[[توحي صورة المشهد العربي القائم أن الأحداث تقودنا للدخول عنوة إلى أجواء الفتنة الرابعة]]
في مدونات المدارس الإسلامية أحاديث كثيرة تناولت أثر ولاة أمور المسلمين،على الأمة والدين، ولاسيما منهم الذين يقودون الأمة في عصر الفتن التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله، فوصفها بأنها: (فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر، لا تدرون أي من أي) (1)
الحكام الذين يقودونها في عصر الغربلة والتمحيص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كيف بكم وزمان أوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة؟) (2)
الحكام الذين يقودونها في عصر اللسان القاتل كالرصاصة والذابح كالسيف، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ستكون فتنة تستنظف العرب .. وقع اللسان فيها أشد من وقع السيف) (3)
الحكام الذين يقودونها في عصر الابتعاد عن الدين في العمل والتطبيق والممارسة والتسمي باسمه للتجارة والتربح والدجل، سئل أحد الصحابة رضوان الله عنهم، عن سبب بكائه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله) (4)
الحكام الذين يقودونها في عصر مخالفة الشرائع ونسيان السنن، عن الإمام الصادق (عليه السلام) بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (كيف بكم إذا فسد نساؤكم، وفسق شبانكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف)
حكام وأمراء آخر الزمان هؤلاء لهم مزايا وصفات يشتركون فيها، وتجمعهم جامعتها وتميزهم عمن سواهم، ومنها:
• حرصهم على الإمرة واستعدادهم لقتل أعداد غفيرة من أبناء شعوبهم للمحافظة على كراسيهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة،فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة) (5)
• قلوبهم قلوب الشياطين، قال (ص) لأصحابه: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيها رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) (6)
• يأمرون الناس بما لا يعملون به، قال (ص): سيكون بعدي عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض) (7)
• يحرمون حلال الله ويستحلون حرامه في (الدم والمال والفرج)
ويوحي الخوض في مضامين كتب الفتن أن هؤلاء الحكام اللئام بأعمالهم وإجرامهم يقودون شعوبهم المسلمة والعربية إلى مرحلة الفتنة العظمى التي تكون المقدمة لظهور المصلح الأكبر الذي ظلت البشرية تترقب قدومه منذ بدء الخليقة (لا يقوم المهدي إلا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتن، وبلاء يصيب الناس، وطاعون، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتيت في دينهم وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضا) (8)
سيء ورديء عمل الحكام العرب هو الفتنة الممهدة لآخر الفتن في التاريخ البشري: (تكون أربع فتن: الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل فيها الدم والمال، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج، والرابعة الدجال) (9) ولا تأتي الفتنة الرابعة إلا بعد أن يصل الشر بالعرب إلى الويل، وهو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وآله، في أقواله:
(ويل للعرب من شر قد اقترب على راس الستين تصير الأمانة غنيمة والصدقة عزيمة والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى) (10)
(ويل للعرب من شر قد اقترب، ينقص العلم ويكثر الهرج) (الهرج: القتل) (11)
(ويل للعرب من شر قد اقترب،إمارة الصبيان إن أطاعوهم أدخلوهم النار وان عصوهم ضربوا أعناقهم) (12)
والحكام هم السبب في قدوم الشر وحلول ويلاته، لأنهم بأعمالهم وجرائمهم يدفعون الأمة عنوة إلى البحث عن خلاص مضرج بالدماء، ومصحوب بالدمار، ومآسي هذا البحث تقود الأمة لتنزع الأعنة من رقابها لتلقيها بوجوه الحكام الذين ساسوها بالجور، وقادوها بالعسف، عن يعقوب السراج (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) متى الفرج؟ قال: فقال: إذا اختلف ولد العباس ووهي سلطانهم وطمع فيهم من لم يكن يطمع وخلعت العرب أعنتها (*) ورفع كل ذي صيصية (**) وظهر واقبل اليماني وتحرك الحسني) (13) ومتى نزع الأمة الأعنة من الرقاب يصبح أفرادها كالخيل التي فك وثاقها من بعد حبس وجوع طويلين، فهامت على وجهها في البيداء تبحث عن حرية وكلأ، وأصبحت مكشوفة الظهر، وعرضة لأن يسوسها كل من يحمل شوكة الحائك بدل السيف، ومن يقاتل بمخلب الديك عوض مخلب الأسد، أو من زرع له الآخرون مخالب ليبدو مهيبا، وكل ما فيه معيب، حتى تبدو الأمة وكأنها فسرت الماء بعد كل ذلك الجهد والدم والدموع والمال، بالماء، فهي بعد كل عذاب ومعاناة وقهر السنين العجاف الذي عاشته، ستجد نفسها كالمستجير من الرمضاء بالنار، بعد أن فرت من بين أنياب كلاب متوحشة ضارية، لتسقط بين أنياب كلاب أكثر توحشا وأكثر ضراوة، قدر مقدور، وتاريخ مسطور، وحتم منظور ومنضور، لا محيص من مواقعته والتلبس به لتعم الفوضى الممهدة لقدوم الدجال بطل الفتنة الرابعة المرتقبة، على أمل أن يشرق الأمل بعد طول انتظار، وتشرق أنوار اليقين على العالمين، بظهور المنقذ المنتظر عليه السلام.
الهوامش
(1) مسند احمد
(2) سنن أبي داود، الفتن والملاحم
(3) سنن أبي داود، باب في كف اللسان
(4) المستدرك للحاكم، ومسند الإمام احمد
(5) صحيح البخاري
(6) صحيح مسلم
(7) مسند الإمام احمد
(8) البحار للمجلسي، ج 52
(9) معجم أحاديث الإمام المهدي حديث 136/6 الجزء الأول
(10) المصنف لعبد الرزاق ج11 ص 373 حد 20770
(11) مسند احمد ج3 ص 536
(12) المصنف ابن ابي شيبة ج15 ص 49- 50 حد 19083
(*) في المعجم الوسيط: العنان سير اللجام الذي تمسك به الدابة
(**) الصيصة: الصنارة التي يغزل بها وينسج، وشوكة الحائك التي يسوى بها السداة واللحمة، وقرن البقر ونحوه، ومخلب الديك الذي في ساقه
(13) الحتميات من علامات الظهور، فاروق الموسوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق