نحو تثبيت هيئة العمل الاهلي- الوطني كمرجعية شعبية مؤقتة للقدس/ راسم عبيدات

.....القدس تشهد حالة من تعدد المرجعيات الرسمية،مرجعيات على كثرتها وتعدد عناوينها وشخوصها،لم تستطع ان تنال ثقة ورضى المقدسيين، فأغلبها تعيش في إطارها النخبوي وأبراجها العاجية،البعيدة والمنفصلة عن واقع وهموم ومشاكل المقدسيين،ناهيك عن أنها تتصارع فيما بينها،وفي كثير من الاحيان تكرر جهدها وذاتها،وحتى اللحظة الراهنة لم يجري أي جهد جدي وحقيقي من أجل توحيد تلك المرجعيات خلف عنوان واحد،رغم ان هناك قرار صادرعن أعلى هيئة فلسطينية بتوحيد كل تلك المرجعيات من خلال دائرة شؤون القدس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الاخ ابو العلاء قريع،حيث كان هذا القرار في اجتماع للجنة التنفيذية في 31/12/2011،ولكن يبدو انه من غير السهل توحيد تلك المرجعيات في قناة وإطار وعنوان واحد في ظل غياب الارادة السياسية والرؤيا الموحدة والاستراتيجية الموحدة،والغريب ان تلك التشكيلات والتعينات تجري بمعزل عن رأي ومشاركة المقدسيين في صنعها واقرارها،فهي في الغالب تصدر على شكل "فرمانات"وقرارات إرضاء لهذا الطرف او الشخص كحل لإشكال،وليس من أجل مصلحة القدس والمقدسيين.

كل هذا يجري على الرغم من أن الحركة الوطنية المقدسية ومعها المؤسسات والائتلافات المقدسية خاطبت وعقدت لقاءات مع كل العناوين الرسمية في السلطة والمنظمة،حول ضرورة توحيد الجهد والفعل والعمل في المدينة التي تتعرض الى حرب شاملة من قبل الاحتلال الاسرائيليى في مرجعية وعنوان واحد،وتمنت على الجميع ان يترفع عن ذاته وفئويته ومصالحه في سبيل المصلحة العامة ومصلحة القدس،ولكنها في لقاءاتها وحواراتها المستمرة مع كل تلك العناوين والمرجعيات لم تتوصل الى اي شيء جدي،وبقيت الامور في اطار الشعارات والوعود والانشاء وسيروا وعلى بركة الله،بدون اي وضوح للعلاقة او رسم لرؤيا او استراتيجية في هذا الجانب والمجال،وكأن تلك العناوين والمرجعيات تريد للحركة الوطنية المقدسية ومؤسساتها،أن تكون أداة وجسم استخدامي ليس اكثر ولا اقل تستخدمها في مصالحها وصراعاتها وفي تحسين مواقعها ونفوذها،ولا اخفيكم سراً أن البعض لا يريد حتى للحركة الوطنية ان تكون اطارا فاعلا في المدينة،ويسعى الى اضعافها وتهميش دورها في رؤيا قاصرة واهداف غير معروفة المرامي ولا نريد أن نتطير لكي نقول مشبوهة الاهداف والمرامي،والقوى الوطنية في المدينة لم تقطع الامل في تصويب وتصحيح العلاقة مع المرجعيات الرسمية،واستمرت في حوارات ولقاءات ونقاشات معها بضرورة مغادرة خانة الشعارات والبيانات والخطب و"الهوبرات"الاعلامية،وعقد ورش العمل والمؤتمرات والندوات الخاصة بالمدينة خارج حدود ما يسمى ببلدية القدس او في المدن المجاورة،وضرورة ترجمه قرارات تلك المؤتمرات واللجان والورش وتوصيتها الى افعال على ارض الواقع،فالواقع الذي يعيشه المقدسيون لم يعد يحتمل المزيد من الخطط والبرامج والرؤى والاستراتيجيات،والمزيد من العصف الذهني والفكري،فهو واضح وعاري تماماً،وفقط بحاجة الى فعل جدي على ارض الواقع،بحاجة الى دعم حقيقي وبأدوات صادقة ومنتمية وليس أدوات ووجوه اصبح وجودها او تردد اسمها يثير التقزز والغثيان عند المقدسيين،فكثرة وتعدد المرجعيات بدون انجاز حقيقي وجدي على الارض ترك وولد عند المقدسيين الكثير من المرارة والاحباط وفقدان الثقة،وجعلهم يتوجهون لحل مشاكلهم بأنفسهم،واللجوء الى خيارات وشخوص قد تلحق بهم الضرر.

وامام هذا الواقع المرير،وفي ظل حالة التخبط والتوهان وعدم نظم علاقة بين الجسم الرسمي والشعبي،رات الحركة الوطنية الفلسطينية المقدسية ومؤسسات العمل الأهلي انه لا بد من وجود إطار جامع يوحد جهدها وعملها وفعلها،ويسهم في الدفاع عن حقوق المقدسيين في حدود امكانياته وقدراته،وكذلك أن يشكل جسماً ضاغطا على صناع القرار في السلطة ومنظمة التحرير من أجل ان تكون قضية القدس والمقدسيين على راس سلم اولوياتهم فعلا وممارسة وليس مجرد شعارات وتصريحات وبيانات ولقاءات متلفزة ودعاوي انتخابية ومزايدات،ويسجل لهيئة العمل الاهلى – الوطني دورها في في التصدي لبلدية الاحتلال ودائرة معارفها في محاولتها فرض منهاج فلسطيني مشوه ومحرف على طلبة مدارس القدس وبالذات الخاصة منها،وكذلك دورها الفاعل في دعم ومناصرة قضية النواب وقضية اسرى القدس في اعتصامهم في مقر الصليب الاحمر في القدس من خلال اللجنة الوطنية لمقاومة الابعاد،والتي نظمت سلسلة من الأنشطة والفعاليات لدعم قضية النواب ونصرتهم،ولعبت دوراً في تحريك الشارع المقدسي،وكذلك فإن الهيئة كانت رأس الحربة في التصدي لجاهبذة التطبيع ومحاولات بعض النخب الفكرية والاكاديمية نقل التطبيع من الحالة الرسمية الى الحالة الشعبية،حيث نجحت هي ومؤسسات العمل الاهلي المقدسي والحراك الشبابي في افشال ومنع إقامة العديد من الأنشطة والمؤتمرات التطبيعية في مدينة القدس،لعل أخطرها عقد مؤتمر في فندق الامبسادور في القدس من أجل التحضير لانتخابات ما يسمى بالكونفدرالية الاسرائيلية – الفلسطينية،والعقل المدبر لهذا النشاط والقائم على تلك الفكرة هو من حول جامعة مقدسية الى مزرعة للأنشطة التطبيعية،حيث أنه يتضح من خلال موقع الاتحاد الاسرائيلي- الفلسطيني على "الفيسبوك" أن العديد من طلبة الجامعة هم اعضاء مرشحين لبرلمان تلك الكونفدرالية المزعومة.

وأنا لست بصدد التفصيل حول الهيئة وعملها وأنشطتها،وهي بالطبع أنشطة جماهيرية وشعبية علنية،ولكن هنا يجب القول أن هذا الجسم الوليد والذي أثبت أن لديه حضور على الفعل والعمل بعيداً عن الحسابات الذاتية والفئوية،يبنى ويعول عليه في أن يتحول الى عنوان شعبي مؤقت للمقدسيين،يتطلب منه أن يواصل جهده وعمله وحواراته،لكي يتحول الى حاضنة وعنوان لكل الجهد والعمل الشعبي والوطني في المدينة،في السياق الدفاع عن حقوق المقدسيين وهمومهم ومشاكلهم،وأن يشكل إطاراً فاعلاً في الضغط على المؤسسات والعناوين الرسمية من سلطة ومنظمة تحرير،من أجل ان تغير من نمطية وطريقة علاقتها وإدارتها للامور في المدينة،وأن تأخذ رأي المقدسين ووجهات نظرهم وخبراتهم وتجاربهم وكفاءاتهم بعين الاعتبار وبشكل جاد فيما يتعلق بالشأن المقدسي وهمومه ومشاكله واحتياجاته.

ان هيئة العمل الاهلي- الوطني مطالبة أن تخطو خطوات جادة تجاه المأسسة والتحول الى عنوان شعبي يجمع كل ألوان الطيف المقدسي على مختلف تسمياته وتشكيلاته ومسمياته بعيداً عن اية حساسيات او حسابات حزبية وفئوية ضيقة.

فالاحتلال يستهدف المقدسيين كوجود وليس فقط كأفراد أو أحزاب ومؤسسات،بل الاستهداف شامل ويطال كل ما له علاقة بوجود المقدسيين وبقائهم وصمودهم في مدينتهم وعلى أرضهم،فهم مستهدفون بشراً وحجراً وشجراً،تلاحقهم القوانين والاجراءات العنصرية الاسرائيلية كل يوم في اطار سياسة تطهير عرقي لم يعرفها التاريخ البشري لا بقديمه ولا جديده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق