ان انتصار ارادة الشعوب لاتنحصر على فئة معينة اوتيار بعينه.بل تتجاوز هذه الرؤية الضيفة في التعاطي مع هذا الزخم الشعبي الذي يساهم في تحديد اليات الاشتغال على معطيات تستعصي في الوهلة الاولى. اذا لم تتوفر الروح الجماعية لكافة ابناء المجتمع.وبشتى الوانه واطيافه.ومستوياته المعيشية.وطبقاته الواضحة في التفاوت العميق حول توزيع الثروات التي تستفيد منها قلة قليلة على حساب اغلبية الشعب.وهذه قاعدة عامة تعرفها السياسات العربية في تداولها للسلطة.وتعتبر احدى العناصر الناتجة في تدهور الاوضاع الاجتماعية لجمهور عريض لا يحظى بالاهتمام كما تحظي به مجموعة صغيرة لها النفوذ والامكانيات التي تخولها المكانة المرموقة داخل النسيج الاقتصادي العربي.وتتمتع بكل الوسائل الضرورية لتقوية مكانتها على حساب بقية الشعب الذي يرزخ تحت مستويات الفقر الحاد والتهميش الممنهج.وتقوية جهاز السلطة في قمع اي تحرك لايخدم مصالحها وتوجهاتها الداعية للحفاظ على النظام القائم.وترسيخ الفكرة القائلة بان النظام السياسي العربي يتمتع بجصانة تاريخية خولته الظروف السياسية.والصراعات الاقليمية على حساب ارادة المجتمعات العربية والمطالبة بحقها في التداول على السلطة.واختيار حكامها ومؤسساتها التي لاتخدم مصالحها بالدرجة الاولى بقدر ما تخدم مصالح هياكل انظمة تشعر بالخوف من الرعبة التي تحكم سيطرتها البوليسية والامنية.وتحديد تحركات الجهات التي ترى في نفسها القدرة في مواجهة الانظمة العربية التي تملك من الوسائل التي تقضي فيها على اشكال التظاهر والاحتجاج في اول الطريق .ورغم هذه الامكانيات التي تتوفر عليها الانظمة العربية.فانها لم تمنع من حدوث فجوة عميقة في التدبير الاجتماعي الذي تفتقت عنه التورات العربية التي نجحت بشكل واضح في تونس ومصر.وقد ساهمت القوى الشعبية بكافة الوانها واطيافها.ومساهمة المؤسسة العسكرية التي وفقت الى جانب الشعب في ادراك الموقف حتى لايخرج عن السياق السياسي العام الذي اجل بحدوت الطفرة النوعية في نجاح الثورة .ومحاصرة تداعياتها لصالح الشعوب العربية التي اصبحت تتمتع بشعور الحرية فقدته طيلة نصف قرن من الزمن....
واتساع رقعة التظاهر.والتاييد الشعبي لتحقيق الثورة يعطي زخما واسعا في عملية الاسراع بوقوع معطيات اجابية لصالح الثورة.انذلاع التظاهرات في تونس ومصر حتى انهارت الانظمة الحاكمة في هذه الدول .وابانت عن ارادة الشعوب في التغيير.ولايمكن لاحد ان يتصدى لهذا الطوفان الشعبي في اختيار هذا المد الذي زخربه الشارع العربي في اعطاء صورة واقعية عن وعي فكري وسياسي بانهاء عصر الاستبداد والقمع والدخول الى عالم جديد من العدالة والحرية السياسية.واحترام الشعوب في اختيار من يمثله.واعطاء الحق لاصحابه لان القاعدة العامة تؤكد ان الشعوب مصدر القرارات السياسية وليس انظمتها المتهالكة التي كانت تعيش وهم البقاء
واسباب التغيير لا تنحصر في استفادة جهة على حساب الاخرى .بل هي ثورة يستفيد منها الجميع وبدون استثناء.وهذا لايمكن ان يحصل الا بمشاركة الجميع ضمن اطار الشعوب في التغيير.وامتلاك احساس قوي للاندماج في عملية الاصلاح.والعودة الى الضمير الوطني الحي الذي لايرى في كسب مزايا النظام.والدفاع عنه.واعتمادها الراسخ ان النظام على حق.ويحافظ على مصالحها.وامتيازاتها التي لا تتحقق الا بوجود هذا النظام .رغم ما يختلجها من شعور حقيقي يكشف عن قناعتها بان الشعوب على حق.وهي بذلك تساهم في تعطيل مسلسل الثورة في بلدانها.وتصبح الورقة الخاسرة في العملية السياسية التي يوظفها النظام القائم كورقة مقنعة ومؤبدة لما ينهجه النظام من انتهاكات لحقوق الانسان وعمليات القتل في صفوف التوار.والعمليات العسكرية لاطفاء شعلة الثورة السلمية التي بدات سلمية في كثير من الدول .وسرعان ما حولتها الانظمة الى تورات مسلحة لتعطيها التغطية المناسبة في تاويل وتزييف الحقائق حول وجود عصابات ارهابية.وقوى خارجية تهدد امن واستقرار هذه البلدان التي تنعم بالاستقرار مادامت لاتحترم ارادة شعوبها في التغيير.
واللوم ينصب على الطبقة الوسطى في المجتمع العربي التي ظلت صامتة لفترة طويلة.ولا تتحرك الا بوجود.بوادر التغيير التي ترى انها ستتحقق او قابلة للتحقيق.وهذا عنصر سلبي يؤخذ علينا لانها .كم تساهم بدورها الطلائعي في حسم معركة التغيير في فترة وجيزة.وتساهم بدورها التاريخي في بلورة توافق وطني يضم جميع شرائح المجتمع العربي ضد هيمنة النظام المؤسساتي في بلدانها.وتؤجل بسقوط هذه الانظمة حتى لا تتداعى ازمات اقليمية.وتتفرع عنها اشياء لايمكن التوقع بنتائجها.وهذا ما يخدم مصالح الانظمة في استمرارية بقائها على هرم السلطة فترة اطول
والتحلي بالوعي والمسؤولية التاريخية في الانخراط الكلي .والنزول الى الشوارع للتعبير عن الرفض لسياسة الاحتواء التي تمارسها الانظمة العربي .التي فشلت عبر الحقب التاريخية في الاستماع لصوت الشعب .وتهميش دوره في عملية النهوض بالتنمية الاجتماعية و الاقتصادية .وتحريك عجلة التقدم التي اصابها الشلل .وفقر في الاليات المساهمة في تطوير قطاعات منتجة تغذي حاجيات الطبقات الشعبية .التي تعيش اشكال القهر والحيف في توزيع الثروات على ابناء الشعب الواحد .وتنامي الوعي المشترك .وتحريك وتفعيل مقتضيات التحرك الشعبي .واسهام قطاعات اساسية في عملية الاندماج والانصهار داخل اطار حداثي واجتماعي يخدم اهداف الثورة .ويسرع بها في تمكين العديد من شرائح المجتمع ان تعبر عن رايها بكل حرية .ومشاركتها المتميزة في ربح الوقت والجهد .وتفادي سقوط قتلى بالعشرات .ودخول الثورة الشبابية في مازق لا يمكن الخروج منه .وتتداعى عمليات التعطيل والتاخير في وجود بوادر فاعلة في المجتمع التي تنتظره الفئات المعوزة .بقدرما تحتاج الى جميع الفئات التي يعبر عنها المجتمع المدني الذي تتكاثف جهوده للانتقال السياسي والديمقراطي التي تبدو اثاره واضحة على الجميع وبدون تفرقة بين هذا فقير وهذا غني .والاخلال بهذا النسق الجماهيري .وتوحيد الرؤى والاهداف .ويساهم في تشرذم مبادىء الثورة .والدخول في متاهات وحساسيات اقليمية .كما هو الشان للثورة السورية التي ما تزال تبحث عن التاييد الجماهيري الداخلي وتفعيله .والذي سيحسم القضية لصالح الثورة التي تكابد الكثير .وهي على اصرارها الدائم في تحقيق اهدافها المرجوة في ظل سقوط المئات من القتلى والاف المعتقلين .وظلت سياسة القتل قائمة رغم المحاولات المتكررة لتسوية الوضعية من طرف الجامعة العربية لتي تطلعنا كل يوم عن خططها اليائسة و الفاشلة في احتواء الازمة في سوريا .وتبدو غير مستعدة مرحليا في مواجهة النظام في دمشق .وتترك له حيزا هاما لاستمرار عمليات القتل .واستعمال الاسلحة الثقيلة في اسكات صوت الثورة .وتبقى المعارضة في الداخل التي تواجه النظام بصدور عارية .واحرار الجيش المنشقين .وارادة الشعب في الانتصار .وعناصر اساسية لحسم المعركة غير المتكافئة وحدوث التوازنات العادلة .وفتح المجال لتعددية حزبية .وانتقال سلمي للسلطة .وبداية تدشين مرحلة انتقالية لسوريا المستقبل
وكثيرة هي الدول العربية التي تدافع عن النظام السوري رغم الجرائم التي يرتكبها .الصمت العربي الواضح ازاء ما يجدري .ولكن هل يمكن ان تدافع هذه الدول عى نظام بهذا الشكل ..رغم العلاقات التاريخية والمتميزة التي تربطهما _ لانها تساند توجه نظام وتدافع عنه .وهكذا تتناول السياسة العربية حق الشعوب في الحياة ..وكيف ننظر الى هذا الواقع الماساوي الذي تعيشه الامة العربية ..ونحن ندافع عن مصالحنا المشتركة لا علاقة لها بالانسان .ولا بالمواطن العادي .ولا بالشعوب .فهي لا ترقى الى هذا المستوى الانساني وتطمح الى تعزيز علاقاتها السياسية و الامنية من اي تدخل اجنبي .سواءا كان من دول الجوار او من دول الغرب. وتتضح معالم المواقف المساندة وتضارب المصالح الاقتصادية على حساب التنمية المحلية .والرفع من حياة الانسان العربي الى مستويات تخدم اهتماماته التي اصبحت مقصورة على توفير حاجياته الاساسية ..في الماكل والمشرب ويكاد يوفرها الا بشق الانفس .وبالاحرى ان يفكر في امور اخرى لا تريدها هذه الانظمة التي اصبحت معضلة حقيقية .تثقل كاهل الشعوب .ولم يعد باستطاعتها الصبر كثيرا .وقد اتضحت الصورة العربية الان في تونس ومصر وليبيا وماتزال اليمن تراوح مكانها في نظام لا يقدر ان يتنحى عن السلطة لانها مصدر قوته واستبداده .ونفس الشيء ينطبق على النظام السوري الذي باشر منذ البداية بالخيار الامني والعسكري في احتواء الازمة التي تتفاقم باستمرار .وتتسع دائرتها يوما بعد يوم .وما السبيل الى هذه السياسة التي اصبحت متجاوزة في نظر الشعوب التي اصبحت تفكر احسن ما تقدمه الانظمة لها .وهذا يجرنا الى مسالة الهوية السياسية والثقافية التي تتميز بها القاعدة الجماهيرية على قمة الهرم السياسي الذي شاخت افكاره وظلت متمسكة بالسوط والعصا ..كما كانت المستعمرات القديمة في الهند وفي امريكا الشمالية .
ان الشيء الوحيد الذي يحل عقدة النظام السوري في هذه المرحلة الحساسة التي تمر منها المنطقة ..هو الجيش العربي السوري المنشق منه والمتبقي في يد النظام .والذي يجب ان ينحاز لضمير الشعب .ويقف الى جانبه في هذه المحنة .وبذلك تكون الثورة السورية حققت ما يمكن ان تحققه اية عملية عسكرية يقوم بها الغرب ضد نظام الاسد .ولا نستطيع ان توقع نتائجها الكارثية على منطقة الشرق الاوسط .وامام هذا الاصرار في تغليب الخيار العسكري ضد الشعب .فلابد للجيش الوطني ان يتخذ قراره المسؤول والتاريخي في انهاء حمام الدم الذي يتعرض له المدنيون كل لحظة وتغليب احقية الشعب في ارادة التغيير واسقاط النظام والانتقال السلمي المتزن للسلطة .بعيدا عن التخوفات والارهاصات والتداعيات الرامية في تضليل الراي العام الداخلي والخارجي .وتحقيق احقية الشعب في ان يقول كلمته الاخيرة .وبيده مفاتيح الانتقال الديمقراطي الذي ينشده احرارسوريا في العالم ..
ان السكوت على الظلم والقتل يعتبرمشاركا فيه .وهذا ما يجب ان تعيه بقية الشعوب العربية التي تلتزم الصمت والحياد حول ما يجري في بلدانها وما يجري في بلدان جيرانها كانه امر لا يعنيها في شيء .وتغيب مصلحة العليا للبلاد على المصلحة الخاصة .وتعزيز الوعي الوطني بضرورة مشاركة الجميع امام الضمير الانساني .وامام الشعوب المقهورة التي تنشد التغيير .ولا شيء الا التغيير.الذي يقود الجميع الى مراتب متقدمة في عمليات الاصلاح الحقيقي بكل شفافية ونزاهة التي كنا نبحث عنها في قواميس السياسة العربية المفقودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق