رحيل رجل القبضة الحديدية العادلة زكريا محي الدين/ أنطوني ولسن


رحل عن عالم الفناء إلى عالم البقاء السيد زكريا محي الدين رجل القبضة الحديدية العادلة عن عمر يناهز الـ 94 عام بعد أن خدم مصر بأمانة وإخلاص . نطلب له الرحمة ولآله ومحبيه الصبر والسلوان .

يبقى تساؤل لماذا أنعية ولم أكن لا جنديا في الجيش المصري " لم يصبني الدور " ، ولا رئيسا أو مديرا لأي إدارة في وزارة الداخلية  ، لكن كنت موظفا مدنيا عندما تم إنشاء قسم البطاقات الشخصية والذي كان تابعا لمصلحة تحقيق الشخصية في عام 1955 .
بعد أن بدأ العمل خارج القاهرة في " المدريات / المحافظات بعد ذلك " إنتقل أحد الزملاء للعمل في أحد هذه المراكز خارج القاهرة بعد أن تم تدريبه بالقسم نفسه " قسم البطاقات الشخصية " وكان إسمه حلمي يونان . طبعا في ذلك الوقت والزمن لم يكن هناك هذا التميز بين الناس الذي نعيشه في مصر منذ عهد السادات وإلى اليوم مع الأسف .

بعد فترة وصلنا خبر وفاته على اثر حادث وقع له وهو متجه إلى عمله فوق دراجتة  بسيارة كانت مسرعة ولم يستطع السائق تفادي الحادث .

فوجئت برئيس قسم البطاقات " ضابط شرطة " يستدعيني إلى مكتبه ويخبرني بالحادث ويطلب من الذهاب إلى الوزارة لمقابلة وزير الداخلية السيد زكريا محي الدين / رحمه الله .

وصلت إلى الوزارة وقدمت نفسي لسكرتير معالي الوزير الذي طلب مني الجلوس وذهب لإخبار معاليه بوصولي .

مضت فترة قصيرة وسمح لي بالدخول إلى مكتبه وما أن رآني وقف مادا يده مصافحا ومعزيا لوفاة الزميل " كما وصفه " حلمي يونان على اثر الحادث الأليم ثم طلب مني الجلوس .

كان أمامه فوق المكتب ظرف أخذه وفتحه وأخرج من داخله شيكا ماليا بأسم والدة المرحوم والمتوفي زوجها ولا معين لها غير إبنها الذي فقدته أيضا .

نهض سيادته ومد يده بالظرف والشيك ليسلمهما لي . بعد أن أخذت الشيك والظرف طلب مني إبلاغ السيدة والدة المرحوم بتعزية سيادته شخصيا وجميع الزملاء بالوزارة ، وأيضا أن تكاليف "الدفنة" ستكون على حساب الوزارة . كذلك سيصرف لها معاشا شهريا طوال حياتها .

شكرته على إهتمامه الشديد . مد يده مصافحا .. وعدت إلى عملي  وسمح لي مع زميل أخر مسلم للذهاب إلى السيدة والدة المرحوم لتعزيتها وتقديم تعازي سيادة الوزير ومدير قسم البطاقات والزملاء .

مرت الأيام والسنون ونقلت إلى قنا كرئيس لمكتب بطاقات قنا بعد وعد من المدير العام الذي أقسم بشرفه أنني سأعود بعد 3 أشهر ، لكن يبو أنه كان ضعيفا في الحساب فقد إمتدت الفترة إلى مايقرب الـ 4 سنوات . وكان من الطبيعي فصلي من مدرسة الخدمة الأجتماعية التي فضلتها على دراستي للحقوق بجامعة القاهرة . فأصابني الأحباط وسلمت أمري إلى الله وتزوجت وأنجبت زوجتي إبنة جميلة ، ثم ولدا إفتكره الله صغيرا جدا ( 10 ) أشهر  . بعد ذلك رزقنا الله بولد آخر ويوم مولده دخلت أطمئن على الأم والمولود فوجدتها تدمع . سألتها ماذا حدث لا سمح الله ؟ فجاءت إجابتها مفاجئة لي . طلبت مني أن أكمل دراستي الجامعية مثل شقيقها زميل الدراسة الثانوية من أول أولى ثانوي حتى السنه الخامسة الثانوي نهاية المرحلة الثانوية . نظرت إليها ، ثم نظرت إلى المولود وأقسمت لها بالمولد أنني سأبدأ الدراسة من الليلة لأحصل على الثانوية العامة أدبي نظام 3 سنوات في عام واحد . كان ذلك في بداية شهر يناير من عام 1964 . وبالفعل نجحت وتقدمت لمدير المصلحة " مصلحة الأحوال المدنية " بطلب للسماح بي الألتحاق بالجامعة ولكنه أصر على أن أعمل في مكان لا توجد به دراسة جامعية .

تذكرت زميلي عباس الذي دربته عند التحاقه بالعمل بعد أن تخرج من كلية الحقوق ، والذي نقل بعد ذلك إلى محافظة أسوان كسكرتير للمفتش هناك وكنت التقيت به أكثر من مرة آخرها كان عند ذهابي مع مجموعة لتهجير أهل النوبة قبل الأنتهاء من بتاء السد العالي . تذكرت أنه الأن في مركز سنورس أمينا للسجل المدني هناك .

سافرت والتقيته وفوجيء بطلبي بإجراء بدل معه فوافق في التو واللحظة . وتم في اليوم التالي الموافقة فذهبت إلى سنورس وهو جاء إلى المصلحة . والغريب أنه تم إلحاقي بكلية آداب جامعة الأسكندرية ولكم أن تتعجبوا . بيتي وزوجتي وأولادي بالقاهرة ، وأنا أعمل بسنورس ، والجامعة بالأسكندرية .
لم أحتمل بعد مرور عام ومولد إبنة لنا وسرقت شقتنا أثناء وجود زوجتي والأولاد في منزل والدها . وذات ليلة قررت أن أكتب تظلما . وكتبته بالفعل . ثم قررت أيضا أن أتوجه ثاني يوم إلى وزارة الداخلية وأقابل معالي وزير الداخلية السيد زكريا محي الدين . وبالفعل قبل السفر توجهت إلى الوزارة قبل سفري إلى سنورس " كان يوم سبت " . وذهبت إلى سكرتير الوزير . قدمت له الطلب أو التظلم . قرأه ثم أخبرني أنه سيقدمه لمعالي الوزير . فوجيء بي أستأذنه برغبتي برؤية معاليه شخصيا . نظر إلى نظرة غريبة وكاد أن يصفني بالجنون لطلبي هذا . معالي الوزير ليس لديه وقت للقاءك . لم أتحرك وتوجهت إلى المقعد وجلست وقلت له لن أغادر هذا المكان قبل أن أراه لثانية واحدة . نظر إلي مستغربا ومع ذلك توجه إلى مكتب معاليه وبعدها بدقائق معدودة طلب مني مقابلة معاليه نظر ألي المرحوم السيد زكريا محي الدين ثم بدأ في قراءة التظلم . بعد الأنتهاء من قراءته رفع راسه وطلب مني العودة إلى عملي .لم يستغرق اللقاء أكثر من 5 دقائق . وكان ذلك كما سبق وأوضحت يوم سبت .
في يوم الثلاثاء جاءت إشارة من الوزارة بتسليم المكتب والعودة إلى القاهرة " مصلحة الأحوال المدنية بالعباسية ونفس العمل الذي كنت أقوم به " ، وبقيت في مكاني وحصلت على ليسانس آداب قسم التاريخ وتم إعادة تعيني بالجوازات والجنسية ، رفضت التعين وطلبت إستمراري بالعمل إلى أن إستقلت في يوليو عام 1971 لسفري إلى أستراليا .
قد أكون قد أطلت عليكم في شيء لا  شأن لكم به . لكن على الأقل لا أستطيع إنكار رجل مثله ووقوفه مع المصريين دون النظر إلى دينهم أو مركزهم الوظيفي وهو عسكري مشهود له بالصلابة والقوة .
رحم الله رجل القبضة الحديدية العادلة المواطن المصري الذي خدم مصر بكل أمانة
الراحل زكريا محي الدين
نطلب له الرحمة ولأله ومحبيه الصبر والسلوان
سدني في 19 / 5 / 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق