تعدد المرجعيات التعليمية في القدس .... وتأثيراتها السلبية 3/ راسم عبيدات


في هذه المقالة سنتطرق إلى مرجعيات تعليمية أخرى في القدس،حيث تعرضنا في القسمين الأول والثاني إلى ثلاثة مرجعيات تعليمية هي مدارس بلدية "القدس" ووزارة المعارف الإسرائيلية ومدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الأهلية والخاصة،وهنا يجب أن نشدد على مدى المخاطر التي يتركها تعدد المرجعيات التعليمية في القدس على العملية التعليمية لجهة وضع الخطط ورسم الاستراتيجيات والميزانيات والمنهاج والإشراف والمتابعة والتطور وجودة التعليم وغيرها.

رابعاً:- مدارس وكالة غوث اللاجئين الدولية/ هذه المدارس تأثيراتها محدودة على العملية التعليمية في القدس،كونها مرجعية صغيرة الحجم ودورها وتأثيرها يتقلص ويتراجع بتراجع الخدمات والميزانيات التي تقدمها الوكالة لتلك المدارس،وهي جاء تأسيسها رداً على نكبة عام 1948،وهجرة أعداد كبيرة من أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني- مناطق 48 – إلى الضفة الغربية والقدس ومخيمات اللجوء والشتات في الوطن العربي،ومجموع هذه المدارس هو ثمانية مدارس فقط،وهي مدارس أساسية ابتدائية وإعدادية،وهذه المدارس لعبت دور في الحفاظ على وطنية التعليم،حيث رفضت تدريس المنهاج الإسرائيلي،واعتبرت نفسها مدارس محمية ومحصنة باعتبارها تتبع لوكالة الغوث الدولية وهي فرع يتبع هيئة الأمم المتحدة،وتضم مدارس الوكالة (3276) طالباً وطالبة أي ما يعادل (4.1) % من مجموع طلاب القدس الشرقية وفقاً لتقديرات عام 2010 .

يتجه خريجو هذه المدارس بعد انتهاء الصف التاسع إلى مدارس القدس لاستكمال دراستهم الثانوية وقلة منهم تتجه صوب المدارس الحكومية الرسمية،والأغلب يتجهون إلى مدارس الأوقاف الإسلامية،والوكالة جميع مدارسها مستأجرة،وأغلبها منذ ما قبل حرب 1967 .

ميزانية هذه المدارس تتكفل بها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الدولية،وتشمل موازنات هذه المدارس دفع أجرة أبنتها المدرسية وشراء الأثاث والقرطاسية والكتب المدرسية ودفع رواتب المعلمين/ات والعاملين والدراسة في هذه المدارس مجانية،وصفوفها تعاني من الاكتظاظ الشديد والمستوى التعليمي فيها لا يختلف عن مستوى المدارس الحكومية ،إن لم يكن دون ذلك.

خامساً:-مدارس المقاولات والاستثمارات الخاصة( سخنين،الحياة،المستقبل ومدارس خاصة استثمارية أخرى).

هنا الطامة الكبرى والكارثة الحقيقية،فبعد إن قامت بلدية "القدس" ووزارة معارفها بخصخصة قطاع التعليم الثانوي،شجعت قيام مدارس غير رسمية على أن تلقى الاعتراف والدعم المالي منها،وهنا تجد أن جودة التعليم ومستواه في آخر سلم الأولويات،فهي مشاريع استثمارية وتجري فيها عمليات بيع وشراء للطلبة كأي بضاعة،وفي العديد من الأحيان اكتشفت ضمن عمليات الاستثمار والربح عمليات تسجيل وهمية لطلبة لا يتواجدون في هذه المدارس(صفقات تجارية)،وهنا العملية تشبه خصخصة القطاع الصحي،حيث مراكز "كوبات حوليم " الصحية الإسرائيلية المنتشرة في القدس الشرقية بكثرة تتحاسب مع مشغليها على الزبون "المريض"،وهنا لا تتم عملية إشراف لا من البلدية ولا من ووزارة المعارف ولا من قبل السلطة فلسطينية"وزارة التربية والتعليم الفلسطينية"،بل تخضع عملية الإشراف والإدارة والتوظيف ودفع الرواتب لجهة استثمار خاصة،وهنا تجد أن هذه المدارس من أجل التوفير في النفقات توظف طاقم تدرسي وإداري اغلبه من الأساتذة القدماء،والذين أصبحت لديهم حالة من الإشباع والاهتلاك الوظيفي من التعليم،ويكون مستوى العطاء عندهم متدني وكذلك لا تتوفر في تلك المدارس لا بيئة ولا جودة تعليمية،ولا يجد حتى رقابة على المنهاج،والمسألة ليست قصراً على مدارس سخنين والمستقبل والحياة،بل هناك مدارس خاصة أخرى مغلفة بأغلفة وطنية ودينية تستثمر أكثر مما يحصل في تلك المدارس،وهي تتلقى الدعم والمساعدة من أكثر من جهة ومظلة تعليمية وتستغل طاقمها التدريسي أبشع استغلال،ولا توفر جودة ولا بيئة تعليمية مناسبة،وهي تجبي وتنتفع من الطلبة في أكثر من جانب ومجال الإقساط والقرطاسية والرحلات المدرسية والزي المدرسي والأنشطة اللامنهاجية وغيرها.

وفي ظل ما تعانيه القدس من ضائقة تعليمية وعدم وجود مقاعد للطلبة في المدارس الحكومية الرسمية والأهلية والخاصة انتشرت مدارس المقاولات والاستثمارات،ورغم حداثة عمر تلك المدارس فإنها قطعاً شوطاً كبيراً في احتواء الطلاب والطالبات،هذه المدارس تضم وفق إحصاءات عام 2010 ما يعادل(4757) طالباً وطالبة،وهذا العدد يشكل ما نسبته (5.9) % من مجموع طلبة القدس الشرقية.

تعتبر مدارس سخنين التي يشرف عليها المستثمر عمر بدارنه أهم مدارس هذه المجموعة ،وتتكون من (11 ) مدرسة منها (6) مدارس للبنين و(5) للبنات بالإضافة إلى مدرسة مهنية في شعفاط يقارب عدد طلبتها (400) طالب وطالبة.

تنتشر هذه المدارس من صورباهر جنوباً وحتى كفر عقب شمالاً،وتتقاضى هذه المدارس رسوماً رمزية الطلبة وهي بمعدل (150) لطالب المرحلة الابتدائية و (220) شيكل لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية و(300) شيكل لطلاب الثانوية العامة ( التوجيهي).

وأيضاً هنا لا بد من الإشارة الى قضية على درجة عالية من الخطورة في ظل غياب دور السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب الوطنية،وكذلك عدم وجود إستراتيجية فلسطينية للقطاع التعليمي في القدس،وفي ظل سيادة مفاهيم وثقافة الارتزاق والانتفاع والاستثمار حتى ولو كان ذلك على حساب الانتماء الوطني ووطنية التعليم عند تجار التعليم والذين جزء منهم كانوا في سلك التعليم،بأن تدريس "البجروت " الإسرائيلي أفضل للطالب الفلسطيني المقدسي،من حيث سوق حجج وذرائع صعوبة منهاج التعليم الفلسطيني و"البجروت" يمكن الطالب من الالتحاق بسهولة بالجامعات الإسرائيلية وخريجوها يتمكنون من الحصول على وظيفة في قطاع التعليم الحكومي والمؤسسات الإسرائيلية بسهولة وبراتب وامتيازات وحقوق أفضل.

وهذه الحجج والذرائع والتي تساهم في نشرها أكثر من جهة وطرف يجمعها الاستثمار والربح،لم تجري مواجهتها والتصدي لها فلسطينياً في إطار الصراع على السيادة في مدينة القدس،والمأساة هنا أن السلطة الفلسطينية كجهة رسمية مشرفة على التعليم في القدس تعترف بشهادة "البجروت" التوجيهي لطلبة القدس،وتسمح لهم بالالتحاق بالجامعات المحلية،في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل الاعتراف بشهادات خريجي جامعة القدس،الأمر الذي دفع بالكثير من خريجها والراغبين في التوظيف في قطاع التعليم الحكومي أو المؤسسات الإسرائيلية إلى الالتحاق من جديد في مؤسسات تعليمية إسرائيلية للحصول على وظائف ورواتب وامتيازات أعلى.

والمسألة ليست قصراً على الاعتراف بشهادة "البجروت" التوجيهي الإسرائيلي والسماح لحملتها من الدراسة في الجامعات المحلية الفلسطينية (الخليل،بيت لحم،بير زيت،النجاح والأمريكية وغيرها )،ففي الوقت الذي تتحدث فيه السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني عن رسم خطط ووضع برامج وآليات لمواجهة القرار الإسرائيلي بأسرلة بل صهينة التعليم في القدس من خلال التدخل في المنهاج الفلسطيني المطبق في المدارس الخاصة والأهلية حذفاً وتعديلاً،فإننا نلاحظ قيام مدارس في القدس وعبر إعلانات في الصحف الرسمية،لتدريس المنهاج التعليمي الإسرائيلي"البجروت"،ودون أن تتحرك معالي وزيرة التربية والتعليم أو أي من أركان وزارتها للقول حتى بأن وزارة التربية والتعليم لن تعترف بشهادات تلك المدارس ولن تقبل منها لا كشوف ولا شهادات،وهذا بحد ذاته يضعف أي معركة سيخوضها المقدسيين من أجل فلسطنة التعليم في القدس،وأيضاً يضعف من قدرة إدارات المدارس الخاصة والأهلية على مقاومة ومجابهة القرار الإسرائيلي التي يطلب منها عدم التزود بالكتب المدرسية إلا من خلال بلدية " القدس" ودائرة معارفها.

هنا خطر جدي وحقيقي يواجهه قطاع التعليم والعملية التعليمية في القدس من قبل مدارس المقاولات والاستثمارات الخاصة والمدارس التي بدأت في تطبيق المنهاج الإسرائيلي لجهة جودة ونوعية التعليم وتشويه الوعي والثقافة والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية،ولجهة الخطورة الكبيرة على الانتماء الوطني،ولجهة سقوط قطاع بأكمله تحت السيطرة الإسرائيلية المطلقة.

ومن غير الجائز والمقبول على السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية والقوى الوطنية والمؤسسات الفلسطينية حصر المعركة في التصدي لأسرلة وصهينة التعليم المقدسي الفلسطيني في ورش العمل والاجتماعات والمؤتمرات الصحفية و"الكرنفالات"الاحتفالية،فلا بد من مجابهة جادة وحقيقية عنوانها الأساس الأهالي والطلبة المقدسين متسلحين بقرار سياسي واضح وحازم،بعيداً عن البهتان والتلكؤ والحجج والذرائع غير الواقعية والعملية والشعارات الطنانة والرنانة،فهنا معركة على السيادة وعلى العقل وعلى الوعي،ولا بد من شحذ الهمم والقيام بأوسع عملية توعية وتحريض بين صفوف المقدسيين لتبيان المخاطر المترتبة على صهينة وتهويد القطاع التعليمي في مدينة القدس.



يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق