2011 سنة استثنائية بكل المقاييس على الصعيد الذاتي والموضوعي. وما حدث فيها لم يخطر ببال أحد ولم يتمناه أكثر الحالمين ولم يدر بمخيلة اكثر الرياضيين. انه عام البطشة الكبرى وزمن الواقعة التي أذلت من كان عزيزا وحاكما وأعزت من كان ذليلا ومستضعفا ورفعت المطارد والمظلوم وخفضت بالمستبد والظالم. عام يمضي دون لوثيان يجثم على صدورنا ودون حزب حاكم وجوسسة داخل اللاشعور ودون حكم شمولي. عام كامل من الفوضى اللذيذة والحرية العزيزة والكرامة البارزة والانسانية المتحققة والكينونة المستعادة. عام من الثورة الدائمة ومن الانفجار والتمرد والاعتصام والاضراب والمسيرات والاحتجاجات والرفض والكنس والتحطيم والهدم والقطع والهجوم والحرب والركل والرفس والضرب والصراخ والتصميم والتجاوز والتعفف والتعالي والتسامح والتبري والتصالح والادماج والتكاتل والتلاحم والتكاتف والتعاضد. انه عام اجتمعت فيه جميع المتناقضات وتجادلت فيه عدة أضداد وتعاكست المقابلات وتعاندت الأزواج الميتافيزيقية بين جهة وأخرى، الهروب والرجوع، الخروج والدخول، الموت والحياة، الثورة والتأسيس، الفرح والحزن، القيام والقعود، الشجاعة والخوف، الرجاء والهلع، التفكيك والبناء، السقوط والصعود، التوحش والتمدن، التفويت والتملك، العقاب والجزاء، النضال والخيانة. عام الخير لنا وعام الشر لهم. بل هو الخصب والجمال والحلم لشبيبة المستقبل وعام الشؤم والقبح واليأس للمفسدين.
عام دون دكتاتور ذلك هو بيت القصيد ومن دون دسيسة في مفترق الطرقات ومن دون مكيدة عند المساء قبل العودة الى البيت ومن دون شرطي يراقب حركة الفكر وعصا تؤدب الجسد وجهاز رقابة يجهر العين.
قليل من القوت والكساء والنقود حصل عليه الناس ولكن الكثير من الغبن والذل والاستغلال والتهميش والاقصاء والتمييز خسروه والكثير من العزة والاعتراف والانصاف والقسط والاصغاء حصدوه.
عامك كان يا تونس الخضراء ومصر البهية واشتعلت الفتيلة وتلقفت الفتية الوصية ونصح الحكيم بالذهاب الى النبع واستقبل الشرق الصبح بشمس مضاءة بالبركة القادمة من السماء وكان ما كان في كل مكان.... لقد عشنا لعقود بلا أمل وليس لنا ثقة في المستقبل ولكن تلك السنة المنصرمة حملت معه كل الأمل وزادتنا ثقة في علم بلادنا ونشيدنا الوطني وارادة شعبنا وعلمتنا حب الحياة والحق في الثورة والانتصار الى الكرامة قبل الخبز دائما وأبدا وتضاعف ولائنا لفلسطين والعروبة واشتد ايماننا بالاسلام وتوكلنا على الله. لقد نطق الشعب أخير وقال كلمته الحاسمة وانتصر عبد العزيز الثعالبي وفرحات حشاد وصاحت الجموع في الشوارع وودعت الصمت الاضطراري وصارت تثرثر من الافراط في الحكي وتبكي من شدة المرح. لقد شد الشباب الرحال نحو العلم والمعرفة وأقبل الطلاب على المطالعة والكتب والتدوين وتفتحت قريحة الشعراء على أجمل القصائد وسافر خيال الأدباء الى عوالم العجيب الخلاب وتنفس العمال الصعداء وتصيد الفلاسفة فرص طلب الحكمة وتخطت عزيمة الرياضيين كل الحواجز وتنادى الكل بجود الوجود.
اليوم تتذكر الأمهات الشهداء وترقص الصبايا على مجد الزمن ويحتفل الثوار بيوم الغضب ويخرج الفتية عن بكرة أبيهم الى الساحات رافعين رايات الحرية منددين شعار الكرامة والاستحقاق وتنحني الأشجار اجلالا ليوم النصر العظيم وانبلاج النور من عتمة الليل وانخلاع الطغاة عن العروش وكنس القصور.
ما أجمل ذلك اليوم وما أروع حديث القيام وما أدهش آية الواقعة وما أضيق الدنيا على الهاربين وما أتسع الزمان على الفاسدين وما أقسى الحياة على الظالمين وما أحلك الليل على المنافقين وما أقصر الطريق على الطامحين. أبشر أيها الانسان انك كادح الى مبدئك وراجع الى درك المكنون، فقد انقضى ذلك العام ودخل الآن في لب الأبدية وصارت اللحظات حقائق أزلية وكتبت العصافير على الأريكة : لا الحاضر يبقى ولا الماضي يعود وانما المستقبل يهل. لكن حذار لا يجب ان تنسى الشعوب الحرة حكمة جان جاك روسو القائلة: " قد يفوز المرء بالحرية ولكنه متى فقدها لن يسترجعها الى الأبد". ألا يدل الاعتراف المتبادل على أن حرية الغير تساوي حرية الذات؟ وأليس عشق الثائر لحلمه أشد من رضاه بسلطة مستبد ناعم؟
كاتب فلسفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق