مقدِّمة : الشَّاعرُ "منير أبو ندى" فنانٌ متعدِّدُ المواهبِ يرسمُ ويكتبُ الشِّعرَ باللغتين الإنجليزيَّة والعربيَّة . بدأ يكتبُ الشِّعرَ منذ نعومةِ أظفارهِ وقد عملَ على تطوير أدواتهِِ الشِّعريَّة حتى تبلورتْ مفاهيمُهُ وَصُقِلت موهبتُهُ وتكوَّنت لديهِ فيما بعد تجربة ٌخصبة ٌوغنيَّة ٌفي عالم الشِّعر والكتابةِ.
لم ينشرْ شاعرُنا مسبقا شيئا من قصائدِهِ في الصُّحفِ والمجلاتِ، وديوانهُ الأوَّل جاءَ مفاجأة ً جديدة ً مفرحة ً لجماهير القرَّاء وِمُحبِّي الشِّعر والادب . الديوان بعنوان (التوأم) وهو باكورة ُإنتاجهِ الشِّعري ويقعُ في( 80 صفحة) من الحجم المتوسط ، مطبوعٌ طباعة أنيقة وجيِّدة، وتحلِّيهِ بعضُ الرُّسوماتِ المُعبِّّرة بريشةِ الفنان نفسه . جاءَ إسمُ الديوان التوأم ولعلَّ الشَّاعر يقصدُ حبيبتهُ ورفيقة دربهِ التي تجسِّدُهُ فكرًا ومبدأ وعاطفة ً وعقلا فيُشكلان معًا توأما لا تستطيعُ أن تفصمَهُمَا خطوبُ الحياةِ ونوائبُ الزَّمن في خضمِّ الوجود اللامتناهي واللامحدود .
إنَّ جميعَ قصائد الديوان غزليَّة ووجدانيَّة ولم يتطرَّقْ إلى مواضيع أخرى مهمَّة جدًّا في ظرفنا الحالي ... أيّ شاعرنا لم يكتب قصائدَ وطنيَّة أو سياسيَّة تعبِّرُ عن واقعنا الذي نحياه بقلق شديد ويتوتُّر مُستمرٍّ، فمعظمُ شعرهِ يدورُ في الإطار الوجداني والغزلي المحض ...وبهذا يتميَّزُ عن عن كثيرين غيره من الشعراء المحليِّين (الكبار والشباب)الذين جلّ كتاباتهم في المواضيع السياسيَّةِ والوطنيَّة. ولكن ليس جميع هؤلاء الشعراء المحليِّين يكتبون قصائدَ وطنيَّة حُبًّا في الوطن وإخلاصا والتزامًا لقضيَّتهم، بل من أجل أن تمشي بضاعتهُم الكاسدة ُ، فالموادُ ذاتُ الصِّبغةِ الوطنيَّةِ شكليًّا شعرا كانت أو نثرًا هي الفارضة نفسَها في السُّوق اليوم وفي عكاظ الأدب المحلِّي المُهَجَّن والسَّاقط داخل البلاد حتى لو كانت هذه المواد المُسَمَّاة أدبا جافة وركيكة ودون المستوى .إذا نظرنا من ناحيةٍ شكليَّةٍ للديوان فشاعرُنا لم يضعْ عناوينَ لقصائدِهِ فكلُّ قصائدِهِ بدون عناوين، ويخالُ القارىءُ لأوَّل وهلةٍ أنَّ قصائدَ الديوان قصيدة ٌ واحدة ، فجميعُهَا تتكلَّمُ عن نفس الموضوع ومتشابهة ٌ في الشكل والمضمون، والشيىءُ الرَّئيسي والمتميِّزُ الذي نلمحُهُ عند قراءتِنا لديوانهِ أننا أمامَ شاعر مثقففٍ ثقافةٍ عالية، فثقافتهُ منعكسة ٌ تلقائيًّا وَمُتَجَسِّدَة ٌ في شعرهِ ُ،وهو في شعرهِ يُدخلُ كثيرًا من الرُّموز ويأتي بمعان ٍ فلسفيَّةٍ عميقةٍ وكما يستعملُ الكثيرَ من المصطلحاتِ والتعابير الجديدة فيضيفُهَا إلى قاموسِهِ الشِّعري، ولكنهُ يظلُّ مفهومًا وَشفافا . يستلهمُ إيحاءاته وإيماءاتِهِ وخيالاته ولوحاته الشعريَّة من الطبيعةِ ومن حدَسِهِ وتجاربهِ في محيطِ الحياةِ الواسع، ولقد تأثَّرَ بعضَ الشَّيىء من شعراءِ المدرسةِ المهجريَّةِ ... ودائمًا يأتي لنا بصور جميلةٍ وحلوةٍ وبإستعاراتٍ وابتكاراتٍ جديدةٍ جيِّدة، فكثيرًا ما يرمزُ لنا بما يدورُ ويجولُ في أفقِه الوجداني بظواهر طبيعيَّة كالمطر ... والريح .. والغيم ...والإعصار ... والشَّمس .. إلخ .. فتأتي هذه الرُّموز ملائمة ً ومطابقة ً للمعنى والتشبيه الذي يريدُهُ فيفهمُهُا القارىءُ حتى القارىء البسيط بسهولة . إنَّ جميعَ قصائد الديوان نثريَّة إلا أنَّ هنالك بعض المقاطع جاءت موزونة ً بشكل عفوي، ونحنُ لا نرى تكلُّفا في شعرهِ أو تعقيدًا بل ينسابُ معهُ خيالهُ وشعرُهُ وإبداعُهُ بسهولة وببساطةٍ كجدول ماءٍ عذبٍ يسيرُ في منطقةٍ سهلةٍ ولا تقفُ في طريقهِ أحجارٌ أو جنادل قد تعيقهُ عن الجريان . ولكننا نرى تفاوتا في مستوى قصائدِهِ حتى يظهر هذا التفاوتُ في نفس القصيدةِ بين مقطع ومقطع، فقد يأتي بمعنى رائع وَمُشِعٍّ مُضَمَّخ ٍ بأسلوبٍ وبسبكٍ جزلٍ ومتين وفجأة ً ينحرفُ مسارُهُ في مقطع آخر.. ولكنهُ في الكثير من قصائدِهِ جاءَ بالجديد والجميل والمُبتكر والمُحَبَّذ، فهو يملكُ الخيالَ الشعري الواسع واللغة َ الشِّعريَّة والأدبيَّة الصَّافية والمُنمَّقة والأسلوب الرَّشيق الجميل العذب...ونجدُهُ أيضا، في بعض الأحيان، يوظفُ ويدخلُ بعضَ المعاني والمعادلات المتناقضة المترعة بالسِّرياليَّة، ومن جيِّد شعرهِ حيث يقولُ :
( " الليلُ في عينيكِ // توأمٌ لحُرِّيَّتي
آخرُ امرأةٍ غادرتُهَا
تركتُهَا في حالةِ احتضار
تعتصرُني نوبة ُ ألم ٍ //
الهواءُ في محيطي مشحونٌ بالبارود
وقلبي قنبلة ٌ موقوتهْ
فماضيَّ قبلكِ عِبْءٌ // والمستقبلُ بدون نهايَهْ " ) .
وأخيرًا : سأكتفي بهذا القدر من الحديث وإستعراض قصائد الديوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق