ان الثورة هي الثورة... من ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس الى ثورة الناصري (المسيح) ضد تجار الهيكل، الى الثورة الفرنسية والبلشفية، وصولاً الى الثورات العربية التي تحولت الى قوى استبدادية وقمعية شوهت المعنى الحقيقي لجوهر الثوريّة التغييري المرجوّ.
ولكن خلال عمليات الغدر بالثورات منذ قيام ثورة ٣٢ يوليو/ تموز قبل ٠٦ عاماً وحتى هذه الساعة، لم يعرف العرب ولا العالم عمليات تشويه وتزوير للمعاني والعمليات الثورية كما نشهد حالياً حالات يسميها البعض الربيع العربي او الثورات العربية او الانتفاضات الشعبية، ويختلفون على اساليب حرفها وتبشيعها واستبدال عبارة الثورية بالثيرانيّة. ولم يقتصر هذا الواقع على العرب وحدهم، بل امتد الى القارات الخمس ليشمل سائر الحضارات او الشعوب.
لقد جرت العادة خلال اكثر من ثلاثة ارباع القرن ان ينقسم العالم بين فريقين: الاول يشمل دول اوروبا الشرقية الاشتراكية والصين وسائر النخب اليسارية حول العالم، وهذه تعتبر مسانِدة للثورية والتغيير... اما الفريق الثاني فيضم المحافظين ودول الاستعمار القديم والحديث بقيادة اميركا والملكيات الدستورية والاستبدادية وغيرها.
ولكن الثورية والانقلابية في حاضرنا تلخبط مفهومهما وتبدلت معانيهما، فنرى الرئيس الاميركي اوباما يدعو في يوم واحد زعيم الطالبان الملاّ عمر الى مساندة الثورات العربية كما نسمع خليفة بن لادن أيمن الظواهري يقول كلاماً مشابهاً لاحاديث نتنياهو وساركوزي عن الربيع العربي واحداث سوريا... وتتشابه دعوات الشيخ السلفي يوسف القرضاوي مع تحريض اليساريين العرب والعلمانيين الاتراك.
اما عمليات القفز من خندق الى آخر فلم تعد شيئاً معيباً بعد ان تكالب مؤيدو حسني مبارك وأبدوا حماساً بتأييدهم الذين أطاحوا مبارك. وهذا التصرف ليس عربياً فقط بل عالمي لان الرئيس المصري كان يتمتع بتأييد الغرب بأسره الى جانب ممالك ومشيخات العرب، وكذلك حظي الرئيسان التونسي واليمني بالتأييد ذاته.
قال الاعلامي البريطاني البارز روبرت فيسك الخبير في الشؤون العربية ان معظم الدول العربية المحافظة والمتخلفة اجتماعياً تطالب بالحرية والديمقراطية للشعب السوري وترفض اعطاء شعبها اي نسمة حرية او كرامة. هذه الظاهرة ليست جديدة، انها ازدواجية عرفها العرب وغيرهم من الشعوب وقد عبر عنها الاديب الراحل سعيد تقي الدين قبل اكثر من ٠٦ عاماً في مقاله المثير والشهير »عندما تحاضر القحباء في العفاف«.
في الوقت الذي تكثر فيه المحاضرات عن العفاف وترتفع اصوات الظلاميين مؤيدة الثورات الشعبية، نسمع صوت العجوز الاميركي الصهيوني هنري كيسنجر يقول: »ان هدفنا هو احتلال ما لا يقل عن سبع دول عربية للسيطرة الكاملة على النفط حاضراً ومستقبلاً«. وعن المسألة السورية يقول كيسنجر: »نحن لا نريد حرباً على سوريا كما جرى في ليبيا بل نريد حرباً داخل سوريا لارهاقها وتدميرها«.
امام كل هذه المخاطر لا يقدر العرب ان يقولوا كلمة حق او يقدموا مشروع حل سوى تبني الإرادة الاميركية والاوروبية.. على سبيل المثال عقدت عشرات الاجتماعات العربية على أعلى المستويات دون ان يُقدَّم اقتراح واحد يدعو الى وقف لاطلاق نار ولو ليوم واحد رحمة بالسكان المدنيين او لاعطاء المتحاربين فرصة للتفكير والتقاط الانفاس ومحاولة وضع حد للقتل وسفك الدماء.
ان اختلاط الثورية بالثيرانية حالة جديدة لا خروج منها حتى ولو عدنا الى دراسة تاريخية عن رياضة ومصارعة الثيران في اسبانيا.
دعوا العرب يستنزفون أنفسهم... هذا هو لسان حال العرب، بعد ان دمر الاميركيون وحلفاؤهم العرب العراق وتركوه مقسماً مشرذماً مسلوب النفط، وبعد ان تحارب الفلسطينيون وتقاسموا تشرذمهم ومقاومتهم، وبعد ان سيطرت السلفية وحركات العصور الوسطى في تونس وليبيا ومصر وبلدان الخليج، والآتي أعظم.
ليس بامكان أي محلل او مراقب ان يبشر بأي قبس تفاؤلي... الآتي أعظم والذين تغنّوا في احاديثهم بالربيع العربي أرجعوه الى الشتاء القارس قبل ان يبلغ دورته ويلامس حرارة الصيف.
اخيراً، نعتذر من القارىء الذي عجزنا عن اسماعه كلمة تبشر بضوء قريب أو أي أمل آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق