تسونامي استيطاني في القدس/ راسم عبيدات

...... مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في اسرائيل حول ارتفاع اسعار الشقق السكنية،ومع الانشغال العربي في الشأن الداخلي بسبب ربيع الثورات العربية المتعثر،وجدت حكومة اسرائيل ان تلك الاحتجاجات وذلك الانشغال توفران لها حلاً مناسباً وتساعدها على تنفيذ برنامجها الذي قامت على اساسه الا وهو تكثيف الاستيطان في القدس الشرقية بغرض تهويدها وتحويلها الى "جيتو"يهودي،حيث جرت في هذا الشهر مصادقة على اقامة (930 ) وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة ابو غنيم"هارهاحوما" و (1600) وحدة استيطانية جديدة في شعفاط توسيع مستوطنة "رمات شلومو" ويجري العمل للمصادقة على اقامة (700 ) وحدة استيطانية في مستوطنة"جفعات همتوس" المقامة على اراضي بيت صفافا وبيت جالا و(2000 ) وحدة استيطانية في "بسجات زئيف" التله الفرنسية والمقامة على اراضي لفتا.

وهذه الهجمة الاستيطانية على مدينة القدس والتي سبقتها عشرات الهجمات الاخرى من خلال اقامة احياء استيطانية في قلب الاحياء العربية كما هو الحال في مستوطنة "معاليه هزيتيم" المزروعة في قلب سلوان ومستوطنة "نوف تسيون" المزروعة في قلب حي جبل المكبر وكذلك الاحياء الاستيطانية التي يخطط لاقامتها في قلب الشيخ جراح ووادي حلوة في سلوان والطور والعيساوية ومنطقة غزيل وغيرها.

وكل هذا الخرق والخروج السافر على القانون الدولي لا تعتبره اوروبا الغربية وامريكا خطوات آحادية الجانب،بل هو عقبات على طريق السلام،أما توجه السلطة الفلسطينية الى هيئة الامم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران بعد فشل ما يقارب عشرين عاما من المفاوضات العبثية في تحقيق دولة فلسطينية مستقلة،وعدت بها ثلاث ادارات أمريكية متعاقبة،فهذا خطوات آحادية الجانب مضرة بالعملية السلمية وتستدعي معاقبة السلطة الفلسطينية وفرض الحصار عليها وقطع المساعدات المالية عنها !!!،وهنا يحضرني المأثور الشعبي "إذا لم تستحي فافعل ما شئت" يقدمون كل الدعم لاسرائيل ويوفرون لها المظلة السياسية والحماية في المؤسسات الدولية من أية قرارات أو عقوبات دولية تترتب عليها جراء خروجها السافر على القانون الدولي وحقوق الانسان،ولم يتخذوا أو يلوحوا بأي إجراء أو عقوبة دولية ضدها لقاء تهديدها للسلم العالمي وخرقها للقانون الدولي،ويريدون من الفلسطينيين أن يستجيبوا لكل شروطها وإملاءاتها ،ويوافقوا على كل ما تقوم به من إجراءات وممارسات لتكريس الأمر الواقع،وكذلك التي تلتهم أرضهم وتلغي أية إمكانية لإقامة دولتهم القابلة للحياة على وحد وصفهم،وسينالون العقاب والعذاب اذا ما تجرؤا ورفضوا شروط اسرائيل وإملاءاتها.

بالعربي الفصيح كل هذا الضجيج والحديث عن مبادرات ومؤتمرات إقليمية ودولية من قبل أوروبا الغربية وأمريكا لحل القضية الفلسطينية أو إعادة المفاوضات الى مسارها تستهدف أولاً الاستمرار في إدارة الأزمة،وثانياً منح اسرائيل الوقت الكافي لتنفيذ وتطبيق خططها وبرامجها ومشروعها السياسي بفرض السلام الاقتصادي على الفلسطينيين،مشروع نتنياهو تحسين الشروط والظروف الاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال وبصندوق دعم عربي ودولي،وهذا المشروع توافق عليه أمريكا وأوروبا الغربية،ولكن في إطار تقاسم وتوزيع الأدوار يختلفون في هذه الجزئية أو التفصيلية،ولكن الهدف العام متفق عليه بينهم،وأيضاً تأتي تلك الدعوة للمبادرات والمؤتمرات في هذا الظرف بالذات من أجل ثني السلطة الفلسطينية عن وقطع الطريق عليها في التوجه لهيئة الأمم المتحدة،وما سيتركه هذا التوجه من تأثيرات وتداعيات تعري المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية،أو ربما تتجه الأمور نحو تداعيات تخرج عن إطار الايقاعات الأمريكية،في ظل أوضاع عربية غير مستقرة فيها الكثير من التغيرات والمفاجئات غير السارة لأمريكيا وأوروبا الغربية.

والمسألة في القدس غير مقتصرة على تسونامي الاستيطان بغرض التهويد والتطهير العرقي للعرب المقدسيين،بل تشرع وتقوم اسرائيل بسن وتشريع العديد من القوانين والقرارات المهودة للمدينة،والتي تجعل عودة أي طرف فلسطيني للمفاوضات العبثية في ظلها بمثابة انتحار سياسي،فمن يشرع قوانين وقرارات تضفي الشرعية على وضع غير شرعي وأراض محتلة وفق القانون الدولي لا يريد لا سلاماً ولا مفاوضات،حيث ما يسمى بقانون الولاء والذي يطلب من المحتلين الولاء للدولة التي تحتلهم،هذا القانون القراقوشي الذي على أساسه جرى طرد وترحيل نواب القدس ووزيرها السابق عن مدينتهم،حيث اعتقل النائب ابو طير ومن ثم ابعد الى رام الله،أما النواب احمد عطون ومحمد طوطح والوزير السابق خالد ابو عرفه،فمضى على اعتصامهم في مقر الصليب الاحمر في القدس اكثر من 410 أيام على خلفية رفضهم لهذا القرار،وكذلك هناك قانون اعتبار القدس أولوية وطنية في التطوير قانون"التهويد" وقانون الاستفتاء،منع أي انسحاب من مدينة القدس الا بعد موافقة 61 عضو كنيست عليه،ومن ثم يجري طرحه على الجمهور الاسرائيلي للمصادقة او الرفض،وبما يعني استحالة الانسحاب من القدس،وكذلك قانون اعتبار القدس عاصمة ليست لا"اسرائيل"بل لكل يهود العالم،وهناك العديد من القوانين الاخرى من طراز قانون صهينة التعليم وقانون عبرنة الشوارع والاحياء العربية،وغيرها من القوانين العنصرية التي يجري تشريعها واقرارها من قبل الكنيست والحكومة الاسرائيلية،والمندرجة في إطار الأسرلة والتهويد.

ان استمرار العدوان الصهيوني،والمتمثل في الاستيطان وممارسة سياسة التطهير العرقي،يفرض على واشنطن و"الرباعية"والاتحاد الأوروبي والعواصم صاحبة القرار ان تتحرك فوراً لحماية السلم العالمي،وحماية مصالحها،وحماية المنطقة كاملة من الارتهان للاحتلال والارهاب والقرصنة.

لقد أثبتت الأحداث بشكل واضح وجلي،انه منذ مؤتمر مدريد 1991 وما قبله وما تبعه من مؤتمرات وحتى اللحظة الراهنة،ان الانحياز الأمريكي والتواطؤ الأوروبي الغربي مع العدو الصهيوني هو السبب الرئيس في رفضة الانصياع لقرارات الشرعية الدولية،واصراره على رفض الانسحاب من الاراض الفلسطينية والعربية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

أنه لم يعد مقبولاً من المجتمع الدولي استمرار التعامل مع اسرائيل في خرقها وخروجها السافر على القانون الدولي بقفازات من حرير،ورفع العصا الغليظة في وجه الفلسطينيين المحتلة أرضهم،والمناضلين وفق ما كفلته لهم الشرعية الدولية من حقوق في هذا الجانب من أجل التحرر والانعتاق من الاحتلال.

وفي ظل تسونامي الاستيطان في القدس،فإنه بات من الملح والضروري اسلاميا وعربيا وفلسطينيأ،ضرورة التحرك بشكل عملي ويرتقي الى مستوى الحدث وبعيداً عن لغة الندب والشجب والاستنكار والاستجداء على ابواب البيت الابيض والمؤسسات الدولية،فالعالم لا يحترم الضعفاء،وأمريكا وأوروبا الغربية لن يتغيروا ما لم نتغير نحن العرب والمسلمين،ويشعروا ان مصالحهم في المنطقة عرضة لمخاطر جدية وحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق