ربيع مصر وخريف اسرائيل ( الجزء الأول)/ سامي الأخرس

ليس من السهل أن تعيش دومًا بحالة اسهال سياسي من خلال ملاحقة كل الأحداث في المنطقة، أو في محيطك الخاص أو العام أو على المستوى الدولي، فكل لحظة هناك حدث، وهناك تطور، وهناك متغير يحتاج الكثير منا للتحليل والكتابة والسرد، اشبه بالكمين الذي توجد به باستمرار، غير قادر على الخروج من شباكه الفولاذية أو المتفولذة، بسرعة التواتر وعلى وجه الخصوص وليس التحديد حالتنا الفلسطينية التي تحتاج للاستعانة بمستورد أقلام وأوراق وأفكار لتلاحث متابعاتها وتناول دوانبها، أضف لهذه الحالة( الأزمة) أو الكمين الأشبه بدائرة مغلقة ندور في محيطها وما يحتويه من هواء متجدد باستمرار جزءُ منه أصابه العتة السياسية جراء المتوالية المحلية التي تتجه صوب المناخ الخريفي بروابعه الترابية، وغباره المؤثرة على حاسة النظر وكذلك القدرة على تنفس هواء نقي صافي في مناخ ملوث بكل الغازات السامة، والأكسدة الضارة. وأمام ذلك وعلى خط موازٍ أحداث المنطقة العربية منذ الإعلان عن ميلاد الهلال الربيعي العربي الذي لم يزهر حتى راهن اللحظة، وإن كانت قد بدأت تتمحور في الأفق ظهور عنق الزهرة في مصر، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة وملحقاتها، وحدثها الأهم ألاّ وهو اقتحام السفارة الإسرائيلية وهدم الجدار العازل الذي تم بنائه أمامها، وما أسفرت عنه هذه الأحداث من هزات ارتدادية اختلفت في شدتها، وردات فعلها على المستوى الدولي، والعربي، والمصري، وهو الموضوع الذي يتم تفصيله في هذا المقال المطول بعيدًا عن الشخصنة العاطفية، أو الإنتماءات القطرية، أو النظر لنصف الكأس الفارغ، وتجاهل النصف الآخر الممتلء وضرورات الغوص عميقًا في تمحيص وتشريح وتحليل الحالة المصرية، والعودة خطوات كبيرة للخلف في استرجاع ملامح التاريخ، وقرائته بأعين ناقدة، ومحايدة، مجردة من إعتبارات أو خلفيات وجدانية تنحو بنا للإندفاع والحمية تحت وقع الكمين الذي نحن بشراكه، نصارع فولاذيته المستعصية، والقاسية، التي لم تستطع سواعدنا السمراء أن تكسر حاجز عروبتنا التي خلقت فينا نوع من النخوة والحمية التي تحمل في طياتها النفس الثوري، وربما هذه حالة فسيولوجية في التركيبة العربية التي تندفع في حالتي الحب والحقد.
بدءًا ينتابني شيء من الإرباك في تحديد بوصلة البداية في التعمق في الحالة المصرية، وكيفية الطرق عليها وهي ملتهبة، في حالة إنصهار كاملة، أو طرق بابها الأمامي الذي اصبح أكثر صلابة وسمكًا، وهي حالة تمثل فزاعة لكلُّ من يريد تناولها بما أن هناك تقسيمات في المجتمع المصري، أصبح لكلُّ منها صوت عالِ لا يمكن الاستخفاف به، أو تجاوزه والقفز عنه تحت أي مبررات كانت، أو أي محاولات لتجاهل تلك الظاهرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011م التي فرضت إيقاع موسيقي غير متناغم في ألحانه، ولا يوجد له قافية موحدة في موسيقاه الشعرية، وهو ما سيتم البدء به من خلال الإنطلاق أو تفحص المحراب المصري المطفئ قنديله الزيتي.
أولًا: مصر حالة ربيعية أم زوبعة غبار خريفية صفراء:
منذ ثورة 23 يوليو سنة 1952م الناصرية ومصر تعيش حالة من الإنتصار على واقعها الذاتي في مرحلة قيادة المنطقة بعروبتها أو بآسيويتها أو إفريقيتها، وهذا الإنتصار أعاد مصر لمكانتها ما قبل الملكية الفاسدة، ومحاولات الإحتواء الاستعمارية( الانجليزية) التي حاولت فرض الوصاية على مصر وعروبتها، وهي الوصاية التي كسرتها ثورة 23 يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر، الذي جعل من مصر قائد أو زعيم، وقبلة سياسية هامة مع تناغم المجتمع المصري، واسنجامه في فسيفساء سياسية واجتماعية متناسقة سياسيًا، اجتماعيًا، دينيًا، وهو ما أضفى زهاء على زهرة البيلسان المصرية في حديقة العروبة، ومنحا لون زاهري جاذب يسير الكل في هداه وخلف سحره، حتى برغم هزائم الجيش المصري سنة 1967م إلاّ أن ذلك لم ينل من الدور المصري، ولم ينتقص منه كثيرًا.
وبعد وفاة الزعيم المصري( جمال عبد الناصر) وصعود ( أنور السادات) لسدة الحكم، وقيادته للجيش المصري ببطولة وملحمة العبور التي أعادت للأمة عنفوانها وكرامتها، وكسرت حاجز الهزيمة على الجبهات العربية بقوة دفع بلغت أوجها في الطموح والحلم بالقدرة على تحويل مسار التاريخ من الهبوط إلى الصعود، والعودة للتألق، إلاّ أن مفاجئة الرئيس أنور السادات بالإعلان عن نيته التوجه إلى ( القدس المحتلة)، وزيارة اسرائيل قد عكست قوة التيار من الإنتصار للهزيمة، وخاصة أن الرياح والسهام أتت من مصر الكبرى، وهو ما أحدث خالة تشرذم في الفسيفساء المصرية السياسية فيما يتعلق بكامب ديفيد سنة 1979م وبالفسيفساء العربية في التوجه صوب مصر. وعليه فقد بدأت خيوط التشابك بنسج أعشاشها في البيت العربي، وانفرطت هذه المتوالية لتتشابك ألوانها في فرز اللون المصري الذي عاد بعد سنوات من القطيعة بعهد الرئيس حسني مبارك الذي أخذ مصر إلى بيارق أخرى لا نور بها، وقناديلها مطفئة غير واهجة فيما يتعلق بالسيادة المصرية المحلية أو فيما يتعلق بالمحيط الإقليمي لمصر وكيانها، فكانت العملية عبارة عن تحشيد من الغضب المصري الداخلي نحو نظام لم يراعِ الفوارق الاجتماعية الداخلية، ولم يحافظ على طبيعة وقيم الشعب المصري التي ابرز عناوينها الكرامة، فوجد المصري ذاته أمام مطرقة إهدار كرامته سواء باعتداءات اسرائيل الدائمة ضد قوات الأمن المركزي المرابطة على الحدود، والاعتداء على اآراضي المصرية ودون أي اعتبارات للكرامة المصرية، ودون اي تحرك رسمي من النظام الذي كان يدفن رأسه في تراب الصمت، ويغلق آذنيه عن السمه لآنين غضة الكرامة لشعب يرى بنفسه وجيشه عنوان للإنتصار، وبين الرفقر والظلم والقهر الذي أصبح المصري يعاني منه في وطنه، وحالة الإذلال التي يتعرض لها المواطن المصري حتى في الدول العربية التي كان يذهب إليها للعمل وطلب الرزقن دون أي تحرك حكومي يحافظ على هذا المواطن، وهذه الكرامة، بل كان في حالات عدة يقوم النظام بالإعتذار للمعتدي على المواطن المصري بحجة المصالح الاقتصادية العليا، وإزداد إيغالًا في طعن هذه الكرامة من خلال اتفاقية تزويد اسرائيل بالغاز في خضم الاحتقان الشعبي العربي عامة، والمصري خاصة ضد ما تمارسه اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وضد ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وفي المنطقة العربية والإسلامية عامة، مع تجاهل تام للنظام المصري الذي يتناسى طبيعة شعبه القومية، والإسلامية.
هذه الاستفاضة السريعة في استعراض الأحوال المصرية ساهمت في حالة وعي محتقن تم ترجمته بخروج الشعب المصري، وخاصة الشباب للبحث عن الذات بحالة ثورية أطلق عليها (ثورة 25 يناير)، واسقطاط النظام الرسمي بشخوصه وليس بسياساته، وافكاره، وعودة الجيش المصري لواجهة الأحداث، والقيادة الفعلية، وحالة من الفوضى الناجمة عن انهيار المنظومة المؤسساتية للدولة المصرية، وهي الحالة التي جعلت الجميع يخشى على مصر، ويطالب بالهدوء والروية، ورفع الضغط عن مصر وجيشها. وهي حالة فوضى في الممارسة الميدانية لأنماط الحياة اليومية أو حالة فوضى فكرية بدأت تتسلل للحياة المصرية، وخاصة لدى بعض الشرائح العريضة من المجتمع المصري، وأفرزت تلك الحالة ثلاثة قوى أساسية في المجتمع المصري، هي:
1. الثورة التي قادت العملية الثورية مِن ميدان التحرير، وجَسدت القدرة لكلُّ الشعوب العربية من رأت بالثورة المصرية نهجًا وقدوة، والثورة يمكن تصنيفها لقوتين، أحداهما القوة الثورية التقليدية التي رأت بالثورة المصرية نمطًا تقليديًا يراد منه التخلص من رموز النظام السابق، وإحتلال موقعه ومكانته أو الثأر منه سياسيًا، بعدما عجزت هذه القوى بكل المراحل عن الدفاع عن الشعب المصري ومظالمه، أو التصدي للظلم الاجتماعي، بل جنحت لمهادنة النظام والحياة في حالة سكينة توافقت وتناغمت مع ديمقراطية فرضها النظام فيما يسمى بديمقراطية الورق أو الإعلام.
في حين أن جناح الثورة الآخر هي القوة الفعلية المحركة للفعل الثوري المصري، والحقيقة الثورية التي عبَّرت عَن الكرامة المصرية بفعل يوري لا يستهدف إلاّ إحداث تغيير ثوري شمولي في النمطية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المصرية، وهو الجناح الذي يرفض شكلية الثورة وتقليديتها، أو محاولات احتوائها. وربما جاء الإعتداء على الجنود المصريين وقتل خمسة منهم من قبل إسرائيل الفعل الحقيقي للكرامة التي أرادها هؤلاء الشباب الثائر غير المؤطر، وغير المنتمي لأجندة حزبية، فثارت ثورته ضد السفارة الإسرائيلية في القاهرة، بحراك لا يستهدف سوى إرسال رسائل شديدة اللهجة ليس لإسرائيل فحسب بل لكل المنظومة الدولية، والإقليمية، والمحلية بأن مصر ما بعد الثورة ليس مصر قبل الثورة، وأن المصري لم يعد يتنازل لأي قوة كانت عن كرامته. فكانت ردة الفعل شديدة وحاسمة، ومؤثرة ضد السفارة الإسرائيلية خاصة، بعدما كانت الإهانة قد وجهت للجيش المصري، ومماطلة إسرائيل في الإعتذار عن قتل الجنود المصريين، وهنا يمكن التعبير بأن الحالة ما هي سوى حالة تعبيرية ورسالة واضحة بأن زمن التغاضي عن الكرامة لم يعد له وجود. وربما تسارع الأحداث وخطاب الرئيس الأمريكي( أوباما) هو محاولة منه للتأثير على التحرك الرسمي بعدما أدرك بأن اللهجة الشعبية الثورية قوية، وخارج نطاق التوقع، وإن كانت قد أصابت إسرائيل في هذه المرحلة الأولى من الثورة فإنها تصيب الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلًا إن تجرأت على المس بالكرامة المصرية، بل وكذلك عبَّر رئيس وزرائها( نتنياهو) عن حالة خضوع تام لم نعهدها في الخطاب الإسرائيلي منذ اعلان هذا الكيان سنة 1948م وبهذه اللهجة البائسة بالعرف السياسي، وهي حالة كان يتقنها الخطاب السياسي العربي الرسمي، بما يعيد للأذهان الخطاب الرسمي العربي الذي اتقن لغة" الرد في الزمان والمكان المناسب" وأن ميزان القوى غير متكافئ وهي ما سيتم شرحه في هذا التحليل.
2. القوة الثانية في المجتمع المصري هي القوة التابعة سياسيًا ووجدانيًا للنظام السابق، وللرئيس حسني مبارك، وهذه القوة تحاول جاهدة وبكل قوتها للحفاظ على مصالحها ومكتسباتها الاجتماعية والاقتصادية التي امتازت بها في العهد السابق، وليس مِن المستغرب أن تجد في هذه القوة بعض الفئات الفقيرة أو المهمشة، وهي حالة طبيعية بحيث إنها ملتصقة تلقائيًا بمصالح معنية، وهي أشبه بنوع الطفيليات الذي يعيش علي جسد الإنسان أي مرتبط به، وتسمى طفيليات مستوطنة إن ابتعدت عن الجسد تموت تلقائيًا، وبذلك هي تدافع عن مصاحلها ومصالح الفئات الأخرى المرتبطة بالنظام السابق، وهي لا يمكن اعتبارها شذوذًا أو خروجًا عن المألوف، بل إن ثورة 25 يوليو سنة 1952م واجهت مثل هذه القوة، وكانت تنادي بعودة الملكية، وأن الضباط الأحرار قادوا مصر للفوضى ولمواجهة مع قوى استعمارية، بمواجهة غير متكافئة وهي نفس الشعارات المطروحة حاليًا في مواجهة التغيير، ومظاهر يعتبرها بنفس آليات النظام السابق مثل قمع شرطة الأمن المركزي في استاد القاهرة الدولي للشباب، والقسوة المفرطة التي أعادت الشباب لمشاهد جهاز الداخلية السابق، وكذلك بطء عملية التغيير، واعتداء اسرائيل على جنود الأمن المركزي على الحدود، وكذلك مواجهة القوى التقليدية في الثورة نفسها والتي تحاول الإلتفاف على الثورة للقفز على رأس النظام السياسي، سواء قوى السياسية العلمانية أو الإسلامية، والطرف الثالث القوى المؤيدة للنظام السابق.
ثانيًا: جمعة التأكيد على الثورة استكمال مسيرة:
ربما شرحت باستفاضة في البند السابق الإعتبارات الأساسية للحالة الثورية المصرية التي سارت في منحى ومسار معين منذ فبراير عندما أعلن الرئيس المصري (حسني مبارك) عن تنازله عن السلطة، وأن هذه الحالة شهدت ترقبًا من الشباب المحرك لثورة 25 يناير على كافة الصعد، وترقب بعين ناقدة وواعية على جميع المسارات، فلم تلمس أي تغيير سواء في المستوى الرسمي المصري من حيث الفساد والمظاهر السابقة، وكذلك في المستوى الحكومي والأداء الحكومي، أو في المستوى الإعلامي والخطاب الإعلامي الذي لم يتغير سوى مظهريًا عن السابق، وكذلك ما يحدث في محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في الوقت الذي يحاكم فيه رموز النظام السابق مدنيًا في ظل أريحية مطلقة لهذه الرموز، وبدء إرسال إشارات وايحاءات ببراءة الرئيس المصري( حسني مبارك) وأبنائه؟، وهو ما جسده (علاء مبارك) برفع اشارة النصر في قفص الاتهام بآخر جلسات المحكمة، مع اعتداءات اسرائيل على الجنود المصريين، واعتذارها الوهمي، وعدم الحسم من قبل المجلس العسكري في هذه القضية الجوهرية التي مست الكرامة المصرية، بما أن الإعتداء اصاب الجيش المصري الذي يحتل في الوجدان المجتمعي المصري مكانة كبية ومميزة، سواء لدى أفراد أو لدى الجماعات، وهي الصورة التي لا زالت متعمة بل تعمقت مع ثورة 25 يناير فيما يتعلق بالجيش المصري الذي معلقة على جدارية ( شريفة فاضل) بنشيد ( أم البطل) كلمات لا زالت تتردد على شفاه كل عربي ومصري فقط.
التراكم خلق ثورة من رحم الثورة، ورد على الجميع من قبل شباب ثائر يطمح ويحلم بالتغيير الفعلي، ربما اتخذ هذا التعبير ردة فعل عنيفة ضد الجدار العازل للسفارة، وكذلك ضد مديرية أمن الجيزة، وهو ما نفاه الثوار بالقيام بالإعتداء على مديرية أمن الجيزة، ولكن رغم هذه الأخطاء إلاّ أن رد الفعل جاء بناء على فعل أقوى، وشعور بأن الثورة تم احتوائها أو السيطرة عليها، وحملات اعلامية ضارية وشرسة ضد الثوار واتهامهم باتهامات مختلفة، أعادت للأذهان الخطاب الإعلامي والسياسي السابق ولبدايات الثورة، وهو ما عبَّر عنه بيان (وائل غنيم) الموجه للمجلس العسكري يوم اسبت 10/9/2011م، وما عبَّر عنه (أسلام لطفي) يوم الأحد 11/9/2011م في لقاء بثته قناة الجزيرة القطرية، وثورته ضد من وصف ثوار مصر بالرعاع، وهو الوصف الذي جاء على لسان الضيف الإسرائيلي الذي كان يشاركهم الحوار، واعتذار اسلام لطفي للشعب المصري بأنه وجد بلقاء به مثل هذا الشخص واعدًا إياه بهدم الجدار الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل.
إن الأحداث التي شهدتها جمعة التأكيد على الثورة، بغض النظر عن الموقف منها وما آلت إليه من نتائج وتجليات سواء موقف ايجابي أم سلبي، إلاّ إنها كانت رسالة شديدة اللهجة حملت في طياتها التالي:
أ‌. رسالة إلى المجلس العسكري المصري بأن الثوار لن يسمحوا بالإلتفاف على ثورتهم، وعلى دماء الشهداء التي نبتت في جنائن مصر ثورة، وإنهم يترقبوا الأحداث والمتغيرات بعين ناقدة وفاعلة، وأن لديهم القدرة على استنهاض الشارع المري الذي يريدها ثورة تغيير فعلي وفاعل، وأن هدف الثورة تغيير شامل في كل مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، محليًا وخارجيًا.
ب‌. رسالة للقوى الثورية التقليدية بأن الثوار هم من يمتلكوا التأثير والقرار، ومركز التحكم في ثورتهم وفعلها الثوري الحقيقي الذي يتجاوز مفاهيم المصالح الفئوية الضيقة( حزبيًا)، وأن الهدف الأساسي ديمقراطية وحرية وحياة كريمة.
ت‌. رسالة للقوى التي لا زالت ملتصقة بالنظام بأن صوتها مهما تعالى صداه فإنه لن يؤثر على الثورة، ولن يحرف مسارها الثوري الفعلي عن أهدافها وغاياتها، وأن مصر الثائرة لن تعود لمصر السابقة.
ث‌. رسالة شديدة اللهجة أن لإسرائيل بأن سطوتهم وعربدتهم إنتهت، ولم يعد تنازل عن أي إعتداء على كرامة المواطن المصري والأرض المصرية، وأن العملاق الذي خرج من قمقم الثورة لن يعود إلى قيده، ولن يهاب أحد، وأن نظرية التكافئ التي مارستها سابقًا مع الأنظمة لن تنجح مع الشعوب، وهي الرسالة التي أكدت فعلًا التخوف الإسرائيلي والتحول في الاستراتيجية الإسرائيلية التي دأب رئيس الوزراء السابق( آرئيل شارون) في تطبيقها والتي ترتكز إلى حماية اسرائيل من الخطر الديموغرافي المحيط بها، وهو التحول في الإستراتيجية التي كانت تقوم على مفهوم" أرض أكثر أمن أكبر"، وتغييرها بناء على توصيات مؤتمر هرتزيليا لحكماء اسرائيل" أرض اقل أمن أكثر" ، وهو ما سعى شارون لتنفيذها من خلال انسحابه آحادي الطرف من غزة، ومن جنوب لبنان، ومحاولاته ترسيم حدود جغرافية واضحة المعالم لإسرائيل، والإعتماد على نظرية الدفاع عن النفس فيما يتعلق بأي اعتداء ضدها كما يفعل اليوم مع غزة ولبنان، والانتقال بإسرائيل من الدولة المعتدية إلى الدولة المعتدى عليها، وكسب تعاطف العالم المتغير بآرائه ومواقفه نحو القضية الفلسطينية، وهو ما أكد عليه نتنياهو في خطابه الذي أعقب الهجوم على السفارة الإسرائيلية يوم 9/9/2011م، وحراك ثوار مصر ضد إهدار كرامة مصر، ما ينبؤ فعلًا بأن إسرائيل لن تجرؤ على الإعتداء على الأراضي المصرية أو القوات المصرية كما كانت تفعل بالسابق، وأن هذا الخطاب البائس المرتبك يوضح بأن إسرائيل لن تجرؤ كذلك على شن أي حرب عدوانية ضد دولة عربية، وكذلك ضد غزة لأنها أضحت تدرك أن الخطر ليس من القوى العسكرية والجيوش العربية بل من الشعوب التي ستزحف صوب إسرائيل ولن يقوى على إيقافها أحد، وهي المتغير الأهم في حلقة الصراع العربي – الإسرائيلي، فالشعب السوفياتي وإن قدم عشرين مليون شهيد للحفاظ على منجزاته الثورية ضد الهجمة النازية، فإن الشعوب العربية لديها القدرة على تقديم نفس العدد إن لم يفوقه لأجل كرامتها، وحريتها، كما أن الحراك الثوري المصري الأخير قد أكد لإسرائيل قطعًا بأن عربدتهم وعنجهيتهم السابقة اصبحت جزء من الماضي، وأن اتفاقية السلام الإسرائيلية- المصرية لم يعد لها وجود في حيز الحقيقة، وربما تشهد المرحلة القادمة رضوخًا إسرائيليًا لتعديل بنود الإتفاقية والحد من قيودها التي منعت مصر من التحرك بحرية على جزء من أرضها.
ج‌. رسالة للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب، بأن ما يحدث في مصر ثورة فعلية لن تستطيع الولايات المتحدة وعملائها مهما فعلت وروجت مِن دعايات ضد الثوار أو محاولاتهم احتواء الثورة عبَّر بعض الشخصيات والقوى، وهو ما عبَّر عنه خطاب (أوباما) الرئيس الأمريكي رغم لهجته الشديدة ضد المجلس العسكري المصري، إلاّ إنه يحمل في طياته تخوف بل ضعف وهاجس أمريكي صادم أمام الحالة الثورية الفعلية وفي مصر على وجه التحديد، إدراكًا منه لأهمية وحيوية الدور المصري، في المنطقة الشرق أوسطية، وتهديد الحراك الثوري المصري لمخططات الولايات المتحدة في المنطقة، وأن هذا التحرك ضد إسرائيل خارج عن مضمون التحرك التركي ضد الأخيرة، بل هو حراك شعبي فعلى عبر عن رسالة ثورية حقيقية، وليست مناورة سياسية في إطار لعبة التوازنات السياسية التي تقوم بها تركيا بناءًا على مصالحها، وأن هذا الحراك الشعبي الثوري ما هو إلاّ مقدمة لما هو آت في المستقبل في حالة محاولة الولايات المتحدة التاثير أو الضغط على مصر، أو المس بكرامة مصر واستقلاليتها السياسية.
ح‌. رسالة للشعوب العربية عامة، والشعوب العربية التي تشهد حراكًا ثوريًا أو ثورات شعبية، وعلى وجه التحديد ليبيا وسوريا، مفاد هذه الرسالة أن الشعوب إرادتها لا تُقهر، ولا تُهزم وأن الشعوب الحرة هي الأقدر على نيل حريتها، واستعادة كرامتها دون الاستعانة بقوى الاستعمار مثلما يحدث بليبيا التي استعانت بقوى استعمارية تصبو للسيطرة على النفط الليبي بسيناريو مشابهة للسيناريو العراقي ولكنه بأدوات مختلفة، وكذلك الشعب السوري الذي أطلق على تحركه (جمعة الحماية الدولية)، فجاء الرد الثوري المصري حاسمًا وحازمًا لهذين الشعبين، بأن طريق الحرية طريق شعبي وطني يتطلب التضحيات والإصرار، والإرادة، والوعي الوطني للمؤامرة وما يحاك في الغرف المظلمة الإستعمارية لإحتواء والسيطرة على ثورات الشعوب العربية، وهي رسالة ثورية لا غموض في محتواها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق