حتي الحمــار ... تمردَ !/ أنطــونــي ولســن


سبق وكتبت مقالا يحمل نفس هذا العنوان بتاريخ 26 / 7 / 2000 عن حمار تسبب في تعطيل المرور لمدة ساعة ونصف في شارع السيد احمد المتفرع من زهراء عين شمس ، ويبدو أن الحيوان المطيع قرر أخيرا التمرد .. تنبه الناس على صياح عربجي يصرخ بأعلى صوته ويأمر الحمار بأن يستمر في جر عربة محملة بالخضروات . الحمار رفض التنفيذ ! .. فما كان من العربجي إلا أن إنهال عليه ضربا حتى سالت الدماء من جسده ... تدخل الناس والشرطة وتم أخذ تعهد من العربجي بعدم ضربه للحمار .. وكان يشاهد صاحبه كل يوم وهو يعامل الحمار معاملة طيبة ، ويدلله أثناء مروره من شارع السيد أحمد !.

و أنقل لكم أيضا هذا الجزء من المقال :

كوننا نسمع بتمرد حمار.. هذه وحدها معجزة .. لأننا نحاول أن نجعل صاحب الحمار .. هذا المصري الذي صاحب الحمار طوال عصور القهر والظلم والإذلال حتى الآن .. أقول نحاول أن نطلب منه ولو مرة واحدة أن يتمرد ويعلن تمرده كما أعلنه حماره ويتحمل العذاب والضرب والجوع ، ويرفض الطاعة العمياء لكل من نصَب نفسه سيدا عليه . لكنه غير قادر . إذا أهانوه وأذلَوه ونزلوا عليه ضربا وتنكيلا وحصولا على مكافأت على ما يفعلون .. أيضا لا يتمرد .. إذا قتلوه وحرموه من حقه في الوجود والحياة .. أيضا لا يتمرد .. لأنه يخاف أن يقولوا عنه أنه متمرد فيغضب منه وعليه الحاكم وغيره من المهيمنين على حياته...

" هذا المقال وغيره تضمنه كتاب المغترب الجزء الرابع الذي أصدرته في العام 2002 م . " .

العالم يتطور ويتغير إلى الأحسن ، ونحن في مصر نتقهقر إلى الخلف ونٌحي من جديد عهود الظلام والتخلف والرجعية كما كانت أيضا مرتدية عباءة الدين دون التمييز بين قداسة الدين ونجاسة السياسة .

ظننا أن مصر سوف تعبر مرحلة القهر والظلم والتفرقة بين أبنائها عندما خرجت جموع الشعب في 25 يناير 2011 مطالبة برحيل طاغية . فإذ بمصر تزيح طاغية سياسي وتضع بدلا منه رجالات دين أكثر منه طغيانا وظلما وقهرا وبطشا لكل من يخالفهم إن كان في الدين أو المذهب أو الملة فانتكست مصر وعادت إلى عصور الإضطهادات العلنية وأصبح من لا يتبعهم فهو ضدهم ويجب إما طرده من دياره بعد نهبها وحرقها ، أو قتله وتشريد أسرته . من يفتح فمه بكلمة حق توجه إليه تهم ما أكثرها منها إزدراء الأديان والتي أصبحت لعبة بعض المحامين الباحثين عن الشهرة مستخدمين ما يسمى بالحسبة حقا لهم لرفع دعاوى ضد من يريدون ولا فارق عندهم لا دين ولا مذهب من يريدون البطش به .

القضاء المصري المنزه منذ زمن الفراعنة . نجده قد تدنس وإبتعد عن الحق والعدل إلى أداة يستخدمها كل ظالم للتنكيل بمن يريدون التنكيل به أو بها .

أصبحت مصر بعد عام مضي على أمل إنطفأت شمعته عبارة عن غابة من الوحوش الآدمية وهي أشد فتكا من الوحوش الحيوانية المفترسة ، فعاثت في الأرض تهدد وتقتل وتسرق وتحرق وتنهب وتفرض أتوات كجزية من كل من هو لا يتبعهم لا في الدين أو الملة أو العقيدة .

من يصدق أن قسا أتهم بعدم حصوله على إذن لبناء جزء من كنيسته أن يحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات وألاف المباني في جميع أنحاء مصر لم يحصل أصحابها على التصاريح المفروضة والمطلوبة من الجهات المختصة والمعروفين بالإسم دون أن يمسسهم أحد !!.

يتهم المسيحيون في مصر بما يطلقون عليه بالفتنة الطائفية ويرهبونهم ويلصقون لهم التهم الباطلة ويدعون عليهم أنهم " المسيحيون " يريدون لبننة مصر ، أي تحويل مصر إلى لبنان وأحداث لبنان الدامية .

كم شعرت " بالقرف " عنما شاهدت ذلك اللقاء الذي أجراه مذيع بقناة " الحقيقة " مع بعض من المسيحيين للحوار في فكرة إنشاء حزب مسيحي .تمسك مقدم البرنامج على أن إيجاد أو تكوين أحزابا دينية يرسخ الطائفية في مصر . طيب ما فيه أحزاب إسلامية حتى لو كانت تحمل أسماءً لا تدل على أنها مسلمة لكنها تضيف " ذات مرجعية دينية " ، ومعروف أي فئة من المسلمين ينتمي كل منها .

في عهد مبارك لم توجد أحزابا دينية ولا في عهد سابقيه . الإخوان كان يطلق عليهم " المحظورة " وهم أقوى وأكبر فصيل إسلامي الأن ليس في مصر فقط ، بل في العالم كله .. أعني هذا تماما .. في العالم كله .

والأن أصبح لهم ولغيرهم أحزابا وقد تم الموافقة عليها من قبل الحاكم الجديد " المجلس الأعلى للقوات المسلحة " المستمر في تنفيذ سياسة من سبقه وإستخدام مقولة " فرق تسد " حتى يستمر حاكما بإرضائه للجماعات على حساب بقية المصريين . فما الذي تغير لصالح الشعب المصري في الإجمال ؟؟!! . لا شيء !! .

تعجبت من مقدم البرنامج الذي أراد أن يناقش أمر تكوين أحزاب مسيحية وخاصة أنه يوجد على الساحة الأن طرح أسماء حزبين " جماعة الإخوان المسيحيين " و حزب " الأقباط الأحرار " والغريب أنه دعى مع سبق الإصرار والترصد مسيحيا معروف عنه أنه مسيحي إسما ولم يحدث في تاريخه أنه طلب شيئا للمسيحيين مفضلا نفسه عليهم .

أقول إنه من الغريب أن يحدث هذا وهو لا له في الطور ولا في الطحين ولكن فقط ليظهر مقدم البرنامج أن هناك من يعارض في إقامة أحزابا مسيحية . وهذا العمل لا يمت إلى العمل الإعلامي النظيف بأي صلة ، لأنه لم يتناول الموضوع بجدية وبحرفية الإعلامي المحايد . بل كان مساعدا على " التشويش " وإشاعة الفوضى بين المجتمعين الذين أعيب على ثلاثتهم عدم إلقاء الميكروفونات في وجه مقدم البرنامج وترك المكان معلنين سخطهم وعدم رضاهم لوجود شخص لا يمت لهم لا من قريب ولا من بعيد . الطيبة والأخلاق الحميدة لا مكان لهما في مثل هذه المواقف . من لا يحترمني ، لا أحترمه وخاصة أن ثلاثتهم من كبار رجال الأعلام المصريين المسيحيين في مصر .

أهمس في أذن الدكتور ميشيل فهمي الذي أكن له كل إحترام هو والأستاذ عزت بولس الذي أيضا أكن له كل إحترام أن إختيار إسم الحزب من أساسه خطأ . وقد صوت بلا عند الإستفتاء عليه على موقع " الأقباط متحدون " .

نعم نحن في إحتياج لمن يحرك مطالبنا .. لكن ليس بالتقليد الأعمى وغير المثمرفحاشى لنا أن نكون " جماعة ، وإخوان ، ونضيف عليهم كلمة مسيحيين " .

إختيار إسم " الأقباط متحدون " أكثر قبولا مثله مثل إختيار " الأقباط الأحرار " لثبيت معنى كلمة أقباط أي مصريين ، ويكون الحزب لكل المصريين وليس لفئة دون غيرها . الظلم واقع على كل المصريين بجميع فئاتهم وطوائفهم وإنتماءاتهم . فيجب أن نفكر إذا أردنا تكوين أحزاب أن تشمل الجميع . لأنني أؤمن كما أن للمسيحي مشكلة ، وللمسلم والبهائي والنوبي والبدوي مشكلة ومشكلات أيضا في مصر .

لقد خرج المسيحيون خارج أسوار الكنيسة وأصبح لهم صوت مسموع وقدموا التضحيات فلا يجب أن نعيدهم إلى التقوقع والإنعزالية مرة أخرى .إني أناشد كل مصري أن يلتحم بشقيقه المصري ويدرسان معا مطالبهما المشتركة وأن يكونا فاعلين متفاعلين مع كل ما يحدث على أرض مصرإن كان خيرا فيشجعونه ، وإن كان شرا فليقاومونه سويا . نحن في أشد الحاجة إلى تضامن قوى الشعب المصري ضد " ثعالب الظلام " التي تظهر لك بشكل وتضمر لك شيئا أخر . وأختم بسطور قليلة من المقال الذي أحذت عنوانه ، عنوانا لمقالي هذا ونقلت لكم بعضا منه :

حتى الحمار الذي يصفونه ببلادة الحس والغباء .. تمردَ!.

ويبقى سؤال حائر لا إجابة له ... متى يتمرد صاحب الحمار في مصر والدول العربية على الظلم والإضطهاد وحالة الفقر والجهل والمرض التي يعيشها صاحب الحمار في هذه الدول ؟!.... متى يتمرد ؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق