تقوم الوظيفة الأمنية في المجتمع على مبدأ التفويض من السلطة الحاكمة في الجماعة الإنسانية،وهذه بدورها تدير شؤون الجماعة بتفويض أو عقد أو بيعة تقتضي التخلي عن جزء من الحرية الشخصية في سبيل التمتع بالهدوء والاطمئنان والعيش الآمن الذي توفره الجهات المسؤولة عن الأمن عن طريق منع جميع أشكال الانحراف ،والحد من تصاعد السلوك الإجرامي ، وتتم جميع الجهود الأمنية في إطار هدف عام هو درء المفاسد ودفعها ومنعها ، وتحقيق المصالح وتوفي الجو المناسب لكسبها بالطرق المشروعة ، وتنميتها بحيث تؤدي إلى تطور المجتمع ورفاه أبنائه والعيش في أمن وأمان .
وتترتب المصالح التي تحميها وترعاها السلطة الحاكمة عن طريق أجهزتها الأمنية في منظومة عامة هي :حماية الدين ،حماية النفس أو الحياة ، حماية العقل ، حماية المال ،حماية العِرض أو النسل .
الوظيفة الأمنية من أهم المهن الإنسانية ، فهي مرتبطة في معناها ومبناها بالإيمان والأمانة ، وهي ضرورة للحياة الإنسانية لأنها توفر الشروط اللازمة للحياة المنتجة ،وتحول دون استفحال الشرور ، وتغلب نزعات العدوان والانتقام ،وتعزز دور السلطة الحاكمة التي تدبر شؤون الناس ،وتحمي مصالحهم ،وهي بكل صورها وجوانبها تمثل ركيزة أساسية لا تقوم الحياة إلا بها ، ففي معناه الإيجابي تنشر الأمن والطمأنينة ، وفي معناها السلبي تمنع الخوف والقلق وتحول دون انتشار الانحراف والجريمة ،والمفاسد.
وتمثل المراجعة النقدية الفاحصة للأحداث الأخيرة في كل من مصر واليمن ضرورة أمنية ومجتمعية وطنية وقومية ، على أن تنطلق هذه المراجعة من الرغبة في تحري الحق ، وتطبيق قاعدة أنه لا يصح إلا الصحيح ، وأن الحق واحد لا يتعدد وأن الباطل زائل مهما طال الزمن ،وفي ضوء التطورات الخطيرة التي تعيشها الأمة العربية حاليًا ،والأخطار المتوقعة والمحتملة على منظومة الأمن العربية فمن الواجب إعادة النظر في جميع المنظومات الأمنية العربية على اعتبار أن لا أحد معصـــــــــــــــــــــــــــــومٌ غير الأنبياء عليهم السلام ، وأخذ العبر من الأخطاء وتحديد الأيدي الآثمة التي شوهت صورة الشرطي المصري والعربي ،وأساءت إلى الأمن العربي.
وقد يكون من نتائج المراجعة العلمية النقدية للأحداث الأخيرة وتداعياتها وملابساتها وتطورها إلى ظهور الحاجة إلى بناء الفلسفة الأمنية العربية على أسس إنسانية وقانونية جديدة .
إن الدور الذي قامت به وسائل الإعلام ،وشبكات المعلومات في صناعة الحدث الأمني وملاحقته وتطويره في كل لحظة،والتناغم الواسع بين الرسائل الإعلامية والسلوك الفردي والمجتمعي في مسرح الأحداث جدير بإمعان النظر ، والفحص الدقيق عن طبيعة الوظيفة الأمنية ،والعوامل التي توجهها ، وحالة العجز الديناميكي عن الارتفاع إلى قراءة الحدث من منطلق علمي موضوعي ،وليس من منطلق الشعور الفج بالقوة المطلقة ،والسيطرة التي ظهر أنها ينقصها الكثير من شروط النجاح ؛نتيجة للتراكم السيىء للأداء الشرطي،والحواجز النفسية التي كشفت عنها الممارسات المفرطة في العنف غير المبرر .
ثانيًا : كيف نفتح صفحة جديدة بين الشرطة والناس؟
القاعدة العامة لتحقيق هذه الغاية هي :
أن ينطلق السلوك الفردي والجمعي من مخافة الله ، وتنمية التقوى في نفوس الناس وفي نفوس رجال الشرطة ، وربط عمل الشرطة بمصفوفة من القيم والمثل العليا التي تُعلي من الخير الحق وتنفر من الشر والباطل.
نقطة الانطلاق الرئيسة : في ذلك هي التربية المنزلية والمدرسية والمجتمعية أو ما يعرف بالتنشئة الاجتماعية .
من الوسائل الإجرائية المساعدة في هذا الشأن ما يلي:
1 - تغيير العقيدة المهنية التي تربى عليها الشرطة في نظرتهم الدونية قياسًا على رؤوسائهم، وشعورهم بالعزة ، والمسؤولية الإنسانية والوطنية عن الأمن.
2- الترفع عن السلوكيات التي تراكمت طويلاً من الأجهزة الأمنية والتي عملت على تكوين الصورة النمطية عن الشرطي العربي عامة والشرطي المصري خاصة.
3 - رفض ممارسة الظلم نحو الآخرين أيًا كانوا ، وأن يصدر ذلك عن يقظة ضمير وترفع عن السلوك الدنىء والقيم الواطئة.
4 - الارتفاع بالمستوى المادي للشرطي العربي عامة ،والمصري خاصة ، والاهتمام بتوفير مستوى معيشي يشعر معه بقيمة عمله ، ويساعده على تحكيم قوانين الحرفة وآداب المهنة من موقف إنساني وموضوعي ووطني.
5 - تطوير برامج إعداد رجال الشرطة عامة لتجاري نظيرتها في الأمم المتقدمة(الشرطة البريطانية أنموذجًا) .
6 - تجنيد العمل الإعلامي وتوظيف النظريات العلمية في مجال علم النفس للتعريف بالوظيفة الأمنية عامة والشرطية خاصة ، وحبذا لو كان ذلك على مستوى الوطن العربي عامة ، والمصري خاصة.
7 - التوعية المتوازية بين صفوف رجال الأمن والمواطنين من خلال برامج اجتماعية واقعية ومناسبات مقصودة كالحفلات في المناسبات الوطنية والاجتماعية والتوسع في عقد وتنويع المناسبات التي تجمع المواطنين برجال الشرطة في الأندية والحدائق العامة وعقد المباريات ضمن دوري تنظمها أندية الأحياء في المدن والقاعات الاجتماعية في القرى.
8 - قليل من الكلام وكثير من العمل :شعار مناسب للجمع بين أفراد المجتمع ورجال الشرطة.
9 - تنظيم العمل الشرطي بصورة يشعر فيها رجل الأمن بالإنصاف والعدل والمساواة والكرامة ، ومنح رجال الشرطة الفرصة ليعيش حياة سوية بين أسرته وفي الحي الذي يقيم فيه.
10 – إعادة النظر في
والله الموفق وهو المستعان والهادي إلى سواء السبيل .
هذا والله أعلى وأعلم ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)(يوسف 21)
( دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق