المبادرة العربية عملية قيصرية لابد منها/ محمد فاروق الإمام

بعد أن ضاق العرب بالنظام السوري ذرعاً لم يجدوا بداً من سلوك الطريق الصحيح الذي يمكن أن يوقف تغوله بما يمتلك من أسلحة فتاكة ومدمرة في مواجهة الشعب السوري الأعزل، دون العدو الصهيوني الذي يحتل الجولان السورية منذ ما يقرب من نصف قرن، وقد أعطوه الفرصة تلو الفرصة لوقف جرائمه البشعة التي يرتكبها بحق السوريين منذ ما يزيد على عشرة أشهر، وقد أسرف في القتل والتنكيل والقمع بأبشع صوره القذرة والسادية وبكل صلف وغرور وحمق وسفاهة وجنون، وقد استنفدوا كل الحلول العربية الممكنة مخافة الانجرار إلى حرب أهلية تكون لها تداعيات خطيرة على العرب ودول المنطقة.
ولم يكن اضطرار العرب إلى توافقهم على رحيل النظام ورأسه إلا السلوك الأرعن الذي تبناه هذا النظام السادي المتوحش، الذي يرفض كل الحلول السلمية التي يمكن أن توقف حمام الدم، وتفتح الباب أمام الشعب السوري لتحقيق تطلعاته وأمانيه، كباقي بني البشر، بانتزاع الحرية والفوز بالكرامة والوصول إلى الدولة المدنية التي يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب، ويتحقق حلمهم بغد أفضل، ليس فيه قهر ولا عذابات ولا ملاحقات أمنية ولا اعتقال ولا إقصاء ولا نفي ولا تمييز ولا فاقة ولا جوع ولا تخلف ولا انكسارات أو هزائم، ويتداولون السلطة بشكل سلمي وآمن.
لقد طاف الكيل بالعرب من هذا النظام الذي يدعي القومية والعروبة وهو الذي يتمرغ في أحضان ملالي قم منذ العام 1979 وينحاز إلى طهران ضد العرب ومصالحهم القومية، ويدعي المقاومة والممانعة والوصاية وتبني القضية الفلسطينية ودعم منظمتها، ويمزق صفها ويذبح عناصرها ويشرد فصائلها ويحول بين المقاومة وبين حدود الكيان الصهيوني المغتصب حفاظاً على سلامة وأمن المستوطنين أبناء خؤولته.
وكان لابد للعرب بأن يقفوا أمام مسؤولياتهم تجاه ما يرتكبه هذا النظام من فظائع وجرائم بحق السوريين، وقد يأسوا من هذا النظام الأرعن الذي لا يستمع إلى صوت العقل من أي طرف يأتيه، فعادى الإخوة والأصدقاء، وانساق وراء غواية شيطانه، يفعل بنفسه وبشعبه أمر وأنكى مما يفعله العدو بعدوه، وكان لابد للعرب أن يحزموا أمرهم ويتخذوا القرار الصائب، للجم هذا النظام والعمل على إزاحته وإبعاده بعملية قيصرية لابد منها، فجاءت مبادرتهم الشجاعة التي تضمنت البنود التالية:
- "تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها وبإشراف عربي ودولي".
- "تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية".
- "إعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها أن هدفها هو إقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي".
- "قيام حكومة الوحدة الوطنية على إعادة الأمن والاستقرار في البلاد وإعادة تنظيم أجهزة الشرطة".
- "إنشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا".
- "قيام حكومة الوحدة الوطنية بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة أشهر من تشكيلها وتتولى هذه الجمعية إعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم إقراره عبر استفتاء شعبي وإعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور".
لقد تقدمت الجامعة العربية بهذه المبادرة وهي تعلم علم اليقين أن النظام سيرفضها ولن يقبل بها، وهذا ما حصل، فقد أعلنت وكالة سانا صباح الاثنين 23 كانون الثاني رفض دمشق للقرارات الصادرة عن مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري واعتبرتها "انتهاكاً لسيادتها الوطنية وتدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية وخرقا فاضحاً للأهداف التي أنشئت الجامعة العربية من أجلها". ولم يكتف هذا النظام برفض المبادرة بل راح يكيل للعرب التهم بالخيانة والتآمر، فقد نقلت وكالة أنباء النظام صباح الاثنين عن مصدر مسؤول فيه قوله: "إن سورية تؤكد إدانتها لهذا القرار الذي جاء في إطار الخطة التآمرية الموجهة ضد سورية من قبل أدوات تنفذ هذه المخططات التي باتت مكشوفة لجماهير شعبنا في سورية والوطن العربي".
أمام هذا التعنت والغرور لم يعد أمام الجامعة العربية إلا رفع مبادرتها إلى مجلس الأمن، ليتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الشعب السوري الذي ينزف دمه منذ ما يزيد على عشرة أشهر، قدم خلالها ما يزيد على ستة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين.
وهذا ما أكد عليه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ورئيس اللجنة الوزارية الشيخ حمد آل ثاني اللذان سيتوجهان إلى نيويورك لتسليم الملف السوري إلى مجلس الأمن، ليتخذ القرار الذي يكف يد النظام السوري عن التغول بسفك دماء السوريين بالطريقة التي يفهمها هذا النظام، وقد سمعنا من عدد من زعماء العالم تأكيدهم على أن مجلس الأمن سيناقش هذا الموضوع خلال الأسبوع القادم بحالة مستعجلة، لإصدار قرار يدين النظام السوري على جرائمه بحق شعبه ويطلب منه وقف العنف فوراً والالتزام ببنود المبادرة العربية، ولا أعتقد أن روسيا صديقة النظام ستقف بمواجهة المجتمع الدولي إلى جانبه، وقد سمعنا المسؤول الروسي البارز ميخائيل مارجيلوف يقول: "إن موسكو لا يمكنها عمل المزيد للرئيس السوري بشار الأسد"، وهذا التصريح أشارة إلى بشار الأسد أن لصبر موسكو حدود، وعليه أن لا يفهم أن الموقف الروسي سيكون إلى جانبه إلى ما لا نهاية، وأعتقد أن روسيا لن تقف ضد أي قرار يتخذه مجلس الأمن لدعم المبادرة العربية، فموسكو هي من طرحت ما جاء في المبادرة العربية، وهي من طلبت من النظام السوري الموافقة عليها والالتزام الحرفي بتنفيذ بنودها، وأن رشوة شراء طائرات التدريب العسكرية هي الأخيرة التي يمكن أن يقدمها النظام المفلس إلى موسكو، وموسكو تعرف عجز النظام عن تقديم المزيد، وأنه عليها أن تدير ظهرها إليه وتبحث عن طرق أجدى نفعاً لسد جوعتها.
الأيام القابلة حبلى بما لا يشتهي رأس النظام السوري ويريد، ولا خلاص له من قفص العدالة الدولية التي ستكون بانتظاره لتقول فيه حكمها العادل جزاء ما اقترفت يداه من آثام وفواحش وجرائم بحق السوريين العزل، إن لم تسبق كل ذلك يد الشعب وتقتص من قاتلها كما حدث لطاغية ليبيا القذافي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق