مَن صَنَعَ داعِش وأخواتها/ مهندس عزمي إبراهيم

أشَـرّ المجرمين هم من يقومون بالإرهاب والتدمير والقتل واغتصاب العرض والأرض.
وأشَـرّ من هؤلاء هُم من يدفعونهم على ذلك بتمويلهم بالمال والسلاح والإعلام والآيات المُنتقاة.
وأشَـرّ من هؤلاء وهؤلاء هُم من يتغاضوا عن الإثنين راضين أو لاهين أو جبناء، فالساكت عن الشرير شَريك له في شَرِّه.

لو يُدرك المسلمون، أو بالأحرى قادة المسلمين، ملوك ورؤساء الدول التي هويتها عربية أصلاً، والدول التي تهدر هوياتها العريقة وتتجمل بالهوية العربية زيفاً وغباءً... لو يُدرك قادة تلك الدول والمسئولون فيها دينياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً وتعليماً وأمناً وقضاءً، أن الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل داعش وبوكو حرام والأخوان والقاعدة والسلفيين والجهاديين وحماس وحزب الله وأنصار بيت المقدس، والجماعة الإسلامية، وحركة المجاهدين، وغيرهم كثر.....

أقول لو يُدرك المسلمون... أن تلك الجماعات كما يروها وكما يراها العالم أجمع، هي جماعات مسلحة تأخذ الدمار والاغتصاب وسفك الدماء ديناً. حيث تقوم بنشاطاتها العنيفة بهدم منشآت ومؤسسات ومقدسات، ومحو قُرَىً ومدن بأثرها في مناطق غزوها، وتكفير وتهجير وترويع وقتل مئات المدنيين، أطفال ونساء ورجال. واختطاف الضحايا واغتصابهم ورجمهم وصلبهم وذبحهم، وتحصيل الاتاوات. هي جماعات دموية متطرفة من أهدافها إهدار الهويات الوطنية وقلب الأنظمة والحكومات والاطاحة برؤسائها وكبار المسئولين فيها ولو بالاغتيال، حتى من ساندوهم قبلا، وقتل من اختلف عنهم، واستهداف رجال الأمن جيشاً وشرطة وقضاة، واستهداف المسيحيين واليهود وغير المسلمين عامة وحتى المسلمين الذين يختلفون عنهم في المذهب، واستهداف السياح والأجانب عامة والمصالح الأجنبية وتهديد السلام والاستقرار المحلي والاقليمي والعالمي.

والواضح أن أعضاء تلك الجماعات ومئات التفريعات المشابهة لهم في الهدف والوسيلة متفرغون لنشاطاتهم ليلاً ونهاراً، لا يعملون ولا يتكسبون كباقي خلق الله. والمفضوح الذي لا يخفى على أحد أن من يُمَوِّلهم جميـــــعاً هي المملكة السعودية العربية معقل الاسلام السني ومعها دول الخليج بأموال النفط. رغم ادراكهم أنهم وإن كانوا يسببون مضايقات للعالم الحر (وهذا طبعاً من بعض أهداف المُمَوِّلين الكرام)، لكن ضررهم على المسلمين وإساءتهم لسُمعة وصورة الإسلام أكثر وأضخم من ذلك ألاف المرات!!!

والطامة الكبرى هي أن أن بعض الحكومات ومنها حكومة مصر اليوم، بعد ثورة أبنائها الرائعة في 30 يونيو 2013 ضد حكم الأخوان الديني السلطوي، تحاول مجاملة عاهل السعودية في البقاء على حزب النور السلفي الوهابي الأكثر تعسفاً وتخلفاً، على حساب مستقبل مصر. علماً بأن السعودية هي أم السلفية الوهابية ومُنتجتها ومُصَدِّرتها للعالم ولمصر طبعاً قبل الكل!!

بالعالم مئات الأديان والعقائد، كبيرها وصغيرها. ومن الحقائق التي لا تناقَض أن ليس هناك دين واحد - ولا واحد - يَهدف أو يَحلم تابعوه أن دينهم "سيحكم الأرض جميعاً" غير الإسلام،. أقول بملء الفم وأؤكد لمن يعتقد في هذا الوهم أننا في عصر النور الفكري والتفتح الضميري والعقل الحضاري الحر، ليس هناك دين "سيحكم الأرض جميعاً"، فهذا محض هـراء.. وسراب.. وتخريف.

والدليل على ذلك بسيط... بسيط للغاية. إذا نظرنا إلى دول الشرق ذات الأغلبية المسلمة، وإلى تلك التي تتمتع بتعداد إسلامي مطلق، نجدها جميعاً بعد 1400 سنة، تقبع في مؤخرة صفوف الدول. نعم، دول الغالبية الإسلامية ودول التعداد الإسلامي المطلق لا نظام بها ولا عدالة ولا انسانية ولا سلام ولا أمان ولا استقرار ولا ازدهار ولا إنتاج ولا إبداع ولا أخلاق بل ولا حتى دين. لأن ما ذكرت من فضائل بالجملة السابقة هي مكونات الدين. لا نجد في تلك الدول إلا تطاحن مستمر وتقاتل وسفك دماء من أطراف "دينية" المظهر ومطامعها "الدنيوية" لا تخفى على أحد.

وبينما نجد بين فصائل أو طوائف تلك البلاد اتفاق وتوافق على الأعمال البربريــــــــــة داخلياً وخارجياً!!! ليس بينها أي ترابط أو محبة أو تعاون للتقدم والتعايش مع العالم الحر بالعلم وإعمال العقل والعمل والإنتاج. بل تقاعس وتخلف وتواكل وبغضاء للعالم المنتج المبدع. وبالمقارنة يتضح التناقض الكبير بينها وبين الدول الغير إسلامية أو الغير عربية مثل الهند والصين وكوريا واليابان واستراليا ودول أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى.

والأخطر والأشر هو أن هؤلاء الإرهابيون ومن يجاريهم ومن يتغاضى عنهم، يُرضِعون أبنائهم في البيت ويُطعِمونهم في جميع مراحل التعليم كراهية وحقداَ وغضباً وعنفاً وشذوذاً. فيخرجون أجيالاً تلو أجيال قطعان جاهلة متطرفة كارهة متوحشة  شرسة بعيدة عن عدل الله وروح الدين، وبعيدة عن الإنسانية وهي أعظم وأرقي مبادئ الدين. فصارت دول الشرق العربي عامة دولاً منعزلة عن قافلة البشرية التي تسعى للأمام بالعلم والفكر والحرية والابداع والانتاج والرقي ونقاء الضمير.

لو يدرك المسلمون المسئولون عن صلاح بلادهم واستقرار شعوبهم أن هؤلاء الإرهابيين، أفراد وجماعات، ما كانوا ليتواجدوا، أو لو تواجدوا عشوائياً ما كانوا لينموا ويتضخموا ويستقووا ويتوحشوا لولا تغاضيهم (أي المسئولين) عندما كان هؤلاء الإرهابيين صغاراً. أي قبل أن تشتد أذرعهم وأفكارهم الشاذة البدائية البدوية المتطرفة وتشد الشرق الإسلامي العربي كله إلى قاع التخلف الفكري والابداعي والانتاجي. وما كانت شرارات حركاتهم العدوانية المتطرفة تصبح اليوم ناراً تأكل الأخضر واليابس، مسلم وغير مسلم.

قلت في مقال لي سابق أن من يتغاضى عن عبث ابنه الطفل تجاه أطفال الغير صغيراً، سيمارس الطفل عنفه على جيرانه صبياً ثم على اخوته وأبويه كبيراً. أحداثٌ عديدة بل مجازر دموية لا إنسانية تكالبت عبر القرون على غير المسلمين من (إسلاميين أو متأسلمين) كما نسميهم مجازاً، وهم في الحقيقة وبمنتهى الصراحة، بلا مواراة ولا مجاملة، (مسلمون) شربوا من نبعِ واحد، ومن تعاليم واحدة.

ورغم مرور سنوات بل عقود وقرون على أعمالهم وتحرشاتهم وإجرامهم تجاه الأبرياء وخاصة غير المسلمين، لم تحرك الدول العربية الإسلامية بحكوماتها وقادتها وشرطتها وقضاتها ونياباتها إصبعاً لمحاكمة وإدانة ومعاقبة مجرم واحد من المسئولين والمتورطين في تلك المجازر!!!

من صنع داعش وأخواتها؟؟؟
صنعها من تغاضوا عنهم صغاراً، ومن مَوَّلهم كباراً!!
ومن الحماقـــة والغبــــأء... أن تلك الحكومات الصانعة لداعش وأخواتها والمُمَوِّلة لهم، وكذلك تلك الحكومات الصامتة والمتغاضية عن بربريتهم يظنون أنهم في مأمنٍ منهم. واهِمُــون!!!! ولينظروا إلى ما وصلت إليه السودان واليمن والصومال وأفغانستان ونيجيريا، وما يحدث اليوم في العراق وسوريا وليبيا والجزائر وتونس!!
*******
مهندس عزمي إبراهيـم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق