احتجوا كما تشاؤون ... ونحن نفعل ما نشاء/ د. عيدة المطلق قناة


مرّت المسيرة الإصلاحية في الأردن بمحطاتٍ تحقق فيها بعض الإنجازات .. ولعل من أبرز ما تحقق من منجزات في هذا الصدد تواصل الحراك الاحتجاجي .. ونشوء العديد من الحركات الإصلاحية .. التي انخرط فيها مئات الالاف من الأردنيين من مختلف المشارب الفكرية والفئات العمرية والاجتماعية والمناطق الجغرافية.. وكلها تلتقي عند مطلب الإصلاح الحقيقي ومكافحة الفساد.. ناهيك عما تحقق من إجماع بين قوى الإصلاح على جملة من المطالب الإصلاحية وفي مقدمتها الإصلاح الدستوري .. والتأكيد على ضرورة إعمال جملة من المبادئ الدستورية منها على سبيل المثال:
· مبدأ "الأمة مصدر السلطات "
· مبدأ الفصل بين السلطات،
· مبدأ سيادة القانون
· مجلس أمة منتخب (بشقيه النواب والأعيان)
· حكومة منتخبة
· قضاء مستقل
· محكمة دستورية وإلغاء المحاكم الاستثنائية الخاصة) وفي مقدمتها محكمة أمن الدولة) !!
كما كان من بين ما تحقق من منجزات صدور مجموعة من الوثائق والمبادرات الفكرية الإصلاحية المميزة لعل منها : الميثاق الوطني ، والأردن أولاً ، والأجندة الوطنية ... وكل هذه الوثائق تصلح - بشكل أو بآخر- لتشكل رافعة لانطلاقة إصلاحية قوية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة.. !!
ولكن هذه المسيرة تعرضت للانتكاسات في أغلب مراحلها .. فكثيراً ما أعادت الأمور إلى نقطة الصفر .. فالوثائق الإصلاحية "الجميلة" آلت كلها إلى متحف التاريخ السياسي الأردني !!
وبقيت قاطرة الإصلاح تراوح بين مد وجزر دون أن تتمكن أي من قاطراته من الوصول إلى محطاتها الصحيحة .. لم يتحقق التغيير المنشود في وضع الأردن والأردنيين في المكانة التي يستحقونها .. وفي المستوى اللائق بهم بين الشعوب الحرة !!
استمر الأردنيون في حراكهم المطلبي والإصلاحي .. كما استمر التعاطي الحكومي مع هذه الحراك بذات الأدوات .. حيث اللامبالاة والتسويف والتطنيش .. بل إن الحكومات المتعاقبة - التي أوكل إليها مهمة الإصلاح - أطلقت العنان لقوى متنفذة اختطفت شعارات التغيير ومضت في قيادة البلاد نحو الأسوأ .. وتركت القبضة الأمنية تشتد وتمتد إلى كافة مفاصل الحياة .. كما توسعت في عمليات "التصنيع والتزوير" لتشمل – إلى جانب تصنيع المجالس التمثيلية"النيابية والبلدية" – تصنيع "المسيرات" التي أطلقت عليها زوراً وبهتاناً ( مسيرات الولاء والانتماء) ..!!
الأردن اليوم يقف على مفترق طرق كما يقف في مواجهة تحديات وجودية .. لا قبل لأي حكومة بمواجهتها وقيادة البلاد للخروج من هذا النفق إلا بتغيير "معادلة الحكم والنظام .. ووضع الشعب في قلب هذه المعادلة.. لا تهميشه" !!
لقد اعترفت لجنة الحوار الوطني بهذه التحديات وقالت في وثيقتها بالحرف :
" إنّ مواجهة هذه التحديات والأزمات، تتطلب إدارة حكومية أكثر فعالية، ومشاركة شعبية أكثر عمقاً، ومجتمعا أكثر حيوية، وجهودا تنموية أكثر إنجازاً وعدالة، وحضوراً إقليمياً ودولياً أكثر قوة وديناميكية. وذلك كله يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالإطار السياسي للدولة، ما يجعل الإصلاح السياسي أولوية وطنية أساسية لمواجهة هذه التحديات."
لقد مل الأردنيون سماع "غزليات الإصلاح" .. في وقت يشهدون تراجعاً متواصلاً في الميدان.. إذ بدلاً من ملاحقة الفساد والفاسدين وإيقاف النزيف المتواصل في مقدرات البلاد .. والتصدي لخطة تفكيك الدولة وبيع ممتلكاتها للاجانب .. وبدلاً من معالجة التصدع الذي أصاب الراوبط الاجتماعية والوطنية للشعب الأردني .. راحت قوى السلطة تصب النار على الزيت وتطلق كل الفزاعات لتشويه قيم الإصلاح وتمارس "اغتيال الشخصية" بحق رموزه .. !!
· يقولون لقد بدأنا بإحالة ملفات الفساد إلى هئية مكافحة الفساد .. وفي الميدان هناك اتساع لظواهر الفساد – كما ونوعاً – حتى بات يهدد الاستقرار الوطني بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية!!
· يقولون نحن طلاب إصلاح .. وفي الحقيقة هناك اتساع في "فجوة الثقة" بين مؤسسات الدولة وقوى المجتمع..
· يقولون لقد تحسن منسوب الحريات .. وحين مقاربة حقيقة الأمر لا نجد لهذا التحسن ترجمة في الحياة العامة..
لقد فتحت استقالة "طاهر العدوان" (وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال) " اعتراضا على إدراج قوانين المطبوعات والنشر والعقوبات وهيئة مكافحة الفساد، - المقيدة للحريات الصحافية- على جدول الدورة الاستثنائية لمجلس النواب "العيون على حقيقة ادعاءات الإصلاح الحكومية ؟؟ ..كما كشفت زيف مزاعم ارتفاع "منسوب الحريات".. وأستثارت جملة من التساؤلات :
· ألم يسبق الربيع الأردني بصيغته الحضارية السلمية الربيع العربي بعقدين من الزمان؟؟
· إذا كان الإصلاح حاجة وطنية ملحة .. فلماذا تعطلت قاطرته ؟
· وعن أي إصلاح يتحدثون في ظل تقنين، بل ربما – دسترة – تكميم الأفواه – وقطع الألسن؟؟ وكأني بلسان حال الحكومات يقول "احتجوا كما تشاؤون وأنا أفعل ما أشاء" ؟؟
· صحيح أن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى وقت ، ولكم كم هو الوقت الذي يحتاجه في بلد كالأردن – بكل ما لديه من طاقات إبداعية ؟؟
· وإن كنا جادين في الإصلاح فلماذا ضاعت كل فرص الاصلاح ؟؟ أم أن إبقاء الأردنيين – قسراً وسوء ظن - خارج المعادلة الحضارية قدر لا مناص منه؟

الأردنيون يردون طحناً لا جعجعة !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق