ما إن وصلنى خبرُ فوزى بجائزة «جبران خليل جبران» العالمية، التى تمنحها رابطةُ إحياء التراث العربى بأستراليا، حتى دثّرنى الفرحُ كطفلة وقعتْ على منجم شيكولاته لا ينفد. لكنْ، سرعان ما تبدّلَ الفرحُ خوفًا وقلقًا من وطأة حمل هذا الاسم المخيف: «جبران».
بعدما زفّ لى الخبرَ، وهنأنى، طلب منى أميرُ الشعر الاغترابى «شربل بَعينى»، اللبنانيُّ المقيم فى أستراليا، أن أجهّز كلمة ألقيها فى حفل تسلّمى الجائزة فى نوفمبر القادم بمدينة سيدنى. ماذا عساى أن أقول؟ وهل أعلن عن خوفى وأحاول التنصّل من الاسم «التعويذة»؟!
طوال عمرى الأدبيّ وأنا أضع نفسى فى الخانة الجُبرانية. فإن ظلّت روحى نقيةً لا تحملُ البغضاءَ لأحد، فلجبران سهمٌ فى هذا. وإن ظلَّ قلبى صافيًا لا تلوثه المصالحُ، وإن كان اللهُ يملأ كامل قلبى، فما ثغرةً لكراهية، فلجبران سهمٌ فى هذا. وإن كنتُ طفلةً لا تبرحها الدهشةُ؛ تطارد الفراشات وتُطعمُ العصفور على سور شُرفتها، وترقب من وراء الزجاج زخات المطر لترقص على وقعها، وتتلصص على نبتة الحديقة لتعرف من أين تنمو الأوراق، وتأكل مع القطط فى صحنها، وتوزع على أطفال الحى قطع الحلوى وكسرات الخبز، فلجبران سهمٌ فى هذا. وإن كنتُ أنظر كل يوم نحو الغيم البعيد فأشاهد خلفه وجهَ الله الذى لا ينسى أطفاله ينسج لنا ثوبَ الفرح، مطرّزًا بأشعة الشمس مرصّعًا بالنجوم، فلجبران سهمٌ فى كل هذا. أنا الجبرانية أتساءل: مَن هو جبران؟
حينما بدأتُ قراءة جبران صغيرةً، كنتُ أتخيّل أن له جناحين خفيّين. يبسطهما، فيهبط إلينا من السماء كلَّ نهار. يطويهما، بعدما ينزع منهما ريشةً يغمسها فى رحيق الورود الملونة لينظم القصائد، ويرسم اللوحات، ويكتب رسائله إلى ميّ زيادة، فإذا ما جنّ الليل، بسط جناحيه من جديد، وصعد إلى بيته السماوى. هو ملاكٌ إذن. فأيُّ فرح أن تحمل جائزة باسمه!
لكننى الآن أراه تعويذةَ شقاء، لا فرح. فأن تحمل اسم جبران يعنى أن تظلَّ طفلا لا يهرَم وإن بلغ ألف عام. يعنى أن تزرع المحبة فى كل شبر، وتحبَّ الناسَ جميعًا وإن آذوكَ أو قتلوك! تحبُّ الضوارى والوحوش والأفاعى كما تحبُّ الفراشات والليالك والعصافير، لأن كلَّ مخلوق يحملُ روحًا من خالقه، وموجودٌ لحكمة ما؛ وإن لم تفهمها. يعنى أن تحبُّ الورقَ الأبيض فلا تدنّسه بقلمك إلا أن تأتى بشىء مدهش يملأ قلوب الناس بالفرح ويملأ عقولهم بالنور والمعرفة. فهل بوسعى أن أكون هذه الأسطورة؟!
حين أصافح السيد «إيف خوري» رئيس الرابطة، وقبل أن يسلّمنى الجائزة سأخبره بأننى خائفةٌ، لأن كاهلى النحيلَ؛ لا يقوى على حمل اسم جبران المخيف.
المصري اليوم
المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق