رسالة مفتوحة إلى رئيس أميريكا (الجديد) باراك أوباما
السيِّد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما
تحية أيها المنبعث من خضمِّ الحياة
ها قد أصبحتَ رئيس أكبر دولة مهيمنة على العالم، فهل ستستمرُّ في برنامج الهيمنة مثل أسلافكَ أم أنكَ ستعود إلى جذورِ سمرتك الدَّاكنة الملفَّحة بشمس أفريقيا الدافئة، وتنثرُ هواء السَّلام والمحبّة والوئام بين البشر كلَّ البشر وتضعُ حدّاً لهذه الحروب المجنونة التي تغلي بين أجنحةِ سياسات هذا الزمان؟!
أهنئكَ يا باراك على تنصيبكَ رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، هل تعلم أنَّ أسمكَ مشتق من البَرَكة، فهل ستجدُ سماء الشَّرق والغرب والعالم البَرَكة على يديك؟ آمل هذا، وآمل أن يترجم كل إنسان على وجه الدنيا بركاته ونعمه على الأرض ويقدِّمها للبشر كلَّ البشر.
حضرتُ مراسيم تنصيبكَ رئيساً لأمريكا، عبر التلفاز، بدقةٍ وشغفٍ كبيرين، وسمعت باهتمامٍ إلى خطابكَ المقتضب المكثف المعبر الجانح نحو اخضرارِ الأمل، فهل ستترجم هذا الأمل أم أنه سيبقى مجرد خطاب ساسة، وما أكثرهم في سلِّم الحياة وما أظلمهم وما أبعدهم فيما يقولونه بعد القسم، هل ستطبق ما وعدته للمواطن الأمريكي والشرقي والكوني أم أنك محاصر بجملة من الضغوط الكونية واللَّونية والأمريكيّة، ممَّا يجعلك تنحو منحى من سبقوك في مواعيدهم الممطوطة فلم نجد على مدى عقودٍ مضَت عبرَ أسلافكَ سوى الخراب والدمار في دنيا الشرق والغرب؟!
أدهشني وصولك إلى سدّة الرئاسة في أقوى دولة في العالم، أدهشني هذا ولم يدهشني في الآن ذاته، وراودتني أسئلة كثيرة، تصلح لكتابة روايات بلا نهاية، روايات مفتوحة على هواجسِ التأويل، فهل تنصيبكَ هو محاولة للخروجِ من الفخاخ التي وقعت فيها أمريكا كي تبيِّن للعالم أنها دولة ديمقراطية إلى درجة أن أي مواطن، كائناً مَن كان أصله ممكن أن يصبح رئيساً لأميريكا طالما هو مؤهَّل لذلك، وهل ترى أنكَ مؤهَّل أن تكون رئيساً لأمريكا في هذا الوقت أكثر من أي مواطن أمريكي قحّ، أم أن تنصيبك ناجم عن تخطيط أمريكي مدروس بدقّة للخروج من خلالك من المآزق الأمريكية التي مرّوا فيها من سبقوك، لعلَّ أمريكا تبيِّض وجهها أمام العالم لتبيِّنَ من خلالك على أنها دولة غير مهيمنة على العالم ولا تريد أن تهيمن على العالم فها هو شاب أفريقي يحكم أمريكا نفسها، وهذا بالفعل يشير للوهلة الأولى والثانية والعاشرة أنها دولة في قمّة الديمقراطية، ولكن ألا يعقل أن يكون هذا تخطيطاً أمريكياً لما يشبه أفلام هوليود البارعة، حتى ولو كان اخراجه في سياقِ السياسة بعيداً عن الشاشة الكبيرة أو الصغيرة؟!
من جهتي وبكلِّ صراحة أميل إلى التحليل الثاني حيث أرى أن ترتيبات فوزك ووصولك إلى قمّة الهرم في أميريكا ما هو إلا تخطيط بارع من أميريكا وليس لأنَّ لديك شعبية ومؤهّلات وإمكانيات خارقة مما يجعل المواطن الأمريكي ينتخبك، لأنني أرى أن الرئيس الأمريكي هو صناعة أمريكية بحتة، تتمحور صناعته على جملة معطيات فجاءت هذه المعطيات مفصَّلة بصيغةٍ ما على مقاسك، لهذا راهنوا عليك لأنك المنقذ الأهم لما حلَّ بأميريكا من كوارث وانهيار اقتصادي وسياسي ولما هي متورّطة فيه في سماء الشرق والغرب والعالم، فهل أنتَ بالفعل المنقذ المناسب لتخليص أميريكا من هذه الأوحال الغارقة فيها، وهل ستنتهز الفرصة لما أنتَ عليه من مكانة وتحقق طموحاتك الفردانية كإنسان جانح نحو العدالة والسلام والمحبة والوئام بين البشر أم أنَّكَ لا تستطيع أن تخرج عن طوعِ ديناصورات وحيتان البيت الأبيض المغلَّف بضبابية كثيفة وازدواجية واضحة في الكثير من منعرجاته ودهاليزه غير المرئية؟
آمل أن تؤكّد للشرقِ وللعالم أجمع أنكَ ستنهج منهج السلام والوئامِ وتحقق العدالة لأميريكا والشرق الرازح تحت دخان الغرب الأميريكي المكتنف بالويلات المرئية وغير المرئية، وتنقذ ملايين البشر من فكّي كماشة المواعيد الممطوطة التي ينتظرها ملايين الفقراء والأطفال الذين يتضوَّرون جوعاً وبؤساً وغدراً وحرماناً في دنيا الشرق وكأن حياتهم مؤرجحة على كفِّ عفريت طالما أميريكا لها مكاييل مخرومة، متذبذبة وغير منصفة في احلال العدالة والمساواة في عالم الشرق الغارق في البؤس والتشظِّي والاشتعال!
عزيزي السيدّ الرئيس،
كما تعلم ويعلم الجميع أن أميريكا طرحت نفسها أنها بصدد تجفيف منابع الإرهاب في العالم، معتبرةً الشرق العربي والاسلامي مكمن الارهاب، فهل قضتْ على ما اعتبرته ارهاباً، أم أنَّه بدأ يفرّخ ارهاباً مضادّاً وأصبح أكثر مما كان عليه قبل مرحلة التجفيف، وذلكَ ردَّاً لما تقوم به أميريكا من ارهاب الدَّولة بالتنسيق مع صديقتها المدلَّلة اسرائيل، وفي هذا السياق أودُّ الوقوف عند كلمة الارهاب، فهذه الكلمة التي تم استخدامها بصيغة سلبية، هي ليست كذلك في كلِّ الأحول، لأن الكلمة مشتقة من الفعل أرهب يرهب ارهاباً فهو ارهابي، أي بما معناه أخافَ يخيف ..، فهو مخيف، فأي كائن حي على وجه الدُّنيا لو تعرَّضَ لموقف مخيف ومرعب وارهابي سيضطر أن يردّ على خصمه ويخيفه ويرهبه دفاعا عن نفسه، ففي هذه الحالة ارهاب الآخر أو اِخافته كنوع من الدفاع عن النفس هو حق شرعي وإلا أعتبر كل مَن لا يدافع عن نفسه مجرّد إنسان جبان لا أكثر!
وهنا أتساءل هل يوجد في تاريخ البشرية أكثر ارهاباً ورعباً من اسرائيل لما قامت وتقوم به من مجازر في غزة وجنين وصبرا وشاتيلا والجنوب اللبناني، وعلى امتداد وجودها على أرضِ فلسطين، فهل من المعقول أن يبقى الفلسطيني بكل فصائله الحماسية وغير الحماسية مكتوفي الأيدي أمام هذا الهول الذي يتلقَّونه من اسرائيل، لهذا أرى أنَّ ردَّهم وصواريخهم الخجولة قبل وبعد الغزو المشين الأخير لغزَّة ما هو أكثر من دفاع عن النفس والوجود، وأنا أرى أن اسرائيل هي في خانة الارهاب، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى سلبي وقمعي وارهابي، فلماذا لا تخطِّط أميريكا والغرب والعالم أجمع للقضاء على ارهاب اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني المنقسم على نفسه وعلى أرضه وبيته وهوائه وسمائه ونومه وحلمه المشنفر بالعذاب؟!
لماذا لا تحلحل أميريكا مشاكل الشرق المتعلقة بالغرب بما يناسب الشرق وتعطي لكل ذي حقٍ حقه، وتكون عادلة وديمقراطية ويعيش جميع الأطراف في حالة سلام ووئام بعيداً عن لغة الحروب المجنونة والمدمرة للجميع؟
لماذا عندما احتلت أميريكا العراق تركت حضارة العراق، ومتاحفه، مباحةً للنهب والدمار والخراب؟!
مَنْ أوصل صدام حسين إلى سدَّة الحكم، ومن طلب من صدَّام أن يبقى في وجه إيران، ومن سمح له بالدخول إلى الكويت، أليست أميريكا، فلماذا لا تحاسب أميريكا ذاتها قبل أن تحاسبه؟!!!
هل تجرّأ مواطن عراقي على مدى فترة حكم صدام حسين من تفجير كنيسة أو جامع أو مدرسة أو أية منشأة حكومية أو أهلية، أو قتل شيخ أو مطران أو قسيس أو شمَّاس أو أي مواطن عادي مسيَّس أو غير مسيَّس، ما لم يتدخل المواطن في سياسة صدام الدكتاتورية؟! فصدام رغم انني كنتُ وما أزال ضد ديكتاتوريته وبطشه وقمعه لكنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يقتل في عهده مواطناً عادياً بريئاً في عزِّ النهار، ولكن في عهد الحكومة الجديدة، عهد البشارة بالديمقراطية نجد المواطن العادي غير المسيَّس والمطران رمز السلام والوئام، يتعرضان للقتل على مرأى ومشهد القوات الأميريكية، فأين الديمقراطية التي صدَّعت أميريكا بها رؤوسنا ولم نحصد منها سوى القتل والطائفية والتخريب والدمار في بلاد الرافدين! فلا لديكتاتورية صدام ولا لديمقراطية الخراب التي قدمتها أميريكا للعراق، لهذا وجد الكون برمّته كيف قدّم منتظر الزيدي فردتَي حذائه هدية للرئيس الأميريكي جورج بوش في آخر زيارة له للعراق، فأنا ضد موقف الزيدي كموقف غير حضاري بصفته اعلامي، وكنّا ننتظر منه حواراً مع الرئيس الأميريكي للدفاع عن نفسه وعن عراقه ولكن مَن يعلم ربما ثقافة الحوار بالأحذية تناسب هكذا حالة متهرِّئة وغليانيّة على مدى السنوات العجاف التي قدَّمتها أميريكا للمواطن العراقي، فهل فكَّرتْ أميريكا بحلِّ عادل لما حلَّ من دمار وخراب في العراق وبإيجاد حلٍّ، يجنِّب العراق من قتلِ المزيد من المطارين ورجالات الدين والأبرياء والأطفال والشيوخ والنساء في سبيل مصالح بغيضة أقل ما يمكن أن نقول عنها أنّها لا تمت للسياسة والإنسانية بصلةٍ على الإطلاق؟!
العراق بلد الحضارات، وحضارته الموغلة في القدم مرتكزة على أكتاف الآشوريين والكلدان والآراميين والبابليين والسومريين والأكّاديين، حضارة مرتكزة على أكتاف صانعي إحدى عجائب الدنيا، أليست حدائق بابل المعلقة من عجائب الدنيا، فكيف لا يخطر على بال أميريكا إعطاء هذا الشعب حقه، هذا الشعب البابلي الآشوري الكلداني الآرامي الأصيل، الذي يتعرَّض للإبادة والقمع والإضطهاد أمام مرآى القوات الأميريكية والعالم، أين ديمقراطيتكم وعدالتكم التي قدمتها أميريكا للعراق وكل هذا الخراب والدمار يتفشّى في عراق اليوم، عراق ما بعد صدام حسين؟! لقد تاه أغلب المسيحيين والصابئة والتركمان واليزيديين وبقية الأقليات والأكثريات على وجه الدنيا هرباً من البطش والقتل والدمار في العراق، فأين التحرير والتطوير والديمقراطية يا أميريكا، يا سيادة الرئيس، يا سادة يا كرام؟!
مَن تسبب بطريقةٍ أو بأخرى في هجرة ملايين المسيحيين من بلاد الشرق الدافئ إلى بقاع الدُّنيا غير التراخي الأمريكي والغربي؟!
الإنسان هو غاية الغايات فأين دفاعكم عن هذا الإنسان، ألا ترى معي أن أميريكا لا تملك سوى لغة الحربِ والعدوان والبحث عن تعديل ميزانها التجاري ولو كان على حساب جماجمِ الشيوخ والشبان والأطفال وفقراء هذا العالم؟!
هناك مئات بل آلاف الأسئلة أودّ أن أطرحها عليك يا سيادة الرئيس، لكن الفسحة المتاحة هنا، لا تتسع للعبور في هذا الميدان، وأتساءلُ على سبيل المثال، مَن صنع بن لادن، ومن سانده ودعمه بالسلاح والمال ضدَّ روسيا أيام زمان، أليست أميريكا؟! فما العجب لو انقلب السحر على الساحر!
مَن أوجد الحركات والتكتلات والأحزاب الاسلامية، ألسيت مواقف أميريكا وإسرائيل؟
هل هناك دول عربية تدعم الحركات الاسلامية المتشدِّدة بقدر ما هي ضدّ التيارات والأحزاب الاسلامية كالاخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب والتيارات التي يدعمها الغرب أكثر مما يدعمها النظام العربي، بل يبقى النظام العربي ضدَّها وضدّ برامجها وتوجهاتها وأهدافها وأفكارها.
مَن صنع وهيَّأَ الأنظمة العربية بهذه الصيغة وبهذا المنظور أصلاً، أليست أغلب سياسات الساسة العرب موجّهة بطريقة أو بأخرى كما ترتأيها أميريكا والغرب ومَن ورائهما، ولهذا تنفّذ الأنظمة توجهات الغرب على أكثر من صعيد وفي الكثير من المحاور، فتضغط على مواطنها المتشدد ومواطنها السياسي المعارض وكل من يخالفها الرأي فينشأ كتحصيل حاصل قِوى وأحزاب وتيارات معارضة للأنظمة ولأميريكا معاً، لما يتلقونه من قمع وكبح لتطلعات المواطن ـ الإنسان، على مختلف مشاربه وألوانه وأطيافه الدينية والسياسية، لهذا تزداد الفجوة والهوّة ويزدادُ الصراع بين الأنظمة والشعوب العربية يوماً بعد يوم، وهذا الصراع أو الخلاف والاختلاف منشؤه وأسبابه مصالح غربية، وقد آن الأوان أن تفتح الانظمة العربية حواراً مع ذواتها كأنظمة ومع مواطنيها وتغيُّر من سياساتها الداخلية والخارجية وعلى الغرب أن يفهم كيفية تغيير معادلة التغيير والتطوير والتنوير بما يناسب الشرق العربي بكل أطيافه وأديانه واثنياته وليس بما يناسب الغرب فما هو تطور بالنسبة للغرب ربما يعده الشرقي تخلُّفاً ومنافياً للأعراف والعاداتِ والتقاليد ولهذا لا بدَّ من إيجاد صيغ شفافة ومدروسة بحيث تناسب مآسي وصلابة وتعنٌّت الشَّرق، وربما تأخذ القضية، أية قضية عقوداً وسنيناً إلى أن يقبلونها ويعتادون عليها، فليس من المعقول أن يتم تطبيق برامج الغرب على الشرق دفعةً واحدة، لأن لكل قارة ولكل بيئة ولكلِّ بلد ولكل دولة ولكل أمَّة خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها التي تصبح بمثابة معايير قانونية تسير عليها، فليس من السهل القضاء عليها أو تجاوزها بالطريقة الغربية، فلا بدَّ أن تنمو وتترعرع وتتشرّب القضايا التطويرية والتنويرية في دنيا الشرق بشكل تدريجي مستساغ، بما يلائم كل مرحلة من مراحل التطوير والتنوير، ويصبح تطورها موضوعياً ومنطقياً من حيث التدرّج التطوري، بحيث يناسب خصوصية المكان والزمان لهذه المساحة الجغرافية المتشابكة في هذا العالم.
لم يعجبني موقف أميريكا مما ارتكبته اسرائيل من مجازر وجرائم بحق الإنسانية في غزّة، جرائم تقشعرُّ لها الأبدان وما ارتكبته من مجازر وخراب ودمار في لبنان والجنوب اللبناني صيف 2006، حيث يبدو واضحا لي ولكل إنسان عاقل وصاحب ضمير حي، أن موقف أميريكا هو منحاز حتى النّخاع لاسرائيل، فما هذه الحرب المدمِّرة خلال الاثنين والعشرين يوما مما تبقَّى من حكم جورج بوش، أليس هذا يا عزيزي الرئيس، تحدٍّ للأمم المتحدة والقانون الدولي والعالم، لماذا أصبح هناك هدنة وتوقّفت اسرائيل عن الحرب قبل تولِّي سيادتك يا أيها الرئيس باراك أوباما، أليس هذا اتفاق مع أميريكا محسوب بدقة متناهية، وألا ترى أن اسرائيل لم تقدِّر نهائياً مشاعر المسيحيين والاسلام واليهود حيث كانت البشرية تحتفل بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية ومع هذا كانت اسرائيل تدكُّ صواريخها وقنابلها وطائراتها فوق جماجم أطفال وشيوخ وشبان غزة، فيما كنتُ أهيئُ نفسي لكتابة قصيدة عن السلام والمحبة والوئام، فعكَّرت الحرب مزاجي وخلخلت معالم فرحي، وإذ بي مع عالم الخراب والدمار والنار، فكتبت نصاً من وحي خراب الكون، بعنوان: "ماتَ الغربُ ماتَ الشرقُ ماتَتِ القيمُ"، فإلى متى سيستمرُّ موتُ القيمِ؟
أيهما أكثر ارهاباً، أن تطلق حماس صاروخاً بالكاد أن يقتل ثلاث نعاجٍ على أن يأتي في قلبِ الهدف، بينما سلاح اسرائيل يفوق الخيال، أين التوازن الأخلاقي في الحرب، أم أن الحروب لا تحمل بين طيَّاتها ذرة أخلاق، فلماذا يرتكبها الإنسان، هل فقد أخلاقه وإنسانيته؟!!! أليس عاراً أن تستعرض اسرائيل عضلاتها وتجرب أسلحتها الترسانية العالمية الفوسفوريَّة الفتاكة على شعب بسيط يتضوَّر جوعاً، فهل قتلت اسرائيل المقاومين أم قتلت أكثرية الشعب الأعزل البريء؟
أين ديمقراطية أميريكا وسلام وديمقراطية اسرائيل التي تنادي بها، وعلى أي أساس تنادي أميريكا باحلال السلام في الشرق الأوسط، هل بهذه العنجهية المريرة سيتم بناء حيثيات السلام؟!
ما هذا الجنون الاسرائيلي في القتل والدمار والخراب والغزو والقصف المخيف والمرعب إلى أقصى درجات الإرهاب، وما هذا الصمت الكوني، ما هذا التراخي الأميريكي، وما هذه القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة ولا تكترث بها اسرائيل، كأنها قرارات صادرة من جهة غير مسؤولة وغير قادرة على تنفيذ قراراتها، لماذا لاتعاقب هيئة الأمم اسرائيل طالما لا تنصاع اسرائيل لقرارات هيئة الأمم، ولماذا لا يتم تحويل مسببي الدمار والغزو إلى محكمة دولية ويعاقبونهم كمجرمي حرب، أم أن اسرائيل في رأسها ريشة وترتعد منها أمريكا نفسها وهيئة الأمم والقانون الدولي؟!
ألاحظُ أن أميريكا وأوربا ودول عديدة في العالم تتدخل في الشأن الإيراني، بذريعة وجود السلاح النووي في إيران، أولاً تقول إيران بأنها لا تمتلك أسلحة نووية وما لديها من طاقة نووية هي مسخَّرة لأغراض التطوير والبناء والسلم، وليس من أجل الحرب وتصنيع القنابل النووية، حيث تعتبر أميريكا أن توفر الأسلحة النووية يشكل خطراً على اسرائيل؟ طيب لماذا لا نعكس السؤال ونقول إن لدى اسرائيل سلاح نووي ولا أحد يسألها أو يحاسبها، فإذا كان غرض أميريكا شريفاً وعادلاً فلماذا لا تنزع السلاح النووي من الشرق الأوسط برمّته بما فيه اسرائيل، وإلا فمن المضحك أن تهدِّد أميريكا إيران بضربة أو بعقوبات ما لم تتخلَّ إيران عن تصنيع السِّلاح النَّووي؟؟ ألا يوجد سلاح نووي في أميريكا؟؟ لماذا لا تطالب أميريكا من أميريكا بنزع سلاحها النووي لأنها تشكِّل خطراً على جيرانها؟!!!
من هذا المنظور أقول لكَ يا سيادة الرئيس، لكي يعم السلام والوئام بين البشر في سماء الشرق والغرب والعالم على الإدارة الأمريكية أن تكون عادلة في التعامل مع دول الشرق ودول العالم، لا أن تهدد أميريكا إيران تارة وسورية تارةً أخرى، في الوقت الذي نجد أن سورية في عهد الأسد الأب والابن كانت وما تزال تجنح نحو السلام العادل والشامل، الأرض مقابل السلام، من دون أي قيد أو شرط وبحسب القوانين الدولية، والمعادلة بسيطة وسهلة وتطبيقها لا يحتاجُ لأية عبقرية، وممكن تحقيق السلام في ليلةٍ وضحاها، ولكن لا تستجيب اسرائيل ولا أميريكا لهذا الجنوح السوري نحو السلام، بل تجنح اسرائيل إلى حالة اللاسلام واللاحرب، بل أنها تتحرّش بين الحين والآخر بسورية وسورية لم تردّ عليها وطالبت وما تزال تطالب بالحل العادل والشامل كما تقره هيئة الأمم والقوانين الدولية وبرعاية أميريكا، ولكن اسرائيل لا تريد السلام وهي شغوفة بالحروب وبسلامها وأمنها هي وإن ذهبت دول الجوار في أغوار الدمار والهلاك فلا يهمُّها وهذه غزة مثالاً حيَّاً لما أقول! فإلى متى ستتشدَّق اسرائيل بأنها مهدَّدة من ايران وسورية والعرب، هل أطلقت سورية رصاصة واحدة على إسرائيل منذ حرب تشرين حتى تاريخه؟!!! أي أمان وسلام تريده اسرائيل أكثر من هذا، أصلاً أنا أرى أن الجبهة السورية في أمان تام على اسرائيل، فلا يوجد أي دافع ـ على ما يبدو للعيان ـ من الجانب السوري في فتح جبهة حرب مع اسرائيل، لأن سورية تنتهج فعلاً منهج الحوار والتفاوض للوصول إلى السلام ولكن اسرائيل لا تريد السلام خاصة عندما ترى أن الجبهة السورية هادئة وآمنة، فلِمَ ستوقع السلام مع سورية طالما لا تشكل سورية أي خطر عليها وطالما السلام مع سورية سيفقد اسرائيل الجولان المحتل، لهذا تماطل اسرائيل، وربما ستماطل إلى أبد الآبدين طالما لا يوجد عليها ضغط غربي وعربي وكوني لتحقيق السلام، فهل سنرى أملاً على يديك بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي العالم، ويعيش الإنسان في الشرق والغرب في وئام بعيداً عن الحروب المجنونة؟! فقد شبعنا منها يا سيادةَ الرئيس.
ختاماً، أودُّ أن أقول لكَ انني عندما أسمع وأقرأ مصطلحات من إبداع أميريكا أضحك كثيراً، مثلاً: الفوضى الخلاقة، متى أصبحت الفوضى خلاقة يا سيادة الرئيس؟ هل وجدت في تاريخك الطويل أن تصبح يوماً ما، فوضاك في مجالٍ ما خلاقة، أنا أعرف أن هناك نصاً شعرياً خلاقاً، فكرة خلاقة، رواية خلاقة، لوحة خلاقة، وئاما وسلاماً ومحبة خلاقة، وأما موضوع أن تصبح الفوضى في عرفكم خلاقة فهذا ما لم أستسغه ولا يقبله عقلي ولا أي عاقل على وجه الدنيا!
القنابل الذكية، لقد أصبحت في عرف أميريكا القنابل ذكية، لا بارك الله في القنابل الذكية والغبية، طالما تقتل البشر في العصر الحديث، ولا بارك الله في كلِّ مَن يصنع سلاحاً ويدمِّر البشر والبشرية، هذا القرن يا سيادة الرئيس يجب أن يكون قرن السلام بين البشر!
كم أنظر بسخرية وأسىً كبيرين عندما أراكم تطرحون بعد كل تدمير، مشروع إعادة الاعمار والبناء! طيب لماذا أصلاً يتمُّ تدمير البلاد والعباد ثم تطرحون أنفسكم لإعادة البناء والتعمير، أنكم تستطيعون أن تبنوا جسراً مدمراً وبناية مدمرة وجامعة مدمرة وجامعاً وكنيسة مدمَّرة ولكن هل تستطيعون إعادة بناء إنسان ميّت، هل تستطيعون إعادة روح طفل شهيد إلى جسده المهشَّم، ما فائدة إعادة اعمار غزة وجنين وصبرا وشاتيلا والجنوب اللبناني وبغداد، طالما آلاف الموتى تخلخلت جماجمهم تحت الأنقاض، وأرواح الموتى الشهداء كيف ستعيدون بناءها وإعادتها إلى الحياة؟!
وحول موضوع إشاعة وترويج وتطبيق الديمقراطية في العراق والعالم العربي، فلا بأس يا سيادة الرئيس أن تتركوا الشرق والعالم العربي على حاله وتخلفه، فهو مسرور بتخلفه وسعيد بلا ديمقراطية، لانه حالما تتحقق عنده الديمقراطية بالطريقة التي تتوخّونها، سيرمي مواطنه بفردتي حذائه بوجه أكبر زعماء العالم فكيف والحالة هذه لا يرميها في وجه حكامه، منطلقاً من باب أنّه حرّ وفي بلد ديمقراطي! هل نسيتم يا سيادة الرئيس ان المواطن الشرقي لا يستوعب الديمقراطية بطريقتكم، ولا يتقبّلها بطريقتكم، لأنه غير معتاد عليها وليس من السهولة أن يتوازن معها لأنه مرّ بسنين وعقود وقرون من القمع والاضطهاد والاستبداد من قبل الاستعمار وبعد رحيل الاستعمار، جاء حكامٌ ربّما بعضهم أكثر قمعاً واضطهاداً واستبداداً من الاستعمار الراحل وكأن المواطن في حالة قمعية مفتوحة عبر مراحل الاستعمار وما بعده ولهذا فليس من السهل أن يتقبل الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية بالطريقة التي ترسمونها، وبكل بساطة أن العالم العربي لو طبق العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية دفعةً واحدة من دون مراعاة ظروفه الآنفة الذكر، لدخل في متاهة وفوضى لها أول وليس لها آخر! ستكون فوضاه، الفوضى ما بعد الخلاقة، لأنه سيتجاوز الخلق والإبداع عابراً في دهاليز المتاهة، لهذا يحتاج العالم العربي إلى بناء طفل سليم وسويّ، ينمو ويترعرع في جوّ طبيعي منذ أن تحمل به أمّه في أحشائها، وبعد أن يرى النور، وإلى أن يغادر هذا النور، وكل هذا يحتاج عقوداً، وسنيناً بل قروناً، وهذه المهمة تقع على عاتقِ مجئ ساسة ومفكرين ومبدعين وبحاثة ومحللين على كافة مناحي الحياة، لانتشال الحالة المزرية التي يعيشها العالم العربي، وإلى أن يتحقق هذا الأمر عليكم يا سيادة الرئيس أن تحققوا السلام كي يتمكن هذا العالم أن يخرج من متاهة الحروب ومن شرانقه المجصَّصة ويبدأ بالبحث عن مخارج لتخلفه لعله يبدأ خطوة المليار ميل نحو بناء إنسان مسالم وطبيعي، عاقل ومتنوِّر وخلاق! هدفه نشر رسالة المحبة والسلام والتنوير بين البشر كل البشر، جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان في هذا الكون الوسيع!!!
فهل وصل المرسال؟!!!
تنويه: دوّنتُ هذا التنويه بتاريخ (29.12.2011) الذي يتضمن تساؤلاً مضافاً لتساؤلات رسالتي المفتوحة إلى الرئيس الأميريكي باراك أوباما، ماذا قدَّمتْ أميريكا يا سيادة الرئيس في عهدِك بعد قرابة ثلاث سنوات، غيرَ الدَّمار والخراب لأميريكا وللعام العربي ولفقراء هذا العالم، فلِمَ لا يطالب الشعب الأميريكي بإسقاط النظام الأميريكي دفاعاً عن أميريكا وعن فقراء هذا العالم، وتفادياً من الحروب التي تفرّخها أميريكا في العالم العربي وفي الكثير من بقاع العالم؟
ستوكهولم: 21 . 1 . 2009
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق