لعل التطورات الأخيرة في الوطن العربي، والسباق المحموم لأمريكا وأخواتها في استثمار هذه التطورات، تطرح علينا العديد من الأسئلة التي كانت الإجابة عليها مجرد شكوك تحتاج لأدلة وبراهين، لكننا اليوم نستطيع التأكيد على ما باتت تخطط له أمريكا وحلفاؤها في المنطقة وشركاؤها من خارج المنطقة.. يخطئ من يعتقد أن قيادة أمريكا وجميع القيادات في العالم أنها لا تحتفظ بالكثير من الأسرار التي لا يمكن البوح بها في كل الأوقات، ومازالت الكثير من الأسرار طي الكتمان وعمرها تجاوز قرنا وربما قرونا تحتفظ بها كثير من الدول نتيجة لمصالحها والحفاظ على تلك المصالح مستمرة، وأن موقع ويكي ليكس المشهور بقدرته على فضح الأسرار لا يمتلك من تلك المعلومات شيء، لكن هذا الموقع أكد لنا أن هناك أسرارا كثيرة لدى القيادات السياسية أي كانت؟ تخفيها عن شعوبها.. من الأسئلة الكثيرة التي يجب على المرء أو المواطن العربي أن يسألها: دولة قطر الصغيرة ونشاطها السياسي في الوطن العربي من جهة وتزعمها ودعمها لحركة الأخوان المسلمين في العالم العربي؟ وكذلك قناة الجزيرة والهدف منها؟ وعلاقتها الوطيدة بإسرائيل كدولة عربية دشنت علاقتها بإسرائيل قبل مصر التي وقعت اتفاق سلام معها؟؟ وفي هذا السياق لا ننسى حصول الدكتور عزمي بشارة بعد هروبه المفبرك من إسرائيل على الإقامة فيها وتقديم الاستشارات السياسية لقادتها، ولقناة الجزيرة التي تمتلك إسرائيل فيها حصة الأسد؟؟ وهذا يذكرنا بقضية الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي كان أسمه السوري كامل أمين ثابت ووصل إلى مرتبة رفيعة في حزب البعث السوري كادت أن ترشحه لرئاسة الوزراء.. تم اكتشافه من قبل المخابرات العربية، وأعدم في دمشق عام 1965 وسط دهشة الجميع؟؟ لا أحد يفهم ذلك التناقض الغريب بعلاقة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مع قيادات ومشايخ قطر والمكوث في قصورهم المحمية من القوات الأمريكية والإسرائيلية؟؟ وكذلك احتضانها لعالم من علماء الإخوان هو الشيخ يوسف القرضاوي والمعروف بفتاويه ؟؟ من ينكر عدم وجود قاعدة عسكرية أمريكية في قطر؟؟ من ينكر النشاط المخابراتي لإسرائيل على الأراضي القطرية؟؟ من ينكر دور إسرائيل في تقسيم السودان إلى دولتين والحبل ع الجرار، ولعب في ذلك حكم الإخوان للسودان مدة طويلة؟؟
كشفت عدة صحف مؤخرا عن اجتماع غير معلن نظّمته القيادة التركية على أراضيها لممثلين عن (الإخوان المسلمين) في سوريا ومصر والأردن، في 12 نيسان الماضي بحضور ممثل عن أمير قطر وفي رعاية أميركية تمثلت بمشاركة مسئول بارز في وزارة الخارجية الأميركية، رجّح أنه السفير جيفري فيلتمان الذائع الصيت والبالغ الخبرة بشؤون المنطقة.. هذا يؤكد لنا كيف بدأت أمريكا باستغلال التطورات العربية لصالحها، وما الاجتماع المذكور إلا اتفاقا أمريكيا مع الإسلام السياسي مصبوغا بعباءة تركية، وسوف يؤول إلى استلام الإخوان المسلمين للحكم على الأقل في أربع دول عربية هي: مصر والأردن وسوريا واليمن وسوف يكون حضورهم مؤثرا في تونس وربما باقي دول المغرب العربي.. وقبل هذا الاجتماع بشهر تقريبا كان تصريحا لوزيرة الخارجية الأمريكية أوضحت فيه عن رضا وقبول أمريكا لحكم الإخوان المسلمين لمصر أو لمشاركتهم في الحكم.. كانت الثورة المصرية في أوجها، وبدأ نشاط حركة الإخوان في الثورة محموما بعدما كان معدوما ومرفوضا المشاركة في بدايتها.. هذا يقودنا إلى السؤال الأهم في هذه المقالة، وهو لماذا تسعى أمريكا جاهدة بإنجاح حركة الإخوان المسلمين لوصولها للحكم في الدول العربية؟؟ أما الراعي التركي النشط في ذلك؛ فيمكن تفسيره بأن الرئيس أردوغان المعروف بفكره الإخواني اللابس ثوب العدالة والتنمية، يطمح بأن يلعب دور القيادة في المنطقة وتعبئة الفراغ العربي خصوصا بعد سقوط مبارك من جهة، وعدم نجاحه في إلحاق تركيا بمنظومة الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وقد يكون هناك اتفاقا سريا بينه وبين أمريكا لأن يحتل موقعا بارزا في الشرق الأوسط القادم؟؟
صار واضحا أن أمريكا وإسرائيل تعلمتا من الدروس التاريخية لعلاقة بريطانيا مع حركة الإخوان المسلمين في مصر منذ النصف الأول من القرن الماضي ومازالت.. حيث بدأت بريطانيا من خلال سفارتها بالقاهرة بتمويل حركة الإخوان في مصر منذ أربعينات القرن الماضي من أجل التصدي للحركات القومية المصرية المعادية للاستعمار، وكذلك الحد من المد الشيوعي في ذلك الوقت.. تجلت تلك العلاقة في محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر على يد التنظيم السري للإخوان في حادثة المنصة بالمنشية في عام 1954، بعد ذلك راحت بريطانيا والولايات المتحدة تدبران محاولات للانقلاب في سوريا ومصر، وفقا لوثيقة علي درجة عالية من السرية ( نشرت في كتاب: مارك كيتس ـ العلاقات السرية ، التحالف البريطاني مع الإسلام السلفي ) "فإن الرئيس الأمريكي أيزنهاور وصف الوضع للإنجليز قائلا : " نحن في حاجة لخطة ماكيفيلية تساعد علي الوصول إلي شكل للشرق الأوسط يصب في مصلحتنا " العديد من الوثائق تؤكد ضلوع المخابرات البريطانية في محاولات قتل عبد الناصر والقضاء علي نظامه ويشير بعضها إلي اتصال بين مسئولين بريطانيين ومنهم نورمان داربيشير رئيس مكتب المخابرات البريطانية في جينيف مع الإخوان المسلمين في سويسرا في إطار محاولات قلب نظام الحكم في مصر. وهناك أدلة أخري علي اتصال بريطانيا بالإخوان في عام 1955 عندما زار عدد من الإخوان الملك فاروق في منفاه للتعاون معا ضد عبد الناصر. وكان الملك حسين ملك الأردن قد منح الإخوان جوازات سفر لتسهيل عملية انتقالهم وسفرهم من أجل العمل ضد النظام المصري، بينما دعمت السعودية هذه التحركات الإخوانية بالتمويل المالي.. وكان عميل المخابرات المركزية الأمريكية السابق روبرت بيار قد أكد أن الولايات المتحدة وافقت علي تمويل السعودية لنشاط الإخوان ضد عبد الناصر في أغسطس عام 1956 ألقت السلطات المصرية القبض علي دائرة جاسوسية بريطانية مكونة من أربعة أفراد اتصلوا بعناصر طلابية بتوجهات دينية بهدف التشجيع علي القيام بأعمال تخريبية تمنح أوروبا مبرراً للتدخل العسكري لحماية رعاياها.."
لعل ذلك يدعونا للتفكير جيدا في ما ذهبت إليه إسرائيل بداية الثمانينات من السماح للإخوان من مزاولة نشاطهم في غزة في الوقت الذي كان محظورا النشاط لأي تنظيم تابع لمنظمة التحرير ولو كان نشاطا اجتماعيا.. ونعرف كيف تطور نشاط الإخوان إلى أن أصبح بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية وطمس تاريخها باسم حركة حماس، ومؤخرا أعاقت المشروع الوطني أكثر من خمس سنوات ومازالت، لكنها مؤخرا قبلت بالصلح وإنهاء حالة الانقسام التي بدأتها، ووقعت على اتفاق المصالحة الذي كان من المفترض أن توقع عليه قبل عامين ونصف، وتغير خطابها السياسي والأيديولوجي كأن شيئا لم يكن.. تغير مفاجئ ! ويبدو أن ذلك جاء بعد لقاء مهما جرى بين قيادات الإخوان المسلمين في مصر وقيادات حمساوية من غزة. إذن أمريكا وإسرائيل ودول غربية سوف يستثمرون الحراك الشعبي العربي لصالحهم وتحويل النظم في هذه الدول إلى حكم إسلامي مطواع لا يختلف كثيرا عن النظم السابقة، والنظم الحالية في السعودية ودول الخليج التي تسيطر عليها أمريكا سيطرة تامة، وهي تعرف كيف تستبد وتطوع شعوبها وتمنعها من الرقي والتقدم فترة زمنية أخرى قد تكون أطول بكثير من السابقة خصوصا أن الفكر السلفي في حال وصوله إلى الحكم سوف يلغي النظام الديمقراطي العلماني الإنساني التقدمي الذي تطمح الشعوب العربية للوصول إليه.. وقد يكون في هذا إجابة واضحة لما تريده أمريكا وأخواتها من الشعوب العربية بحيث تبقى هي المسيطرة على الطاقة من جهة، وتبقي هذه الشعوب مستهلكة فقيرة لا تتقدم خطوة إلى الأمام، وبالطبع لا يوجد نظام حكم أفضل من فكر النظام السلفي يستطيع الحفاظ على ما تريده أمريكا، وكذلك إسرائيل خصوصا بعد تجربة حكم حماس لغزة الذي حافظ على هدوء واستقرار ملحوظين لإسرائيل، ويزيد ذلك استقرارا برنامج حماس السياسي الذي يقبل هدنة طويلة مع إسرائيل قد تصل لأربعين سنة.. وأخيرا لعل قناعة أمريكا وأخواتها بأن الفكر السلفي لن يقود الشعوب إلى النمو والتطور الذي سيمكنها من التحرر باتت أكيدة أكثر من أي وقت مضى فليستمر العالم العربي مشغولا بقضايا شكلية صغيرة تتعلق بلباس المرأة والرجل وإطاعة ولي الأمر..!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق