الكتّاب الفلسطينيون والانتفاضة المصرية/ عبـد الكـريم عليـان

جمعتني الصدفة بكاتب مشهور يعتبر نفسه خبيرا بالشئون العبرية، وبالطبع دار بيننا نقاشا حول الحدث الأبرز على الساحة العربية وهو انتفاضة شعب الكنانة العظيم ضد النظام الذي حكم شعب مصر ثلاثين عاما، لكن الكاتب المشهور كان يحلل الأمور على طريقة "قناة الجزيرة" التي تضع السم في العسل، ويبدو أن تلوثه بالثقافة العبرية، أو لهدف آخر..؟! كانت تحليلاته تتجه دائما لصالح الحكومة الإسرائيلية والمخطط الأمريكي، أي أن ما يجري في مصر هو مخطط أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى، وعلى الجميع الاستسلام والقبول بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي والرضوخ لمطالب الأمريكان ومصالحهم في المنطقة..

المتابع لمقالات كتاب الرأي في الصحف والمواقع الإلكترونية نجدهم يتحيزون في كتاباتهم وتحليلاتهم لما يدور على الساحة المصرية، وكأن فلسطينينا خلت من السلبيات والإيجابيات التي تحتاج لأقلام ذات رؤية صائبة تستنهض الوعي الفلسطيني خصوصا في غزة، وللأسف صار العديد من الكتاب خصوصا الغزيين مصريون أكثر من المصريين أنفسهم وأنهم يعرفون ما يدور في مصر أكثر من المصريين.. منهم من راح يدعم الانتفاضة المصرية من منطلق إسلامي إخواني، ومنهم من يدعم مبارك لأنه قدم لمصر الكثير..؟! ولأن بيده الملفات الفلسطينية ويدور في فلك سياسة السلام الأمريكية ويدعم السلطة الفلسطينية.. وفريق آخر راح يقدم النصائح لشباب الانتفاضة المصرية كأنه خبير في شئون الانتفاضات والثورات العالمية.. ولو أخذنا أمثلة لمقالات أخيرة؛ فسنجد أحدهم كتب عن "السر الخطير في شعارات ميدان التحرير" ولو تفحصنا ما يبتغيه الكاتب من مقالته المذكورة فلن نخرج بنتيجة تذكر سوى أنه يشعرك بأنه موجود بين شباب ميدان التحرير وفي صفحات الفيس بوك وتويتر ويقدم لهم النصائح وراح يحلل الفرق بين الثورة والانتفاضة.. علما بأن الكاتب من غزة والجميع يعرف ما هي ظروف غزة التي هي بحاجة للتغيير والتحرر قبل أي مجتمع عربي آخر لأن انقلاب حماس أنتج الانقسام والتشرذم في صفوفنا، وأعاق تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال، وأوقف أي نوع من المقاومة ضد الاحتلال في غزة، وباتت الكثير من الأسر الغزية تعاني الفقر والجوع والمرض، وهرب أو هاجر عدد كبير من شبابها ولو أتيح لغالبيتهم الهجرة لما توانوا لحظة عن ذلك.. فغزة على عتبة بركان هائج لكن الكاتب هرب من قضيته الأولى وفرض على ذاته رقابة ذاتية خوفا من أجهزة حماس التي تحكم غزة وتعج بالفساد أكثر من الحكومة المصرية مقارنة بعدد السكان..

كاتب آخر نشر مؤخرا تحت عنوان "أم سامي في ميدان التحرير.." والملاحظة الأولى هي أن ما كتبه ليس مقالا بقدرما هو تقرير عن حالة أو قصة لأم سامي وهي تعبر عن ظروفها القاهرة وظروف أبنائها الذين لم يستطيعوا الزواج، أما الكاتب لم يقل لنا رأيه إلا في جملة واحدة وهي: "عندما لا يجد المواطن المصري في بلده مقومات الحياة.. سيفتش المواطن المصري عن غده في ميدان التحرير" هذا الكاتب الذي شبع شتما وقدحا للسلطة الفلسطينية وباع نفسه لحكومة حماس التي لم ينتقدها في شيء، والكل يعرف أن أم سامي اللي في مصر مثلها في غزة كثيرات.. وربما الضفة أيضا، وأبناؤهن جد كثر لا يستطيعون الزواج نظرا لعدم توفر الشقق وعدم قدرة أبنائهن على توفيرها، فهاهم شباب غزة لا يستطيعون الزواج حتى في بيوت أهاليهم ولأنهم عاطلون عن العمل فهم غير قادرون على توفير العيش الكريم حتى بدون زواج... وكاتبنا الكريم لأن سلطة رام الله قطعت راتبه فهو يحاول الحفاظ على علاقته بحماس فهرب من واقع غزة ليكتب عن مصر، وكأن مصر تحتاج لكتاباته..؟!

من المؤسف أنني لم أجد مقالة واحدة عميقة من الكتاب الفلسطينيين تعبر عن رؤية مستقبلية لشباب مصر تأخذ بالحسبان سلبيات الماضي بكل تراكماته، وكذلك الإيجابيات لتعزيزها.. لا أحد تطرق إلى المشكلة المصرية في كل جوانبها.. حتى المصريين أنفسهم تحدثوا فقط عن الفساد والدستور، ولم نسمع من أحد كيف يمكن أن تكون السياسة الاقتصادية والتربوية..؟ التي نعتقد أن جوهر المشكلة العربية وليست المصرية فقط ! تكمن في المنظومة الاقتصادية لهذه الدول التي ألحقت نفسها بالعولمة وفلسفة السوق علما بأنها دولا غير منتجة وغير صناعية وحجم الصادرات لديها أقل بكثير من الواردات باستثناء النفط ، وهذه السياسة أنتجت سلوكا تربويا مشينا يعتمد على التسول والبغشيش والاعتماد على الغير من مساعدات سواء مادية أم معنوية أم فكرية في عصر بالغ التعقيد، مختلفة أدواته ووسائل الحياة فيه عن العصور القديمة، حيث لا يمكن للإنسان العادي أن يعيش بالطرق والأدوات القديمة.. وحجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء كبيرة وواسعة جدا بحيث لا يمكن تقليصها.. فكيف يمكن لحاكم أو لموظف أن يعيش براتب محدود وأمام ناظريه كل هذه الحياة العصرية ومستوى الرفاهية العالية التي يعيشها الأغنياء خصوصا عندما تنقلها لنا السينما والتلفزة في الأفلام والمسلسلات بكل محتوياتها من رفاهية؟؟

أيها الكتاب والمفكرون ! ليست المشكلة في الكتابة، بل المشكلة فيما نكتب وفيما نريد..؟ وكذلك ليست المشكلة في إسقاط الرئيس أو الحكومة فقط ! بل فيما بعد.. أي حكومة؟ وأي سياسة نريد؟ إن فرنسا بعد الثورة غيرت اثني عشرة حكومة خلال سنتين.. هل ستنجح الحكومة الجديدة في تلبية حاجات منتخبيها ..؟ أم سترضخ للمتطلبات الدولية وشروط البنك الدولي وشروط السياسة العالمية..؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق