تدخل اللعبة إلى عالم الطفل منذ شهوره الأولى لوجوده على الأرض. تحمل له الاثارة والفرحة والسعادة، وتمنحه دليلاً على وجوده المستقل المتميّز، وتعبّر عن شخصيته، وعن بيئته وتراثه وحضارة مجتمعه.
عالم الألعاب في دنيانا يبهر الأنفاس.. وفي معركة الاغراء، غالباً ما نحمل قناديل العذارى الجاهلات، ونطرق أسوأ أبوابه؛ لنجد طريق المتعة الرحب، الذي يؤدي إلى الهلاك. وما أن نسير فيه، حتى تطالعنا الكثير من نماذج أدوات الحرب... وكأنها قد انبعثت من خرائب روما، ووثبت عبر دياجي القرون المظلمة، وحطت رحالها في عصرنا الحاضر بعد أن تكاثرت في صور شتى.. فائقة البراعة، وأقرب ما يمكن إلى الكمال. تذكّرنا بتشكيلية "العجل أبيس"، الذي عُرف عند قدماء المصريين رمز للإبداع والموت في آن!
وحين نهديها بكل النيات الطيبة إلى فلذات اكبادنا..فكأننا: نعطيهم بدل الخبز حجراً. وبدل السمكة حية. وبدل البيضة عقرباً.
لأننا ونحن نقدم لهم لعبة في هيئة: بندقية، أو دبابة، أوطائرة حربية، أو صاروخ... نمنحهم لعبة تختفي وراءها كمية الشر الكلي في الكون.
ولأنها لا تفقد أبداً قدرتها على الغواية، ولا تفقد التصاقهم العاطفي بها؛ فنجدهم: ينمون ويسيرون على نسق الأشياء التي أحبوها.
فاللعبة في رفقتهم، تتسلل كالهمة إلى ذاكرتهم، وتلوثها. تغير في أسلوب تفكيرهم: في أنفسهم، وفي العالم. وتجعل مشاعرهم مهزومة أمام البراءة والصفاء والحب... فينتصر الدافع للعداء والعنف والدمار. لإننا نسلك وإياهم طريق قايين، ونزرع الموسم الرهيب، الذي نحصده فيما بعد: أولاد جانحون. فتيان متحجرون قساة يتحدون المجتمع ولا يحترمونه. وكبار متهورون يبنون تاريخاً من المرارة يصعب مصادرته.
ولعل لعبة: "الروليت الروسية".. لعبة الموت، تشير وتفيض بحقيقة استهتارنا نحو النفس، ونحو الآخرين.. وكأن الحياة تعني مغازلة الخطر!
علينا أن نفهم.. أننا نحن نقطة البداية. وأن لكل منا لحظة فاصلة؛ لكي يقف للشرأو للخير في نضالهما الأبدي. وعلينا إذن: أن نستحث أنفسنا؛ لإزالة جميع الأصابع البربرية المحفورة في ذاكرة الطفولة.. بأن نصنع، ونبيع، ونشتري، ونهدي لعباً: تغني حياة أصلابنا، وتطبعها بالنبل والجمال والخير.
وهو في متناول كل منا.. فإننا "بأيدينا نصنع جناننا، وبأيدينا نصنع جحيمنا"!...
• ننشر هنا هذا المقال بالتزامن مع جريدة القاهرة المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق