...... الاحتلال يراهن على التقادم الزمني .... يراهن على شطب ومحو ذاكرة شعبنا....يراهن على موت كبارنا ونسيان صغارنا،يراهن على تشويه وتخريب وعينا ونسيجنا المجتمعي.....يراهن على ان سياسة الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي ستقتل الارادة وروح النضال والانتماء فينا،والاحتلال راهن على أن أمتنا العربية دخلت حالة من الغيبوبة والموت السريري وفقدان البوصلة والاتجاه وضياع الهدف.
ولكن فجأة يكتشف الاحتلال أن كل رهاناته وحساباته قد سقطت ،فصغارنا لم ينسوا بل كانوا أكثر عنفواناً وعزة وكرامة وتصميماً على الحرية والاستقلال وتشبثاً بحق العودة،وكذلك شعوبنا العربية صنعت المعجزات وقلبت كل الموازين والتوقعات،وفاجأت كل أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية والمحلية،وكما هو حال طائر الفنييق خرجت من تحت الرماد أكثر قوة وثباتاً وتشبثاً بالعزة والكرامة والانتماء العروبي القومي،بعد أيقنا ان هذه الشعوب أضحت خارج البشرية العاقلة وقوانين كل الثورات،وأسقطت أنظمة هي مدارس في القهر والظلم والفساد والقمع والتجسس والتأمر وتدمير الكرامات الشخصية والوطنية وتكبيل وتقييد الحريات وبيع الأوطان وتوريثها ورهن قراراتها للخارج،وكذلك بيع اقتصاد البلد وتحكيره في يد مجموعة من اللصوص والعصابات والمافيات.
وميلاد عياش واحد من صغار شعبنا وأشبال قدسنا الذين أسقطوا نظريات قادة الحركة الصهيونية من بن غوريون وحتى نتنياهو وليبرمان، وقالوا بأنهم لم ولن ينسوا وأن هذا الشعب يولد من تحت الرماد،وهو لن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء،فميلاد ورفاقه وأخوته من أشبال وشباب شعبنا في سلوان والعيسوية والطور والشيخ جراح وشعفاط وجبل المكبر والصوانة وكل زقة وحارة وشارع وحي في القدس أقسموا على مقارعة الاحتلال والتصدي والمقاومة لمشاريعه في الأسرلة والتهويد والاستيطان والتطهير العرقي،وقدم ميلاد روحه دفاعاً وفداءً للأرض والوطن في الرابع عشر من أيار/2011 ،وعلى نفس الجبهة كانت جموع وجماهير شعبنا الفلسطيني في مخيمات اللجوء العربية تحتشد وتزحف على فلسطين عبر الحدود العربية من الجولان والحدود اللبنانية والأردنية،ويسقط برصاص الاحتلال العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى في معارك تأكيد حق العودة،وهذه الجموع الزاحفة لفلسطين بصدورها العارية،أرادت أن تأكد لهذا المحتل الغاصب بأن حق العودة هو جوهر برنامج الوطني وهو جوهر هذا الصراع وبدونه لن يكون هناك حل سياسي حتى لو استمر الصراع لمئات الأعوام القادمة،وان هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا بالشطب ولا بالإلغاء،أو ما يسمى بالمبادرات الإبداعية على غرار وثيقة جنيف وغيرها،وهو حق فردي وجمعي وتاريخي وقانوني وفق القرار الأممي 194 .
نعم عندما هرمنا وظهرت علينا علامات شيخوخة مبكرة كأمة،نظم رسمية وأحزاب موالية ومعارضة،جاء شباب التواصل الاجتماعي ( الفسيبوك والتويتر وغيرها ) ليعلنوا رفضهم لهذا الموات والشيخوخة المبكرة لأمة عريقة كان لها الكثير من العزة والحضارة والتاريخ،وقادوا الثورات العربية التي ما زالت قاطراتها تتقدم وتغير في الواقع العربي مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا،رغم غياب ملامح الفكر والأيديولوجيا.
استشهاد الشبل ميلاد عياش على أبواب النكبة وعلى أبواب مدينة القدس،جاء برسالة قوية للاحتلال،بأن ما يقومون به من إجراءات وممارسات قمعية من زرع للمستوطنات في قلب الأحياء العربية في القدس والاستيلاء على المنازل ومصادرة الأرض والقمع والتنكيل،لن تفلح في كسر إرادة أهلنا وشعبنا في القدس ولا في تحطيم معنوياته،ولن تنجح في تطويعه،أو إخراجه من دائرة المقاومة والفعل الكفاحي الشعبي.
ان الشباب الفلسطيني من أمثال الشهيد ميلاد وغيرهم من الشباب المنتظمين والمنخرطين في عشرات الحركات الشبابية المطالبة بالتغيير وأخذ دورها ومكانتها في المجتمع والقيادة ،تأكيد على أن هؤلاء الشباب هم القوة والطاقة الحية في المجتمع الفلسطيني،وعلى القوى والأحزاب ان تأخذ دورها وان تعيد حساباتها وتراجع برامجها في أن تجعل من البنية الأساسية والتركيبة والهيكلية لأجسامها من الشباب قاعدة وقيادة،وعليها ان ترسم الخطط وتضع البرامج المستجيبة لاحتياجات الشباب والمستوعبة لطاقاتهم وابداعاتهم وطموحاتهم،وبدون ذلك تصبح أحزابنا يابسة ومتكلسة ومنفصلة عن الواقع.
في الذكرى الأربعين لاستشهاد شبل سلوان ميلاد عياش،هذا الميلاد الذي بشر ويبشر استشهاده بميلاد فجر جديد وجيل جديد،جيل مصمم على النهوض بواقع هذه الأمة والعمل على تغيره،وكذلك مؤكداً للاحتلال الصهيوني أيضاً،بأن القدس لن تكون إلا عربية وعاصمة أبدية لدولة فلسطينية مستقلة،فمهما سن قادة الاحتلال وشرعوا من قوانين وقرارات من طراز قانون ما يسمى بالولاء والذي يشترط ولاء المحتل لمن احتل أرضه وشرد شعبه،أو قانون اعتبار القدس أولوية وطنية في التطوير (قانون التهويد )،أو قانون الاستفتاء،ربط اي انسحاب من القدس بعد إقراره في الكنيست بمصادقة الجمهور الإسرائيلي عليه،أو قانون اعتبار القدس عاصمة ليس لما يسمى بالشعب اليهودي بل لكل يهود العالم،أو قانون صهينة مناهج التعليم في القدس،أو عبرنة شوارعها وكذلك أحيائها،فكل ذلك لن يحقق حلم قادة إسرائيل في الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي.
إن دماء الشهيد ميلاد عياش الزكية الطاهرة التي سالت على أعتاب مدينة القدس،تناشد وتطالب كل قيادات شعبنا الفلسطيني وفي المقدمة منها فتح وحماس،أن يرتقوا إلى مستوى الأخطار المحدقة بقضيتنا وحقوقنا وثوابتنا ومشروعنا الوطني،وأن يعملوا على وضع اتفاق المصالحة موضع التنفيذ الفعلي والترجمة على الأرض،فهذا الانقسام واستمراره بمثابة السرطان في الجسد،وهو يعمل على تفكيك وتخريب وتدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني ،ويضعف الى حد كبير تماسك الجبهة الداخلية الفلسطينية،وكذلك دماء الشهيد ميلاد ودماء كل شهداء شعبنا،تطالب الفلسطينيين المتشبثين بالأوهام الأمريكية الى مراجعة مواقفهم بشكل جاد وحقيقي ومغادرة طريق المفاوضات العبثية كنهج وخيار بشكل نهائي،فهذه المفاوضات المستمرة منذ 18 عاماً،لم تحقق لشعبنا سوى المزيد من الفرقة والانقسام،بل كانت بمثابة الغطاء للعدو لكي يستمر في مخططاته في الأسرلة والتهويد وتكثيف وتصعيد وتائر الاستيطان في القدس والضفة الغربية،وانه آن الأوان لبناء استراتيجيه فلسطينية بديلة تقوم على الصمود والمقاومة تلتف خلفها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني الوطني والإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق