تصبحون على وحدة/ جواد بولس

إلى هذا الحين لم تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها في القضية التي رفعتها جمعيتا "حقوق المواطن" و"عدالة"، للمطالبة بإلغاء قانون رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست الإسرائيلية، وذلك لما يسببه هذا التغيير من مس خطير في حقوق المواطنين العرب الأساسية، وإفضائه، عمليًا، إلى حالة من اثنتين؛ فإمّا سقوط القوائم العربية الموجودة على الساحة لعدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم المطلوبة، وإما إجبار هذه القوائم، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بينها، على التوحّد لضمان نجاحها، وذلك على حساب حرّية الناخب العربي الذي سيضطر للتصويت إلى هذه القائمة الموحّدة بدون أن يعطى حق الاختيار السليم وفقًا لمبادئه السياسية وانتماءاته الفكرية والثقافية. 
يثير الالتماس المقدّم جملة من الإشكالات والتناقضات الجوهرية التي تعكس أزمة الوجود العربي وعلاقته بمؤسسات الدولة وقوانينها، مع هذا سأكتفي حاليًا، بالعبث فيما سيحصل لو هَمْهَمَ العدل الإسرائيلي وقبلت المحكمة مطالب العرب، وأرجعت نسبة الحسم إلى ما كانت عليه، فهل سيتمسّك قادة الأحزاب والحركات السياسية بخيار الوحدة أم سيعودون قبائل تحتمي وتبني في فضاءات خيمها، ولتغوِي كل "غزية"على هواها أو ترشد!   
وإلى أن يصيح الديك، نؤكد أن قانون رفع نسبة الحسم للانتخابات استهدف، بدون أدنى شك، حق المواطنين العرب بانتخاب من يمثلهم من الأحزاب والحركات السياسية العربية الوطنية والإسلامية، وهو لذلك يشكّل وسيلة استحدثها اليمين الإسرائيلي ليكمل سعيه من أجل إقصاء المواطنين العرب عن مؤسسات الدولة، وهذه المرة عن طريق شطب وجودهم الحزبي في البرلمان. 
ما يشهده النظام الإسرائيلي من انهيارات في منظومات الإدارة وتفشي مظاهر الفساد واستيطان  فيروساته الوبائية في كل زاوية ومكان، ينذر بما سيؤول إليه هذا النظام في المستقبل القريب.
لقد شهدنا في الأعوام السابقة، تقديم لوائح اتهام بحق العديد من المسؤولين  في أجهزة الدولة وإدانة بعضهم، وها هو العام الحالي ينصرم وشباك محققي الشرطة ونيابات الدولة، ملأى بعشرات القضايا التي يحقق فيها مع مسؤولين كبار، بعد أن اشتبهوا بتورطهم بجرائم فساد خطيرة مختلفة، ومعظمهم كانوا حراسًا على مخازن الحنطة ودروب السلامة وأمن الجمهور.
البعض يؤمن أن نهاية إسرائيل تدنو كلّما يزداد وضعها سوءًا ويعيث الفساد خرابًا في بناها الإدارية، ونحن، المواطنين العرب، سنكون أكبر الرابحين من هذا الدمار وهذه الخرائب. 
لا أوافق أولئك المتفائلين، وها أنا أجزم مجددًا أن ما يحمله لنا العام القادم سيكون أخطر أضعافًا مما تكبدناه كأقلية، يتفاقم استعداؤها الجمعي بشكل يومي وملموس. ما نشهده من تعاظم نفوذ قوى الفساد الإداري والجريمة لن يكون في صالحنا، ولا بأي شكل من الأشكال، وسنبقى عرضة لتزايد الاعتداءات المباشرة والانتقاص من حقوقنا الأساسية؛ فالطبيعة علّمت الإنسان أن الفيروسات عندما تهاجم فإنها تضرب من تستشعر أنه العضو الأضعف، وبعد التمكن منه تتفشى لتنهك كامل الجسد والكيان.
كي نقف في وجه ما ستفرزه الانتخابات المقبلة نحن بحاجة إلى أكثر من جسر خشبي عليه يمر قادة الأحزاب العربية إلى كراسيهم في الكنيست، وكي نصمد في وجه ما يسعى إلى تحقيقه غلاة العنصريين والفاشيين الجدد، نحن بحاجة إلى أعمق من وحدة قبائلية تغذيها غرائز أقوام تعبث في ضلوعهم رياح الحمائل والعوائل والطائفية، وكي ننجح في تأمين شروط بقائنا الكريم العزيز على تراب الوطن، نحن بحاجة إلى رؤية أبعد من صدى موّال وأوف عربية وإلى أشرعة أمتن من راية صلح بيضاء ملفوفة على عصا سرعان ما تستعيد دورها عارية، بعد انتهاء الخطب النارية.

في برنامجها الأخير "عوفدا" عرضت الإعلامية إيلانه ديان، فيلمين وثائقيين عن حدثين يؤرقان ليل كل مواطن في هذه الدولة. في نصفه الأول صور البرنامج مجموعة من نشطاء تنظيم "لهافا" العنصري وأفراده الذين يلاحقون كل نشاط عربي يهودي أو علاقة مشتركة، سواء كانت فردية أو مؤسساتية. ثلاثة من نشطاء هذا التنظيم اعتقلوا قبل شهر، وبحقهم حررت لائحة اتهام تفيد بأنهم قاموا بإشعال النار في صفوف مدرسة "يد بيد" في القدس الغربية، التي يتعلم فيها طلاب عرب ويهود، ويؤمن القيمون عليها بالحياة المشتركة وبدور التربية والتعليم في بناء مستقبل آمن لجميع من يعيشون على هذا التراب.
وفي نصفه الثاني استعرض البرنامج ما كان يقوم به أطباء وطواقم العاملين في معهد الطب المخبري بأبو كبير وهي المؤسسة الحكومية القائمة على تشريح جثامين بشر وجدوا أمواتًا من أجل تحديد أسباب الوفاة أو القتل. في البرنامج أدلت بشهادتها مايا فورمان، طبيبة إسرائيلية عملت في المعهد لمدة كانت فيها شاهدة على تزييف التقارير النهائية وتعديلها كي تتلاءم في بعض الحوادث وما أرادته الشرطة ونيابات الدولة. ما أفادت به هذه الطبيبة، التي لم توافق على ما كان يحصل، مخيف وفيه اتهامات لهذا المعهد الذي قد تكون بعض تقاريره المبرمجة قد أدّت إلى إدانة متهمين أبرياء بجرائم قتل، أو إلى تبرئة متهمين من جرائم قتل.
عام ينتهي وعصابات قد تجول شوارع المدن، تخطف أطفالًا وتحرقهم أحياء، وأخرى تشعل النار في صفوف مدارس ينجو منها الطلاب بضربة حظ وصدفة. عام يهل  وأمامنا شهادات أطباء يهود يخافون على أنفسهم من القتل لأن ضميرهم دفعهم لإشهار ما يعرفونه عن أهم مؤسسة كان من المفروض أن تعمل في خدمة العدل الإنساني وقدسية الحياة، وإذ بها عارية كالموت. عام ينتهي والسجون تمتلئ برؤساء دولة وحكومة ووزراء وأعضاء برلمان وقادة شرطة ورجال مال، بعضهم يدخل، وبعضهم يخرج، وهذا يٓحكم وذاك يُحكم والدولة كالمطحنة، من يقع حبه على السن يفرم.  
عام كالثعبان ينسحب وسمومه في كل شريان ووريد، وعام لم يأت بعد..
ونحن كما قال زاهي الجنوبي: "كمياه على مرآةٍ، كجسرٍ بين سحابتين، مقيمون، بين فكّي الاحتمال".
فليكن عامكم كلّه حبًا وقمرًا وتصبحون على وحدة!

إحتفالات رأس السنة محاسبة النفس ام إطلاق عنانها/ العلامة السيد.محمد علي الحسيني

الحياة مهما کانت، فإنها لاتتعدى  مرحلة زمنية محددة سرعان ما تنتهي بالموت، وهذه حقيقة تقبل بها جميع الاتجاهات و المشارب الدينية و الفکرية و الفلسفية، ولأن الموت هو قدر ملازم للانسان کظله، فإن إنعکاسات هذا القدر"المفروض"، تتجسد في مختلف الافکار و التصرفات و النشاطات التي تبدر منه.

طالما کان الموت أمرا لابد منه، وطالما کانت الحياة مرحلة محددة سرعان مايسدل القدر ستاره عليه، فلماذا لانغتنم الفرصة و نستمتع بالحياة کما يجب! کلام يردده الکثيرون و قد يجدونه مجسدا بصورة مثالية في ما ينسب للخيام من شعر بهذا المعنى عندما يقول:

"غد بظهر الغيب و اليوم لي

          وکم يخيب الظن بالمقبل

ولست بالغافل حتى أرى

          جمال دنياي و لا أجتلي".

وهؤلاء الذين يفکرون بهذه الطريقة"السطحية" وذات البعد الواحد، يسعون للتجاهل او للتغافل عن  جوانب أو أبعاد أخرى لها علاقة بالموت او بکلام أدق بمرحلة ما بعد الموت، فهم يتصورون بأن مجيئهم للحياة هو من أجل التمتع بزينتها و زخارفها و مظاهرها المختلفة وهم بهذا السياق يکادوا أن يکونوا مصداقا للآية الکريمة:( أيحسب الانسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم کان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذکر و الانثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)"سورة القيامة"، فالتفکير السارد الذکر، هو تفکير عبثي و غير منطقي لأنه، يسعى لقطع سلسلة الأسباب و المسببات عن بعضها البعض و يکتفي بخلق واقع مقطوع الجذور و منفصل تماما عن التفکير العقلاني المنطقي، بل إن الإنسان هنا هو في واقع أمره يسعى للهرب من حقيقة لا مناص منها و يتصور بأن لجوءه الى هکذا أسلوب في التعاطي مع الحياة سوف يمنحه أو يکفل له السعادة و المتعة اللازمتين و يمنع عنه کل أسباب الشقاء و المعاناة، لکن القرآن الکريم يتصدى هنا للإنسان وبصورة تدحيضية:( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)"سورة البلد"، بمعنى أنه هل أنت أيها الإنسان بلجوئك الى هکذا اسلوب سطحي للتعاطي مع الحياة سوف تکون بمنأى عن المحاسبة؟! ان خلق الانسان لعالم وهمي و سطحي يمنحه نوعا من السعادة المؤقتة الکاذبة، ليس يعد هروبا من القدر الالهي لوحده فقط بقدر ما يعد هروبا من انسانية الانسان نفسه، إذ ان السعادة الحقيقية للانسان تکمن في إکتشاف ماهيته الانسانية و الاستفادة منها بالاسلوب الأمثل عبر حفظ جانبي معادلة الوجود(الانسان ـ الله)، والسعي لإکتشاف السبل و الطرق التي تقود لکي يحظى الانسان بحالة من التکامل و الرقي تمنحه سعادة روحية لا يمکن أن يحظى بمثيل لها مطلقا، وان خلق الهالات و الأوهام البصرية و اللذات النفسية المنقطعة عن العقل و المنطق لا تقود الانسان لکي ينال السعادة الحقة کما يفعل في إحيائه لمناسبات شتى(ومن ضمنها الاحتفال بأعياد رأس السنة)، حيث أن الانحلال الاخلاقي والخروج عن الدين وعن طاعة الله والزنى وشرب الخمر والبذخ و الإسراف من أجل التمتع بتلك المناسبة و يتصرف وکأن ما في يده من مال و إمکانية ملك مطلق له و ليس له أي منازع، لکن المنطق القرآني سرعان ما يواجه الانسان و يرشده الى طريق الصواب بمنطق عقلاني عندما يقول:(أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون)"سورة المؤمنون"، إذ ان إزدياد ثروة الانسان و رقي حاله او العکس من ذلك تماما، هو نوع من الابتلاء و الاختبار للانسان وانه سوف يسأل و يحاسب على کل ذلك يوما، وانه عندما يستسلم لذلك الاسلوب الاحادي الجانب الآنف، فإنه يرکن لهوى النفس(ونفس وماسواها، فألهمها فجورها و تقواها، قد أفلح من زکاها و خاب من دساها)"سورة الشمس"، إذ أن الانسان هنا وبدلا من أن يسعى لتنقية نفسه من الأدران و الشوائب و الشرور يساهم في المزيد من التمويه و التعتيم عليها، ذلك أنه(فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى)"سورة النازعات"، إذ ان إلغاء الجانب الحيوي و الاهم من الحياة و التشبث بجانب زائل و مؤقت منه، هو نفس منطق الطغاة و المتجبرين الذين يختارون طريق الظلم و الاستبداد و يرفضون منطق الحق و الصواب و يعتقدون"وهما"أنهم على حق، وان الطغيان هو الاسراف في اللامبالاة بالحقائق، ومن هنا فإن الانسان، وفي ذروة إحتفاله بأية مناسبة"ولاسيما أعياد رأس السنة"، عليه ان يتقي الله و يتذکر و يضع في الحسبان انه سوف يحاسب يوما على کل شاردة و واردة(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)"سورة الزلزلة"، وعليه أن يتذکر دوما بأن کل عام يمضي من عمره يعني المزيد من إقترابه من الموت وليس العکس أبدا.

وختاما، فإننا نعتقد بأن سعي الانسان للموازنة و التنسيق بين طرفي المعادلة(الدنيا و الآخرة)، هو في النهاية أفضل طريقة لکي يحظى بسعادة حقيقية مشيا و إقتداء"  بالحديث النبوي الشريف:(إعمل لدنياك کأنك تعيش أبدا و أعمل لآخرتك کأنك تموت غدا)، وليس في وسعنا ونحن على أعتاب طي عام آخر من عمرنا  إلا أن نردد الدعاء المأثور: اللهم يا محول الحول و الاحوال، حول حالنا الى أحسن الحال.

إلى العَام ِ الجَدِيد/ حاتم جوعيه

 (بمناسبةِ  عيد  رأس السَّنةِ  الميلاديَّة)  
   -  المغار - الجليل ) 

أيُّهَا   العامُ  الجَديدْ 
أيُّ   بُشْرَى ... أيُّ  خير ٍ وَحُبُور ٍ وَهَناءْ
تحملُ الأنسامُ  من  َندٍّ  ومن نفح ِ عبير ٍ وشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ   فينا  والرَّجاءْ  
أيُّها   العامُ   الجديدْ  
أعطِنا  حُبًّا  ودِفئا ً  وَسُكونا ً  وسَلامَا   
وحَنانا ً  وَوئامَا   
كيْ    ُنعِيدْ   //                                                                                                   
بسمة َ الأطفال ِ للكون ِ الوَطِيدْ 
فعلى وقع ِ خطاكْ // يرقصُ القلبُ التياعًا وهيامَا 
لنغنِّ   فجْرَنا  المَنَنشُودَ   دومًا  ولِنزدَدْ   التِحَامَا  
أعطِنا  حُبًّا   لنجتازَ  الوهادَ  المُدْلهِمَّهْ 
نرسُمُ الأحلامَ ... ُنعلِي راية َالأمجادِ في ذروة ِ قِمَّهْ 
فلنحَلّقْ  ما  وراءَ  المُنتهى  واللاوُجُود
ولنُحَرِّرْ روحَنا من عتمة ِ السِّجن ِ وأعباءِ القيودْ  
فلنُوَدِّعْ  عامَنا الماضي  ونخطوُ  لِلقائِكْ  
قادِمٌ  أنتَ  إلينا ... ألفُ  مَرْحًى  لعِناقِكْ  
فعلى أعتابِكَ الوَسْنى شغافُ القلبِ تصبُو لِضِيَاكْ   
ما الذي تحملهُ من فرح ِ الدنيا وألحان ِ السَّعادهْ 
أيُّها المجهولُ فينا لكَ دومًا في حنايا الرُّوح ِ حُبٌّ وعبادَهْ  
هلْ  يعمُّ  السِّلمُ ... يخطو في  رُبَى الشَّرق ِ الحبيبْ  
تشرقُ الشَّمسُ علينا ... يتهادى النورُ تيهًا ، بعدَ أن حَلَّ المَغيبْ  
سنغنِّي  للسَّلامْ  //  كلَّ  إطلالة ِ  صُبْح ٍ  ومساءْ  
إنَّ فجرَ السِّلم ِ يأتي ... سوفَ  يأتي  ،  والضياءْ 
يغمرُ  الدنيا  وأركانَ  الفضاءْ  
 تبسمُ الزهارُ والأطيارُ والأقمارُ ... تزدادُ  سَناءْ  
ندفنُ  الآهاتِ   والحُزنَ   وأهوالَ  الشَّقاءْ 
فلنُغنِّ ولنصَلِّ  مع  خُطى العام ِ الجديدْ 
ولنوَدِّعْ عالمَ الماضي  وأطيافَ الشَّجَنْ                                                                                              
 إنَّما الهمُّ  سرابٌ سوفَ  يمضي  َويُوَلِّي  ...   
... يتلاشَى   في  متاهاتِ   الشَّجَنْ  
أترعُوا  الكأسَ   فهذا  اليومُ   عيدْ   //
أيُّ عيدٍ //  إيُّ  بُشرَى  //  إنَّهُ  أروعُ  عيدْ 
واشربُوها ، في سُمُوِّ الروح ِ ، مع عذبِ الأغاني والنشيدْ 
فلنعَلِّ  رايةَ َ الحبِّ  الوَطِيدَهْ  
ولنغنِّ فرحة َ العيدِ  السَّعيدَهْ 
أيُّها   العامُ  الجديدْ  
أيُّ   بُشْرَى  ... أيُّ   حُبٍّ  وحُبور ٍ  وَهَناءْ 
تحملُ الأنسامُ من َندٍّ ومن نفح ِ عبير ٍوشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ  فينا  والرَّجَاءْ      
أيُّهَا  العامُ  الحديدْ
أيُّها  العامُ  الجديدْ

الأمـــن الفكـــــري/ صبحة بغورة

أصبحت مسألة الأمن الفكري من المواضيع الحيوية والهامة، وتقتضي درجة الحساسية التي تكتسبها في حياة الشعوب ومستقبل الأمم ضرورة التعرض لها لكونها مسألة أساسية ومعاصرة ولامناص من مواجهتها في ظل معطيات الأوضاع التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية وما أفرزته من توترات أدت إلى بروز ظاهرتي الاغتراب الثقافي.. والتطرف العقائدي.
من المتفق عليه أن الأمن الفكري والانسجام القائم والمفروض أن يكون كذلك بين ما يؤمن به المجتمع وبين ما يعيشه في مفردات حياته اليومية وما يتطلع إليه، إلا أن تحقيق ذلك يتوقف على الإجماع الموجود بين الأفراد في استنادهم إلى مرجعية عقائدية وثقافية واحدة تمثل المعالم الرئيسية للخلفية التي يؤمن بها المجتمع بمختلف طوائفه وعلى تعدد نسيجه الثقافي والسياسي، فالمجتمعات في حاجة للأمن الفكري لجمع المواطنين على كلمة واحدة، ومن ذلك يمكن فهم أن تحقيق الأمن الفكري هو مسؤولية المجتمع بكل مكوناته من أجل التوحد حول فكرة واحدة وأساسية بشأن العقيدة والوطن، ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أن الأمن الفكري يعني حصارا للعقل وحجرا عليه إنما هو تأكيد على حرية الرأي في إطار احترام ثوابت الأمة والمحافظة على تراثها ووقايتها من محاولات مسخ الهوية أو الغزو الثقافي الأجنبي الهدام لأسس و أصالة المجتمع، فالأمن الفكري هو ركيزة نهوض الأمم والمجتمعات و الكفيل بتوفير أمن العباد و البلاد من مخاطر الاستلاب.
الأكيد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يمكن أن تخطو خطواتها الأولى في الطريق الطويلة لتحقيق أهداف التطور والرفاهية إلا عن طريق أمن فكري مستقر، ونعمة الأمن لابد لها من توفر نعمة السلام والعكس طبعا صحيح،والصحيح أيضا أن اضطراب عقيدة المجتمع يبدأ عند أولى خطوات الطعن في وحدة مرجعيتها أي في وحدة مصدر التلقي أو الاستهانة به والتشكيك في حقيقته و جدواه ، فعندما تتعدد المصادر في مجال العقيدة فذلك يعني أنه مؤشر على الاضطراب و التصدع الذي يؤدي إلى بروز الفكر المتطرف المتصلب أو إلى ظهور الفكر التكفيري  مثلا الناتج عن التأويل المضلل أو التفسير الخاطئ أو عن الحكم بالباطل على نصوص الشريعة و مقاصدها ، و من هنا تبرز أهمية وحدة المرجعية الدينية و الخصوصية المذهبية في العقيدة و الفقه و السلوك كحصانة ذاتية من الغلو و التطرف و وسيلة أيضا لإرساء الأمن الفكري . 
هناك من يعتبر إن مسألة التطرف الديني وحده هو أكبر ثغرة تأتي منها رياح زعزعة الأمن و الاستقرار بمعنى أن الجانب الديني في المسألة هو السبب المباشر لأزمة المسلمين سواء فيما بينهم أو في علاقتهم مع الغرب ، و بالرغم من أن مجالات حماية المرجعية الفكرية متعددة و متشعبة إلا أننا نجد في الواقع و من خلال تطورات الحياة السياسية الأمنية في الساحة العربية والإسلامية ما يدفع حقيقة إلى تناول تلك المسألة من هذا الجانب بالذات بعدما أصبحت ألوان التعصب و التطرف و الإكراه المعبر عنها بالعنف و بوسائل الإرهاب المسلح تحول دون ضمان تنمية الأوطان و تطور حياة الشعوب و رفاهيتها لذا فالضرورة أصبحت تستدعي محاربتها بعدما أصبح الأمر يتعلق بإزهاق أرواح أبرياء و بمستقبل أسر و عائلات وجدت نفسها في طريق التيه و الضياع .
من الفضيلة الاعتراف أولا بجملة من الأمور وراء وجود العالم العربي والإسلامي في خانة الباحث عن أمنه الفكري ومنها ما يلي. 
*  إن الإنتاج الفكري في بعض المجتمعات العربية هو إنتاج "اصطناعي" أي ليس أصيلا، بمعنى أنه لم يتخلص بعد من رواسب الماضي والمقصود آثار التبعية الفكرية واللسانية إلى درجة أن الكثير من المقررات الدراسية تم إعدادها اعتمادا على المصادر غير وطنية وبالتالي لم تخدم الواقع ولم تحم الأمن الفكري لأجيال عديدة لأن المنطلقات لم تكن خالصة ومستقلة فتضاربت المفاهيم واختلطت المصطلحات وبرزت مرجعيات ذات مرتكزات دخيلة انعكست في صورة مواقف متطرفة غريبة عن ما رسخ في فكر وعقيدة المجتمعات العربية و الإسلامية  وليس لها أي امتداد تاريخي رافق وجود هذه المجتمعات.
* كان هناك ضعفا في مواجهة ظاهرة التطرف بعدما اكتفى العلماء إلى المسارعة بالتبرؤ من أفكاره و تبرئة الإسلام منه ولكن دون الكشف الكامل عن كل جوانب هذا الفكر الدخيل وبواعثه وفضح هشاشة أسانيده وتفنيد مرجعيته،إذ لم يبادر العلماء منذ البداية إلى توضيح مفاهيم الجهاد الحق والاستشهاد و الحاكمية و التمكين لدين الله والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ومفهوم الولاء و الولاية و الأمة.. أي لم يجتهد علماء المسلمين ومن البداية بتفكيك شفرات المرجعيات الدينية وما تحمله من اجتهادات و فتاوى التكفير الباطلة.
* يرتبط الأمن الفكري إلى أبعد الحدود في أي مجتمع إسلامي بالمرجعية الدينية ، و من علامات اضطراب هذا المجتمع الابتعاد عن مرجعية الاعتدال و هو ما يؤدي إلى بروز التطرف الديني و الفكر التكفيري الناتج في حقيقة الأمر عن التعصب و إلغاء الآخر ، و من أبرز سمات هذا الفكر انه قائم على التأويل المتطرف و المبالغ في تشدده لنصوص الشريعة و المخالف لوقائع التاريخ الإسلامي و لنهج السلف الصالح إلى درجة تكاد تلامس حدود التفسير الباطل ، لقد تمادى الفكر التكفيري و المتطرف في غيه و ضلاله إلى أن أصبح يتغذى حتى من الإشاعة التي من البديهي و المنتظر أن لا تحمل سوى الفهم الخاطئ و عن سوء النية و سابق القصد للإساءة للدين من خلال التأويلات الباطلة لمقاصد شريعته  في مقابل ذلك لم يتجاوز رد فعل الخطاب الديني لدى من تحلوا بالشجاعة و تحملوا مسؤولياتهم في تبرئة الدين حدود الانفعالية بل و كثير ما اتسم بالعاطفية إذ ركز معظمهم على مسالة إدانة التكفير و بيان العقاب الشديد الذي سيلقاه من يفسد في الأرض و يروع المسلمين ،وبالنهاية تبلور الأمر في صورة حملات تكفير و لكن في شكل متبادل .
* شجعت ظاهرة انحسار دور العلماء على لجوء أنصاف المتعلمين إلى استيراد مناهج خاصة بممارسة الدين هي في حقيقتها أصلح للبيئة التي نشأت فيها و الصق بأعراف المناطق التي ترعرعت فيها و أوفق لطباع المجتمعات التي أفتى علماؤها بمقتضاها ، هذا في مقابل حملة نشيطة يقودها من يسعى إن يكون في مجتمعه ذا تميز و صدارة لإحياء من بطون الكتب فقها لم يعد صالحا للعصر الذي نعيشه و إحياء فتاوى مهجورة وأقوال مرجوحة ليقوي من الآراء ضعيفها وليصحح من الأقوال سقيمها فبرزت في غفلة من العلماء فتاوى غذت الشعور باللاأمن الفكري، لأن الفكر المتطرف المتصلب ينتعش في فضاء الجهل الذي يحرم صاحبه القدرة على التمييز بين الخطاب الديني المتطرف الخاطئ و الخطاب الديني المعتدل الصحيح. 
* إذا جاز لنا القول بأن الفكر الديني المتطرف قد شاع بكل سفور بعد مروره بالمرحلة السرية التي فرضتها قيود أنظمة يسارية اشتراكية وعلمانية لسنوات طويلة لم تكن ترغب خلالها في رؤية أي تأثير ديني يمكن أن يعوق توجهها الجامح نحو الإفراط في رسم معالم مجتمع علماني فان هذا السفور أحدث رد فعل بنفس طابع القوة في المغالاة و لكن طبيعي بالاتجاه المعاكس في شكل تيار فكري مضاد وطوفان تكفيري جارف تهاوى أمامه الفكر الديني الصائب وغابت الوسطية و الاعتدال وتحول النقاش السياسي بين أنصار التيارين المتضادين إلى لغة عنف متبادل و تحولت المسالة كلها إلى قضية وجود ترتبط بإلغاء الآخر للأسف داخل الأسرة الوطنية الواحدة.
* إن الصدع الناتج عن تفكك نسيج الوحدة الوطنية داخل البلد الواحد لم ينتظر طويلا حتى اتسعت شقوقه في الجدران الدفاعية للأمة بسبب غياب الوعي بأن الأمن مسؤولية الجميع أي مسؤولية تتحملها كل مؤسسات الدولة وبخاصة منها تلك التي تساهم في تشكيل الذهنية العامة وتصنع الرأي العام وتبث الحس المدني وتقوم بتوجيه السلوك الفردي والجماعي بما يتوافق مع المصلحة الوطنية، وهذا الغياب أدى إلى عدم إحساس كل فرد في المجتمع بأن منظومته الأخلاقية والقانونية و الفكرية فعلا متماسكة و متناسقة بل باتت مضطربة و مهزوزة لا تبعث على التوثب للانتصار لقضاياه، فكان أن فشل كل جهد لاحتواء التطرف من أصوله الفكرية قبل أن يترجم إلى فعل هدام و يتحول إلى سلوك معادي لواقع حياة الأمة و مستقبلها.
والآن، كيف يمكن مواجهة تحديات هذا الواقع الأليم؟  وما هي مساحة الهامش  المتاح للحركة الواعية لاحتواء نتائج غياب الوعي بفضائل الحوار والتشاور؟  وما هي طبيعة ووسائل الجهود الممكنة للقضاء على ظاهرة التطرف الفكري ؟ 
أرجو أن تكون مثل هذه التساؤلات من باب الأمل و ليس التمني ، فالأمل هو ما تحبه النفس و تحرص على تحقيقه ، أما من يتوقف عند حدود التمني فهو من فاته حصول شيء كان يتطلع إليه بشغف ، و الأمل يكون مع ما تقدم له سبب ، و لكن مع طول أمد الأمل يخشى أن تكون النتيجة الوقوع في أسر أحلام اليقظة  وعليه فالسرعة في وضع خارطة طريق ذات إجراءات عملية و موضوعية تكون قابلة فعلا للتطبيق تصبح أكثر من ضرورية حتى لا تتحول الأوضاع إلى "فرجة سياسية " أو "دراما احتفالية " إذ لا يخفى أن إطالة أمد حدوث التغيير هي سياسة يطبقها بعض أصحاب القرار للاستمتاع بظاهرة التقرب إليهم و للحصول على المزيد من الطاعة و الولاء و المساندة هذا من جهة ، و من جهة أخرى لضرب الخصوم بعضهم ببعض بمزايدة كل طرف على الطرف الآخر في دعم السلطة فينحرف بهم الطريق وويعيش كل منهم محنة عاشق تائه بين أقاصي الإبداع في التعبير عن مظاهر الخضوع و يرى أن التميز هو الحافز الأساسي الذي يبعده عن التشابه مع الآخرين ليبق فريدا و متفردا بحب و رضا السلطة عنه ، مثل هذه الأوضاع واقع لا مفر من الاعتراف به ذلك إلى حين أن يثبت التاريخ أن حركته هي الأقوى .
لا شك أن الاحتماء بالتاريخ هي الأرضية الموحدة لجهود التأمين الفكري و خاصة العربي و الإسلامي لمواجهة الطوفان الفكري المضاد ، و لكن حتى هذه "الأرضية التاريخية " المأمولة يقتضي الأمر تنزيهها من ما علق بها من تأويلات مغلوطة و تفسيرات خاطئة ،و تخليصها من ما أصابها من روايات متناقضة ومتضاربة، فالتاريخ هو وقائع و أحداث وشخصيات صنعت المواقف و البحث فيها كالبحث عن الحكمة الكامنة في أصل الفكرة حيث يعيش الباحث في التاريخ الحياة في البعد الثالث للمساهمة في تقوية ثقافة الأمة ذلك أن قوة الثقافة ليس في تنوعها فحسب بل وفي عمقها التاريخي، إن عملية تحديد المكونات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية تعتبر عملية ضرورية تمهيدا للانطلاق في عمل تصحيحي جاد على مستوى كل من هذه المكونات من أجل توحيد مرجعيته فالمساجد ومؤسسات التربية والتعليم و التعليم العالي و مراكز الثقافة و دور النشر والصحافة و الإذاعة و التلفزيون.. كلها مدعوة لمواجهة التطرف بجميع أشكاله وألوانه إلا أن تحقيق هذا الدور مرهون بمدى تعميق التعاون و التشاور بين مختلف المؤسسات و الهيئات سواء على المستوى الداخلي الوطني أو المستويين العربي والإسلامي لتعميم ثقافة الأمن الفكري في جميع مخططات المؤسسات المكلفة بإعداد الإنسان وصناعة الأفكار، ومن هنا تكتسي عملية تحديد مكونات المجتمع الفاعلة أولا ثم توحيد مرجعيتها ضرورتها القصوى وأهميتها البالغة. 
طبيعي أن تبادر المؤسسات الدينية بتأسيس المجالات الجادة للتفكير في الاقتراحات العملية الممكنة لتحصين المجتمع من مد التكفير والمذاهب الدخيلة و من كافة أشكال الأعمال الإرهابية فكرية كانت أو مسلحة و أن تجتهد في تلمس سبل التأسيس لتصور متكامل عن مؤسسات الفتوى و معاهد تخريج الأئمة، و المشاركة الإعلامية في الفضائيات و الصحف و الإذاعة و لرسم معالم دور النشر و منابر مناقشة الأفكار و ما إلى ذلك من تجارب الأمم و من هدى التفكير العلمي المنهجي من أجل توقيف حملة تعمد ترويج الأفكار التكفيرية بالصيغ التبريرية ، و تأسيس هيئات إعلامية و علمية مختصة لتأمين الأفكار ، فمعالجة الظاهرة تبدأ بمعالجة ثقافة التطرف و تفكيك أسانيد الفكر المنحرف القائمة على النظرة المتشددة إلى الدين و التراث و الرأي الآخر .                                                  
هناك حاجة ملحة لتشكيل وعي بأهمية إدراج مادة أسباب التطرف الفكري في المنظومة التربوية تستند إلى ضرورة إبعاد خصوصيات الوطن العربي والإسلامي شرقه وغربه عن إستراتيجية الأمن الفكري وتعنى بتجنب نشر الخلافات بين المذاهب الدينية، وتفسح المجال لثقافة الحوار وتفتح أبواب النقاش في وسائل الإعلام، هذا و تشكل جلسات "المناظرات" حول الأفكار وأيضا حول رسم الاستراتيجيات أداة تعليمية و تربوية هامة لأنها تستهدف العقول وترسخ طرق و مهارات التفكير الناقد، وهي أفضل مجال للتدريب على حرية الكلمة والمناقشة الحرة و تعلم احترام الرأي الآخر و تعلم المسامحة والتفهم والعلم و المنطق والإحساس بالمسؤولية و الانتماء إلى ما يؤمن به الفرد والانفتاح و التعامل أيضا مع المجتمعات الأخرى، إن هدف التناظر تدريب النشء من التلاميذ والطلاب على التعامل الواقعي مع كافة الأحداث التي يمكن أن يتعرضوا إليها عبر مسيرة حياتهم العلمية والمهنية و على النظر بعمق في مختلف القضايا ودفع الطلاب إلى التعامل بايجابية متفحصة مع الأحداث بما يؤهلهم للدفاع الواعي عن قضاياهم الاجتماعية، تلك هي الأفكار التي ينبغي أن تسود ، وأن تقود.
هناك من يتشدد في أنه لا يمكن مناقشة مفهوم الأمن الفكري بمعزل عن تناول الانعكاسات التي تترتب عن غياب الأمن المادي، و يؤكد أنصار هذا الرأي أن الأمن المادي هو المفتاح أو الحل، أي لابد من وجود قوة تردع المعتدين على حرمة النفوس، وأنه من شروط تحقيق الأمن الفكري توفر أمن عام بكل أنواعه يساهم في تنظيم الحياة ويجنب المجتمع وقوع الأسوأ، بل و يدعوا أصحاب هذا الرأي إلى التأكيد على ضرورة تشديد العقوبة على من عادى مجتمعه استنادا إلى أنه لولا الإيلام في العقوبة لما كان هناك ردع.
إن الإفراط في الاهتمام بنشر العلوم الشرعية على حساب العلوم الكونية بل واعتبار العلوم الكونية حراما قد أدى في بعض المجتمعات إلى بروز طائفتين متنافرتين لأن لكل طائفة منهما مناهجها أي أسلوبها في الحياة ونظامها الأخلاقي والاجتماعي والسياسي على أساس أن المنهاج يعني الطريقة أو الشريعة، كما أن  لكل طائفة منهجها الذي هو مجرد طريقة في الاستدلال أقرب إلى طريقة النظر إلى موضوع ما، الفئة الأولى ترى ضرورة تسبيق العلوم الشرعية أولا حتى لا يخرج علمها الكوني لاحقا عن حدود أركان هذا الإيمان، وهي ترى أن العقلانية ليست دائما هي الحل فهي إذ تساهم في فهم الحياة و خلق التفاهم و التواصل إلا أنها تخطيء كثيرا عندما تتعرض إلى قضايا الإيمان وما يتعلق به من غيبيات حيث تقوم بإعطاء تفسيرات غير موضوعية بل أقرب إلى الإساءة والازدراء من الأديان، و الفئة الثانية تعمد إلى تسبيق العلوم الكونية أولا حتى إذا ما أصابها قبس من الإيمان يكون إيمانها على أساس بصير و ينطلق موقفها من أن لكل علم منهاجه الخاص الذي تفرضه طبيعة موضوعه، وأن المنهج أو الطريقة لاحقة للعمل العلمي و ليست سابقة عليه، وكما يبدو فالعلاقة بين الفئتين فعلا هي علاقة تنافر أزلي بمعنى علاقة خلاف وليس مجرد اختلاف بينهما في الرؤى و التصورات، خلاف أدى إلى بروز معالم صراع وجود إذ أصبح بقاء أحدهما مؤثرا وحيدا في تشكيل الفكر الإنساني و رسم الطريق لتوجهاته مرهونا بزوال الآخر لأن الأمر أصبح يتعلق ببساطة بمشروع مجتمع إما إسلامي قح أو علماني بحت لأن كلا منهما يستند إلى مرجعية تختلف كلية عن الأخرى، و لأن المتفق عليه أن المنهج و الموضوع شيئا واحدا بمعنى أنه لا يوجد منهج مستقل عن الموضوع لأن المنهج موضوع متحقق والموضوع منهج مطبق و الوعي متحد بهما معا، و أن الموضوع يفرض منهجه من ذاته و المنهج يفرض موضوعه من ذاته أيضا، فمن هنا ظهرت قناعة أكيدة تفرض الأولوية التي يجب أن تضعها كل طائفة و تحددها في حاجتها الملحة إلى حماية أمنها الفكري، كما ظهرت بالقدر نفسه من الإلحاح أهمية تحرك أولي الأمر في حالة حدوث انحراف فكري ثم ضرورة توكيل سلطة رادعة لمحاربة اللذين يعتدون على القيم والمبادئ الأساسية التي تشكل جوهر الأمن الفكري لكل طائفة، و لعل الانحرافات التي حدثت في تعامل كل فريق مع طبيعة هذا الوضع هو ما زاد في شدة الأزمة على النحو إلى آلت إليه حاليا.
لا شك أن الفعل الثقافي يمنح المثقفين الوجود والهوية و القدرة على فهم طبيعة النفس البشرية و حقائق الكون أسرار الحياة والكائنات، والبعد الثقافي مطلوب وجوده لتطوير الحياة الإبداعية ومد جسور التواصل الفكري، وبديهي أنه عندما يحمل المثقف رؤية معينة تجاه وضعا ما ترتسم فيه علامات الاختلال و أن يلجأ من أجل تغييره إلى العمل و الفعل الثقافي وأن يواجه في سبيل ذلك الصعاب و يتحدى العراقيل فهذا دوره الطلائعي، و لكن أن يغيب الدافع الثقافي فذلك ما يجعل المثقف ينسحب من الحياة الثقافية و يفسح بالتالي المجال أمام الرداءة، إن سبب ما أدى بالفكر المنظر للإرهاب الفكري أو المسلح إلى الزعم بأن مرجعيته إسلامية هو الانحسار الحاصل في دور المدارس و المعاهد المتخصصة في العلوم الاجتماعية و الإنسانية و تراجع دورها في صنع المفاهيم وتحديد المصطلحات وغرس القيم والأفكار الصحيحة لتحصين المجتمع سواء من التطرف الديني أو الغلو العلماني أيضا،  وقد قابل هذا الانحسار تطورا في الحركة المذهبية و تعدد المرجعيات الروحية في الزوايا الدينية و الطرق الصوفية و أثرت تأثيرا بالغا في مسألة ضمان بقاء الأمن الفكري بعيدا عن التشتت المفضي تلقائيا إلى التباعد و التنافر  والعداوة، ومن تلك التأثيرات تعثر فكرة "حوار الثقافات " أو الدعوة إلى " حوار الحضارات" أو النداء إلى إقامة "ْتقارب الحضارات" و بالرغم من أن الحوار في حد ذاته فعل إنساني نبيل ومطلوب إلا أن طريقة تناول المسألة من منظور أن الثقافة تعبيرا عن هوية الإنسان و أن الهوية تختلف من حضارة إلى أخرى قد أدى إلى بروز التناقضات إذ حدثت إشكالية فرضت نفسها كضرورة لحماية الأمن الفكري ضد تهديدات الغزو الثقافي الأجنبي و هي مخاطر مناورات الاستلاب العقلي و ذوبان الهوية و انعكاسات ظاهرة الاغتراب عن أصالة  وهوية الشعوب وطمس الحضارات ، فتطور موازين القوى بين الحضارات أدى إلى افتعال التبريرات و تسويقها عالميا من طرف القوى الكبيرة لإقصاء الطرف الآخر و لتسهيل إعادة انتشار هذه القوى في العالم لرسم معالم خريطة الجغرافيا السياسية في إطار ترتيب عالمي جديد، و ذلك ما قاد فيما بعد ــ كنتيجة طبيعية ــ إلى غلبة فكر المؤامرة عند كل حديث عن التعاون الثقافي بين الأمم أو عن ضرورة تقارب الحضارات.. و هو ما أدى لاحقا إلى المزيد من الانغلاق ومن انسداد قنوات الاتصال ثم إلى غياب الحوار وهكذا انقلب الحال من الحديث المتفائل المفعم بالآمال في تحقيق الهدف من الحوار لإقامة ما يمكن اعتبارها  " حضارة عالمية جديدة" إلى حديث عن " صدام الحضارات "  والخطر الكبير الذي يشكله على السلم والأمن في العالم، و الحقيقة أن الصراع هو صراع مصالح وأهداف معينة تختفي وراء حوار الحضارات و الأديان و الثقافات... إن ما يتناهى إلى علمنا حول انعقاد بعض الملتقيات و الندوات التي تصدر عنها توجيه الدعوات من أجل تحقيق التقارب بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها أو حتى ما يكتب من مقالات مطولة حول أسس و فضائل حوار الحضارات هو ليس أكثر من مجرد استغلال سياسي بنكهة  الأنانية لمعطى ثقافي و إنساني نبيل لتحقيق أهداف اقتصادية احتكارية أو إن شئت قل أنها كزيارة يقوم بها مريض إلى طبيب نفسي لأن  الطبيب عادة يستمع إلى المريض أكثر من ما يتحدث إليه، أو كمثل زوجة تبحث عن زوجها.. أو عن حائط مبكى .

تتأبطُ أرشيفَ الذاكرة/ كريم عبدالله

غيّرتْ دربها المعتادَ تتأبّطُ أرشيفَ الذاكرة ../ خلفها .............. تهتزُّ عرائشٌ تغازلُ سدرتهُ ../ فراحتْ تتهامسُ فوقَ جسرِ ليلهِ الممتدَّ ..........................
على فوانيسها .................. تتثآءبُ غيمةٌ كانتْ حلماً ../ كمْ أمطرتْ بالأضاحي حقولها المتخمةَ بالسنابلِ ../ وخيامها الهرمة باتتْ تنتظرُ مواسمَ نيسان ..............
ظلّلتْ نزيفَ محرقتهِ بعذريةِ الأغصانِ الشائكة ../ تقرضُ الوحشةَ وما خلّفتهُ عربات سنينٍ متساقطةٍ ../ علَّ الألوانَ الباهتة تتهدّمُ تزدرد أبخرةَ المغيب ........
تقضمُ أناملَ حماقاتٍ تضغطُ على زهورها ../ كانَ بريقُ القبلاتِ المتوارية يحملُ المكابرةِ ../ يا للمفارقةِ ............. عيونها تحملُ عطرِ الأجنحةِ
تثيرهُ ............... تجمّلُ خرائطَ الذهب الأشعثَ ../ قشعريرة المعاصم أسرّةً تحملُ بقايا الطلل ../ لكنَّ وجهها مولعٌ يتمرّى بغربةِ الوَفَر
الخيولُ المنهكة مربوطةٌ بأهدابِ غاباتها ../ دائماً تتريّثُ الخطوة الأولى تتخثّرُ ../ في هذه الليلة كانتْ قريبةً تنشرُ صحراءها
أينَ يُولدُ البنفسج وحدودها شاسعة برحيلها ../ أينَ يمضى وأثداء تواريخه يسرقها اللصوص ../ وفي الهاويةِ ترسلُ جدائلَ السفوحِ مهتاجةً .. ؟
ينحدرُ ... يــ .. نــّ ... حــ ....د رُ واقفاً على بوابةِ جرحه ../ تلاحقهُ غمغمةُ ريحٍ مبتورة الجناح ../ تحفرُ على أشرعتهِ تلعبُ على خرابِ الأمل ........
تقتلعُ أبجديةَ عنفوانِ الأحتلال ../ اللافتات التي ظلّت الليل مشرئبةً بأعناقها ../ نكّستها بأعماقِ تضاريسٍ تُخفي طريق العودة

بغداد
العراق

الأزهـار.. و السـياسة فن، رسائله بدون كلمات/ صبحة بغورة

 أصدقاؤنا الأزهار" هكذا يحلو  وضع الأزهار في هذه المرتبة  الراقية  لما تتضمنه في ذاتها من معاني جميلة مستمدة من نوعها ومستقاة من شكلها ومدركة من لونها و متميزة من عطرها بالاضافة الى ما تعبر عنه بأكثر من مغزى يختصر الكلمات ويعكس طبيعة المشاعر لذلك جرى اعتبارها رسائل رقيقة  تفصح عن أسمى الأحاسيس بدون عبارات.
ارتبط التهادي بالورود والأزهار عند أصحاب الذوق الراقي في الفرح ، ومع تكريس هذه الثقافة أصبح للأزهار لغتها فعددها في الباقة الواحدة له مدلوله ولنوعها معناه وألوانها  تستثير مشاعر محددة ولعل في حديث الحب تصبح بحق رسول العشاق حاملة شريعة تحكي الأزهار أسرارها ، وهي أيضا  لغة حوار مع النساء فمنها من تخاطب المرأة الجميلة ، والمرأة الرقيقة  ،والمرأة الخجولة ، والنرجسية ، والوفية ..، انها لغة قديمة عامرة بالغزل فصارت زادا للشعراء والأدباء ، وهي صديق حميم لكل مريض يخفف وجودها بجانبه الألم والاكتئاب وتشرح نفسه للحياة بألوانها البديعة وتبهج فؤاده بأريجها  فيزيد تعلقه بالأمل في الشفاء .
ما من منزل يهتم بوجود الأزهار منسقة في أماكن تتلقاها  العين بالمتعة وتستقبلها النفس بالنشوة الا ويحكم على أصحابه بالذوق السليم ، انه فن يبوح عن أعذب المعاني في صمت جميل وبهدوء رومانسي امتد تأثيره الى مجال العمل السياسي والدبلوماسي كمجال للتعامل الذكي ، فنحن اذن بصدد فن آخر يعتمد على الكلمة المستغرقة في القول وعلى حسن التصرف المتضمن في الفعل ، ومن توخي الحرص على اللياقة في التعامل احتلت الأزهارمكانتها كرسالة تبليغ مجاملة أو تهنئة ، أوكتعبير عن مظهر تعاطف  لذلك يجري تكليف شخصيات معينة ذات خبرة بمهمة تنسيق المقرات الرسمية بالورود والأزهار ، ووجودها في الاستقبالات الرسمية رسالة محبة تحملها فتيات في عمر الزهور اللائي يحملنها في باقات مغلفة هدية لضيوف البلاد عند سلم الطائرة ، كما أصبحت الأزهار مظهر تهادي أساسي في حفلات الاستقبال الرسمية ، وغالبا ما يجري الربط سريعا بين حجم الباقة ونوعية ازهارها وبين مكانة مرسلها الرسمية أو رتبته في السلم الاجتماعي والعلاقة بين الاعتبارين علاقة طردية  ، والمجال السياسي والدبلوماسي محفوف بالكثير من الحساسية ومن ذلك توقيت ارسال باقة الزهور فهي تفقد معناها بعد احياء مناسبة ما قد لا تتكرر أو أن يكون أقرب موعد لتجديد احيائها بعد عام كالأعياد الوطنية مثلا ، وبذلك لا تكتسب الأزهار قيمتها كهدية في حد ذاتها وانما لتأثيرها عندما تقدم في التاريخ المحدد لمناسبة ما ، وفي مثال احتفال سفارة دولة ما باليوم الوطني في بلد التمثيل جرت العادة البروتوكولية أن يرسل أعلى هرم السلطة باقة أزهار للتهنئة بالمناسبة وأيضا وزير خارجيته ، ولا يمكن التصور أن يعمد الوزير الى ارسال باقة أزهارأفخم من باقة رئيس الدولة أو عاهلها لما يحمله ذلك من تجاوز. ان حضور الأزهار في المناسبات العائلية السعيدة بات تقليدا ثابتا  حيث  تكتمل بها مظاهر الجمال والمتعة ، وكذلك في للقاءات الرسمية بين قادة دول العالم  اذ يمكن ملاحظة وجودها على موائد المفاوضات فاللأزهار ذات الروائح العطرية المميزة تأثيرها  في تحسين المزاج و تحسين الشعور تجاه مشقة العمل اذ تساعد رؤية الأزهار المتفتحة في قدرة الانسان على تحمل حتى تبعات حالة الفشل .
من الأعراف الدولية أن يتضمن برنامج عمل رئيس دولة زائرالتوجه الى النصب التذكاري للترحم على شهداء ثورة البلد المضيف لتأكيد التعاطف مع أبناء هذا الوطن، ويلاحظ أن في معظم الباقات  تكون الأزهارالحمراء هي الغالبة حتى في اللقاءات الرسمية وذلك لمعنى هذا اللون الذي يتحدد في الوحدة والمحبة ، ومن حيث النوع لن يعقل وضع زهرة "التوليب" ذات اللون الوردي في المناسبات الرسمية بصفة خاصة لأنها تحمل معاني عاطفية جدا . 
 في ختام المنافسات الرياضيه يكرم أصحاب المراتب الأولى و الثانية و الثالثة بميداليات ذهبية وفضية وبرونزية على الترتيب ثم يهدى كل منهم باقة أزهار ، والفرق الوحيد أن الميداليات فرقت بين الأبطال حسب انجازاتهم الرياضية ثم وحدت بينهم باقات أزهار تماثلت في العدد و النوع .
من غرائب التاريخ في علاقة بعض الشخصيات السياسية بالأزهار أن كان فلاديمير لينين ( 2/4/1870 ـ 21ـ1/1924) نصير الثورة الماركيسية  يرفض وجود الأزهار تماما على مكتبه كما كان يكره الموسيقى لأنهما برأيه يورثان الرحمة في النفوس .
من المفارقات أن الأزهار الباعثة على جلب السعادة والأمل في الحياة تكون يوما هي السبب في وفاة شخص ما ، فقد حدث أثناء الحرب العالمية الثانية أن استدلت احدى العصابات اليهودية على شخص ضابط ألماني كبيربهدف الانتقام منه وذلك من نوع الأزهار التي كان يفضلها على مكتبه وهي زهرة  "المارجر لما رأوه في احدى المناسبات يعلقها في فتحة خاصة بأعلى معطفه فوقع اغتياله فورا.
ليس من باب المبالغة أن نرى الأمم تخصص أياما في  فصل الربيع من كل سنة تسميها " أعياد الورود" يشارك فيها المهتمين بزراعة الورود والأزهار ، ويتم الاستغلال الجيد للحدث بتوجيه اهتمام النشء  الى هذه المعارض لزرع ثقافة حب النباتات وللحث على المحافظة على الجمال الطبيعي وتشجع المشاركة في حملات تشجير المحيط  لتكريس الشعور بالمواطنة  ، وهكذا تكون للأزهار  دورها التربوي الهادف في حياتنا ولا تطلب منا سوى المحافظة عليها .

اليه اكتب رسالتى: الى العام القادم .. بعد ايام/ ليلى حجازي

..أكتب إليك من مدينه ما زالت تشبهك, وأصبحت أشبهها
وما زالت الاحلام تعبر هذه الجسور على عجل
أنكَ أتى..
و على سواعدك ارتميت
لملم شظايا الروح همسا من فمي
قد مرت االسنه ب أمواجا من الأحزان تصهل في دمي
و حقائب الأوجاع منهكة الخطى
فوق الرصيف و على مضاجع غربتي
تحبو كأشباح الجياع
واعد الأحزان في صدري تمادت باشتهاء
و كما تشاء
و مضت على أوتار قلبي بعدما
الأوجاع أسكرها البكاء
هل الورق مطفأة للذاكرة؟
عااااااااااااااااااااام
سنترك معه 
 رماد سيجارة الحنين الأخيرة , وبقايا الاحزان الأخيرة. .

وفى انتظار ما فى جبعتك من امانى وامال وتحقق حلم ما نزال فى انتظارة 

الأب يوسف جزراوي في كتاب جديد: المرايا هدايا/ فؤاد نعمان الخوري

هل المرايا انعكاسٌ بريء للوجوه والأفكار والمشاعر، أم هي تتدخّل في السرّ لتُعيد تركيب المعكوس وتُضيف اليه؟ يلحّ عليك هذا السؤال وأنت تتصفّح كتاب الأ ب يوسف جزراوي، وعنوانه: "أحاديث قلم/ في مرايا الذات والمجتمع (2014)". في مستهلّ كتابه يُعلن المؤلِّف: "...هذه مقالاتٌ سكبتُ فيها من ذاتي والواقع المُعاش"؛ هي اذن تجلّياتٌ لتساؤلات الذات واشكاليات المجتمع التي خبرها الأب جزراوي في ترحاله السندبادي من العراق الى أوروبا، وأخيراً الى استراليا.

يبدو لي أن الكاتب يسير فوق حَبلٍ مشدود، ويحاول الاحفاظ على توازن دقيق بين الوطن والغربة، وبين الذات والمجتمع، وبين الماضي والحاضر، والأهمّ بين رسالته الكهنوتيّة ورسالته الأدبيّة. كأنّ الكاتب الشاب ما زال يتلمّس فرادته، وسط المتناقضات المتعددة، فجاء كتابه الجديد شاهداً على بحثه الدؤوب عن التوازن الصعب...هو يقارن بين موروثات وتقاليد حجريّة من جهة، وسلوكيّات دخيلة من جهة ثانية، مما يجعل الانسان المعاصر واقفاً باستمرار على خطّ الزلازل.

ولا يخفي الأب جزراوي حسرته وغضبه على ما آلت اليه أحوال مسقط رأسه العراق، وحنينه الى ايام بغداد الهانئة. ومن غضب إرميا المقدّس، الى ثورة يسوع على تجّار الهيكل، يشير الكاتب بأصابع الاتهام  الى ما أسماها "مهزلة الربيع العربي" التي تحولت الى "ربيع" دموي قسّم البلاد وهجّر العباد وأطاح بالمبادئ والعقائد والقيَم. ويعلن الكاتب/الكاهن الأشوري بصوتٍ عالٍ: "آن الأوان لنعتنق ديانة الحُب"، فهل من سميعٍ أو مُجيب؟

باختصار، تلك الأحاديث هي مرايا، والمرايا هدايا من الروح القدس الذي يشفِّف روح الكاتب لتستطيع التقاط إشارات الأرض وعلامات السماء...هي مرايا تكشف لك بصدقٍ مكنونات ذاتك الفردية وذاتك الاجتماعية، ولا يقلّل من أهميتها اسلوب وعظي هو بالنهاية رسالة الكاهن المبشِّر...الأب جزراوي يمتشق القلم بيدٍ، وبأُخرى يحمل الصليب، في توازن انساني رائع ومثمر، فتأتي النتيجة إعلاناً للبشارة على مذبح الرب، وبين دفّتي الكتاب...والله في الحالتَين يتمجَّد!

الخطر الأعظم: داعش/ حسين محمد العراقي

الوضع العراقي أكثر تعقيداً فداعش  اليوم  أصبحوا هم تتار العصر الحديث لكونهم ليسوا قادمون من بلاد بعيدة بل تتار اليوم قادمون من كل البلدان وأكثر تنظيمهم هو المتعطش للدماء و لقطف رؤوس البشر من كافة الأديان  وفجروا المساجد والكنائس وأعتدوا على الصحافيين يتلذذون ويطيب لهم  عندما  ينشرون  الرعب والخوف  في كل مناطق العراق  و بعين لا ترى إلا المنكر و الحرام يحلل الحرام لأنهم من دهاقنة الظلم  وأخيراً باتت داعش من أعاظم الكوراث على شعوب الأرض وبالخصوص شعب العراق داعش هو الخطر الأعظم بأفعالهم الدنيئة ليشيعوا ثقافة الدم والدمار والخراب  وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لقت بظلالها على الساحة العراقية وبتالي باتت بضاعتهم صراخ الأطفال ويتم الاُسر و تشريد  ونزوح العوائل ويبقى التساءل كيف يعيش النازح حياته اليوم يعيشون النازحون حياتهم في ظل وضعهم المأساوي وأولها الشتاء  الذي يذرف دموعه  الباردة عليهم في وقتنا الحاضر النازحون وتحولت مخيماتهم إلى مستنقع وواحة من الوحل ويظل التساءل أين اللجان المسؤلة عن حقوق النازحون   وأين انت يا أستاذ  صالح المطلك  وأين انت يأستاذ مشعان الجبوري  من هذه الجروح والأوجاع التي تمر بشعب العراق  المشرد  وللأسف الشديد واحدكم يوجه الأتهام  للآخر بأختفاء أموال الدولة التي خصصت للنازحون عبر فضائياتكم وهي البابلية وقناة والشعب   وأولاد الخايبة هم الضحية  للعذاب  شاهدم القاصي والداني عبر الفضائيات الأخرى وبالعيون المجردة علماً أن النازحون عامل مهم من ناحية الأمن وأستقرار الوطن وبالتالي أصبحت  داعش حرب شعواء لأنها أستهدفت كل الطوائف العراقية ومن خلالها مسنا الضر وأن الله يرحم لكن التأريخ لا يرحم ؛؛؛ 
لاأريد أروح أبعد من ذلك وتعجز الكلمات عن وصف الدواعش الذين تخرجوا من مدرسة الذبح  وهم خبراء الجريمة  وجرائم القتل وأجتمع بهم الشر والكراهية الحقد والغل  لبني البشر   داعش بفكرها المريض والملوث واليوم وصل  الأمر  لأم أحد الضحايا الذين قتلوا في كارثة سبايكر وزهقت أرواحهم إلى أعنان السماء وعلى أثرها فقد نزعت حجابها ورمته بوجه رئيس مجلس النواب وصوت العراق  في 25 آب 2014 وعدد من أعضاء المجلس منددة بنوري المالكي وبالنواب الذين لم يكلفوا أنفسهم بالسؤال عن القتلى وكيف قتلوا ومن المسبب وبحضور وزير النقل الأستاذ باقر جبر الزبيدي  التي أثارته الجريمة  وهزت مشاعره  وأحساسه عند سماعها حتى أذرفت عينه  سيدي الكريم  الأستاد باقر لا ينفع  البكاء وأنما تقديم وأعلان  الحقيقية لأم الضحية هو الذي ينفع أن قضية سبايكر بات  لها تأريخ بالرفض لأن داعش أعتدوا على القانون هو حق  الإنسان أن يعيش الحياة  علماً أن هذا الأمر تناقلتهُ كثير من الفضائيات وأخرها قناة البغدادية الأثنين  3 تشرين الثاني 2014  وباتت هذه جريمة لا تغتفر عبر مر التأريخ بالصورة والصوت وعلى مر الأجيال ومخلة بالشرف بالدين الضمير والإنسانية على واقع الأرض؛؛؛


الأسلام رسالة السلام والأرهاب جعلها في أطار التطرف والمأساة  علماً أن داعش ليسوا من هذا العصر  ولايوجد بيننا وبينهم ترجمان لأن ضميرهم منفصل عن الإنسانية ومنهم تخرج  الفتنة لأنهم الأكثر عدائاً وحقداًعلى كل الأديان ومنها الأسلام وبالخصوص أسلام العراق(الشيعة) ويأسفني أن أذكر شيعة لأننا كلنا عراقيين ونسيجنا واحد وبالتالي رفعوا الحد الأدنى للقتل بأعتماد معايير أسلامية جديدة وذلك لأحتساب معدلات ضرائب الدم بما يتناسب مع تطلعات من أرسلوهم  لشعب العراق وأقصد قطر بسلوكيتها المنحرفة وتأريخها الملطخ بدماء العراقيين على حدً سواء أن العراق يهم جميع  الدول بالعالم اليوم أقتصادياً تجارياً سياسياً وللأسف اليوم الأزمات حاضرة بالعراق من قبل ساسته أن الأرهاب لا يقضي عليه إلا عن طريق العسكر والتنمية المجتمعية بتحالف مع جيرانه وأهمها المملكة  الأردنية الهاشمية  ؛؛؛
وأخيراً وليس آخراً عندما أقرأء ما بين السطور أرى الصورة مضيئة وسوف ينتصر الحق على الباطل  وأن اليوم ليس ببعيد  لأن داعش تدور اليوم بحلقات فارغة........ 
   
inof3@yahoo.com

عطية السلام/ سهى بطرس قوجا

وعد الرب شعبه بوعد الخلاص والسير في طريق السلام، أرسل أنبيائه من أجل قطيعه التائه، ولكن لم يتبّ ولم يعرف طريق الصواب ألا بالحمل المذبوح على الصليب. بالطفل يسوع المولود في مغارة صغيرة في أحد أيام الشتاء القارص. طفلٌ ولدّ ليتعلم ويعلم ويكبر على كيفية مواجه تحديات البشر وكيف يكون النصر على إرادات لم تتعلم كيف تخضع للأمور الروحية.
أساس حياة البشر وثباتها وسعادتها واستمرارها هو الإيمان بأن لا حياة صالحة وثابتة بدون الرب الذي هو أساس بناء هيكل الإنسان السليم. لكن غالبًا البشر لا يستوعبوا ويفهموا ذلك، القلة القليلة من تدرك، كيف أن الاعتماد على الرب ووعده والرجوع إليه بقلب مفعم بالإيمان والمحبة، هو من يجعل الحياة مكافأة ثمينة لا تعوض ولا تقدر. بينما من لا يستوعب ذلك يجعل من الحياة ميدان صراع لا ينتهي، يصارع نفسه والآخرين وفي النهاية يذوق الفشل الذي يلهث خلفه! هو لم يكن أعمى البصيرة ولكن داخله ما كان مغلف بالسواد وجعل الحياة بالنسبة له مجرد تطلع عقيم لا يتعدى المسافة المحصورة بين خطوات قدميه! مما جعل نفسه تبقى في قوقعة الضياع بينما الحياة تسافر به وتأخذه معها.
يسوع المسيح بولادته، أراد أن يعلم البشر أن مواجهة الحياة وعيشها كما هي بطبيعتها، لا تكون ألا حينما تكون بدرجة نقاء الطفل وصفاء نفسه ونيته وتقبل كل شيء بابتهاج وبساطة قلبًا، والبدء ببدايات جديدة فيها من الشكر الكثير للواهب الذي أراد لنا حياة مزدحمة بالأمل والعطية والعمل الصالح الباقي للنمو الروحي.
 يسوع المسيح أراد أن نذوق الحياة معه ونجرب الجديد الباقي للحياة الأبدية، وهي دعوة من قبله للظهور في حياته دائما وأبدًا. هي دعوة تجديد لكل ما في الحياة من روحانيات سامية .. يسوع المسيح بولادته لمع نجمه في السماء وأضاء الكون، فكان النور الذي أنعكس على البصر وفتح البصيرة على الخير وأضاق الحدود على الشر. هو حارب من أجلنا وربح لحسابنا، كان ولا يزال من أجلنا ولابد أن نكون له. حبهُ كبيرًا فيه غاية واهتمام وعبور، وعليه يجب الارتكاز.  
أننا بحاجة إلى الإتحاد بالربِّ وبه نتحد مع ذواتنا ونعيش كإنسان فعلا خلق من أجل الإنسانية. مثلما الآب والابن واحد، كذلك نحن معه نكون واحدًا. أننا لا نحتاج لأكثر من هذا، وبالإتحاد تأتي باقي الأشياء تباعًا وتصنع أخرى جديدة.  
الطفل يتقبل عطايا الوالدين بفرحة غامرة ويتقبل كلامهم بمحبة، هكذا كان يسوع المسيح للآب السماوي، تقبل الكلمة وكملها بمحبة وحقق السلام والخلاص.
آمنوا إذن بأن الربّ معكم وسيروا قدما ما زال راعيكم عينه عليكم. أنصتوا لصوته وتشددوا بقوته. تعلموا أن لا تخافوا البتة وأن لا ترتعب أنفسكم، فقط آمنوا وستجدون المُنقذ وقد أحاطكم بمحبته، ومدّ يده أليكم. أنشدوا للربّ دومًا أناشيد المحبة والفرح ورتلوا وسبحوا له دوما على عطاياه التي لا تنتهي. لا تعيشوا التردد ولا تضطرب قلوبكم ما زال هو معينكم ومنقذكم وحاملكم على أذرعه، كما تحمل الأم طفلها على أذرعها وتحيطه بها لكي لا يسقط أو يتألم.
يسوع الطفل المولود في مغارة للحيوانات، أصبح الراعي الصالح الذي يقود قطيعه لكي لا يضيع. هو من باركنا بكل البركات ودعانا إلى ملكوته وقربنا من حياة لا تزول ولا تفنى. ربنا وملخصنا إننا نشكرك على عطية السلام التي وهبتنا أياها، عطية الفرح والخير والبناء والاتزان والثقة والمحبة والثبات في عالم متذبذب فيه الكثير من النفوس المخبوطة التي تسير بعكس إرادتك. ربنا أقبل صلاتنا وتضرعاتنا وعطرنا برائحة محبتك الزكية.علمنا دوما أن نعمل الأعمال الصالحة التي تبقينا في إيمان أبدي وتغذي أرواحنا وتنمو وتتجدد بقوتك.

الوطن في عيون شكيب ارسلان/ عبدالواحد محمد

يعد الامير شكيب ارسلان من الشخصيات العربية البارزة   سياسيا والخالدة علي مر التاريخ المعاصر بمكنون فلسفته التي هي فلسفة مناضل عروبي  يؤمن بالوحدة العربية  والقومية ونبذ الطائفية التي تعوق تقدم الوطن والامير شكيب ارسلان  من مواليد (1869 م ) وقد قاوم المستعمر الفرنسي في الشام بكل ادوات الفارس الطامع في حريته وحرية وطنه ؟
كما شغف بالشعر والأدب والثقافة العربية ولقب بأمير البيان  لعمق مشاعره التي تنبض عشقا للوطن للكلمة العربية التي هي سفيرة وسحر البيان سحر وطن فيه كل مقومات الإبداع الفطري !
ومن  قصائد  الأمير شكيب ارسلان


أَسـائَـلُ دَمعي هَل غَدَوتَ مُجيبي إِذا شِـئـتَ أَطفى حُرقَتي وَلَهيبي
وَهَيهاتَ أَن يَقوى عَلى النارِ صيبِ وَريـحُ الـرَزايـا آذَنَـت بِهُبوبِ
لَـئِـن بَكَتِ الخَنساءُ صَخراً فَإِنَّهُ لَقَد باتَ يَبكي الصَخرُ طولَ نَحيبي
يَـقولونَ لي صَبراً فَقَد ذُبتُ لَوعَةً وَما ذوبَ مِثلي في الأَسى بِعَجيبِ
أَأَحـسَبُ قَلبي مِن حَديدٍ وَإِن يَكُن فَـكَـم مِـن شَرارٍ لِلحَديدِ مُذيبِ
وَقـالوا أَلا مَهلاً تَأسَ بِمَن مَضوا فَـلَـيـسَ مُصابٌ جازِعٌ بِمُصيبِ
فَـقُلتُ ذَروني وَالأَسى لَيسَ مُغنِياً كَـلامَ خَـطـيبٍ مَعَ كَلامِ خُطوبِ
أَجَـلَّ مَـقامي في المَحَبَّةِ وَالوَفا عَـنِ الـلَهوِ وَالسَلوانِ بَعدَ حَبيبِ
وَرُبَّ مُـحِـبٍّ بـاتَ يَسلو حَبيبَهُ أَلا تِـلـكَ أَجـسـامٌ بِغَيرِ قُلوبِ
أَفـي كُـلِّ يَـومٍ لِـلمَنِيَّةِ حادِثٌ يُـسـيـلُ مِنَ الأَجفانِ كُلَّ صَبيبِ
تَـعَـمَّـدنا رَيبَ المَنونِ بِضَربَةٍ أَبـى الـدَهرُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ
ومن مواقفه الخالدة في نبذ الطائفية نستعيد من ذاكرة الوطن تلك السطور التاريخية  التي تنم عن فلسفته  العربية الاصلاحية بعيدا عن الاهواء  بعيدا عن كل ما يعكر صفو الحياة العربية داخل الوطن لتكون شاهدة  بما يؤكد معدن رجل عظيم ورؤية رجل  يؤمن بالحرية يؤمن بالوطن فوق كل الاهواء التي من شأنها الضعف وقتل كل ملكات الإبداع في أجنة  ارحام وطن ؟
وفي ضوء تلك السطور التي حملت الخير وخرجت من ضمير إنساني لا يري غير النور بازغا للجميع تحرر وحرر لبنان من فتن الطائفية  الامير شكيب رسلان 
(موقف الأمير شكيب تاريخيا  من الطائفية)
بعد الحرب الطائفية في لبنان عام 1860 بين المسيحيين والدروز، كان النظام الجديد للبنان والذي تبناه ممثلو الدول الأوروبية الست الكبرى (فرنسا، إنجلترا،روسيا، ألمانيا، النمسا وإيطاليا) والباب العالي في حزيران 1861، كان مؤاتياً للطائفة المارونية، ويقوم على الاعتراف بالمبدأ الطائفي وتشجيعه له، فوفقاً لهذا النظام منح لبنان الحكم الذاتي المحلي في ظل حاكم مسيحي عثماني هو المتصرف، وكان نظام المتصرفية هذا وما يتبعه من تنظيم للقائمقاميات الطائفية لمصلحة الموارنة، وبسبب تهميش هذا النظام الجديد لجبل الدروز، حيث ظل الدروز على هامش التطور الاقتصادي الذي عرفه الموارنة بفضل الدعم الخارجي لهم، من الطبيعي أن يرى الأمير شكيب بأن الواجب يقتضي تدعيم موقع الأسرة الأرسلانية الدرزية في هذه القائمقامية، وأن يكون عل رأسها من يحمل تاريخ العائلة الفعلي ويجسد تراثها العربي الإسلامي ومن يعمل على التحام الدروز بالدولة العثمانية وتحقيق الذوبان الاستراتيجي للدروز وسط المحيط الإسلامي والسوري الأوسع.
لذا نجد الأمير شكيب غاص في الصراعات الحزبية الجبلية الضيقة في السنوات 1892 ـ 1908، وقام بعدة مأموريات عام 1902 في جبل حوران لإقناع الثوار الدروز هناك بالرجوع إلى طاعة الدولة العثمانية، وكان حاسماً وواضحاً في موقفه من ضرورة وحدة الدروز والتفافهم حول الدولة في تلك المرحلة، التي تميزت على حد وصف جميع المراقبين والباحثين بضعف الدروز وقوة الموارنة.
قام الأمير شكيب بجهود جبارة في توحيد القوى لإدراج جبل الدروز ضمن إطار الدولة، فقد أقام تحالفاً بين العائلات الدرزية والعائلات اللبنانية، وهذا التحاف قام بالحركة المعروفة باسم (المظاهرة الكبرى) حيث توجه وجهاء هذه العائلات على رأس وفود من أعيان البلاد من جميع الأقضية والطوائف إلى بيت الدين مطالبين بشمول الدستور لجبل الدروز ... ثم تحولت هذه المظاهرات إلى حركة عصيان جماهيري أرغمت المتصرف المسيحي على إعلان الدستور في جبل الدروز

كما كان أمير البيان  شكيب ارسلان من أوائل الداعين  لإنشاء الجامعة العربية  في اعقاب الحرب الاولي  1914 / 1917 م لتكون جامعة لكل الوطن جامعة تتبني قضاياه في ضوء التحديات الجسيمة من مستعمر  كما كان الامير شكيب ارسلان بعيد النظر في ضوء التقسيمات الصهوينية لفلسطين  ومحاولات تهويد فلسطين وهو ماحذرمنه  في العديد من زياراته ولقاءته بالزعماء العرب  وهو ماحدث نتيجة الغياب العربي  نتيجة الفتن والمؤامرات التي عصفت بالوطن ؟
كان رجلا تاريخيا  بمعني الكلمة في عصره بذل جهود كثيرة  وجبارة في تبني قضايا الوطن ولم يعرف الحديث بغير اللغة العربية  لسانا فصيحا في كل المحافل الرسمية رغم أجادته للعديد من اللغات الأخري  الانجليزية والفرنسية والتركية والالمانية  كان عربيا وعروبيا  في كل مواقفه الداعمة لحرية لبنان لحرية الوطن العربي ؟
ومن كتبه التي مازالت تخاطب العقل العربي في مكتباتنا العربية 

(تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط)

(الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية)
(رواية آخر بني سراج: تأليف الكونت دي شاتوبريان – ترجمة: شكيب أرسلان)
(السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة)

(شوقي، أو صداقة أربعين سنة)

(لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟)

كما تمتع بعلاقات صداقة وطيدة  الامير شكيب ارسلان مع رفقاء عصره ومن هؤلاء الاديب المعروف الشيخ رشيد رضا رفيق كفاح  طويل (وكتابه اربعين عام من الصداقة)  مع الشيخ رشيد رضا  يجسد ويؤرخ  ويعمق من تلك المشاعر بلغة التاريخ بلغة الصدق والإيمان بقضية وطن بنبل الصديق للصديق  بنبل فيه الوطن خالدا  ؟
وكان دائما ينشر  الامير شكيب ارسلان مقالاته  علي  صدر صفحات المنار التي كان يشرف عليها الشيخ رشيد رضا  احد التنويريين  العرب الذين كان لهم بصمة في عالم الثقافة مع الشيخ محمد عبده  والاديب والسياسي جمال الدين الافغاني  مصطفي كامل   سعد زغول  كما كان الامير شكيب ارسلان صديقا حميميا لأمير الشعراء أحمد شوقي  ( كتابة شوقي وصداقة اربعين سنة )  فلم يكن رجل سياسة بل كان  رجل سياسة وأدب من طراز فريد !
ولاريب نجد الامير شكيب ارسلان بعيد النظر في كل مقالاته التي كتبها في صدر الصحف  العربية والتركية باللغة العربية ومنها المنار في الاحساس بالخطر الديني والطائفية التي يروج لها المستعمر في عصره لكي  يقسم الوطن العربي وهو ما نراه في كثيرا من المشاهد المؤلمة والتي عصفت بالعراق اليوم العراق التاريخي  الذي وقع في براثن الطائفية بلغة أهل المكر والفتن !
لكن يبقي الامير شكيب رسلان مناضلا وشاعرا وأديبا عربيا بسيرته الملهمة لكل مبدعي ومبدعات وطن  بكل مشاعر التواصل عبر الإنترنت عبر الفيس بوك وتويتر والمدونات الإلكترونية بكل ملامح عصر عولمي عصر فيه شكيب ارسلان حاضرا وباقيا وخالدا بما صنعه من تاريخ لوطنه العربي  لوطنه لبنان لوطنه وشاغله الازلي الإنسان والآخر ؟!
بقلم 
عبدالواحد محمد 
كاتب وروائي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

الأمم المتحدة.. حائط مبكى العرب من جديد!/ صبحي غندور

هاهي القضية الفلسطينية تعود من جديد إلى أروقة الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن فيها، رغم تكرار هذا الأمر عشرات المرات في العقود الستة الماضية دون تنفيذ الحدّ الأدنى من قرارات دولية متعدّدة بشأن حقوق الشعب الفلسطيني، والذي يعاني بعضه المقيم على أرضه من عسف الاحتلال، وبعضه الآخر من ظلم وقهر اللجوء والتشرّد في بقاع العالم لأكثر من ستين عاماً.
فما الجديد الآن لكي تكون هناك آمال ومراهنات على نتائج أفضل من مؤسسة دولية، كانت هي التي شرّعت الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين ولم تُجبر هذا "الوليد الأممي" الجديد على احترام وتنفيذ أي قرارات صادرة عنها!؟. هل العجز عن توفير بدائل فلسطينية وعربية أخرى هو الدافع لهذا التحرّك الآن نحو مجلس الأمن؟! فالمشروع الأردني أمام "مجلس الأمن" جرت الموافقة عليه من قبل "السلطة الوطنية الفلسطينية" و"جامعة الدول العربية"، وهو مشروع جيّد لو يجري تطبيقه، لكن ما الذي سيجعل أي حكومة إسرائيلية تقبل به وتعمل على تنفيذه؟! وهل نفّذت إسرائيل أصلاً أي قرارات مشابهة من الجمعية العامة أو من مجلس الأمن؟!.
إنّ إدارة أوباما تنظر لمضمون "المشروع الأردني" أمام مجلس الأمن بمثابة "السقف الأعلى" الذي يمكن تعديله والتفاوض بشأنه، بل ربّما هي نسّقت بشأنه مع الطرفين الأردني والفلسطيني قبل الإعلان عنه، فهي تريد توظيفه كأداة ضغط على حكومة نتنياهو من أجل وقف الاستيطان والعودة للمفاوضات حول القضايا النهائية المتعلّقة بقيام دولة فلسطينية. لذلك وجدنا المشاريع الأوروبية تخرج في مواجهة المشروع "الأردني- الفلسطيني"، وأيضاً بالتنسيق مع واشنطن، لكي تتحوّل صيغة مشروع القرار من مهلة سنتين لإنهاء الاحتلال إلى مهلة سنتين لإنهاء التفاوض!.
طبعاً، ليست هي المرّة الأولى التي تتباين فيها المواقف بين واشنطن وتل أبيب، فقد حدث ذلك في مطلع عقد التسعينات بين إدارة جورج بوش الأب وبين حكومة شامير، ثم تكرّر الأمر في نهاية العقد نفسه بين إدارة بيل كلينتون وحكومة نتنياهو حيث دعمت واشنطن آنذاك الانتخابات المبكرة في إسرائيل، والتي أدّت إلى وصول يهود باراك لرئاسة الحكومة بدلاً من نتنياهو، وهو أمرٌ تراهن إدارة أوباما على حدوث حالة مشابهة له في مطلع العام القادم.
المشكلة هنا أنّه في ظلّ حضور الضغط الإسرائيلي الفاعل داخل الولايات المتحدة، من خلال العلاقة مع أعضاء الكونغرس والهيمنة على معظم وسائل الإعلام، تصبح السلطة التنفيذية في أميركا أسيرة ضغوط السلطة التشريعية و"السلطة الرابعة" أي الإعلام. وعندها لا يكون الفرز فقط بين حزب ديمقراطي حاكم وحزب جمهوري معارض، بل يتوزّع "التأثير الإسرائيلي" (كما هو أيضاً في قوى الضغط الأخرى) على الحزبين معاً، فنرى عدداً لا بأس به من "الديمقراطيين" يشاركون في ممارسة الضغط على الإدارة الحاكمة لصالح هذا "اللوبي" أو ذاك، علماً أنّ تعثّر "الرؤية الأوبامية" بشأن "الملف الفلسطيني" سببه ليس حصراً حجم تأثير "اللوبي الإسرائيلي"، فهناك طبعاً "مصالح أميركية عليا" ترسمها قوى النفوذ المهيمنة تاريخياً على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية الأميركية، وهي قوى فاعلة في المؤسسات المالية والصناعية الأميركية الكبرى.
والمعضلة أيضاً هي في الاختلال الكبير بميزان "الضغوطات" على الإدارة الأميركية لجهة حضور "الضغط الإسرائيلي" وغياب "الضغط العربي" الفاعل، ممّا يسهّل الخيارات دائماً للحاكم الأميركي بأن يتجنّب الضغط على إسرائيل ويختار الضغط على الجانب العربي، والطرف الفلسطيني تحديداً، وهو الطرف المستهدف أولاً من قِبَل إسرائيل، كما هو "الحلقة الأضعف" في سلسلة التحرّك الأميركي بالمنطقة.
وقد أصبحت معادلة "الضغوطات" تقوم على أنّ إسرائيل تضغط على واشنطن، فتبادر واشنطن بالضغط على الفلسطينيين والعرب. ويحدث هذا الأمر في كل مرّة يظهر فيها تحرّك أميركي جاد للتعامل مع ملفات الصراع العربي/الإسرائيلي، وهو ما حصل مؤخّراً حينما أسقطت واشنطن شرط تجميد المستوطنات داعيةً السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بلا شروط ومطالبةً الدول العربية بخطوات تطبيع مع إسرائيل لتشجيع الطرف الإسرائيلي أيضاً!!
فكيف يمكن المراهنة على الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن إذا كانت غالبية القوى السياسية الإسرائيلية ترفض وقف الاستيطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطينين، وهي القضايا الكبرى المعنيّة بها أي مفاوضات أو "عملية سلام" مستقبلية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبل إقامة الدولة الفلسطينية؟! ثمّ كيف يأمل الفلسطينيون بموقف أميركي فاعل إذا كانت إدارة أوباما قد تجنّبت ممارسة أي ضعط فعلي على إسرائيل رغم التباين مع حكومتها بشأن المستوطنات، فتراجعت واشنطن ولم تتراجع تل أبيب؟!. 
وهل تراهن إدارة أوباما الآن على استثمار نتائج ما حدث ويحدث في البلاد العربية من تهميش للقضية الفلسطينية ومن تفجير لصراعات وحروب أهلية عربية ومن غياب لمرجعية عربية فاعلة، من أجل دفع إسرائيل لقبول "المبادرة العربية" بعد الحديث عن تعديلات في نصوصها، فيعمّ التطبيع "العربي والإسلامي" مع إسرائيل قبل انسحابها من كل الأراضي العربية المحتلّة في العام 1967؟!.
لقد أصبحت المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية هي القضية، وكأنّ 21 سنة من هذه المفاوضات (منذ أوسلو 1993) لم تكن قائمة!. فأين هي الضغوط الفلسطينية والعربية على إدارة أوباما، ولماذا هذا التسهيل الدائم للرغبات الأميركية ممّا يُضعف الموقفين العربي والأميركي معاً؟!.
لذلك، فإنّ الضغط الأميركي المطلوب على الحكومة الإسرائيلية يحتاج أولاً إلى ضغط فلسطيني وعربي على واشنطن وعلى المجتمع الدولي عموماً من خلال توفير وحدة موقف فلسطيني مدعوم عربياً، ومترافق مع تجميد كل أنواع العلاقات الحاصلة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ومع استمرار حق خيار المقاومة المسلّحة والشعبية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وبأن لا تكون هناك أي مفاوضات فلسطينية مع إسرائيل ما لم يتمّ الوقف الكامل والشامل لكلِّ عمليات الاستيطان في كلّ الأراضي المحتلّة، إضافةً إلى إنهاء الحصار القائم على قطاع غزّة. بذلك تكون هناك مصداقية للموقفين الفلسطيني والعربي، وتكون هناك خطوات عربية جدّية داعمة للضغط الأميركي "المعنوي" الذي تمارسه إدارة أوباما لأمدٍ قصير على نتنياهو.
فما حدث من "أزمات معنوية" بين أوباما ونتنياهو لم يكن بين "الدولتين": أميركا وإسرائيل، بل بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. والأزمة أصلاً كان مردّها الأجندة الخاصّة بكلّ طرف حول أوضاع الشرق الأوسط ككل. فالتزامن بالوصول إلى الحكم في العام 2009، الذي حدث بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، لم يرافقه توافق في الأجندات المرحلية. فبينما جاءت إدارة أوباما على شعارات رفض الحروب والسعي لمعالجة الأزمات الدولية عبر التفاوض، وصل نتنياهو للحكم بفضل غالبية متطرّفة من الناخبين الإسرائيليين، بعضهم يريد تهجير الفلسطينيين من الضفّة ومن أراضي العام 1948، ويرفض الاتفاقات الموقّعة مع السلطة الفلسطينية. أيضاً، وهذا هو الأهم، فإنّ حكومة نتنياهو التي أرادت التملّص من مسيرة التسوية مع الفلسطينيين، راهنت – وما تزال- على دفع أميركا والغرب إلى مسيرة حرب مع إيران ومن يقف معها عربياً. فهو خلافٌ يتجاوز مسألة الاستيطان ويشمل الرؤية لمصير الصراعات والحروب والتسويات في الشرق الأوسط الكبير.
إنّ إسرائيل تراهن على انقسامات وصراعات في الجسم الفلسطيني وفي عموم المنطقة العربية، وتجد مصلحةً كبيرة الآن في الأحداث الدموية الجارية في المشرق العربي وانعكاساتها على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، كما أنّ إسرائيل مستفيدة جداً من تصاعد الصراعات العنفية في المجتمعات العربية عموماً. وقد عجزت المواقف الأميركية والأوروبية عن تحقيق ما تريده من إسرائيل، فكيف بما يتوجّب على إسرائيل للفلسطينيين والعرب؟!. 
خلاصة تجارب الماضي تؤكد أنّ الأمّة أو الأوطان التي لا يتوحّد ولا يتحرّك أبناؤها من أجل قضاياها، تنقاد حتماً لما سيقرّره لها الآخرون!.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

الرقص على وتر العاطفة وعاصفة العقل التي تطول وتقصر في سيسولوجية الشاعر عثمان حسين/ هدلا القصار

بما أننا نؤمن أن جميع ما يقوم به الفرد على وجه الأرض يحمل حلما ورسالة تعبر عن رغبة تطوير الذات وتغذية المعرفة من ثقافة الحياة ... 
وهذا ما كنا نبحث عنه دون هدف في جلسة حوار أدبي جمعتني ببعض الزملاء الشعراء والكتاب في جالري غزة الثقافي، حيث استمعتما بقراءة بعض من نصوص الشاعر الفلسطيني عثمان حسين، الذي ذكرني أو أنني لم أنسى إهدائه لي ديوانه الأخير( كأنني أدحرج المجرات ) لأعيد قراءة ما بداخل هذا الشاعر الساكن/ الهادئ/ السارح في ملكوت التأمل... بسعيه للتعبير عن القيم الإنسانية، والوجودية، في قضايا مجتمعه المرتبط بقضاياه الحسية، مما شكل فراداته الشعورية، والابتكار في تنوع الأسلوب والمضمون ... من خلال تقنيات تصوراته الفلسفية الإبداعية  في تجربته التي خرج منها بما يقارب خمسة دواوين لا تخلو من العمق أنساني والاجتماعي والسياسي ... 

بيد أنني ما زلت أتأمل كلمات الشاعر وأعيد بذاكرتي إلى ما قرأته سابقا، فما كان من فضولنا سوى وضع مقارنة بين قديمة وجديدة بالتعاون مع مكتبة اتحاد الكتاب الفلسطيني. 
لنفتح باب البداية المحملة بمنجل النقد وسكين الفكر، ولنبحر في عالم شاعر علق صهيله في شريان القلم، دون أن يدرك إن عين الناقد نصف نائمة ونصف متيقظة، تراقب كيف يموت الشاعر ويحيى على أوراق الذات التي منحته الحب والألم، ومنحنيات الفكرة والموت والحياة، وما يعانيه في ظل الاحتلال في تجربته الثانية التي تحمل عنوان " البحار يعتذر عن الغرق " 
المحمل بمعانات متوضئة بمطر البوح العالق في حلق الشاعر الذي أرغم صوره الشاعرية على الانحناء  والنشوة الحاضرة في تجربة جعلته كغزالة تسرح في ملكوت المشاعر الإنسانية والوجدانية.. تسكن تسعة وثلاثون قصيدة، تناولناها بإسهاب فبل أن نغرق في محطات تجربته الأخيرة " وكأني أدحرج المجرات " لنؤكد انزحاياته الصورية التي تبتعد وتقترب من نافذة تطل على تسجيل لحظات الشاعر الواقعة  الدلالة المعني، في العبارات اللفظية، والتراكيب اللغوية في سياقات مختلفة تسير بين الواقع المرئي، وبين المفردات والمعنى، وبين الصور والمغذى، في  تنقله إلى تصوير حالات أخرى اشد قساوة وحزنا .

هذا ما استنتجتاه من ديوان يرتدي نصف حداد لبحار يعتذر عن الغرق " لكن لم يكن هذا البحار سوى الشاعر عثمان حسين، الذي استيقظ في نهاية المطاف لان يعتذر عن الغرق من عالم الحزن  .
لذا حاول الشاعر أن يحي خيالات الموت وسوداوية الرؤى، التي أفرغها على أوراق أبحرت بقصائد تحمل عناوين دالة على عتمة الشاعر، إلا وهي " البلاد التي رتبت ظلها" و الحياة / و/قصائد في متناول الوجع / تعب/ مشروع وطن / وطن مشروع/ سادية / استفزاز/ احتمالات../ أنا سيد الأمنيات/ الخريف الذي جاء قبل المجيء/ البحار يعتذر عن الغرق/ حالة / انهزامي ../ الخامسة / رباعية البقاء/ فاتحة/ نرجسية/ انتقام/ خاتمة / خماسية الوصول إلى جلفار/ توحد/ انكسار/ ارتطام/ اشتعال/ جلفار/ كتابات/ عقوبة / اشتهاء/ مجازفة/(( "قصيدة بأربعة أقدام" الأولى...، الثانية، الثالثة، الرابعة))/ خواتم/ بثينة/ و / ميسون . 

كغيمات استدرجتنا هذه العناوين لنعري ركاب القصائد، ونفضح ما يجول في قلب شاعر يتجول في زوايا الرؤية والألم، ليسبح في تجليات أمواجا من صور وضعها في أسطو أفرغت كل ما لديه من سادية الرؤى التي استنزفت مخيلة عراف جالت به الأقدار، إلى أن فتحت له رؤية ما خلف "سوسيولوجيا" الظواهر الإنسانية والاجتماعية التي لم تبتعد بعيدا عن المجتمع الغزي الذي ما زال الاحتلال يملك نجمته وغيرها من المجرات التي تكلم عنها الشاعر عثمان، في ديوانه ( كأني أدحرج المجرات) 

وبما أننا نحاول أن نختصر تصفيف النصوص، سنضع تجربة الشاعرة الثانية بعد ديوانه الأول ( رفح) لأول المشترك، كنموذج لتقنيات مخيلة الشاعر التي زرعها بصور تنحني لقصيدة " البلاد التي رتبت ظلها" 

عائد هكذا ....
والمكان يجرجر أنحاءه
السماء على عاتقي 
منذ ألف وخمسين عمراً
والمسف الذي راود الصبح 
وما زال يعوي
ويمضي معي في شتاتي
كأني تخلقت في ريئتيه
على مسمع من حدود المساء
كأني أعود كما شاء لي أن أعود 
بكل صدق وألم وغموض عبر الشاعر من خلال هذا النص عن بياض الحلم وعتمة الواقع في ظل خيال أعاده في نهاية المطاف إلى مساء شاء له أن يعود .
وهكذا جعلنا الشاعر ان نعيش ارتباطه بالحلم الذي تخطى الألم من خلال انخراطه بالعاطفة والعشق والموت والهروب من مخلفات الحزن، وما بينهم من بينات الابتكار والتوليد، وما خفية في الجزء العميق من رؤية الشاعر وما تحتاجه حدود كتابة (البحار يعتذر عن الغرق) وما يحمله من صور تطارد الأخرى، إلى أن يترك الشاعر أثرا له في كل قصيدة، سجل فيه ذاتيته بكل صدق، رغم فيضان الحزن الذي ماج في أرواق تضيء لنا رؤية جديدة من لحظات التأمل المنتقلة من رحم الجنين إلى الحياة ... 
انه شاعر يملك أسلوب ينبع من فكر عاطفي مهما تواضعت منزلته الإنسانية والوجودية . 
حيث يذهب بنا الشاعر إلى نص آخر بعنوان " كما يموت العازفون" 
ماذا ستخسر 
لو أخذت من الجريمة
 لحظة دموية 
وسفكت كوكبها سدى 
ماذا ستخسر
 لو تحاصر حكمتي 
وتفر حين اشاغل الوجع 
المقرفص في ثغاء الناي 
غير حمامة مكية
حملت مشيمتها البغية 
واستراحت من ضجيج القلب 
ماذا لو ينام الصبح فيجسد النهار 
وتتقيني كل فجر خائب ماذا ستخر 
غير انك لن تموت كما يموت العازفون 
الله يا وطني 
وطن الله في أوقاته 
والناس يكترثون بالناس 
الذين يلطخون حنينهم والزهور مصيدة 
****
جميعنا نعلم بالمثال القائل " يموت الزمار وأصابعه تحرك الأوتار دون وتر " أما شاعرنا في هذا النص طرح تساؤلات حول وجود الإنسان الذي يموت متألما إلى أن تذهب روحه إلى كفن الأقدار، لكن يبقى الألم متوارث عبر الأجيال ...
وفي نص آخر بعنوان " الحياة يعود الشاعر مرة أخرى ليذكرنا بما تاه منه فيما سبق من لغز "الحياة" التي انتهت حسب تقسيمه الشاعر لهذا النص الذي نثر على شكل ومضات معنونة بخمسة أحرف إلا وهي : ( تبدأ بالاف / ولام /و/ميم /و تنتهي ب / التا )
فلو جمعنا أحرف مقطوعات هذه القصيدة التي قسم فيها الحياة إلى خمسة احرف!! تجمع كلمة "الموت " فإلى أي حدا كان الشاعر عثمان حسين يعاني من سوداويات الحياة القائمة منذ تاريخ 1987 ، حسب تاريخ كتابة " نصوص البحار يعتذر عن الغرق، التي امتدت حتى العام 1991 ، فهل نعذر تكاثر الحزن عند الشاعر عثمان حسين، في مثل هذا الإبداع الذي حول صور الحياة اللامرئية إلى ضوء خرج منها بمخيلة كادت أن تتلبس الشاعر لولا قفز إلى تدوين تجارب أخرى متنوعة منها : (من سيقطع رأس البحر) (له أنتِ) و (الأشياء متروكة إلى الزرقة) وغيره من العناوين إلى أن أوصلنا إلى سريالية ديوانه الأخير( وكأنني أدحرج المجرات( كان الشاعر أراد يقص لنا ما بداخل كل نص من خلال عناوين أكثر انشراحا .... يبدوا ضوء الشاعر سار باتجاه قريحة أكثر انفتاحا حيث الألوان تظهر أكثر ضوءا .
هكذا قرانا أوراق الشاعر من قبيل السياحة حيث نقلتنا الدهشة والانفعال السريع إلى نصوص تنبثق من دائرة السيسولوجيا المكثفة بالصور والأفكار الممتلئة بالأصوات والألوان والروائح ... وما يعبر ذاكرته الدافئة لتشمل فضائه الذي ما زال يبحر ويبحر فوق أمواج تسجل هدير الغرق بأصابع تلمع بفضة الصور وذهب الأخيلة في أجندة شاعر يزدحم بإحزان العقل وقبور الرغبات واقتحامها الخفي والمجهول .
فيما تعرش مجرات الشاعر في  أوراق محملة بالألم، والمعاناة، والحيرة، والتساؤلات، وبداية النهايات، وغيرهم من الأسماء كـ "( أشرقت كفراشة مسها اللهب / نكوص/ أجهل ما اريد /قوسقزح/قول/ ألم / سؤال قديم/ السارق/الموت عادة مملة بأنياب/ رثاء/على غير العادة/ في حالتي / كأني أدحرج المجرات/ يوم عادي ) 
جميعها نصوص مملوءة بصور تلاحق عجلات الزمن وأنفاس فجرا قد يأتي وقد يذهب دون ضوء ... ليتكئ من جديد على صراط الموقف والموهبة بما أنها سيدة الإبداع . من حيث المضمون الثقافي .

إذا هذا هو الشاعر عثمان حسين، الطائر الجميل الذي صاحب كيانه، كما لو انه يشبه لوحات الرسم غير المنقوشة، لنرسم بأنفسنا حالاته المستلقية على سطور وضعت تحت مستوى الضوء، لتبقى كالإيقاع النفسي وشهقة الزفير في كلمات تشعل لهب الروح المسكونة في قلم يسجل الهم الوطني والنفسي والاجتماعي، كلما داهمته رؤية تعانق الحروف التي تنبض " بسيسيولوجية" العمق والإدراك الحسي والباطني...
وكأن الأفق تدحرج به حين أبحر في سماء الوجد، وابتهالات عالم لا يمر تحت سمائه، حيث ملائكة الروح تسير على ضفاف أفق يقترب من منجل لذة الألم الذي جعل الشاعر في نهاية المطاف أن يعتذر من الغرق، ليبحث في المجرات عن الجانب الروحي والإنساني في العشق والحب وما بينهما من ألم وحزن ورثاء، وما أدركتها لغة النفس من جماليات صور تعتمد على التأويل والتركيز والتحريض الذي يمدنا بالقيم الإنسانية كما جاء تأملنا في دواوين قصائده المتعددة الاتجاهات والمنابر لإنتاجه الفكري، لنرى انعكاس الحياة على نفس الشاعر، حيث يقتحم الخفي والمجهول والظاهر، ليجمع تناقضاته وانسلابه التأملي بالرؤى الصوفية في صور تخلق ذاته من عيوب التناقضات الإنسانية بحثا عن الأمان في ضبابية الحياة . 
مما أستحضرنا أغنيات شكسبير الوجدانية، حيث نزعات القلب والعقل تأتي من نهر السريرة, التي تتحول إلى صور تطارد الأخرى، لتبدو كالموسيقى تدخل الإذن قبل العين، التي لم تعد تقتصر على التأملات الفلسفية فقط  .

فماذا نقول لشاعر أراد الإبحار في حروف الزهد وعناق الورق بما لذا وطاب من إبداعات تعيد ترتيب أوراق الشاعر في " كأنني أدحرج المجرات " الذي بد لنا كسعال كاهن متعبا من نصف أنثى معتمة، ونصف عالم مشتت بحالات تكاد أن تكون فوق طبيعية الإنسان المتجلية في العمق الشعوري . 
ربما ماج الشاعر بأصابع خفية، وربما طاوعته حروف العلة بأصواتها المتحركة كلهاث هادئ تنتصب في روح الشاعر كزلزلة تصب في أناء تولد فرشات لذة الشعر التي أرغمت الشاعر الهروب من السوداوية إلى الحب والعاطفية ومفرداتها،  والغضب وعنفوانه، والمعرفة ومتدرجاتها، لنكتشف الوجه الآخر للشاعر عثمان حسين، من خلال قصائده المخصبة بشاعرية النص ونثريات الحداثة، في محاورة إستراتيجية الذات وآلياتها ....
مرة أخرى نسال ماذا لو رف النرد تحت أقدام خيال شاعر أدرك تماما معنى كاس قهوته، وما يحمله من حواس في قصائد تبحث عن أناء الشاعر في صحراء تتسع لجيوش نصوصه ونكهتهم المختلفة، حيث يطلق سهامه على أذان تلتقط ما يدور من رؤى الشاعر عثمان حسين، الذي لا تهجره صحوة ولا نوم، وكأنه يبحث عن الحب في ارض ملتهبة لا يمارس الحب فيها حيث يطلق خيالاته بأسئلة مشرعة يمتزج فيها الفهم بالشعور المتكئ على أفق يحمل مطر الأمل في مجرات تشمل الشمس والأرض والقمر والكواكب ومتفرعاتها .... 
ليدخل من جديد الهم الإنساني المتغلغل في شذراته اللاشعورية، ولنسمع دقات قلب شاعر يقودنا إلى تذكر بني آدم المكون من فرحا وحزن في مشاعر تتغذى على عالم الشعر والشعور الذي يضع الحكمة في مكان العلم.. 
حيث يلجأ الشاعر عثمان حسين إلى منظور الشعر القادر على أن يجمع حاجات مشاعرنا في الشعر الذي يمنحنا مفتاحا نكتشف من خلاله موائد إنسانيتنا التي نضعها في نصوص رسائلنا التي تنصت للمعنى الذي نواجه فيها انكساراتنا وأفراحنا وما وراء أفق الشاعر من مخيلة ورؤى لذا تدرك غصة الشاعر الفلسطيني عثمان حسين وما يجول في جوف مخيلته الصلبة .....

جوزيف ابو فاضل: لقاء عون وجعجع لن يقدم ولن يؤخر والتفاوض مع داعش خطأ

أكد الكاتب والمحلل السياسي المحامي جوزيف أبو فاضل أنّ الحوار المتوقع بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حتى لو تمّ، لن يقدّم ولن يؤخّر، موضحًا أنّ لكلّ من الرجلين حساباته المعروفة التي تمنع الوصول إلى اتفاق.
وفي حديث إلى تلفزيون "المنار" ضمن برنامج "مع الحدث" أداره الإعلامي علي قصير، أكد أبو فاضل معارضته للمؤتمر التأسيسي إذا كان سيلغي المناصفة، لافتاً إلى أنه في المقابل يؤيّد مؤتمرًا تأسيسيًا يثبّت المناصفة بل يؤمّن مناصفة فعلية وليس لفظية، معتبراً أنّ قانون الانتخاب العادل هو الذي يثبّت المسيحيين في أرضهم ويثنيهم عن مغادرتها.
وفيما أعرب أبو فاضل عن اعتقاده بأنّ مبدأ التفاوض مع تنظيم داعش وجبهة النصرة خاطئ، مبديًا خشيته من أن يسقط المزيد من العسكريين المخطوفين شهداء في المرحلة المقبلة، أشار إلى أنّ شدّد البلد قائم على مؤسستين واحدة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد جان قهوجي وثانية اقتصادية برئاسة حاكم مصرف لبنان بسياسته الناجعة.
وفي الملف السوري، نبّه أبو فاضل إلى أنّ تجميد الحرب انطلاقة لتقسيم سوريا على المدى الطويل، وأكد أنّ اللقاءات التي يجريها الروس مع عدد من المعارضين السوريين لن تقدّم ولن تؤخر وهي مضيعة للوقت، مشدّدًا على أنّ الرئيس السوري بشار الأسد لن يقبل أن يشاركه أحد من الإخوان المسلمين في السلطة لأن ذلك سيفسد السلطة.


زيارة الجميل تصبّ بخانة الانفتاح
أبو فاضل توقف عند زيارة رئيس حزب الكتائب أمين الجميل إلى الجنوب، فلفت إلى أنها تصب في خانة الانفتاح الحاصل في لبنان وانفتاح الفرقاء على بعضهم علماً أنه يسير بحوار مع حزب الله والقيادات والخطوط لا تزال مفتوحة بينه وبين الرئيس نبيه بري، مشيداً بالمواقف التي أطلقها ضدّ التكفيريين، واصفًا إياها بالجيدة، إضافة إلى موقفه المشرّف السابق الرافض للتمديد للمجلس النيابي، مشدّدًا على أنّ حزب الكتائب قام بانعطافة عن قوى الرابع عشر من آذار وبات يتمايز بمواقفه بشكلٍ واسع.
وفيما أكد أبو فاضل تأييده للحوار دائمًا بين كلّ الفرقاء ولا سيما في لبنان باعتباره بلدًا محكومًا بالحوار، شدّد على وجوب أن يحفظ أيّ حوار الكيان اللبناني، ولفت إلى أنّ الحوار المرتقب بين تيار المستقبل وحزب الله لن يتطرق إلى مختلف المواضيع الخلافية من سلاح حزب الله إلى قتاله في سوريا مرورًا بموضوع سرايا المقاومة، وسيتطرق فقط إلى الانتخابات الرئاسية وبشكل منسجم مع التحالفات القائمة.

حوار عون وجعجع لن يقدم ولن يؤخر
ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ الفريق المسيحي يخشى أن يؤدي إلى نشوء تحالف رباعي جديد على حساب المسيحيين على غرار ما حصل في العام ألفين وخمسة، ولكنه رأى أنّ هذا الأمر غير وارد حالياً، متحدثاً عن قرار استراتيجي من سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري بالحوار من أجل التهدئة أولاً وأخيراً، لافتاً إلى إمكانية دخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على خط هذا الحوار من خلال رعايته وإدارته.
واستبعد أبو فاضل أن يصل رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى اتفاق حتى لو حصل اللقاء بينهما، مشيراً إلى أنّ لكلّ منهما حساباتٍ معروفة، مشدّداً على أنّ الحوار بينهما لن يقدّم ولن يؤخّر، ونفى رداً على سؤال أن يكون هناك أي دور لبكركي أو للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أيّ دور في هذا اللقاء.

لمؤتمر تأسيسي يثبّت المناصفة
وفيما لفت أبو فاضل إلى الصلاحيات المنقوصة التي بات رئيس الجمهورية يحظى بها بعد اتفاق الطائف، بحيث بات دوره يقتصر على استقبال السفراء وتعليق الأوسمة وإصدار قوانين العفو في أفضل الأحوال، بل إنّ بعض الرؤساء كانوا يتقاضون الأموال مقابل قوانين العفو الخاص، شدّد على وجوب أن يكون للرئيس صلاحيات حقيقية، وأشار إلى أنّ المسيحيين يخافون من تكريس الفراغ الحالي، خصوصًا أنّ البعض يصوّر أنّ الدولة مستمرّة من دون الرئيس، باعتبار أنّ الصلاحيات تنتقل مباشرة إلى رئاسة الحكومة كما ينصّ الدستور.
ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنه مع مؤتمر تأسيسي يثبّت المناصفة ولا يلغيها حتى يبقى المسيحيون في البلد ولا يغادروه، مشدّداً على أنّ قانون الانتخاب يثبتهم أكثر من انتخاب رئيس الجمهورية، معتبراً أنّ قانون الانتخاب هو مسؤولية رئيس حزب القوات اللبنانية أكثر من غيره، بعد أن انقلب في السابق على موقفه من القانون الأرثوذكسي بفعل رفض حلفائه له.

هيئة العلماء المسلمين لا تمثل تيار المستقبل
وأشاد أبو فاضل بالهبة السعودية إلى الجيش اللبناني والتي وصلت قيمتها إلى أربع مليارات دولار، ورأى أنّ وجود تيار المستقبل في السلطة ربما هو الذي ساهم في الهبة السعودية، معتبراً أنّ المملكة العربية السعودية لها مصالح في لبنان، وأنها ربما تحاول الدفع من جديد بالرئيس سعد الحريري إلى الساحة اللبنانية، بعدما بات موقفه ضعيفًا إلى حدّ ما، ولفت في المقابل إلى الدور السيء الذي تلعبه السعودية في سوريا، وهي التي ساهمت بشكلٍ كبير في تدمير سوريا.
ورفض أبو فاضل، ردًا على سؤال، تعويم هيئة العلماء المسلمين في لبنان، معتبراً أنها لا تمثل تيار المستقبل وإن كان الوزير أشرف ريفي يهمّه أمرها، مشيراً إلى أنّه هو من استجلبهم منذ البداية إلى رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق، مشكّكًا بالدور الذي تلعبه هذه الهيئة والذي توضع حوله الكثير من علامات الاستفهام.

مبدأ التفاوض مع داعش والنصرة خطأ
وفيما لفت أبو فاضل إلى أنّ وزير الخارجية جبران باسيل لا يشارك باجتماعات خلية الأزمة انطلاقاً من رفضه التطرّف، استبعد الوصول إلى حلّ قريب لهذه القضية، وأعرب عن اعتقاده بأنّ مبدأ التفاوض مع داعش وجبهة النصرة خطأ، موضحًا أنّ الدولة على أراضيها لا تفاوض بل تقوم بعملية عسكرية، مستهجنًا رفضه التنسيق مع الدولة السورية على هذا الصعيد.
وجدّد أبو فاضل خشيته من وصول جبهة النصرة وتنظيم داعش إلى مجلس النواب اللبناني إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، واستغرب إقدام بعض الوزراء والشخصيات على شكر الشيخ مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية على الدور الذي يقوم به على هذا الصعيد، في حين يعرف القاصي والداني أنه مطلوب للدولة اللبنانية بتهمة الإرهابي، مثله مثل رئيس بلدية عرسال علي الحجيري المطلوب للدولة والذي يتنقل بسيارات النواب ويحصل على مكافآت دون حسيبٍ أو رقيبٍ.

تجميد الحرب انطلاقة لتقسيم سوريا
وفي الموضوع السوري، أكد أبو فاضل أنّ الأزمة السورية لم تنتهِ، مستبعدًا ما يُحكى عن تسوية قيد الإنجاز، مشيرًا إلى الأمور لم تنضج بعد وإن كان الوضع يتحسّن، لافتاً إلى أنّ المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا يحاول إحداث خرق على هذا الصعيد، لكنه نبّه إلى أنّ تجميد الحرب انطلاقة لتقسيم سوريا على المدى الطويل، موضحًا أنّ ذلك يؤدي لتكريس سيطرة الإرهابيين والتكفيريين على بعض المناطق.
وفيما ذكّر أبو فاضل كيف أنّ سوريا كانت توزّع خيراتها على كلّ العالم، أشار إلى أنّ الوضع اليوم صعب، لافتاً إلى أنّ السوريين اعتادوا على الحرب بعدما دخلت سنتها الرابعة، متحدّثًا عن جبهات ملتهبة في بعض المناطق، وشكّك بجدية الإدارة الأميركية في مقاتلة تنظيم داعش، مشيراً إلى أنّ داعش لا تصمد أكثر من ثماني وأربعين سنة في حال أراد الأميركيون فعلاً القضاء عليها.

أردوغان متعصّب متزمّت متطرّف
ورداً على سؤال، أشار أبو فاضل إلى أنّ الرئيس التركي رحب طيب اردوغان يسعى لاستلام الاسلام السياسي في المنطقة بدلاً من السعودية ومصر، معتبراً أنّ هذا سبب خلافه الكبير بينه وبين السعودية ومصر، ولفت إلى أنّ أردوغان لا ينام كما نام غيره من الرؤساء في قصر مصطفى كمال أتاتورك بل أقام قصرًا خاصاً له.
ولفت أبو فاضل إلى أنّ أردوغان مطوَّق من إيران وروسيا وهو لا يستطيع التحرك، معتبراً أنه متهوّر بطبيعته لكنه يعرف الحديث بالنفس المذهبي وإثارة النعرات، محذراً من إمكانية انقسام حزبه إذا استمرّ بهذا النهج على المدى الطويل حين ينتهي دوره، وأشار إلى أنه متعصب متزمت متطرف لا يأخذ ولا يعطي، ولاحظ أنه تارة يرغب بالانضمام للاتحاد الأوروبي في حين يرفض ذلك تارة أخرى، باعتبار أنّ لكلّ من الخيارين مصالح بالنسبة له.

لقاءات بوغدانوف مضيعة للوقت
وفي سياق متصل، اعتبر أبو فاضل أنّ من يسمّون بالمعارضين في سوريا لا يمونون على أحد، مشدّدًا على أنّ الرئيس السوري بشار الأسد لا يقبل بإدخال أحد الاخوان المسلمين في الحكومة لأنه يفسد السلطة كلها، ورأى أنّ الروس يضيّعون وقتهم إذا كانوا يراهنون على المعارضة الداخلية، مشيراً إلى أنّ لقاءات المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف مع معاذ الخطيب وحسن عبد العظيم وأمثالهما مضيعة للوقت وهي لا تسمن ولا تغني من جوع، وشدّد على أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ وفد النظام السوري الذي زاره مؤخرًا دعمه الكامل له وإتاحة كلّ الإمكانيات الروسية للسوريين.
وتساءل أبو فاضل عن موقع العرب وسط كلّ هذه المعمعة، واعتبر أننا اليوم نعيش زمن داعش، معتبراً أنهم لن يبقوا طويلاً، وشكّك رداً على سؤال بأن يكون النائب وليد جنبلاط بالفعل مع جبهة النصرة، مشيراً إلى أنّ موقفه مرتبط بخشيته من ممارسات هذه الجماعة ومحاولاته تجنيب العسكريين المخطوفين وطائفة الموحّدين الدروز من الضرار، مشدّدًا على أنّ هؤلاء لا يؤمَن جانبهم.

لا يمكن الثقة بالنصرة وداعش
ورداً على سؤال، أعرب أبو فاضل عن اعتقاده بأنّ المزيد من الشهداء سيسقطون من العسكريين المخطوفين في يد جبهة النصرة وداعش، متمنياً أن لا يكون صائبًا في توقعه، ولكنه شدّد على أنه لا يمكن الثقة بهؤلاء مهما كانت الظروف. وشدّد على ضرورة توكيل الموضوع إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم باعتباره وحده القادر على حلّ هذا الموضوع، وهو صاحب خبرة على هذا الصعيد.
 وجدّد أبو فاضل دعوته للمسيحيين لحمل السلاح لمواجهة التكفيريين والإرهابيين، مستندًا إلى قول الإمام موسى الصدر أنّ السلاح زينة الرجال، لافتاً إلى أنّ الشيعي والسني والدرزي معهم السلاح، ووحده المسيحي لا يحمل السلاح، مشيراً إلى أنّ المطلوب أن يحمي نفسه لا أكثر وليس المطلوب أن يأتي بالمدفعيات، لأنّ الجيش هو الذي يتحمّل مسؤولياته على هذا الصعيد.
وفي ختام حديثه، شدّد أبو فاضل على أنّ البلد قائم على مؤسستين واحدة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد جان قهوجي وثانية اقتصادية برئاسة حاكم مصرف لبنان بسياسته الناجعة والناجحة، الذي كان يأخذ الجوائز سنويًا من كلّ دول العالم، مشيداً كذلك الأمر بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.