النظام السوري بحاجة إلى وقفة صدق مع نفسه حتى يجد من يجلس معه على طاولة الحوار؟!/ محمد فاروق الإمام

تابعت باهتمام ما جرى في مؤتمر (الحوار الوطني) الذي عقد في دمشق يوم الأحد 10 تموز الحالي برعاية السيد فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية، وحضره لفيف من المثقفين والمفكرين والسياسيين والإعلاميين والفنانين دعوا إلى هذا المؤتمر بشكل رسمي، وكانوا في جلهم من أعمدة النظام أو من الموالين له بشكل أو بآخر، مع بعض الاستثناءات، حيث كان من بين الحضور المفكر المستقل المعروف الطيب تيزيني، والذي أحسب أن حضوره كان أمراً مرتباً، بدليل أن مقرر المؤتمر أعلن أن هناك عدد من الحضور طلب المشاركة في إلقاء كلمة، وأن الدكتور طيب تيزيني كان في مقدمة من طلب التحدث، وقدمه ليلقي كلمته، وفاجأ الطيب تيزيني الجميع عندما قال: أنا لم أطلب الكلام، ولكن لا بأس من التحدث إليكم طالما أتيحت لي الفرصة، وبدأ كلمته مشدداً على "تحريم الرصاص على الدم السوري"، مطالباً بالوقف الفوري لممارسات قمع المتظاهرين، وضرورة أن يتوقف الرصاص في المدن السورية، لأنه لا يمكن لأي طرف أن يتابع إطلاق الرصاص بينما الحوار دائر.
وأضاف تيزيني في مداخلته أن التأسيس لمجتمع سياسي مدني يتطلب تفكيك الدولة الأمنية، "وهذا شرط لا بديل عنه، الدولة الأمنية تفسد كل شيء" في المجتمع، معتبرا اللقاء التشاوري الجاري امتدادا لسلطة تريد أن تظل مهيمنة.
كما سمعنا في المؤتمر كلاماً صريحاً يشخّص الوقائع على الأرض ويسمي الأسماء بمسمياتها من النائب محمد حبش، المحسوب على النظام، الذي أكد في مداخلته "أن جزءا مما تشهده البلاد هو مؤامرة، لكن 80% مما تشهده هو احتقان داخلي نشأ نتيجة القمع والممارسات الأمنية" مطالباً بإنهاء حكم حزب البعث الحاكم.
وقد استبعد عن هذا المؤتمر أهم مجموعتين معارضتين في سورية ولم تدعيان لحضوره وهما (إعلان دمشق) و(جماعة الإخوان المسلمين)، وكذلك غياب أي تمثيل لشباب الثورة الذين يقودون التظاهرات السلمية في الشارع السوري منذ أربعة أشهر، وهم أصحاب القرار في إنجاح أي مؤتمر وطني أو إفشاله، وقد استبق هؤلاء عقد المؤتمر وسيروا مظاهرات عارمة جابت شوارع المدن السورية من أقصى البلاد إلى أقصاها تحت شعر (جمعة لا للحوار). ووصفت المؤتمر بأنه "رقص على دماء الشعب".
كما أعلنت قوى المعارضة الوطنية في الداخل والخارج رفضها المشاركة في هذا المؤتمر لفقدان الثقة لديها بالنظام القائم ودعواته للحوار، رغم قناعة الجميع بأهمية الحوار واعتباره سبيلاً أساسياً للتواصل والتفاعل بين جميع ألوان وأطياف الحيز السياسي لمناقشة مستنقع الأزمات التي تعاني منها سورية، لكنها ترى في الوقت ذاته أن لكل حوار بيئة يجري فيها وبوادر توحي بنتائجه سلباً أو إيجاباً، فإطلاق الحوار يفترض أن تذهب الأطراف ولديها شكل ما من الثقة بجدواه، وهناك اليوم حالة من فقدان الثقة لدى المعارضة والشارع السوري بالنظام القائم ودعواته للحوار.
وتعتبر المعارضة السورية أن النظام يدعوها إلى لقاء تشاوري حواري 'فيما لا يزال ينتقل من مدينة لأخرى ليحاصر ويقتل ويعتقل تحت حجج وذرائع زائفة'، وأكدت المعارضة في بيان لها أن هذه الدعوة (دعوة السلطة للحوار) لا تعنينا طالما أن النظام لا يزال يسير على الأرض في خياراته المعهودة".
ويشار إلى أن شروط المعارضة لإنجاح مثل هذا الحوار يتمثل بوقف الخيار الأمني، والتوقف عن زج قوى الأمن والجيش في معركة مع الشعب، بالإضافة إلى الإفراج عن جميع الموقوفين منذ انطلاق الانتفاضة وعن جميع المعتقلين السياسيين وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية فعلياً، وعدم تقييد الحياة العامة بقوانين أخرى تقوم بالوظائف السابقة ذاتها لقانون الطوارئ كالقانون 49 لعام 1980 الذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر رجعي، والاعتراف بحق التظاهر السلمي والإقرار بضرورة إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تجعل من حزب البعث القائد والموجه للدولة والمجتمع.
وكان نائب الرئيس فاروق الشرع قد افتتح المؤتمر بكلمة مقتضبة جاء فيها: إن نظاماً سياسياً تعددياً وديمقراطياً سينبثق من الحوار الوطني، وأنه لا رجعة عن الحوار، وأن الهدف منه الإعداد لمؤتمر وطني شامل يمكن منه الانتقال بسورية إلى دولة يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم.
وأضاف أن الحوار الوطني يجب أن يتواصل سياسيا وعلى كل المستويات ومختلف الشرائح لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في تاريخ سورية، وأوضح أن الحوار ليس منة لأحد من أحد وليس تنازلا من الحكومة، بل هو واجب، لأن الشعب هو مصدر السلطات.
وأقر الشرع بأن اللقاء التشاوري ينطلق في أجواء من الشك والقلق والريبة، لافتاً إلى وجود معيقات طبيعية وأخرى مفتعلة، لكنه لم يحددها، كاشفاً عن قرار بعدم وضع أي عقبات أمام سفر أو عودة أي مواطن سوري إلى بلده.
كنت أتمنى على النظام السوري أن يقف للحظة واحدة صادقاً مع نفسه قبل أن يدعو الناس للحوار إذا كان فعلاً يريد الإصلاح والتغيير للوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات التي ينشدها الشعب السوري بعد تغييبها لنحو نصف قرن، ويعترف أنه حكم سورية لنصف قرن حكماً استبدادياً شمولياً بوليسياً قمعياً.. كنت أتمنى على الرئيس بشار الأسد أن يقف ويعترف بشجاعة أن النظام القائم الذي حكم سورية لأكثر من أربعة عقود كان نظاماً فاشلاً وارتكب أخطاء قاتلة أدت بسورية إلى توقف عجلة الحياة فيها عند الرقم (0) كل هذه السنين فيما كان العالم من حولنا يتقدم ويتطور ويرتقي سلم المدنية، كنت أتمنى لو يقف السيد الرئيس، الذي أقر بأنه حاز في السنوات الماضية على بعض الشعبية والاحترام من السوريين والعرب للمواقف الوطنية تجاه المقاومة والقضية الفلسطينية، حتى وإن كانت تلك المواقف شكلية ولم ترق في يوم من الأيام إلى حقائق على الأرض، أقول كنت أتمنى على السيد الرئيس أن يعلن بشجاعة أن الأجهزة الأمنية في سورية ضللته وارتكبت بحق الشعب السوري أفظع الجرائم وأشنعها، وأن نفر ممن حوله شاركوا هذه الأجهزة في تضليله مع مجموعة من الإعلاميين والمستشارين المتملقين والمنافقين، وأنه سيقدم كل هؤلاء المسؤولين إلى العدالة فوراً في محاكمات علنية ليقول القضاء كلمته فيهم، وإنني أتقدم إلى ذوي الشهداء بأحر التعازي وإلى الشعب السوري بخالص الاعتذار، وإنني وإن تبوأت منصب رئاسة الجمهورية بطريق غير شرعي إلا أنني سأصحح خطأي وأضع استقالتي أمامكم لتنظروا وتقرروا وتختاروا الأصلح والأجدر وهم كثر في سورية، حقناً للدماء وإبعاد سورية عن الدخول في أي نفق مظلم لا يعلم إلا الله تداعياته وأبعاده، وإذا ما فعل السيد الرئيس بشار الأسد ذلك فإنه في الحد الأدنى سيجد الآلاف ممن سيقدرون هذا الموقف الشجاع ويذرفون الدموع على رحيله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق