قد لا يعرف البعض أن معنى مصطلح (الإسلام فوبيا) يعنى الخوف الشديد والهلع من الإسلام والريبة من كل من ينتسب إليه, وقد تجلى ذلك الخوف من الإسلام والمسلمين بأوربا وأمريكا في أعقاب أحداث عام 2001 والتي تسببت في انهيار برجي التجارة العالمي بأمريكا، والتي غيرت نظرة الغرب للإسلام وطريقة تعامله مع المسلمين, فأصبح كل شخص يقيم بأمريكا أو بأوروبا ينظر إليه بأن الأصل فيه الشك والريبة مادام يحمل اسماً إسلامياً أو ملامح عربية بغض النظر عن لونه وعرقه وهويته، وهذا لا ينسحب على جميع الأمريكيين أو الأوروبيين فهناك الكثيرون ممن يفصلون بين الإرهاب والإسلام.
وقد نلتمس بعض العذر لبعض الأمريكيين والأوروبيين لمن يخوفون من الإسلام ويتخوفون من المسلمين على ضوء هذه الأحداث التي لا يقرها الإسلام ولا يسعى إليها المسلمون، ولكن ما يحز بالنفس أن نسمع من بعض شركائنا في الوطن مثل هذا التخوف، فقد استمعت إلى بعض رموز المعارضة في الداخل في المؤتمر الأخير الذي عقد في غوطة دمشق وهو يلقي كلمته العصماء محذراً من (الإسلام فوبيا)، وكأن ما يحدث في سورية من مجازر وحشية يرتكبها النظام بحق الشعب السوري هي أقل أهمية عند هذا الرجل من التخويف من الإسلام والمسلمين، الذين بزعمه هم من سيكونون البديل بعد سقوط النظام ورحيل بشار الأسد، وهذا ترديداً لادعاء النظام وبعض أصدقائه والتخويف منه، وقد فعل ذلك نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر ونظام معمر القذافي في ليبيا، ولم يلمس العالم من الإسلاميين في تلك البلدان الثلاث بعد نجاح الثورة أي مطامع أو طموحات للإسلاميين في تصدر المشهد أو السعي للإمساك بمقاليد الأمور أو التفكير حتى بالترشح إلى مناصب الدولة العليا في هذه البلدان، وأعلنوا عن ذلك صراحة وفي وضح النهار ليتيحوا الفرصة للآخرين كي يصلوا إلى هذه المراكز زهداً بها رغم معرفة الجميع من أن الإسلام وشعاراته كان حديث الثوار في هذه البلدان وهم يقارعون هذه الأنظمة المستبدة وأن الشباب المسلم هم من كانوا في مقدمة ضحايا هذه الأنظمة ولعقود مضت، وكانوا في مقدمة من تجرعوا عذاباته وجراحه وآلامه من قتل وسجن واعتقال وتشريد وقمع ونفي لعقود زادت على خمسين سنة.
لقد رحبت بكل مؤتمرات المعارضة التي عقدت في خارج سورية وفي داخلها إيماناً مني بأن هذه المؤتمرات وهذه اللقاءات قد تعيد إلى العقل السوري الخضرة والنضج بعد تصحر فكري لأكثر من نصف قرن أغلق على فكر سادي بني على إطفاء سُرج العقول والإقصاء وعدم القبول بالآخر ووصم المخالفين بالخيانة والعمالة والرجعية، في إطار علماني ممسوخ أراده النظام أسلوباً فريداً لم يسبقه إليه أحد في كل أنظمة الحكم في العالم لحكم سورية.
وحتى المؤتمر الذي عقده الإخوة العلمانيين في باريس رحبت به وباركته لاعتقادي أن هذا من حقهم أن ليكون لهم هيئة موحدة تنطق باسمهم ويسهل التعامل والحديث معها للانخراط في مجلس وطني موحد يجمع كل أطياف المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بأسرع وقت ممكن، وهذا ما يلح عليه الثوار في الشارع الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم ومعاناتهم اليومية من قمع نظام سادي لا يعرف إلا لغة القتل والذبح والتنكيل والتدمير والتخريب وحصار المدن وتقطيع أوصالها وحرمان أهلها من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات.
وكلمة أخيرة أقولها لشركائنا في الوطن أن يتجنبوا كل ما يفرق ويسعون إلى كل ما يجمع ويوحد، فكل هذه المهاترات وهذه الدعاوي التي يقوم بها البعض – عن قصد أو غير قصد – تصب في مصلحة النظام وتخدم أجندته وأهدافه ومراميه وتطيل عمره، ويزيد في عدد الضحايا وتراكم المعاناة للثائرين في سورية.
ولطالما أن هدف الجميع هو إسقاط النظام والسير في طريق انتزاع الحرية والفوز بالديمقراطية والسعي لإقامة دولة مدنية تقوم على التعددية والتداول السلمي للسلطة وهوية المواطنة، بغض النظر عن العرق والدين والمذهب والطائفة والاعتقاد دون إقصاء أو تمييز أو مفاضلة أو معايير لكثرة أو قلة أو ضعف وقوة، فإنني لا أجد أي مسوغ ليخوف بعضنا البعض من فوبيا علمانية أو فوبيا ليبرالية أو فوبيا قومية أو فوبيا إسلامية، طالما أن الجميع سيحتكمون (في اللعبة الديمقراطية) إلى صناديق الاقتراع وكلمة الشعب هي الحكم الفصل الأخيرة التي سيقبل بها الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق