هل يعتبر الأسد الصغير بما حل بطاغية ليبيا وينزل على إرادة السوريين/ محمد فاروق الإمام

هل هي مصادفة أم تقدير من رب العالمين أن يكون حديث الأسد الصغير مع التلفزيون الحكومي الرسمي يوم 21 آب الحالي متزامناً مع سقوط طاغية ليبيا معمر القذافي، ليكون إنذاراً للأول بأن عهد الطغاة إلى زوال وأن عهد الاستبداد إلى اضمحلال وغياب عن الخريطة العربية، وأن الجيوش بدباباتها، ورجال الأمن ببنادقها وهراواتها، والشبيحة بسواطيرها وسكاكينها وعصيها، والمطبلين والمزمرين والهتافين والمتملقين لن يحولوا دون سقوط الطغاة والمستبدين لأنها سنة من سنن الحياة، وغيرة من الله على من يتحداه (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أبالي)، وقد تهاوت أعتى هذه الديكتاتوريات في شهور قليلة بدءاً من هذا العام، حيث سقط في تونس زين العابدين بن علي وفي مصر حسني مبارك وفي ليبيا مؤخراً معمر القذافي، وهناك تمترس بصولجان السلطة وكرسي الحكم بين طاغيتين في طريقهما إلى السقوط، وقد يكون أقربهما طاغية الشام بشار الأسد الذي أوغل في دماء السوريين حتى لامست الأعناق وغمرت الركب.
يوم أمس تحدث الأسد الصغير طويلاً كعادته مع التلفزيون السوري الرسمي الذي يديره شبيحة الإعلام وأبواق النظام الكاذبة المضللة وقد بدا على وجهه الشحوب رغم لمسات المكياج الواضحة وفي حركاته إرباك وانفعالات.. تحدث الأسد الصغير محاضراً كعادته وليس محللاً يتعامل مع الواقع بمصداقية وشفافية، فهو لا يزال يضرب على الوتر الأمني الذي اعتبره هو المقدمة لأية حلول سياسية لابد منه لإيجاد الأرضية الصالحة لتقبل حزمة الإصلاحات التي سنها والتي يفكر في تفعيلها عندما يرتب البيت السوري، ولا يزال الأسد الصغير يضرب على وتر المؤامرة الخارجية والفتنة الطائفية والعصابات المسلحة والمندسين والمخربين والسلفيين، دون أن يعترف ولو بالإشارة إلى أن هناك في الساحة السورية أزمة عليه التعامل معها بحكمة وعقلانية، وأن هناك ثورة شعبية تطالب بإسقاط النظام ورحيله، وأن هناك دماء صبغت ساحات وميادين وشوارع وأحياء المدن والبلدات والقرى السورية، وأن هناك أكثر من ألفي شهيد سقطوا على يد شبيحة النظام ورجال الأمن بينهم أكثر من 125 طفل وعشرات النساء، وأكثر من 500 شهيد من القوات المسلحة قضوا على يد رجال الأمن لرفضهم توجيه رصاص بنادقهم إلى صدور إخوانهم المتظاهرين السلميين، وأن هناك ما يزيد على ثلاثة آلاف مفقود وأكثر من عشرين ألف معتقل وأكثر من خمسين ألف مهجر إلى البلدان المجاورة، وأن هناك مدن حوصرت ومساجد وبيوت وأعراض استبيحت، وقطع عن أطفالها الحليب وعن مرضاها الدواء وعن أهلها الماء والغذاء والكهرباء والاتصالات، ودمرت العشرات من مساكنها والمئات من محلاتها التجارية ونهبت محتوياتها.
الأسد الصغير أكد في مقابلته التلفزيونية على تجاهله لحقيقة ما يجري في الساحة السورية غير آبه بمطالب ملايين المتظاهرين الذين يخرجون كل يوم في معظم المدن والبلدات والقرى السورية تصدح حناجرهم بسقوط النظام ورحيل بشار، وقد مجَّ هؤلاء المتظاهرون السلميين هذا الرئيس غير الشرعي، الذي سمعنا وسمع العالم ما قاله ماهر شقيقه قبل أيام، من أن أباه حافظ الأسد استولى على السلطة بالقوة وهم لن يسلموا هذه السلطة التي ورثوها ولو أفنوا الشعب السوري كله، وتحدى الذات الإلهية في أن يتمكن من إسقاطهم (قاتله الله)!!
لعل سقوط القذافي المذري، الذي كان قبل سويعات يتحدى الليبيين ويصفهم بالجرذان والعملاء والخونة والمخربين ويطلب من كتائبه ملاحقتهم بيت بيت ودار دار وزنقة زنقة وتطهير ليبيا منهم فإذا به يختفي هارباً مذعوراً وقد وقع ابنه سيف الإسلام، الذي لطالما كان يعده لوراثته، أسيراً بيد الثوار في حين استسلم ابنه الكبير محمد.
فر القذافي هارباً وحيداً كالجرذ لا يلوي على شيء، مطارداً من الثوار تنتظره محكمة لاهاي حيث سيقف هو وأعوانه في قفصها أذلاء خانعين كحال من سبقهم من طغاة هذه الأمة ومستبديها.
أقول لعل سقوط القذافي السريع يجعل الأسد الصغير يراجع حساباته، ويصدق مع نفسه ويقر بحق الشعب السوري في اختيار ممثله لقيادة الوطن ونوع ولون الحكم الذي يريد بعيداً عن الضغوط أو الإملاءات وهو المعروف بكثرة القادة الوطنيين الشرفاء في صفوفه، المؤهلين لتبوء مناصب الحكم والخروج بالبلاد من أزمتها بأقل الخسائر وأيسر السبل بعيداً عن الأحقاد والثارات والانفعالات.. فهل سنسمع صوت العقل ينطق به الأسد الصغير قريباً ويجنب البلاد الخراب والدمار ويحقن دماء السوريين، ويعلن عن تنحيه عن الحكم ومغادرة البلاد في مأمن قبل أن تأتيه مذكرة قبض من محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وينجو بنفسه قبل أن يتعذر عليه ذلك ويصيبه ما أصاب سلفه محمد حسني مبارك، حيث سيجرجر على قدميه مكبل الأيدي ومصفد الأرجل، كما يفعل زبانيته وشبيحته بالمعتقلين السوريين، إلى قفص الاتهام دون أن يتاح له لا سرير نقال ولا كرسي متحرك، وينادي القاضي: مجرم الحرب بشار بن حافظ الأسد، ويرد صاغراً: نعم سيدي.. موجود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق