحم قلب العالم، عنوان اللوحة التي أراد لها الفنان الفلسطيني العالمي المبدع جمال بدوان أن يزاح الستار عنها مع الثانية الأولى من العام الجديد – العام 2014 – لتكون رسالة الفلسطينيين أن المدينة الفلسطينية " بيت لحم " هي قلب للعالم، وهي مهد التسامح بين الأديان، فيها الفلسطينيون يعيشون على تراب واحد لا تفرقهم العقائد. 
الفنان المبدع جمال بدوان عمل بصمت عاماً كاملاً لم يبح بالفكرة إلى أن اكتملت فجاء من بلاد الثلج، ومعه فنانين من خمسة دول أخرى كي يخرجون إلى العالم عملاً فنياً مشترك، اجتمعت فيه " أحد عشر " ريشة، واختاروا ساحة المهد بالقرب من شجرة الميلاد مكاناً كي يكون بلاطه العتيق شاهداً على خطوات أقدامهم وريشهم المبدعة، تبلغ مساحة اللوحة - التي مول هذا العمل الفني الضخم رئيس دولة فلسطين – خمس عشرة متراً مربعاً .
بيت لحم قلب العالم، لوحة فنية غاية في الروعة، وفي تفاصيل اللوحة تخرج من رحم ساحة المهد حورية فلسطينية ترفع إلى الأعلى قلب أحمر، على يمينها مسجد عمر، وعلى يسارها كنيسة المهد، مشهد الصليب والهلال، والفلسطينيون يمشون من أسفلها، المهم في هذا العمل الذي شاركت فيه " أحد عشر " ريشة كلما تأملت مربعاً صغيراً وجدت تاريخ مدينة بيت لحم ماثلاً فيها، وكلما دققت أكثر زاد ذهولك أكثر، وأنت تفك الرمز تلو الرمز .
نحن الفلسطينيون أحوج شعوب الأرض إلى استثمار كافة المواهب وتوجيهها إلى درب التحرير الذي نريده، فالثورة التي انطلقت ببندقية ثائر، أكملها المناضلون بقلم كاتب وريشة فنان حالم، على اعتبار أن نضالنا مع الاحتلال يجب أن يوظف له كافة الإمكانيات والمواهب الموجودة دون استثناء أي منها .     
     

تكريم الشاعر وهيب نديم وهبة في حيفا!/ آمال عوّاد رضوان

 
المجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ الوطني في حيفا أقام ندوة تكريمية للشاعر وهيب نديم وهبة، لإشهار كتابه "الـبـحـر والـصـحـراء"، وقد شارك في الأمسية كل من د. فهد أبو خضرة، وسعاد قرمان، ود. محمد خليل، في الحديث عن كتابه الأخير، كما شارك كل من كريمته غادة وهيب وهبة، ويوسف خوري رئيس المجلس المليّ الارثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، ورشدي الماضي، في الحديث عن شخصه وإبداعه، وذلك وسط حضور كبير من المثقفين والأصدقاء والأدباء بتاريخ  16.01.2014، في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة- شارع الفرس 3، حيفا، وقد تولى عرافة الأمسية: الأديب والإعلامي نـايـف خـوري، وقد أنهى الشاعر وهيب الأمسية بكلمة شكر فيها الحضور، وألقى قصيدتين قصيرتين، ومن ثم تمّ تكريمه بدرع المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الحيفاويّ، وتكريم كريماته له بلوحة تحمل منجزه الأدبي، وبروح الحميمة والمحبة تمّ التقاط الصور التذكارية!     
جاء في كلمة د. فهد أبوخضرة: قبل سنوات الثمانين من القرن الماضي، كان الشعراء والأدباء يكتبون على أغلفة كتبهم نوعَ النصّ الذي يحتويه كلّ كتاب منها، نحو شعر، رواية، مسرحيّة، قصص قصيرة وإلخ، وحتى حين يكسرون أحادية النوع، كانوا يسجّلون ذلك واضحًا على الغلاف أيضا، من ذلك ما نجده عند توفيق الحكيم مثلا، حين كتب على غلاف كتابه الذي سمّاه "بنك القلق" الكلمة المنحوتة من اسمَيْ نوعيْن أدبييْن وهي مسرواية؛ (مسرحيّة رواية). أما بعد سنوات الثمانين فقد صار الكثيرون من الشعراء والأدباء يكتبون على أغلفة كتبهم كلمة نصوص بصيغة الجمع، أو كلمة نصّ بصيغة المفرد، متجاوزين بهذا تحديد النوع.
في المرحلة التي كانوا يسجلون فيها نوع النص على الغلاف، كان النقاد والباحثون يحترمون رأي الشعراء والأدباء، ويتعاملون مع محتويات كل كتاب، بناءً على ما سجّله صاحبه على غلافه، أما في المرحلة الثانية، فقد أخذ بعض النقاد والباحثين على عاتقهم تصنيف المحتويات قبل التعامل معها، بينما تجاهل بعضهم  الآخر مسألة التصنيف، وتعاملوا مع المحتويات باعتبارها إبداعًا أدبيًّا، وقد خلق هذا الأمر كثيرًا من الفوضى، ولكل مبدع أو ناقد أو باحث أو مُتلقٍّ أن ينظر إلى هذه الفوضى بشكل إيجابيّ أو سلبيّ، وذلك بحسب ثقافته ومواقفه. أما أنا فأراها سلبية جدا، وأظن أنها لن تكون إلا مرحلة عابرة في حركتنا الأدبية المحلية على الأقل.
صديقنا وهيب وهبة في مؤلفه "البحر والصحراء" الذي يضم أربعة كتب، اختار أن يكتب على الغلاف "مسرحة القصيدة العربية"، مازجًا بين المسرحية والقصيدة، وقد أشار هو نفسه غلى ذلك في تقديمه للكتاب الأول "المجنون والبحر"، حيث قال: إنّ مسرحة القصيدة عملية دمج كلمتيْن، مسرح وقصيدة ص 14. 
لكنه في تقديمه للكتاب الثاني "خطوات فوق جسد الصحراء" قال: في تجربتي الثانية مع مسرحة القصيدة العربية، هنا مزيج لجميع عناصر الأدب معًا يتوافق مع النص ص67. 
وفي هذا توسيع واضح لمعنى المسرحة، والتعامل مع النصوص التي يضمها هذا الؤالف بكتبه الأربعة، يجب أن يكون بحسب رأيي منطلقا من هذا الدمج، ولكن باعتبارها شعرًا في الاساس أضيفت إليه المسرحة، وما يدخل في نطاقها كعنصر تجديديّ، يبرر الابتعاد هنا وهناك عن عناصر الشعر، والاقتراب إلى عناصر المسرح أو القصة أو غيرهما من أنواع أدبية، ثم العودة إلى الشعر وهكذا، وذلك لأنني أومن أنّ أيّ تعامل آخر مع هذه النصوص يمكن أن يسيء إليها، فإذا بدأنا بكتاب المجنون والبحر وهو الكتاب الأول، وجدنا الحلقة الأولى تبدأ لغة نثرية، مكتوبة بأسطر غير جارية على طريقة الشعر الحر، واللغة النثرية في هذه البداية ترتبط بالمسرح أكثر بكثير من ارتباطها بالشعر، ثم يبدأ الانتقال تدريجيًّا من الواقع الحياتي المُعاش ص15. وهو طبعًا يقصد المَعيش. ثم يبدأ الانتقال تدريجيًّا باتجاه الشعر، دون أن تختفي اللغة النثرية تمامًا، فنقرأ قوله مثلا في الصفحة التالية: "وهذا الخيال يجمع البحر في زجاجة، ويجعل الرمل بين الوهم، هذا الفرح الهارب من النوافذ العالية بالأشواق وأحلام الناس. ص16
الحلقة الثانية أبدا بما يسمى في الكتابة المسرحية بالنص المرافق، وهو نصّ نثريّ بصورة تامّة، بعد هذا النصّ ترد العناصر المسرحيّة الأخرى متحدة بعناصر الشعر أو منفصلة عنها، وتستمرّ بعد ذلك الحلقات على نفس النهج، باستثناء الحلقة الخامسة التي جاءت مختلفة عمّا قبلها وعمّا بعدها من حيث البناء، إذ لا تبدأ بلغة نثرية مرتبطة بالمسرح، ولا بنصّ مرافق، وإنما تبدأ بقول للمجنون فيه الكثير من الشعر وهو كما يلي: "قمران عيناك وهذا المساء/ شاحب الألوان باهتٌ يرسم على ضفاف الحلم/ الوردي الشفاف جفاف العمر" ص29.
في الكتاب الثاني "خطوات فوق جسد الصحراء" يتسع مفهوم المسرحة، ليشمل أجناسًا أدبية مختلفة، ولكن الأساس يظل مُماثلًا للكتاب السابق "المجنون والبحر" من حيث المسرحة. لا يتكوّن الكتاب الثاني من حلقات ذات أعداد ترتيبية واضحة، وإنما استعملت فيه كلمة القمر الواردة في بداية العديد من الصفحات، لتشكل نقطة ارتكاز لكتابة المقطوعة الأولى، ثم لكتابة المقطوعات الأخرى، وهي تتكرر في الموضع المذكور عشرين مرة، ممّا يدلّ على أنّ الأمر لم يقع صدفة، وما قيل عن اللغة المستعملة في الكتاب الأول ينطبق على الكتاب الثاني، فلا حاجة للإعادة. 
في الكتاب الثالث "مفاتيح السماء" نجد اللغة الشعرية أكثر بروزًا من اللغة النثرية، وكأنّ الشاعر أراد أن يضع العناصر الشعرية في الدرجة الأولى، وأن يجعل العناصر الأخرى داعمة، وهذا ما أتوقعه حين اقرأ مصطلح "مسرحة القصيدة"، وممّا تجدر الإشارة إليه في هذا الكتاب، أن الشاعر لم يستعمل أي وسيلة تقسّم النصّ إلى حلقات أو لوحات أو ما إلى ذلك، وهو بهذا مختلف عن الكتب الثلاثة الأخرى التي يضمها هذا المؤلف. 
في الكتاب الرابع "الجنة"، نجد اللغة النثرية هي الأكثر بروزا، ونلاحظ أن الأسطر كُتبت جارية كما يكتب النثر، ويجدر بالذكر هنا أن البناء القصصيّ أوضح بكثير من أبناء المسرحيّ، ولكن المؤلف على كلّ حال لم يخرج من الإطار الذي رسمه لنفسه في الكتاب الثاني، ولكي لا أطيل عليكم، فإنني سأتوقف عند نقطة واحدة في الكتب الأربعة أعتبرها مثارًا للجدل، وهي ما يُسمّيه النقاد "الفكرية الواضحة". 
إنّ هذه الفكرية تقترن دائمًا بوعي متيقظ، وتأمّل تجريديّ، وتجارب منطقية، وتبتعد ابتعادًا تامًّا أو شبه تامّ عن الانزياح والإيحاء، وهما ركنان أساسيّان في الإبداع الأدبي، وبناءً على هذا فإنّ عددًا غير قليل من النقاد والباحثين، يرَوْن في استخدام الفكرية الواضحة في مجال الشعر مأخذا كبيرًا، ويقولون إنّ التفكير المنطقيّ البعيد عن الإيحاء يقف خارج الشعر ويتبع مباشرة للنثر، وذلك بشكل مطلق، والرأي الذي أراه، أنّ هذا الأمر غير مُجْمَع عليه، فهناك مَن يرى أن الكتابة بهذه الطريقة هي نوع من التفكير بالشعر، أي التفكير من خلال الشعر، وفي هذا الكثير من التعمق في تناول الأشياء، حتى أنه يُشكل في كثير من الأحيان فلسفة خاصّة للحياة، لها أهمّيتها على جميع الأصعدة، ويمكن أن يُقال أيضًا، أن هذه الكتابة تقيم نوعًا من التعادل بين الفن والفكر، وبين العاطفة والعقل ما دامت عنصرًا واحدًا من عناصر القصيدة لا العنصر الوحيد فيها، ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ هناك أمثلة عديدة من هذا الشعر الفكري تعتبر في نظر نقاد عديدين إيجابية جدّا، لأنها تنقل المتلقي من الخاص إلى العام، ومن الآني إلى العابر للزمن ومن المحدود إلى الشامل، وبذلك فهي تقوده إلى رؤية واسعة يُطلّ من خلالها على الكون كله، أمّا مَن يقول عن هذه الكتابة إنها فلسفة وليست شعرا، فإنه يعتمد على جزء واحد من النص، ويُغلّب هذا الجزء على الكل مُتجاوزًا بذلك الرؤية المتزنة، ويمكن أن نشير هنا إلى كثير جدًّا من الأبيات الحكميّة، التي ترد في الشعر العربي القديم والمُعاصر عند الكثيرين من الشعراء، وهي أبيات تتميز بالفكرية الواضحة دون أي خلاف في ذلك، وقد حرص هؤلاء الشعراء على أن تكون هذه الأبيات متفرقة في ثنايا القصيدة، وأن تشكل في النهاية جزءًا واحدًا من أجزاء القصيدة. إن هذه الأبيات لم تقلل أبدًا من لا القيمة الفنية لقصائد هؤلاء الشعراء، بل إن الكثيرين من النقاد وغيرهم نظروا وما زالوا ينظرون إليها بعين الرضا.
أمّا الشعراء الذين ارتفعت في قصائدهم كلها أو بعضها نسبة هذه الأبيات ارتفاعًا كبيرًا، فإنهم ما زالوا يثيرون جدلًا حتى اليوم، في حين أنّ الشعراء القليلين جدّا الذين جعلوا شعرهم كله حِكَمًا، كانوا هم الوحيدين الذين نُظر إليهم بصورة سلبية، وهذا يقودنا إلى القول باختصار شديد، إنّ الفكرية الواضحة يجب أن لا تُعتبر مأخذا بشكل مُطلق، وإنّما يجب أن يُنظر إليها بشكل موضوعيّ في كل نصّ على حدة، وأن يُطلق عليها الحُكم المناسب بالنسبة لذلك النص دون أيّ تعميم.

وجاء في كلمة سعاد قرمان: "البحر والصحراء" في مسرحة القصيدة العربية في الرباعية الكاملة- المجنون والبحر، يُناقش الشاعر وهيب وهبة في "المجنون والبحر" ما آلت إليه أوضاعنا، أخلاقنا وتعاملنا اللاإنسانيّ في هذا العصر الماديّ: "أصبحنا بحاجة إلى قضاة ولِجان تحكيم فيما بيننا من علاقة.. أصبح الإنسان الطيب النزيه منبوذًا ومرفوضًا.. أصبحت النزاهةُ عارًا، والدعارة عِلمًا، والخداع تجارة والكذب مهنة".      
فكيف لا يتحرك المجنون في وجدان هذا الشاعر الحساس، فيثور و"يَجمع كل زجاجات الحزن ويركض حتى البحر، ويرميها فيه، ويُغرق البحر بالأحزان.." ويتساءل: مَن منا أكثر واقعيّة.. أنت أم المجنون الخارج من ذاتي إلى البحر الكبير؟ (الثورة والوجع)
ولكن المجنون عالق بسؤالٍ إنسانيّ يُلحّ عليه حتى النهاية.. "مَن يضع امرأة في راحة اليدين ويقبض على العشق، يغلق اليدين على جمرة ".. هو عالق بحبّ هالة "التي دخلت مثل الأرنب البري في ذاكرته، وعاشت في شرايين الدم، وركضت في حقول القلب الواسعة البيادر".. 
يا لجَمال هذا الوصف السماويّ لعاطفة تغلغلت في كيانه! حمَلَ المجنون عشق هالة على راحة اليدين، وفتح كل الشرايين والأوردة، وبكثير من الحكمة يترك المجنون البحر ويدخل غرفة هالة، يُغلق الباب والنافذة ويمارس الجنون حتى الصباح! فهل سقطت السماء على الأرض؟ هل تغيرت الدنيا وتبدلت؟ أبدًا.. كل شيء ما زال كما كان.. ما زال الإنسان في سباق عنيف يريد أن يأكل الدنيا، والدنيا كما هي..
توقف المجنون لحظة مبهورًا، مشدودًا للشمس الخارجة للناس، حارقة تلسع، والناس صفوف في عرض وطول السوق، وتلك الشتائم.. صباح الخير يا سوق الحياة! ودون أن يدري يضحك على الدنيا، وبكثير من الحكمة يترك المكان ويركض إلى حضن هالة.. إلى حضن البحر. بلا جدوى، فهو يحمل في العينين وجع الأرض، وآلام المعذبين في زمن الحزن والغربة والهجرة، وملايين الأطفال القادمة إلى الدنيا، فلا تجد إلا شعارات رخيصة، وقادة ملتصقة مثل الذبابة فوق كرسي الزعامة، وألف تاجر ممنوعات- مخدّرات- صفقات- زعامات.. فيبكي: "نحن لا نحلم يا سيدي بمستقبل الصغار، مجرد الحلم جريمة.. نحن أمّةٌ مؤمنة نؤمن بالقضاء والقدر والأجل المحتوم، عليكم الصلاة والصوم والرب المعبود". 
يركض المجنون فوق الرمال.. هالة قادمة.. يصرخ: "هالة يا وجع القلب وآخر قطرة دمٍ من دمي.." هالة قادمة تكسر العقيدة المحنطة وتخرج للحرية.. ترش هالات النور والورد والأرز. يضحك لها المجنون. هي قادمة تحمل طيب الدنيا والمحبة في العينين الواسعتين، ولكن وجع العالم مغروس في قلب المجنون! حتى خيمته على الشاطئ أصبحت رمزًا لهذا الشرق الذي تحول إلى مُجمّع لاجئين ومخيّمات، فيصيح: "سوف أحمل الشمس في صدري وأرحل.. أنا أحمل الموت في جسدي.. وحين تدخل الحياة في شراييني تعلو أمامي ألف خيمة، والبحر ينظر بصمت الأموات! يهرب المجنون من الاستعمار والاستعباد وقيود القبائل، وكل القوانين التي تمارس خنق العصافير. يترك أحلامه وينادي: "على الشرق السلام.. ويسهر لا ينام. 
في هذاالشعر الجميل الذي هو أقرب إلى النثر، يناجي وهيب آمال الأبرياء وأحلامهم، فيبكي لواقعهم المكبل بلا حرية. "والفقر يا هالة أقسى من الموت، قاطعًا يأتي.. عنيفًا يهزّ أركان الحياة. نصف العالم العربيّ يا هالة يعيش في المقابر والخيام، والبحر ينظر بصمت.. الإنسان يا هالة يدمّر خُمس مساحة العالم التي تحوّلت إلى مصانع أسلحة.. القويّ يأكل الضعيف، وأنا لا أحبّ الأسماك التي تعلق في شباك الصيادين"! ترمقه هالة التي ترمز إلى الحبّ والحياة والحريّة وتُناجيه: "في داخلي صهيل المُهر الجامح، أجمع ما بين الرغبة والثورة، اُخرجْ من هذا الموت، وتعالَ معي نصبح قوةً مثل شجر بلادي.. أنت الآن مجنوني الذي يتحرك في داخلي، العالق على شفتي أُغنية تحدٍّ وعنفوان.. "تغمره هالة بحبّها وحنانها، فيهدأ بين ذراعيها ولكن البحر يشدّه .. وعندما تفتح عينيْها يكون قد غاب وتركها فريسة الألم والغياب.
"خطوات فوق جسد الصحراء": وهكذا ينتقل وهيب الشاعر الحسّاس مُثقلًا بمآسي مجتمعنا وضياعه، إلى الرسالة النبوية الشريفة التي أُنزلت من السماء هدايةً للبشر، وقد تناولها بكلّ شفافيّة منذ الجاهلية؛ زمن المعلقات وإيوان كسرى وسد مأرب والتيه في الصحراء، مُحَلّقًا في تاريخٍ تفاوت بين الكفر والإيمان ومدائن الرخام والحرير، والعرب البائدة والعرب الباقية، وحضارات تألقت عبر الربع الخالي إلى صنعاء ومدين، وازدهرت على ضفاف الرافدين وفي وادي النيل وعلى شواطئ المتوسط، وامتدادًا من شواطئ المحيط الأطلسي إلى تخوم الصين. يطوف وهيب بروعة تعابيره السماوية في أجواء ماضٍ يسبح في فلكٍ مسحور بين مسارات النجوم، تؤسّس مملكة للنور القادم من الغار ويعلن: سيد الأرض سيأتي يهتف باسم الواحد الأحد من أعالي جبل حرّاء، وتكون ليلة القدر وحيًا تنزّل في ليلة السابع والعشرين من رمضان، فَتحت السماءُ أبواب الجنة: وخرجتَ للعالم رسولًا وأُنزل عليك الكتاب: "إقرا باسْمِ ربّك الذي خلق".. نزل الضوء فوق كوكب الأرض مطرًا من كلام الله، وتكون هي الصحراء أخرجت للعالمين نبيًّا. تُغلق قريش طوق الاختناق حول أعناق المسلمين، ويخرج سيد الأرض كما تخرج البذرة من التربة، وينبعث الصوت من مئذنة كما ينبثق الضوء من العتمة، ويصعد صعود المعراج إلى القدس، ويدخل السماء السابعة، وتنطق الصخرة كما الصحراء باسْمِ الله في بيت المقدس! وخرجت الوثنية لحرب الله، وخرجتَ أنت من عند الله منصورًا.. وتشرق مكّةُ سيدةَ الأرض الحبيبةِ طوْع يديكَ مؤمنة! هي لحظة خلقٍ في التكوين فتحت فيها هاجر وإسماعيل كتاب الماء، فكانت بين يدي المُصلّين زلالا. هي لحظة خلقٍ في التكوين، أن تعود إلى مكة وأن تكون حجّة الوداع: "لا إله إلا الله".. بهذه الكلمات الرائعة يختم وهيب قصيدته" خطوات أعرابي فوق جسد الصحراء، التي تأتي بالإيمان بلسمًا للروح وآمالًا في الحياة.
الجنة: يتجلى خيال وهيب المُحلّق في رصد الجنة جغرافيًّا، فيبصر في فلك البصيرة بوّاباتها الخمسة، ثمّ يرصد مكانها وطبيعتها المتحولة في دوران لا مرئيّ، ويتجلى في خياله النور الذي يُغلف الغلاف الداخليّ، ويحضن بحنان مملكة الجنان. كل شيء يُشار إليه بالرمز. فمدارها الخارجي مسار جسم يتحرك دوريًّا كمدار الإلكترونات حول النواة في الذرة، وهو يدور إن شاء الله ويتوقف عن الدوران باسْم الله. يحافظ على مناخ الجنة ويتحكّم في تبدّل الفصول. بخيال رائع تتراءى نواحي الجنة المختلفة باختلاف ألوان بواباتها، وما تكتنفه  من رموز، وما تقوم به من أداء وأجواء نحو البشر الذين أراد الله  لهم بعدالته أن يلاقوا فيها جزاء أعمالهم. صورٌ أخاذة لكلّ لون وما يحتويه من عوالم ربانية، حلّق فيها خيال شاعرنا ببصيرة كشفت له بمنتهى الجمال والروعة ما ترمز إليه إرادة الله في الجنة، حيث تتجلى عظمته وعدله.
مفاتيح السماء: أما مفاتيح السماء فجاءت درة من البلاغة في شاعرية تأخذ القلب، وتغمر الروح بجَمالها وعمقها، وسلاسة أسلوبها المعبر عن تساميها في المعاني الروحانية التي تسمو بألوهيّة أدت رسالتها، وأوصلت العبرة من عظمة حياة السيد المسيح التي بذلها في خدمة الإنسانية بتواضع ومحبّة، مُتدرّجًا بوصف معجزاته الإلهيّة، وتنقله في مراحل حياته المقدسة بشفافية في التعبير على لسان الصوفي الذي أمسك بروح القارئ منذ المشهد الأول إذ يقول: "كان هائمًا يحمل نهر الأردن، مُتوّجًا من السماء، قاصدًا أرض كنعان، وكنت صاعدًا إلى ملكوت الكلمات ، يخاطبني الغمام ويحاورني الصدى، وينام تحت يدي مدى من الأزمنة. لغتي الريح، وقميصي جسد الأرض، وجسدي جسرٌ بين آلهة الشمس وجهة الشرق، وخيولي الجامحة بين الريح والغمام تسابق سيد الدنيا الزمان. والمكان يضيع في متاهات السراب". ويحملنا عبر رحلة يسوع بخشوع وجلال منذ ولادته المتواضعة في المذود، حتى صعوده إلى ملكوت السماء إذ يقول: "صعد كسنبلة قمح للجائعين المبعدين عن حقول الكلمة.. صعد كرفةِ جفنٍ بين الطير والشجرة، وكمثل برق السماءِ أنار الدنيا..
أهنئ أخي الشاعر وهيب وهبة بما وهبه الله من بلاغة وقوة، في مسرحة قصائده التي لم تكن دائمًا شعرًا كما نعرف الشعر، ولكنها لمست قلوبنا وحرّكت مشاعرنا كأعظم الشعر بأناقة وعمق . حفظه الله ورعاه ومدّ في عمره، ليستمرّ بإثراء أدبنا ولغتنا بمثل هذا العطاء الجميل. 
وجاء في مداخلة د. محمد خليل:
*يقول جبرا إبراهيم جبرا "على الناقد أن يجعل العملَ المنقودَ ذا مغزىً لعصره مرتبطًا بالتجربة البشرية، مطهِّرًا للنفس"! بكلماتٍ أخرى ضرورةُ ارتباطِ الفن وتعميقِ صلته بالحياة الاجتماعية، وتحويله إلى معايشةٍ فعلية للناس فرادى وجماعات، الأمرُ الذي يعني تحقيقَ إحدى أهمِّ وظائفِ الفنِّ كلِّ فن، وهي الوظيفة التواصلية. هذا ما سنحاولُ توضيحَهُ في المقاربة الآتية.
*مفتتح: يمكن تصنيف هذا الأثرِ/الرباعيةِ ضمنَ الإبداع الحداثي من حيثُ المبنى، الذي يتضمّنُ بحسب الترتيب الزمني الصحيح، الكتبَ الآتية: 
* الكتاب الأول: المجنون والبحر-1995، يتحدّث الكتاب بلسان المجنون عن إنسانية الإنسان في هذا الزمن، عن الجوع والفقر، عن العدالة المطلقة، وعظمة الخالق وإبداعه، كقوله "أليس الخالقُ أكبرَ فنانٍ، وأفضلَ مبدعٍ، وأحلى رسام؟!" ذلك هو المجنون الذي يقول فيه جبران: لا يكسرُ الشرائعَ البشريةَ إلا إثنان: المجنون والعبقري.. وهما أقرب الناسِ إلى قلب الله!
* الكتاب الثاني: خطوات فوق جسد الصحراء-1999 ويحكي الرحلةَ النبويّة الخالدة، من الجاهليّةِ إلى حِجّةِ الوداع، فيها يتداخل الأدبي بالتاريخي والشعري والمسرحي، بما تحمله في ثناياها من نفحات نورانية إيمانية.
* الكتاب الثالث كتاب الجنة-2006، وقد جاء ترتيبه في الرباعية في المرتبة الرابعة. فيه يرصد المؤلف الجنة جغرافيًا، ويحدد بواباتِها ألخمسَ كما يراها هو. يرمز كتاب الجنة إلى وحدانية الخالق وخلوده بإزاء وجود الخلق وفنائه، والبحثِ عن الإنسان في الجنة، كذلك، يُرشد الإنسانَ إلى معالم الطريق إليها، طريقِ الهدايةِ 
والنور.
* الكتاب الرابع: مفاتيحُ السماء-2012، وقد جاء ترتيبُه في الرباعية في المرتبة الثالثة. فيه، يستعرضُ الشّاعرُ رحلةَ الفادي السيد المسيحِ عليه السلام منْ أرضِ كنعانَ إلى أرضِ الكِنانةِ، والعودةَ لنشرِ رسالةِ السماء والعدلِ والمحبّةِ. وقد نرى شاعرَنا مبدعًا محلقًا في فضاءٍ لا متناهٍ، فهو يستمد طاقته الإبداعيةَ ربما من وحي العناوين الأربعة ذات الإيحاءات المتعددة! 
*المسرحة: مفهومُ المسرحةِ حديثُ العهدِ نسبيًا إذ ظهر في بداية القرن العشرين وتعني من بين ما تعنيه، تكييفَ العملِ الفني وإعدادَه أو تحويلَه إلى عملٍ سردي أو شعري بتقنيَّةٍ درامية. فإذا كان الشعر يعتمد في الأغلب السردَ والوصفَ، فإن المسرحيّة تعتمد الحوار أساسًا. وهو شكل من أشكال الكتابة لا يقتصرُ على فنٍ معين، أو أدبٍ معين، بل يطالُ كلَّ الفنون والآداب تقريبًا. وقد شاع هذا اللونُ في العصر الحديث مع تداخل الفنون بعضِها ببعض، وزوالِ الحدودِ بينَ الأجناس الأدبية والفنية، ومع تطور الإمكانات الفنية التي أتاحتها التكنولوجيا الحديثة. كان الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت أولَ من استخدم المصطلح في أوروبا الغربية وذلك من خلال دراسته حول مسرح بودلير في عام  1954.
*البحرُ والصحراء: يعدُّ كتابُ "البحرُ والصحراءُ" فيما بلغَهُ علمُنا، نَتاجَ تجربةٍ إبداعية رائدة شكلاً ومضمونًا، تنضافُ إلى مجمل إبداعاته السابقة، ونقلة نوعية ليس في مسيرة أديبنا فحسب، بل وفي مشهدِ حركتِنا الأدبية المحلية. وأديبُنا، كما يبدو، لم يدخر جهدًا أو وسعًا بُغيةَ أن ينميَ ملكتَه الُّلغويةَ أو مخزونَ ثروته أللفظية والدلالية، وذلك من خلال سعةِ القراءةِ والخبرة والتأمل، في مختلف ألوان المعرفة وليس في مجال تخصصه أو هوايته فحسب، فكان مما لا شك فيه، أنَّ ثقافةَ شاعرِنا فنيًا ومعرفيًا هي المؤهلُ الذي مكنه من الإبداع الفني الذي يتجلى في الكثير من إبداعاته المتعددة. وقد انعكس ذلك بوضوح تام في ولوجه طقوسَ "البحر والصحراء" أو إلى حالةِ الصوفي العارفِ في تأملاتِه! فالشعرُ ليس مجردَ بوحٍ وتعبيرٍ فقط إنما كشفٌ وانطلاقٌ ورؤيا! وإننا لنراه يميل إلى التخلص من الصور الفنية التقليدية والمألوفة، إلى صورٍ فنيةٍ مبتكرةٍ تقدِّم المشهد، مع ما فيها من إيحاءاتٍ معبِّرةٍ ومثارِ خواطرَ وتداعي أفكارٍ، تتناغم إلى حد كبير مع المضمون. وهو في ذلك المنحى إنما نراه متأثرًا بالمتصوفة وبجبران لكن بأسلوبه الخاص به! يقول المرحوم محمد الماغوط في آخر لقاء صحافي معه: أنا شاعرُ الصورة لا الفكرة! وهو ما يلمسُهُ القارئُ في الرباعية.
*صورةُ الغلاف: قد يكون من المفيدِ بمكان، قبل الولوج إلى لذةِ عالمِ النص، التوقف عند لذةِ مكنونات صورةِ غلافِ الكتاب، البصريةِ والُّلغويةِ على حدٍ سواء. والتي يمكن أن تساعد في تفكيك العُنوانِ عتبةِ النصِّ الأولى، ووضعِ تصورٍ عن عالم الشاعر وفضاءاته، وجدانِه ومعاناتِه!
 يُرى أديبنا الصوفي في رسمه، منطلقًا من وعيه بالذات وبالواقع من حوله وهو يزينُ لوحةَ الغلافِ الخارجي في حضرة العُنوان، مفكرًا متأملاً، أمام محرابِ "البحر والصحراء" اللذين غابا، للأسف، عن صورة الغلاف، ما أدى، برأيي، إلى انقطاع التواصل الدلالي بينهما وبين العُنوان! في عالمِ التناقضات ألمتنافرة وقد جمعتها لوحةٌ فنيةٌ مُتَخيلَةٌ واحدة. هذه الثنائية المتناقضة تتكرر كثيرًا لدى الشعراء! فالبحر وكذا الصحراء حمالٌّ كلاهما دلالاتٍ متعددةً ربما أهمُّها: أن البحرَ رمزٌ للحياة، حياةِ الفطرة، فهي حياةٌ نقية وبسيطة وجميلة في آن، بإزاء حياة العصر المعقدة. وقد كان البحر وما زال أحدَ المصادر التي ألهمت ألشعراءَ بالتأمل، وحبِّ الحياة والخيال، فيه يقول على لسان هالة "لكَ البحرٌ سفينةٌ للخيال"! وقد خاطبه الشعراءُ في حالاته المتعددة: الصخبِ والهدوء، الشفافيةِ والعمق، الخوفِ والأمان! 
أما الصحراءُ فتأتي مناقضةً للبحر، فإذا كان البحر رمزًا للارتواء والعطاء والحب فإن الصحراءَ، رمزٌ للظمأ والحرمان وسعةِ المدى. وثمةَ معنيان: معنى حقيقيٌ وآخرُ مجازيٌ وهو معنى المعنى! والمجازي، برأيي، أصوب وأبلغ. فالصحراء مرادفةٌ لما يعانيه مبدعنا من ظمأ وحرمان، وهو مترعٌ بحالةٍ من الوجد والكشف عن روح متعطشةٍ لمعرفة السؤال أو بالأحرى حداثةِ السؤال، فالسؤالُ مِفتاحُ المعرفة والبحثِ عن إجابة له.. هي روحٌ تحلق في فضاء الوجود، وجناحاها: العقل والخيال! والخيال أعلى مرتبةً ومتعةً من العقل كما يقول شلي (في كتابه دفاعٌ عن الشعر) هذا من جهة. في الوقت نفسِه، ارتبطت الصحراءُ، ذلك الفضاءُ الواسعُ الممتد، منذ أقدم العصور، مع حياة الإنسان كحياة العرب وسواهُم، من جهة أخرى. يقول إبراهيم الكوني في إحدى تجلياته: وطني صحراءُ كبرى! إنه العشق الصوفي المتناغمُ مع الوجود الكوني!
*البحر والصحراء، القيمةُ المضافة: قد لا أراني مجانبًا للصواب أو مبالِغًا إذا قلت: إنَّ العنوانَ "البحرُ والصحراءُ" يحملُ دلالاتٍ متعددةً تحيل على الواقع الذي يعيش فيه الأديب، وتساهم في تغييره، ناهيك بأنه قد جمع من عناصرِ تكميلِ الأثر الأدبي صدقَ العاطفة، وسِعةَ الخيال، والمعنى، ومعنى المعنى وما إلى ذلك، في لبوسٍ فنيٍ جديد على شكل تأملاتٍ تصدر عن أعماق مبدعٍ مسكونٍ بالقلق، مرهفِ الإحساس، من روحٍ مفكرة متأملة تبحث عن خلاص في حياة إنسان العصر أو ربما عنِ انسجامٍ وتوازنٍ بين الروح والجسد في أقلِّ تقدير! أما اللفظُ فعذوبتُهُ بسلاستِهِ، قياسًا على قول الجاحظ: "فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان"! وكذلك المعاني وهي هُوِيتُه، فإنها تشبه صاحبَها إلى حد كبير كما تُظهرُها خصائصُ النص البنائية. يقول الجرجاني"فإن سلاسةَ اللفظ تتبعُ سلاسةَ الطبعِ، ودماثةَ الكلام بقدرِ دماثةِ الخِلقةِ"! (الجرجاني: الوساطة ص17). 
"البحرُ والصحراءُ" صورةٌ فنية لثنائيةٍ متنافرة، فالحياةُ جوهرُها التناقض! وقد تكون متجاذبةً أيضًا، لكنها في الحالتين، هي صورةٌ مبتكرة ومؤثرة لأنها ذاتُ طاقةٍ انفعاليةٍ وأخرى إيحائية. يقول وليم بليك في كتابه "زواج السماء والجحيم": "لا تقدمَ بدون أضداد. فالجذبُ والدفع، والعقل والعزيمة، والحبُ والبغضاءُ، كلُّها ضروريةٌ للوجود الإنساني"! 
ويقول ابن منظور: إنما "سمي الشاعر شاعرًا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيرُه"! من هنا يُخيَّلُ إلينا بأنَّ مبدعَنا (ربما بفعل المرحلة العمرية التي بلغها) قد سئم العالم الواقعي المألوف، توقًا إلى عالم افتراضي جديد، وهما على طرفي نقيض، على ظهر طائر جناحاه: خيالٌ جامح وعقلٌ متأمِّل، لكي يرى واقعًا آخرَ أكثرَ غنىً واتساعًا، واقعًا يُلهم على التأمل والخيال وروحِ المغامرة في فضاء مغاير، وذلك فرارًا من المعاناة من أحداث هذا العالم، بعد أن ضاق بهما ذرعًا. الأمرُ الذي قد يعني من بين ما يعنيه رحلةَ اللجوءِ أو العودةِ إلى الجذور إلى الإيمان، وكذلك رحلة البحث عن الحرية والانعتاق، عن الحقيقة والمعرفة الروحانية، وحبًا بتغيير الواقع. فالفن الجيد هو الذي يطمح دائمًا إلى التغيير! وإن كنتُ أخشى ما أخشاه عليه وعلينا، من تلكَ الشياطينِ التي تكمن في التفاصيل!
في خضم أجواء العولمة والحداثة وأمواجِ القلق والشك، وشقاء الإنسان بينهما! يضع مبدعُنا، في مركز اهتمامه، محاولةً جادَّة لإعادة الإنسانِ إلى انسانيته، بعد أن ابتعد عنها أو كاد، واستغرق في متاهات التشظي من جشع وشهوة وأنانية ومادية ونفاق، كفعل جبرانِ في روحانيته التي استقاها من كافة الأديان، إذ ينزه نفسه عن الكذب والخداع والتملُّق في الشرق، وعن المادية الطاغية في الغرب! بحثًا عن تجليات الحق والخير والجمال، يقول الدكتور عبد الواحد لؤلؤه في دراسته الرائعة "البحث عن معنى" (بغداد، 1973) "لكي يكونَ العملُ الأدبِيُّ ناجحًا، يجبُ أن يتوافر فيه صدقُ التعبير عن واقع الحياة ودقة التصوير لمشكلات المجتمع"! لكي تصبحَ حياتُنا أسمى وأرقى وأجملَ، وهذا ما فعلَه مبدعُنا في رباعيته الخالدة! 
أخيرًا، هنيئًا لنا ولك هذا الإنجاز الإبداعيُ الرائع، مع ما فيه من حرارة التجربة والكشف والتجاوز، فلا نضبَ دمُ يراعِكَ، ولا جفَّ معينُ إبداعِكَ! وشكرًا لكم!
في كلمة رشدي الماضي جاء: وهيب كلمة وصلاة أمام جدول عبقريّة دم الصليب، يكتمل الفداء قيامةً و"حداد العشاء سِرًّا"، ويخضوضر الدمع المُعتّق في جلجلة منفى الرب خمرًا، خمّرَ آلام "المعلم" روح قدس، تجلّت "ابنًا" يده أبدًا تمتدّ خلاصًا في ليل الخيانة والخطيئة.. خلاصًا أنوار حروفه تلجُ عتبات الجراح النازفة، حاملة أكثر من مسرّة ترتل في هيكل الإيمان: الآن نافذة جديدة، الآن عنوان جديد، الآن حائط عنيد لأعلق المصباح والوطن السعيد. هذا ما انكشفت أمامك حُجبُه وأنت في شطحات فتوحاتك، فقرات قدر الإنسان في هذا الزمن الخؤون "حياة على وتر الجراح جراح ليد شافية منتظرة"، ولأنك يا شاعري كنت دومًا على موعد مع الأمل الوضّاء الذي لا تعرف حتى ثمالته، حلقت بسموٍّ لتطفئ غليل القصيدة بسحابة ممهورة بقطرات "منديل فيرونيكا" و"حجارة المجدلية". حلقت تحمل وجع المخاض "كلمة" حروفها، وتمرّ المعاني تبحث في الجغرافية الذبيحة عن "مكان قصيّ" وعن "جذع نخلة"، كلماتك يا شاعري نجمٌ أرجوانيّ وصلاة، حتى إن أتت مع صدى الريح ومن بقية حنجرة، فقد مشت على النهد ولادة تغسل الماء بالماء، لترتفع أجراسًا في معابد اللازورد، أجراسًا تغني هللويا. صار موت "المعلم" مفتاحًا لأبواب الحياة، ها هو النهر يبزغ في شرايين دماه، ومن عينيه يطلع القمر، والقيامة تحملها يداه.
مبدعي وهيب وهبة.. أنت واهب وهاب ومهيب وموهوب، أعلنت ولاءك لقدس أقداس جراح الصليب، فأثريْتنا بهذه المرثية المَلحمة سفرا في المطلق، ذابت فيه الحدود والأمكنة والأزمنة يجترح المناطق الصعبة، ولكنه يتنفس الحياة شمعة صباح تسهد في سماء القصيدة، لتزداد نورًا على نور. هنيئا لك ولنا يا مبدعي، ملحمتك غوص في نهر القصيدة، ترفض أن تُقايَض بالنوارس، لتظلّ مَعين صدق يلمّ شتات الأبجدية من براري التيه والترحال، فتنساب فيضًا رقراقًا يعطينا تسبيحة وفيّة فتيّة نديّة تنادي: الحق الحق أقول لكم.. قدر الإنسان أن يحيا ولو على نبض الجراح، وقدر الجلاد أن يهلك في زحف الصباح، ولوهيب ولكم الحياة.  
وجاء في كلمة غادة وهيب وهبة: مساء خير ومودة ومحبة وصفاء للجميع مع حفظ الألقاب، شكرًا لكم على دعوتكم الكريمة لنحتفل وإياكم بتكريم وتبجيل وتقدير شاعرنا وأديبنا وهيب نديم وهبة، وقفت الكلمات احترامًا وتقديرًا لك، وخشعت أمام كلماتك العذبة المتكاملة، ووصفتك أجمل وصف لتردّ لك جميل استعمالها وحُسن معاملتها وقالت: كالحصان تمتطي الأرض، وتبحر بين أمواج البحر وتغرق بين نوافذ الحياة لتفتح أبواب السماء، لتحلق كالملاك الأبيض لتصل إلى الأفق، وتحطم جميع القيود لتبزغ شمس الجنة، فأنت أبي تخلق الجمال وتبدع أحلى قصيدة.
أبي الغالي: ربيتنا ثلاث، بنات رعيتنا حتى كبرنا، وأحببتنا حتى في أخطائنا، واحترمتنا بمشاعرنا وعلمتنا بكل إصرار وعنفوان، وزوّجتنا بكلّ ما تحمل من حبّ وحنان. نحبّكَ أبي ونحترمك، ونعيش ونتعلم من عَلم مثلك أصولَ معترك الحياة وحنان الأرض. أحبَبْنا أنا ورندة وفضيلة إهداءك رمزًا مُعبّرًا عن كل ما نشرت لنا من عبير حبّك وعذب كلماتك، وشكرًا.
وفي كلمة يوسف خوري رئيس المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا جاء: إن الشاعر وهيب وهبة ابن هذه البلاد، ابن دالية الكرمل وابن حيفا، فهو ابننا البارّ، نعتز به ونفتخر لأنه بكتاباته أثرى المكتبة العربيّة المحليّة، وتبوّأ بإبداعه مكانة خاصّة، وأخضع مبنى القصيدة التقليديّ لتجديدات حديثة وضعته في صدارة الشعراء والكتاب المسرحيّين، فإنّ المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، صاحب الكليّة العربيّة الأرثوذكسيّة ونادي حيفا الثقافي، يفتخر بتقديم شهادة تقدير واعتزاز للأستاذ وهيب وهبة، متمنّيًا له بالمزيد من العطاء والإبداع.
وفي نهاية الحفل قدم الشاعر وهيب وهبة نصين: القصيدة الأولى: 

قمرٌ/ فوقَ ليلِ الْجزيرةِ/ ويداكَ منْ فضّةٍ/ وجسمُكَ مِنْ ترابٍ/ وسماؤُكَ مِنْ نحاسٍ/ وَعِشْقُكَ منْ سَرابٍ./ ماذا سَتجنِي منْ سرابِ الْقلبِ؟/ ماذا سَيأتي منْ غابرِ الزّمانِ؟
قمرٌ/ يرسمُ ظلَّ الّلونِ/ يلعبُ في فرشاةِ الضّوْءِ/ يرسمُ بحرًا وجزيرةً/ يرسمُ قصرًا في صنعاءَ .. تسْكُنُهُ أميرةٌ ../ وخيالاتٌ بعيدةٌ .. تطلُّ منْ قصرِ غَمَدانَ ..
كانَ الْقمرُ يتنزّهُ في بستانِ الْأرضِ/ يصْغي إلى أصواتِ أغنياتِ المْاءِ/ تموجُ تندفعُ تتدفّقُ في أبراجِ فلكِ الرّغبةِ/ ويُدَحْرِجُ نصفَ الضّوْءِ/ فوقَ غاباتِ الشّجرِ الْعالي/ نِصفُ دوائرِ أشكالِ ألوانٍ لقوسِ قزَح/ تدورُ في نفسِ الْمكانِ/ ترسمُ شكلَ الْوطنِ الْقائمِ بينَ الْبحرِ وبينَ الرّملِ ../ ترسمُ خارطةً على شكلِ سكّينٍ/ صنعَتْ ذاتَ زمنٍ مسكونٍ بالمْجدِ/ إمبراطوريّةً عربيّةً/ حَمَلَتِ الْأرضَ على كفِّ السّماءِ/ ويَهْمِسُ الْقمرُ .. ../ حينَ يندسُّ الضّوْءُ في المْاءِ/ ويَعْلو المْوجُ إلى الْقمّةِ/ ويختلطُ الشّعاعُ بالْياسمينِ/ والنّورُ بالْعتمةِ لتحيا الْحياةُ.

القصيدة الثانية: أَوقَفَني الصُّوفِيُّ، على حافّةِ الْحُلُمِ/ كانَ هائمًا يَحمِلُ نَهرَ الْأُردُنّ، / مُتَوَّجًا مِنَ السَّمَاءِ، / قَاصِدًا أَرضَ كِنعَانَ../ وَكُنْتُ صَاعِدًا إلى مَلَكُوتِ الْكَلِماتِ/ يُخَاطِبُنِي الْغَمَامُ وَيُحَاوِرُنِي الصَّدَى/ وَيَنامُ تَحتَ يَدِي مَدىً مِنَ الْأَزمِنَةِ.
لُغَتِي الرِّيحُ، وَقَمِيصِي جَسَدُ الْأَرضِ، وَجَسَدِي جِسرٌ بَينَ آلِهَةِ الشَّمسِ وَجِهَةِ الشَّرقِ، وَخُيولِي الْجَامِحَةُ بَينَ الرِّيحِ وَالْغَمَامِ تُسَابِقُ سَيِّدَ الدُّنيَا الزَّمَانَ. وَالمَكَانُ يَضِيعُ فِي مَتَاهَاتِ السَّرابِ. 
قَالَ الصُّوفِيُّ: اُنظُرْ، هُنَاكَ.. يَنَامُ الْيَمَامُ عَلى شُرفَةِ الْبَحرِ.. وَالْبَحرُ كَالْأَطفَالِ يَلهُو بِنَشِيدِ الْكَائِناتِ. 
الْبَحرُ يَرسُمُ بِالْأَصَابِعِ وَالتَّلوِين/ الْأفقُ أَبعَدُ مِنْ مَدَاهُ/ الْأفقُ أبعدُ مِنْ مَدَاهُ/ تَعزِفُ  غَابَاتُ الرِّيحِ،/ نَايَاتُ الغَيابِ، وَصَولَجَانُ/ الزَّمَانِ وَفَرَسُ التَّاريخِ الْهَادِرِ:/ الْفَرَحُ الْعَاصِفُ آتٍ/ يا مَلَكوتَ ..