الاسباب الحقيقية للحملة على البطريرك الراعي/ بطرس عنداري

تكليف جهات مارونية بمهاجمة البطريرك
بكركي تخترق محرمات واشنطن وباريس

تفيد مذكرات معظم رجال الدولة العبرية الذين ساهموا وهيأوا لقيام اسرائيل ان علاقتهم مع لبنان استهدفت دائما استمالة الموارنة ابتداء من بطريركهم ورؤسائهم السياسيين حتى اعلامييهم وقواعدهم الشعبية... وقد تجنبت بكركي الوقوع في الفخ الصهيوني ولكنها واجهت الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية واضطرت منذ ذلك التاريخ الى اتخاذ موقف متحفظ وشبه حيادي.

وقد ادت تلك الضغوط والمحاولات آنذاك الى وقوع بعض الشخصيات المارونية في متاهات محرجة من سياسيين ورجال دين. من هؤلاء كان راعي ابرشية بيروت الذائع الصيت المطران مبارك الذي نقل عنه قوله ان لبنان وطن قومي مسيحي كما ان اسرائيل وطن قومي يهودي... ورغم نفيه هذا القول الذي رددته الاذاعة الاسرائيلية وبعض الصحف اللبنانية اضطر المطران مبارك الى التنحي عن رئاسة اهم ابرشية مارونية عام 1952.

كان المثلث الرحمات انطوان عريضة بطريرك الموارنة عند قيام اسرائيل وقد تمكن من اتخاذ موقف متزن بمساندة مطارنة تاريخيين مثل عبدالله خوري وغيره. عام 1955 خلف البطريرك المعوشي سلفه عريضة طوال عشرين عاما لم يحد خلالها عن الخط الذي اتبعته بكركي باستثناء بعض التصريحات المثيرة التي اثارت بعض الجدل.

اما البطريرك انطونيوس خريش الذي تسلم قيادة الطائفة طوال عشر سنوات ملتهبة بسبب الحرب الاهلية فقد عانى من تظلم الميليشيات والضغوط ما دفعه الى التنحي وافساح المجال لانتخاب بطريرك بديل ولكنه لم يحد عن ثوابت بكركي في التوازن والاعتدال.

امضى البطريرك صفير ربع قرن على السدة البطريركية في ظروف صعبة كانت خلالها الهيمنة السورية المدعومة اميركيا وعربيا واسرائيليا السمة الغالبة على كل شيء.

غاص البطريرك صفير في قبول اتفاق الطائف والدفاع عنه ليجد بعد عدة سنوات ان هذا الاتفاق كرس الهيمنة وقزّم دور الموارنة، فانتقل مع مجموع المطارنة الى دور متشدد وصل الى حدود اصدار بيانات تندد بالهيمنة السورية مباشرة مما ازعج الفريق الحاكم الذي تحول معظمه الى ما يعرف بفريق 14 آذار حاليا.. وبعد ان تجاوز صفير التسعين عاما وبعد تحول الصرح البطريركي الى فريق في السياسة تلقى الفاتيكان تقريرا من سفارته في حريصا المطلة على بكركي يفيد ان البطريرك صفير عجز عن ايصال نائب ماروني واحد في المناطق المارونية وخاصة في معقله كسروان رغم تدخله المباشر في المعركة الانتخابية التي تميزت بالفساد وشراء الاصوات بالاموال العربية والايعاز الاميركي.

تلقى الفاتيكان التقرير بهدوء وبدأ تحركه غير المباشر ودعا الى سينودس في روما لمساندة كاثوليك البلدان العربية في الثلث الاخير من العام 2010 اشرف على الاعداد له المطران بشارة الراعي قبل ان يصبح بطريركا بعدة اشهر. وكانت رسالة الفاتيكان صريحة في ذلك المؤتمر ـ السينودوس وهي عدم الارتياح لرؤساء الكنائس العربية بسبب اهمالهم وكسلهم تجاه ما يواجه مسيحيي العراق وغيرهم.

وبعد ذلك السينودس باقل من شهر واحد تسربت الى الاعلام انباء استقالة البطريرك صفير ونشرتها صحيفة «الاخبار» اللبنانية على صفحتها الاولى كما رجحت بعد عدة اسابيع وصول الراعي الى السدة البطريركية بتوجيه من الفاتيكان وبتدخل مباشر منه كما تأكد بعد ذلك.

خابت آمال المطارنة التقليديين من الوصول الى خلافة صفير وكانت ارادة الفاتيكان جلية وواضحة بايصال الراعي الى سدّة بكركي.

ظن الكثيرون من الاساقفة الموارنة وغيرهم ان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر المحافظ سيغير بعض توجهات الكنيسة فيما يتعلق بالحوار والتناغم... ولكن خليفة يوحنا بولس الثاني لا يختلف عن سلفه سوى بالتمسك الشديد بأمور لاهوتية بحتة، اذ بقيت سياسة الفاتيكان مرتكزة على الاسس التالية فيما يتعلق بالمسيحيين العرب:

1 ـ الالتزام بالارشاد الرسولي وتوصيات السينودس من اجل لبنان بالاندماج مع السكان الآخرين ومشاركتهم الهموم والمسؤوليات.

2 ـ الاتكال على الذات وعدم طرح الصوت على روما والعالم المسيحي الغربي عند مواجهة الازمات والابتعاد نهائيا عن تراث وذكريات الحروب الصليبية.

3 ـ مساندة القضايا العادلة بصدق واندفاع بما يتلاقى مع طموحات وارادة شركائهم في الوطن.

4 ـ الانفتاح على الحكام والمسؤولين واقامة علاقات وثيقة معهم وتحميلهم المسؤولية وايجاد الحلول عندما تقع اي ازمة او تعدّ عليهم في اية دولة عربية.

5 ـ التشبث بالارض والوطن كشركاء اساسيين والاسهام في النضالات الوطنية واقفال ابواب الهجرة لان الوجود المسيحي في البلدان العربية هو ضرورة حيث ان المسيحيين هناك يشكلون منارة تجتذب سائر المسيحيين من حول العالم، ولا يجوز الابتعاد عن مراكز مهد المسيحية في بلدان المشرق العربي او غيرها.

6 ـ ابتعاد قيادات الكنيسة عن الصراعات السياسية وخاصة التي تدور بين اتباع الكنيسة وابنائها حيث لا يجوز ان تكون الكنيسة او اي جزء منها طرفا في الخلافات والنزاعات بين السياسيين مهما كانت الاسباب.

وهناك توصيات سرية او ايحاءات فاتيكانية حول قضية فلسطين والقدس واللاجئين وممارسة اسرائيل العنفية يتفهمها المعنيون في الكنائس الشرقية دون الاعلان عنها.

نفهم من هذه التوصيات ان الفاتيكان يريد من الكرادلة والبطاركة والاساقفة ان يكونوا اصحاب مبادرات وليس اصحاب ردات فعل واطلاق صيحات الاستغاثة عند الازمات. ويرى الفاتيكان ان الاصوليات الدينية والمنظمات الاسلامية المتطرفة لا تستهدف المسيحيين بل هي وليدة الظلم السياسي والعسكري الذي ولدته الامبراطوريات والدول الكبرى... وقد عبرت واشنطن اكثر من مرة خلال ثلث القرن الاخير عن استيائها من مواقف وتصريحات فاتكانية انتقدت اجتياح العراق وتدميره كما انتقدت مجازر اسرائيل بحق الفلسطينيين ولم تكن راضية عن لقاءات قداسة البابا الراحل بشخصيات تعارض الخط الاميركي ـ الصهيوني مثل ياسر عرفات وطارق عزيز وبشار الاسد وكاسترو وغيرهم.

ما هي محرمات اميركا وفرنسا؟

تُعتبر الدولة الفرنسية ومنذ مئات السنين حامية المسيحيين في المشرق العربي وخاصة الموارنة في لبنان وقد تحركت اكثر من مرة خلال الحكم العثماني محاوِلة حماية المسيحيين في لبنان عبر بروتوكول وقعته مع الحكومة التركية ولكن محاولة الحماية هذه انتهت دائما بالكوارث على المسيحيين والموارنة حيث شعر الاتراك وقسم غير قليل من المسلمين والدروز ان الموارنة يحاولون الاستقواء باساطيل دول اوروبية ويضمرون لهم الشر ويرغبون بحكم اجنبي استعماري.

ورغم الكوارث التي الحقتها الحماية المشبوهة بالمسيحيين اللبنانيين ما زالت فرنسا الرسمية تعتبر انها قدمت التضحيات الكبيرة من اجل الموارنة وغيرهم من المسيحيين.

يتذكر الجميع عبارة «الام الحنون» التي أُطلِقت على فرنسا من قبل بعض الموارنة. وقد تحول هذا الشعار الى نكتة بتبادلها المعنيون بالسياسة ولكن فرنسا الرسمية استمرت بالاعتقاد السائد منذ القدم.

والاعتقاد الفرنسي يعتبر ان البطريركية المارونية تلتزم بعلاقات خاصة مع فرنسا لا تقل عن تلك التي تربط بكركي بالفاتيكان. وقد اتبعت فرنسا تقليدا منذ بداية القرن العشرين قضى باستقبالها البطريرك الماروني كرئيس دولة كما اتبعت البطريركية تقليدا ثابتا هو قيام اي بطريرك جديد بزيارة رسمية لفرنسا في اول زيارة له للخارج.

مقابل هذا املت فرنسا مساندة البطريركية لها في توجهاتها السياسية. وقد طالت سهام النقد لبعض الجهات المحلية والعربية بكركي وسيدها خلال حروب فرنسا الاستعمارية وخاصة خلال حرب الجزائر حيث لم تتخذ البطريركية موقفا يدين ما كانت ترتكبه فرنسا من تنكيل ومجازر.

وكانت باريس دائما تعتبر ان بكركي هي سندها الدائم في الشرق الاوسط وافريقيا وتلتزم بتوجهاتها ولكن هذا التوجه بدأ يخف تدريجيا باتجاه التزام الحياد والصمت خاصة عندما كانت فرنسا تدعم اسرائيل في الامم المتحدة.

اما الولايات المتحدة فقد تلقفت معلوماتها في العلاقة مع لبنان من مصادر اسرائيلية افادتها دائما ان الموارنة متعاطفون باكثريتهم مع الكيان الصهيوني ويعتبره البعض داعما لاستمرارهم وسيطرتهم وقد تأكد هذا الاعتقاد خلال الحرب الاهلية التي انتهت بفشل هذه المعادلة التي لم يباركها الفاتيكان كما اتجهت بكركي نحو موقف حيادي مساندة في اكثر الاحيان التوجهات الوطنية المناهضة لاسرائيل.

لكن واشنطن وبناء على التقارير الاسرائيلية واصلت اعتقادها معتبرة ان الموارنة باكثريتهم ملتزمون بسياسة الولايات المتحدة وعلى رأسهم البطريركية ورئيسها.

وخلال السنوات العشر الاخيرة ومنذ بدأ التصعيد ضد حزب الله الذي تعتبره العقبة الكبرى ضد اسرائيل راهنت واشنطن على الموارنة وحلفائهم ليكونوا القوة الاساسية المناهضة لسلاح حزب الله. وكانت بكركي تدور في هذا الفلك طوال هذه المدة مطالبة بوضع سلاح حزب الله في تصرف الدولة.

هذه هي الثوابت لدى واشنطن وباريس والتي اعتبرت ان التخلي عنها من قبل بكركي والموارنة هو خرق لمحرمات باتت شبه تاريخية.

زيارة باريس بداية العاصفة

استقبلت باريس البطريرك الراعي في اول زيارة له على مستوى رؤساء الدول كما جرت العادة وبعد لقاء مطول مع الرئيس ساركوزي عقد غبطته مؤتمرا صحفيا تحدث فيه باسهاب عن مشاكل لبنان والمنطقة. وقد اثار ذلك المؤتمر الصحفي عاصفة في لبنان وكان بعض السياسيين ينتظر بث اشاعة ليفتح النار على البطريرك الذي ارجع بكركي الى حياديتها لتكون على مسافة واحدة من كل الزعماء والاقطاب وخاصة الموارنة.

ولم تمر 24 ساعة على نقل وقائع المؤتمر الصحفي حتى وصف له دوري شمعون اكل الزعتر لتنقية ذاكرته وقال له بطرس حرب ان يترك السياسة له لانها ليست مهنته. وانتقد معظم نواب 14 آذار اقوال البطريرك وشن صحفيون كثر حملات عنيفة ضده قبل ان تنشر تفاصيل اقوال البطريرك بدقة.

وبعد ان اعاب سيد بكركي على المتحاملين عدم اتزانهم وتحريف اقواله وسفّه السياسيين المتطاولين نشر البروفيسور انطوان فليفل استاذ الفلسفة في احدى الجامعات الباريسية مقالا في صحيفة «الاخبار» قال فيه انه حضر المؤتمر الصحفي للبطريرك الراعي بأكمله ولم يرد فيه اي دفاع عن حزب الله وسلاحه وعن النظام السوري وتوجهاته.

وننقل فيما يلي بعض ما ورد في مقال البروفيسور فليفل حرفيا حيث جاء في مقاله:

«لم يدافع البطريرك الماروني في ذلك اليوم عن سلاح حزب الله، بل قال ان الحزب المتحالف مع سوريا وايران والذي يملك المال والتنظيم على كل الاصعدة يشكل مشكلة كبيرة لاجل سلاحه، فمن الواجب ايجاد حل لذلك السلاح، لم يبرر الراعي ابدا بقاء سلاح حزب الله ولم يدافع عنه، لكنه عرض ثلاثة مبررات موضوعية يستعملها الحزب لتبرير محافظته على سلاحه من دون ان ينقضها او يعتبرها ضلالا. فحزب الله يعتقد بحسب الراعي ان سلاحه لا يزال ضرورة لان جزءا من جنوب لبنان ما زال يرزح تحت الاحتلال الاسرائيلي ولان واقع وجود اللاجئين الفلسطينيين على ارض لبنان مع اسلحتهم موضوع يجب معالجته بعودتهم الى ارضهم ولان الجيش اللبناني ليس مسلحا بالشكل المناسب للدفاع عن ارض لبنان.

تلك هي مبررات حزب الله وليست مبررات البطريرك الراعي الذي يريد حل مسألة السلاح ولذلك طلب من الدولة الفرنسية مساعدة اللبنانيين على ابطال تلك المبررات من خلال ضغوط ديبلوماسية مناسبة وخطوات عملية عبر تطبيق قرارات مجلس الامن التي تلزم اسرائيل بالانسحاب الكامل من الاراضي اللبنانية وتطبيق قرارات مجلس الامن التي تطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم ومن خلال تسليح الجيش اللبناني ليتمكن من الدفاع عن حدود لبنان، لم يدافع الراعي عن حزب الله بل طالب باحترام القرارات الدولية وتسليح الجيش لابطال مبررات سلاح حزب الله».

ويقول البروفيسور فليفل حول تصريحات البطريرك الراعي فيما يتعلق بسوريا حرفيا: «تندرج اقوال الراعي عن سوريا من ضمن مبادئ الكنيسة العامة وتحاليل تصيب واقع المتغيرات المستجدة في الشرق الاوسط، ومنها الربيع العربي. هو يؤكد ان مطالب الشعوب العربية بالعيش الكريم محقة وهو مع كل الاصلاحات اللازمة. لكن البطريرك عبر عن مخاوف ثلاثة للسلطات الفرنسية خشية استبدال الانظمة الحالية بانظمة اصولية، وخشية حصول حروب اهلية طائفية كما في العراق يدفع المسيحيون ثمنها غاليا، والخشية من مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي قد يؤول الى تفتيت البلدان العربية الى دويلات طائفية. وعندما تكلم عن الواقع السوري لم يتوان الراعي عن التذكير بالمعاناة التي لم ينسَها من ذلك النظام في لبنان، لكنه عقّب على ذلك مستعملا صيغة الماضي، مضيفا ان الرئيس الاسد كان قد بدأ باصلاحات سياسية وانه كان يجب اعطاؤه فرصة للمباشرة بكل الاصلاحات بالاخص لتجنب العنف».

وينهي انطوان فليفل مقاله قائلا: «باختصار طالب البطريرك الماروني بالامور الآتية: ابطال مبررات حزب الله للتخلص من سلاحه، التوصل الى اصلاحات يريدها الشعب السوري من دون عنف وقتل، نبذ قيام كيانات اصولية ودويلات طائفية وعودة الفلسطينيين الى ارضهم، تحرير ما بقي من ارض لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وتسليح الجيش، فهل تلك المطالب هي فعلا مخالفة لثوابت بكركي التاريخية، ومشرعة لسلاح حزب الله ومؤيدة للنظام السوري؟».

انتهى الاقتباس من مقالة البروفيسور فليفل الذي حضر المؤتمر الصحفي كاملا.

شكل مقال فليفل صدمة لمجموعة المتحاملين على البطريرك فصمت السياسيون وبدأوا يتوافدون الى بكركي معتذرين، فيما تم اختيار مجموعة كتاب وصحافيين لاكمال الحملة، وقد اختار منظمو الحملة كتّابا مسيحيين وموارنة تحديدا بايعاز من بعض المراجع الفرنسية والاميركية لانها رأت في اقوال البطريرك خروجا على ما تعتبره واشنطن وباريس محرمات لا يجوز لبكركي خرقها او تجاوزها. والمحرمات هي: الموقف من حزب الله الذي يجب ان يكون سلبيا وهجوميا دون مبررات، الموقف من مبدأ حق المقاومة وتحميل اسرائيل مسؤولية عدم تنفيذ القرارات الدولية والتطرق الى موضوع التوطين وتسليح الجيش وهذا ما لم يجرؤ رؤساء لبنان على طرحه مع باريس وواشنطن.

وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي ان الرئيس ساركوزي استاء من عبارة قالها البطريرك خلال لقائهما ونقلها الرئيس الفرنسي الى الادارة الاميركية والعبارة هي: «لقد تركتم اسرائيل جاسمة على صدورنا ولم تطالبوها باحترام الشرعية وقرارات مجلس الامن وخاصة القرار 194 الذي يعطي الفلسطينيين حق العودة الى ديارهم».

واسرعت واشنطن الى اصدار بيان يعبر عن عدم ارتياح البيت الابيض لاقوال البطريرك الراعي في باريس دون ان تذكر تفاصيل تلك الاقوال.

واسرع الفريق الداخلي المؤلف من كتّاب الاجرة وفريق «سيدة الجبل» المؤلف من ميليشياويين سابقين الى اطلاق الاشاعات عن رفض الرئيس الاميركي اوباما استقبال الراعي في زيارته المرتقبة للولايات المتحدة... في نفس الوقت ارسلت تعليمات من قبل هذا الفريق الى اتباعه في الولايات المتحدة لابعاد الحشود عن استقبال البطريرك.

وكانت بكركي واضحة وهادئة في ردها على هؤلاء بتأكيدها على ان زيارة اميركا رعائية وليست للقاء اوباما او غيره من المسؤولين وطلب مقربون من البطريرك من مطراني اميركا والمشرفين على ترتيب الزيارة عدم طلب اي موعد لزيارة البيت الابيض.

انتهت الزيارة بنجاح لافت وفي لقاء للبطريرك مع احد وزراء اوباما اللبناني الاصل راي لحود اعتذر عن عدم تمكن الرئيس من استقبال البطريرك بسبب ارتباطاته الكثيرة فرد البطريرك متمنيا للرئيس وادارته التوفيق مؤكدا ان زيارته رعائية.

ومن المعروف ان الرئيس السابق بوش الابن رفض اعطاء موعد للبطريرك صفير في مطلع العام 2001 رغم الحاح الاساقفة الموارنة ولجنة الاستقبال في حينه.

الاستعانة بشارل ايوب

بعد ان فشلت جميع الحملات والخطط للاساءة الى البطريرك وباساليب قذرة كان لا بد من اختلاق فضيحة موهومة . وجاءت الفرصة بصدور كتاب في فرنسا لمؤلف مغمور يدعى انطوان بصبوص لم يعرف عنه سوى انه انسحب من ميليشيا القوات اللبنانية قبل عشرين عاما وغادر الى فرنسا ليعمل في خدمة المخابرات الفرنسية اضافة الى علاقات مع جهاز الموساد الاسرائيلي.

جاء في الكتاب ان غازي كنعان المسوؤل المخابراتي المعروف زار المطران الراعي في جبيل محاولا اختراق الاساقفة الموارنة وقد تجاوب الراعي وزاره في عنجر عدة مرات. وكان كنعان زرع آلات تسجيل وتجسس على الراعي خلال زيارته له على حد قول بصبوص.

نفت مصادر بكركي ادعاءات ما ورد في الكتاب جملة وتفصيلا مؤكدة ان غازي كنعان قام بزيارة المطران الراعي بناء على طلب منه وكانت الزيارة علنية وتم اعلام البطريرك صفير والرؤساء الثلاثة بها ولكن الراعي لم يزر كنعان في عنجر اطلاقا.

لم ييأس فريق التشويش على البطريرك الجديد ووجد ضالته في شارل ايوب صاحب جريدة «الديار» المتعثر ماديا دائما. فنشر ما ورد في الكتاب وعلى الصفحة الاولى باسلوب فضائحي مثير مما حمل الاب عبدو ابو كسم على تحدي ايوب على شاشة التلفزيون. وكانت ذريعة شارل ايوب انه ينشر خبرا ولا يقصد الاساءة، ولكن الذريعة لم تنفع.

وقد تراجع شارل ايوب بعد عشرة ايام ونشر بتاريخ 18-11-2011 مقالا رئيسيا يشيد بالبطريرك الراعي ويعتبره ضمانة للوحدة الوطنية. وطلب موعدا لزيارة البطريرك ولكنه لم يتلق جوابا حتى الساعة.

وفي نفس عدد التراجع نشر مقالا ضد العماد عون يتهمه بالخيانة والهرب قبل 22 عاما ولم تُعرف اسباب توقيت اعادة نشر هذه الامور التي يحددها ويقرها الممول الداخلي والخارجي.

وكانت صحيفة آل الحريري «المستقبل» نشرت في نفس الفترة ثماني حلقات بحجم صفحة كاملة تشهّر بالعماد عون منذ ان ولد وحتى هذه الساعة متهمة اياه بكافة انواع العمالة والتواطؤ. ولوحظ ان كتاب المسلسل او الذين ظهرت اسماؤهم من المسيحيين مثل جورج بكاسيني ووسام سعادة. وعندما سئل عون عن حلقات الصحيفة وعما اذا يقرأها ضحك وقال: «هل هذه صحف ام مماسح؟».

الراعي وعون

كانت علاقات البطريرك الراعي مع العماد عون حميمة منذ تسلم عون رئاسة الحكومة الانتقالية، وبقيت على حالها بعد نفي عون الى فرنسا.. ولكن مواقف عون السياسية والوطنية المتشددة وخلافه مع البطريرك صفير بسبب اتفاق الطائف والسكوت عن الهيمنة السورية في البداية اضطرت الراعي الى اتخاذ مواقف ترضي رئيسه الروحي فحصل ما يشبه التباعد ولكن الاتصالات لم تتوقف.

كان الراعي يُتهم بانه عوني متشدد ولكنه تمكن من ابعاد هذه الصفة عنه طوال سنوات كان خلالها مدافعا عن بكركي رغم عدم رضاه عن تورط صفير في معركة انتخابات 2009 ضد العماد عون... وقد اتهم فريق 14 آذار المطران الراعي بدعم لائحة عون في جبيل ولكنه لم يصرح بذلك علنا.

لقد اتسمت لقاءات البطريرك الجديد بالعماد عون بالحميمية والارتياح مما اثار الشكوك لدى الفريق الآخر الذي ما زال يحاول التركيز على البطريرك المستقبل. وكان الراعي اذكى من هؤلاء اذ قال ان البطريرك صفير هو «بطريركنا الدائم» ليقطع الطريق على مثيري الشكوك.

شارك في التحامل على البطريرك كل فريق 14 آذار باستثناء حزب الكتائب معلنين انهم يحترمون الراعي ولكنهم يختلفون معه سياسيا.

لا شك ان العماد يدرك ما يواجهه البطريرك الجديد من ضغوط خارجية وداخلية وصلت الى تخصيص الملايين لتعطيل دوره المدعوم فاتيكانيا، ولذلك خفف عون من الاشادة بالبطريرك فيما باتت اكثرية من اللبنانيين وخاصة في الاوساط المسيحية تعتبر ان الثنائي الراعي ـ عون يشكل ضمانة للوحدة الوطنية وامانا لمستقبل المسيحيين في لبنان والبلدان العربية.

وقد مثلت زيارة البطريرك الراعي لبغداد اهمية خاصة وكانت مدعومة من الفاتيكان ومن العماد عون ومن معظم بطاركة الشرق.

وخلال الزيارة العراقية اطلع البطريرك على الدور الاميركي ـ الاسرائيلي لتهجير المسيحيين ولكنه لا يقدر ان يتحدث عن ذلك لانه امر خطير جدا يمس صميم المخطط الاميركي ـ الصهيوني الهادف الى تهجير المسيحيين من بلدان الشرق الاوسط تهيئة لوصمه بالمنطقة الاسلامية المتطرفة.

وقال مركز دراسات مسيحيي المشرق ان الحالة المسيحية في البلدان العربية اصبحت اكثر ارتياحا وثقة بالنفس بعد زيارات العماد عون لسوريا وخاصة لمنطقة براد حيث ضريح القديس مارون وبعد وصول البطريرك الراعي الى سدة الصرح البطريركي وزيارته للعراق كما انه يتحين الفرصة للقيام بزيارته الرعائية لسوريا حيث هناك ثلاث ابرشيات مارونية في حلب واللاذقية ودمشق.

الحملة ضد الراعي مستمرة

يدرك البطريرك الجديد ان الحملة التي تستهدف انفتاحه ورسالته في الشركة والمحبة ما زالت في اولها وربما تتصاعد في الاشهر والسنوات القادمة والمكلفون بالقيام بهذه الحملات معظمهم بل جميعهم من المسيحيين والموارنة حيث تخصص لهم ميزانية سرية من الخارج معروفة المصادر.

ولكن البطريرك الراعي في وضع قوي لن يتمكن احد من اضعافه او وقف مسيرته لانه يتمتع بالدعم الفاتيكاني المطلق وبمجموعة الاكليروس من الشبان المثقفين كما استطاع ان يحظى بدعم موارنة ومسيحيي الاطراف بعد زياراته للجنوب والشمال والبقاع واطلاق دعواته الانفتاحية التي افتقدها الكثيرون الذين شعروا حاليا ان بكركي خرجت من دائرة التجاذبات السياسية والفئوية واصبحت على مسافة واحدة من الجميع، ولكن الفريق الذي تعود الى تحويل بكركي حائط مبكى لن يرضى على الارجح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق