واقع هو أن العرب الفلسطينيين في ال-48 كما بقيّة العرب، ينقسمون في الموقف من الأوضاع في سوريّة، والحديث يدور ليس عن أبناء المؤسسة الإسرائيليّة وما زالوا لشديد الأسف كُثرا بين ظهرانينا سرّا وعلانيّة، وليس عن أبناء حكّام الخليج بالتبنّي الدولاريّ وإن كانوا يتزيّنون بالفكر القوميّ ظاهرا، ولا عن أبناء أيمن الظواهريّ وإن كانوا يتزيّنون بالإسلام والإسلام منهم براء.
الحديث يدور عن أبناء البيت الوطنيّ حقّا قوميين أو إسلاميّين أو أمميّين والذي يصعب عليك ومع اختلاف المواقف والرؤى أن تتهمهم بالارتهان لأعداء الأمة تماما كما لا تستطيع أن تتهم المعارضة السوريّة الوطنيّة بذلك. بين هؤلاء تيّار واسع يقف بغالبيّته ضدّ النظام السوريّ عقائديّا، وبين هؤلاء أجزاء تيّارات ولكن ضيّقة تقف ضدّ النظام السوريّ ليس عقائديّا وإنما تحت شعارات الحريّة والديموقراطيّة، وهنا وهناك أفراد خارج التيّارات ارتأوا أن يصنفوا أنفسهم مثقّفين يقفون ضدّ النظام ومنطلقهم المعلن قيمة الحقوق الإنسانية وتقدّمها على كلّ ما عداها ومهما كانت هذه ال"ما-عداها".
هؤلاء كلّهم يقفون كذلك عمليّا ضد قاعدة النظام الشعبيّة الواسعة وادعاؤهم أنها قاعدة مسلوبة الإرادة لا تمثّل الشعب السوريّ وتملأ الساحات رعبا وخوفا، ويختزلون الشعب السوريّ بالداعمين منه للمعارضة على أشكالها وألوانها ليصير هؤلاء ليس فقط هم الشعب السوريّ وإنما نُخبتة الحاملة التنور والتقدم والحريّة والديموقراطيّة، وما تبقى هم رعاع أو أكثريّة صامتة في أحسن الأحوال.
في مقابل كلّ هؤلاء هنالك قطاعات واسعة تدعم سوريّة الإصلاح سوريّة الموقف وسوريّة الموقع وبقرار سوريّ داخليّ قياديّ وشعبي، وفي استطلاع أجرته إحدى الصحف الأسبوعيّة العربيّة مؤخرا تبيّن أن هذه القطاعات تمثّل %41 من المستطلَعين، في حين أن البقيّة مجتمعة ومع من لا موقف لهم تتقاسم ال%59 من المستطلَعين، وهذا معطى واضح على أنّ الأكثريّة بين فلسطينيي البقاء مع الموقف الداعم لسوريّة بقيادتها وأكثريّة شعبها في مسيرة الإصلاح، فاجأنا حتى نحن دعاة هذا الموقف.
السؤال الأساس موضوع النقاش الذي يجب أن يُطرح بين وطنيّي ال-48 الحقيقيّين حتى لو كان مجرّدا عن فلسطينيّتهم وقضيتهم، هو: هل فعلا نستطيع أن نختزل القضيّة السوريّة في حقوق إنسان في الحريّة والديموقراطيّة ولقمة العيش الكريمة هكذا منعزلة عن كلّ ما نعرف وكل ما نرى ونسمع وعلى رؤوس الأشهاد؟!
تُشتقّ من هذا السؤال أسئلة ثانويّة لا حصر ولا عدّ لها ولكن يبقى هذا السؤال هو الأساس، ولا أنوي في محاولتي نقاشه مع هؤلاء التقليل من أهميّة الحقّ الإنساني للمواطن السوريّ في الحريّة والديموقراطيّة ولقمة العيش الكريمة، وأتوخى من هؤلاء أن لا يتهمونا بأننا ضد هذه المُثل، فليسوا هم ومع كل الاحترام، أحرس منّا ولا من قطاعات واسعة من القيادات السوريّة في الجبهة الوطنيّة التقدّمية ولا من قيادات عربيّة أخرى ولا من مثقفين سوريّين وعرب وغيرهم، على هذه المُثل وهذه القيم.
ومن هذا المنطلق يشرئب السؤال كيف الوصول إلى ذلك؟!
أو بكلمات أخرى ما هي البدائل المتاحة أمام سوريّة وبغض النظر عن المؤامرة والاستهداف والأطماع والممانعة والمقاومة وديموقراطيّة حكّام العرب تابعي الغرب طالبي رأس النظام السوريّ والمد الأصوليّ السلفيّ و"الإمبريا- صهيونيّة" الجديدة وتقاطع المصالح فيما بينها ؟!
كان من الممكن أن تختلط الأوراق على المتابع العادي وفوق العادي في بداية الأحداث على ضوء المدّ الشعبيّ العربيّ، ولكن هل من الممكن بعدُ أن تختلط هذه الأوراق ورغم الفارق الشاسع بين حكام دول سارت ممسكة في ركاب الغرب وبين أخرى مانعت على الأقل مشاريع الغرب، على ضوء ما نرى من نتائج في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين؟!
إحدى هذه البدائل هي التي كانت ماثلة أمامنا في سوريّة وقبل أن تحسم سوريّة بشعبها وجيشها وقيادتها الموقف ولنفرض جدلا أن الأمر لم يُحسم، ومقابلها مسيرة إصلاح سياسي انطلقت منذ المؤتمر العاشر لحزب البعث في العام 2005 ورغم الصحّة في الادعاء أنها تأخرت أو حتّى لم تكن جديّة جدلا، لكنها تبقى البديل الأمثل والأسلم والأفضل لسوريّة وشعبها ولأمتنا جمعاء. الأخوة في الخندق الآخر لا يثقون بذلك وهذا على الأقل ادعاؤهم مع بعض الاختلاف ليصير كل بديل في نظرهم ومهما كان وهم لا ينكرون سوء البدائل، أفضل من القائم والمسؤوليّة هي على النظام!
إذا كان لا يقلقهم التقاء رؤاهم مع فعل المعسكر الخليط الغريب العجيب وفي مقدمته الصهيونيّة الذي يشنّ العدوان على سوريّة الموقف والموقع، ولا تقلقهم إسقاطات هذا العدوان السافر على سوريّة وعلى قضيّتنا الأساس القضيّة الفلسطينيّة، ولا على مجمل قضايا الأمة أمام الحق في الحريّة كما يقولون، فهل فعلا هذه البدائل الماثلة للعيان ستحقق لهم رؤيتهم؟!
وهل لا تتحقق الحريّة والديموقراطيّة واللقمة الكريمة في سوريّة إلا بذهاب الأسد ونظامه في لغتهم، لاستحالة إصلاحه كما يحلو لهم القول؟!
ودون أن أطيل فعلا ومع كل الاحترام لقول الإمام الشافعي " رأيك صواب يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب" ،لا أستطيع أن أفهم وربّما لخلل في فهمي أو قصور في ثقافتي، من أين لهؤلاء الأخوة الثقة أن البدائل المرئيّة والتي لا ينكرونها في اجتهاداتهم، ستتحقق للشعب السوريّ حقّه الإنساني في الحريّة والديموقراطيّة واللقمة الكريمة والأمن والأمان وأضمن من مسيرة الإصلاح، وبغض النظر عن كلّ ما عدا ذلك عن حملة بيرقها بدء بالظواهري مرورا بالحمدين وعبدالله ونتانياهو وأردوغان وعبد الجليل وساركوزي وانتهاء بأوباما؟!
حقّ الإنسان السوريّ والعربيّ عامة في الحريّة حقّ مقدّس وهُضم طويلا، ولكن هذا الحقّ لا يمكن أن يصير حقّا ويُصان إن لم يُمهر بالممانعة والمقاومة لكل أعدائه، وغير مطلوب من الإنسان الجهد الكبير لمعرفة العدو، وإن صعُب الأمر أو التبس فلك في فلسطين والبحرين المعلم !
الحركة الوطنيّة للتواصل والقاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق