مستعار الإسم.. مستعار الرأي!/ سيمون عيلوطي


من الظَّواهر الغريبة التي أخذت تنتشر، وبشكل لافت للنظر، على ساحة أدبنا المحلي، ظاهرة الأسماء المستعارة التي يتستَّر وراءها البعض من أجل أن يردّ على مقال ما، لكاتب ما، بمقال آخر، أو أن يسجل تعقيباً على رأي أو فكرة أو خبر. والغريب أن هذا البعض "المستتر"، أو الموقِّع باسم مستعار، نراه في أحيان كثيرة يستميت وهو ينادي بحرية التعبير، واحترام الرأي، والرأي الآخر المختلف، وكثيراً ما نرى "هذا البعض" لا يكتفي بذلك فحسب، بل يذهب إلى حد الوعظ بأن غياب النقد الموضوعي مردُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّه غياب الديمقراطية، وعدم سعة صدر أحزابنا وصحافتنا ومواقعنا الألكترونية ومؤسساتنا وكتّابنا، لقبول الرأي المخالف لرأيهم. هكذا يتحوَّل بقدرة قادر من مجرَّد واعظ إلى صاحب فلسفة، يتفنَّّن عبرها في وضع أسس لأصول الحوار الحضاري والإنساني الذي يريدنا أن نسير على نهجه في حياتنا الثقافية والسياسية والإجتماعية، متجاهلاً في الوقت نفسه أنه لا يمكن لاسم مستعار، مجهول الهوية، مهما بلغ من التعمُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّق في الطرح، أن يحظى باحترام القراء، ويحتل مكانة بين أصحاب الرأي.

هذا البعض لا يعرف، أو ربما يعرف ويَحْرِف، أنه حين يوقِّّّّع مقاله أو تعقيبه باسم مستعار، انما يسجل بذلك تناقضاً، إن لم يكن نفاقاً أيضاً، فيما يتوخَّاه وينادي به من رفع سقف حرية التعبير، وتوسيع دائرة الحوار، وخاصة حين لا يتردد بمناقشة كاتب ما، عبر عن رأيه باسمه الصريح، معرباً عن استعداده لمحاورة الآخر، ومواصلة النقاش الموضوعي من أجل الوصول إلى نتائج قد تساعد على تعزيز قناعات مشتركة بين المتحاورين، أو على تقريب وجهات النظر فيما بينهم. إلا أن هذه الروح المنفتحة على الحوار الحر والصريح، عند هذا الكاتب الموقِّع مقاله باسمه الصريح، تفقد أهم شروطها، بل تتحوَّل إلى "حوار طرشان"، حين تجري بينه وبين كاتب آخر يختبئ وراء اسم مستعار، مدّعيا أن الاسم ليس مهمَّا، انَّما المهم هو مناقشة الحجَّّّّّّّّّة بالحجَّة؛ وهو ادِّعاء غير مقنع، خاصة أن أصحاب الفكر الذين عرفناهم عبر التاريخ، لم يحملوا رسالتهم باسماء مستعارة رغم معرفتهم بأنهم سيحارَبون ويلاحَقون ويُضطهدون ويُقتلون، وأن الأفكار والنَّّّّظريات والفلسفات العظيمة ظهرت دائماً بأسماء أصحابها.

ما تقدم ينطبق أيضاً على أولئك الذين يوقِّعون مقالاتهم وتعقيباتهم باسماء مستعارة، فتراهم يقولون حول نفس الموضوع، ما لا يقولونه باسمهم الصريح. هذا يقودني إلى القول بأنني أعرف كاتباً طرح باسم مستعار رأياً مغايراً تماماً، في قضية بعينها، لرأيه الذي طرحه باسمه الحقيقي، وأنت، إزاء هذا الوضع الذي أخشى أن يتحوَّل إلى ظاهرة يمكن اعتبارها مرضية يصعب علاجها، بتَّ لا تستطيع أن تعرف في أي من الرَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّأيين كان هذا الكاتب صادقاً مع نفسه ومع القارىء أيضاً، وحجته الجاهزة لتبرير ذلك هي أنه في حال صرَّح برأي خارج عن المألوف، تعرَّّّّّّّض للكثير من الهجوم، وازاداد من حوله عدد الخصوم، وربما يخسر عمله جراء ذلك ، أو تتضرر مصلحته، أو يبتعد عنه الذين ينتقدهم فينعزل وحيدا. هذا الإدِّّّّّّّّّّّّّعاء فيه شئ من الحقيقة المرَّة، إلا أن التسليم به، وعدم مجابهته، يجعله يظهر على أنه أمر واقع، نكاد نقبله، كما كدنا نقبل الأخطاء الشائعة في لغتنا العربية. لكن رغم ذلك، تبقى الكتابات الموقَّعة باسم مستعار، في نظر القارئ ، كتابات عابرة... مستهجنة...أجدر به أن يتجاهلها.

لا أريد في هذه العجالة أن أقدِّم صورة متشائمة لهذه الممارسات المرضية التي يرتكبها البعض بحق حركتنا الثقافية ومثقفينا، والتي تتمثَّّّل بالإختباء وراء الأسماء المستعارة، ولا أريد كذلك أن أتحدَّّّّّث عن افرازاتها الضَّّّّّارة، وتأثيرها السَّّّلبي، خاصة على جيل الشباب. لكن من الضرورة بمكان أن أدعم فكرتي، وأتوقَّف عند مثل أراه يختصر ما أرمي إليه؛ وهو أن هناك كتَّّاباً يتفاعلون مع أبعاد اللحظة التي يعايشونها، ويتأثَّّرون ويؤِّثرون بكل ما تحمله "هذه اللحظة" من متناقضات ومفارقات وإيحاءات، وتحضرني هنا بعض الأسماء الجادة في طرح مختلف القضايا التي يتفاعلاون مع لحظاتها وأحداثها مثل البروفيسور سليمان جبران، والدكتور رفيق حاج، والمحامي الكاتب جواد بولس، وغيرهم من الكاتب الذين حين يكتبون، لا تعنيهم غير اعتبارات التَّعبيرعن رأيهم بكل أمانة وصدق، والنَّظر إلى المساهمة الجادة في الحياة الفكرية والثقافية، وطرح رأي أو تسجيل موقف علَّه يُثري النقاش المطلوب في حركتنا الثقافية. لكنهم يُبتلون بتعقيبات مثل "اللَّط على النياع" موقَّعة جميعها بأسماء مستعارة، وهناك من لم يكتفِ بالتَّعقيب، بل أراد أن يرد على المحامي جواد بولس، بمقال يناقش فيه بعض أفكاره التي ضمَّنها في مقال له بعنوان: " لولا الحياء لهاجني استعبار"، نشره في بعض الصحف والمواقع الألكترونية. إن الرَّد على مقال صاحب كتاب "منزلق خطر" مشروع، ولكنني أرى أنه فقد مشروعيَّته عندما نشره صاحبة في موقع "عرب 48"، وهو مختبئ وراء اسم "غسان فوزي"، ثم أعاد نشر نفس النَّص في موقع "الموقد الثقافي"، ولكن هذه المرَّّّّّّّّّّّّّّّّة، ليس كمقال، بل كتعقيب موقَّع باسم آخر، وهو اسم الكاتب والشاعر الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، فوزي الأسمر، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: لماذا يصر هذا "الكاتب" على عدم توقيع ما كتبه في رده على مقال المحامي والكاتب جواد بولس، باسمه الصريح، خاصة أنه لا يهاجم صاحب "منزلق خطر" بشكل شخصي، وطريقة رده منحصرة في حدود مناقشة الأفكار بأفكار، رغم ركاكتها وسطحيَّّّتها، بحيث لا تستدعي من الكاتب انتحال أسماء مستعارة، إلا إذا كان لا يعتبر نفسه صاحب رأي يمكن أن يجاهر به. لذلك كله أقول وأنا مرتاح البال: مستعار الاسم... مستعار الرأي..!


*مثل اللَّط على النِّّّّّّّّياع : مثل شعبي يُقصد منه، خال من كل مضمون.

mawked@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق