الفصائل الفلسطينية علمت بقرب الهجوم على غزة/ محمد داود


ربما لم تختلف وثائق الجزيرة عن تلك الوثائق التي طالعتنا بها موقع ويكليكس، فهدفهما واحد، إذ لم يدينا الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، بل إنهم قدموا صك براءة لتلك الجرائم التي اقترفها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين إبان الحرب على قطاع غزة والتي تعرف بعملية "الرصاص المصبوب".

قناة الجزيرة الفضائية اجتهدت وتوصلت لوثيقة تتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعلمه المسبق بنية الاحتلال الإسرائيلي مهاجمة قطاع غزة ضمن عملية الرصاص المصبوب، أو معركة الفرقان. والمتتبع للمشهد السياسي والأمني قبل الحرب يمكن أن يخرج بتوقعات وتكهنات لشكل وطبيعة الحرب، فقد أفرد الكتاب والمحللون مساحات واسعة في الصحف ومواقع الانترنت ورصدوا بأقلامهم الزمان والمكان للهجوم، لدرجة كنت من الذين أسهبوا في سرد تفاصيل الهجوم وتوقعنا أن يبدأ بقصف مركز وهجوم بري همجي يبدأ من المناطق المفتوحة.

وهكذا جاءت توقعاتنا بعد عشرات التهديدات الإسرائيلية التي أخذت تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة وجاهزية الجيش الإسرائيلي وسلسلة التدريبات واجتماعات المجلس الوزاري الصهيوني المصغر، لبحث سبل الرد على إطلاق الصواريخ المحلية الفلسطينية، حتى أن دولاً عربية مجاورة وأخرى أوروبية بعثت برسائل تحث الفصائل الفلسطينية على التمسك بالهدوء والتهدئة، وقامت مصر الشقيقة ببذل قصار جهدها والاتصال بحركة حماس بصفتها القوة المسيطرة في قطاع غزة، حفاظاً على أمنها القومي.

أما الرئيس الفلسطيني فقد كان الصوت المميز الذي خرج على الملء وناشد الفصائل الفلسطينية بضرورة الالتزام بالتهدئة وتجديدها رغم مساوئها، وبعث رسالة عبر وسائل الإعلام إلى الفصائل المجتمعة برئاسة حماس في يوم تقييمها للتهدئة بأن تعمل على تجديد التهدئة، لكن الفصائل الفلسطينية قررت أمام الخروقات الإسرائيلية اليومية وسقوط الشهداء وضغط أذرعها العسكرية بأن ترد بالمثل على كرامة الإنسان الفلسطيني وهيبة المقاومة.

المشهد في تلك الحقبة لا يختلف عما يدور عليه الآن في الساحة الفلسطينية وخاصة الغزية، فقد أخذت السلطة المسيطرة في قطاع غزة التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد، وأبلغت الفصائل بضرورة تحمل المسؤولية الوطنية ووصف مطلقي الصواريخ بالمتمردين والعملاء، وأن الحكمة تحتاج إلى إدارة صراع وتأني. فالساحة الغزية بكل المقاييس لا تصلح بأن تكون نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي فهي تفتقر للمتطلبات الجيوسياسية والأمنية والمواجهة، ولا يمكن المناورة من خلالها.

على أي حال فإن الجميع كان يعلم بقرب الهجوم الإسرائيلي حتى أن أصبح لسان المواطن الغزي وبات هاجساً وحديث الساعة، والمتابع لشاشات التلفزة توقع قرب الهجوم وأخذ يرحل من مناطق التماس وعمل على تخزين السلع والتهيئة لاحتمالية الهجوم المفاجئ في أي لحظة، حتى أن المقاومة الفلسطينية وجميع الفصائل أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة وأبدت استعدادها.

الأمر لا يحتاج لاستصدار وثيقة ذكية تدين الرئيس لعلمه المسبق بالحرب، لأن الرئيس تلقى التحذيرات من الدول الشقيقة كما حماس والفصائل وقام بدوره الوطني والمسؤول بالضغط على الفصائل المسلحة ونقل الرسائل باعتباره المسؤول الأول عن حياة كل فلسطيني. وهو يعلم بطبيعة الفكر الصهيوني وتدارسه كما يستشف من خلال تصريحاته ومؤلفاته، فالفرصة واضحة بأن تهرب إسرائيل من استحقاقاتنا الوطنية كما هي ذات اللحظة التي نقف فيها على المحك .. حيث يشن الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية معركة سياسية في المحافل الدولية تمهيداً لإعلان الدولة التي يعترف بها العالم وسينتصر حتماً فيها لولا مقاطعة الجزيرة له.

ويبدو أن الهدف من وراء نشر الوثائق تشويه صورة الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية، وتبرئة الاحتلال من جرائمه بحق المدنيين الفلسطينيين، وإعفاء الفصائل الفلسطينية بما فيهم حماس المسؤولية، لنخرج في كلمة نهائية أن معركة الفرقان هي المعركة الوحيدة التي حققت النصر للشعب الفلسطيني دون سواها.

كاتب وباحث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق