كاهن كنيسة المشرق الاشورية/سيدني
لا أعلم لماذا تستهويني الموسيقى ولاسيّما بعض الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الموسيقار الإيطالي Giovani Marradi وألحان عازف الكمان المُبدع العراقي حازم فارس وبالتحديد معزوفته الخالدة (ألم وأمل)، إنها موسيقى تُحفزني على أمتشاق قلمي بالرغم من أنني قد قطعت العهد على نفسي ألا أعود إلى الكتابة إلى اشعارٍ أخر، ولكن موسيقى (ألم وأمل) تولد لدي الدافع لتدوين خلجات ذاتي.....
(ثنائيات حياة) عنوان قصّة حياتنا؛ ألا تتفقون معي أن قلت: حياتنا مليئة بالتناقضات والثنائيات والمفارقات!! نعم، حياتنا فيها الشروق والغروب، الخير والشر، الولادة والموت، الجديد والقديم، الإنفتاح والإنغلاق، الدمعة والإبتسامة، الحبّ والبغض، الفشل والنجاح، الغني والفقير، لقاء وفراق، الغدر والوفاء، الصدق والخداع، الوديان والجبال، المياة واليابسة، بل حتّى إنساننا عبارة عن حقيقة واحدة في وجهين مُختلفين مُتناقضين هما الذكر والأنثى!
ولكن ليس من قبيل المغالاة أن قلت: إنَّ هذه الثنائيات- التناقضات، نابعة من ملءِ تكويننا الإنساني كناس- بشر- من لحم ودم، وهي التي تدفعنا للتأمّل في أسرار الحياة وطرح تساؤلات وجودية عن معنى الحياة وسرّ الإنسان ووجوده.
ولعل من المفيد الإستشهاد هنا بما كتبه الأديب العربي- اللبناني الخالد جبران خليل جبران (ت1931) حينما وصف الحياة على إنها دمعة وإبتسامة، إذ قال: " أتمنى أن تبقى حياتي دمعة وإبتسامة، دمعة تُطهر قلبي وتُفهمني أسرار الحياة.... وإبتسامة اشارك فيها مُنسحقي القلوب".
غالبًا ما تستوقفني كلمات جبران هذه، وكأن في حياة الإنسان مفهومين مُتناقضين يتصارعان ويتجاذبان وهما (الدمعة والإبتسامة)، وفي هذا التناقض يكمن المعنى في حياة الإنسان!
ولو تفحصنا مُعظم الأعمال الأدبية وتعمقنا بها سنجد أنها تحمل بين طياتها مُفارقات وتناقضات لا حصر لها، لكن هذه التناقضات هي التي تشدنا وتجتذبنا وتستهوينا وتجعل للعمل الأدبي قيمة أدبية وإنسانية!
ويطيب لي أن أروي لكم قصّة حياة، علنا نجني منها حكمًا من حياة الممثل الكوميدي شارلي تشابلن الذي طالما أضحك الناس ورسم البسمة على وجوههم، لكنه كان يعيش حياة لم تخلُ تفاصيلها من المشقات والاحزان!
شارلي تشابلن مُمثل كوميدي إنكليزي ومخرج أفلام صامتة. كان أشهر نجوم الأفلام في العالم قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. ولد في 16 أبريل 1889 وأنتقل لدار البقاء في 25 ديسمبر 1977. كان يستعمل تشابلن الإيماء، التهريج والكوميديا المرئية، وقد استمر بالنجاح حتّى في عصر السينما الناطقة، بالرغم من تراجع عدد أفلامه سنويًا منذ نهاية عشرينات القرن العشرين. ومن أشهر أدواره هو الصعلوك.
من يقرأ مُذكرات الفنان الكبير الساخر شارلي تشابلن سيعرف أنه وهو في قمة مجده وتألقه، أستغرق عامًا في كتابة وتمثيل وإخراج فيلم كوميدي جديد... وبعد أن أنتهى من عمل المونتاج له، وشاهده بمفرده في صالة العرض؛ إنتابته نوبة إكتئاب قاتلة، واحس بانه قد انتهى كفنان، ولم يعد لديه ما يقدمه كفنان.. فالفيلم سخيف بكل معنى الكلمة، وليس فيه لمسة بهجة وفكاهة ومعنى، وقرر إلقاءه في صندوق القمامة، مُضحيًا بكل ما تكلفه لإنتاجه، وعاش أيامًا كئيبة لا يستمتع فيها بشيء.
مرت الأيام ليشفق عليه صديقه النجم دوكلاس فيربانكس محاولاً انقاذه من معاناته؛ فطلب منه مُشاهدة الفيلم، واعدًا إياه بأن لا يخفي عنه الحقيقة، إذا كان الفيلم فعلاً لا يستحق المُشاهدة ولا يليق باسمه. وجاء مع صديق له، وجلس بجوار تشابلن في قاعة العرض الخاصة، وبدء عرض الفيلم، فلم تمضِ دقائق حتّى إستغرق دوكلاس وصديقه في ضحك متواصل بلا إنقطاع.... وإنتهى العرض، وأضيئت الصالة، فرآه تشابلن يجفف دموع الضحك، فنظر إليه حائرًا وسأله: أتظنه حقًا مُضحكًا إلى هذا الحد؟! فلم يجبه دوكلاس بشيء، وإنّما قال لصديقه: ما رأيك في هذا الرجل الذي كان يُريد إلقاء هذا الفيلم في القمامة؟! ثم انصرف مُصطحبًا صديقه دون أنْ يتفوه بكلمة! وعُرض الفيلم، فإذا به يُحقق نجاحًا ساحقًا وإيرادات وشهرة لم يحققها فيلم لتشابلن من قبل!
لماذا نحن كبشر تعودنا على دهس الأزهار الطبيعية الجميلة لنشم رائحة العفونة من على سطح الأزهار الصناعية! وكبشر غالبًا ما لا نشعر بقيمة الأشياء والأشخاص ألا حين نفقدهم ونخسرهم؟!!
يقول المفكر والفيلسوف الأسباني المُعاصر أونامونو:"إننا لا نحيا إلاّ على مُتناقضات، ومن أجل مُتناقضات، فالحياة صراع Conflict ، بل إنها مُجرد تناقض".
نعم الحياة مُجرد تناقض، نولد لنموت، تشرق الشمس لتغرب من جديد، نفرح ونحزن، نجوع ونشبع، نلتقي لنفترق.... سعادتنا اليوم لا تدوم طويلا وسرعان ما تصبح ماضٍ مؤلم..... ويبقى السؤال الذي يقض مضجعي دومًا: لماذا الإنسان والحزن سائران صحابا في دروب الحياة؟! ولماذا يصبح (فلان) كلّ شيء في حياتنا لوقت ما؟ وسرعان ما يصبح ذكرى ومحطة من المحطات التي مرّ بها قطار حياتنا؟! ولماذا يصبح من كان بالامس كل شيء في حياتنا لا شيء في حياتنا اليوم؟!! سؤال صعب والإجابة عليه أصعب. إنه سرّ الوجود، ولعل فيه يكمن سرّ معنى حياة الإنسان؟
في الآونة الأخيرة كنتُ قد قطعت العهد على نفسي أن لا أتمنى، لأنني لم أحصد من التمني سوى التمني! ولكن كم تمنيت اليوم أن ادرك لماذا ونحن غارقين في بحر أمالنا واحلامنا وتطلعاتنا هناك ألم وحزن يفسدان علينا متعة التمني، ولماذا وسط الألم والحزن هناك في الأعماق أمل يبشر بغدٍ مشرق؟!! وكأن حياة الكثير منّا هي اشبه بحياة الشاعر الإلماني غوته صاحب الرواية الشهيرة(رواية فاوست) حينما وصف حياته قائلاً:"إنَّ حياتي كانت كلها دفعًا لحجر ينبغي عليَّ أن أدفعه إلى أعلى التل، وكلما بلغت القمة سقط الحجر إلى السفح وعدت لمحاولة دفعه إلى القمة من جديد".
أختم هذه الكلمة، التأمل، بقناعة ترسخت في الأعماق ومفادها:
الحياة مجرد تناقض! ولكن صدقوني بعد خبرة سنين ليست بالطويلة أدركت إن في هذه التناقضات يكمن سرّ الحياة ومغزاها، فلولا الموت لما عرفنا قيمة الحياة، ولولا الحزن لما تقنا للفرح، ولولا تعب النهار وزحمته لما بحثنا عن هدوء الليل.
أتعلمون أن في عمق آمالنا وألامنا هناك الرجاء، والرجاء يجعلنا نبتسم ونرجو ونثق في الرب. الرجاء يجعلنا نصمت، نتأمل، نحلم، نسمو، نفرح، نعيش اللحظة الحاضرة بأمل متطلعين إلى غدٍ مُشرق.
لذا أقول هنيئًا بل طوبى لك أيها الإنسان إذا قبلت بهذه المُتناقضات والمفارقات، لأنها تحمل لك في طياتها مفاجأت وأسرار تجعلك في بحث مستمر عن مغزى الحياة.
وتبقى الحياة وفق تصوري الشخصي مجرد تناقضات، وتبقى احلامنا ومشاريعنا فيها عبارة عن دوامة (جدلية) كما يقول الفيلسوف الالماني هيكل. إذ احلامنا تدور وتتلاطم بين دوامة الشروق والغروب، والغروب والشروق. إنها مفارقة ولكن هذا ما خرجت به من عِبّر حصيلة تجارب حياة ليست بالطويلة.
(ثنائيات حياة) عنوان قصّة حياتنا؛ ألا تتفقون معي أن قلت: حياتنا مليئة بالتناقضات والثنائيات والمفارقات!! نعم، حياتنا فيها الشروق والغروب، الخير والشر، الولادة والموت، الجديد والقديم، الإنفتاح والإنغلاق، الدمعة والإبتسامة، الحبّ والبغض، الفشل والنجاح، الغني والفقير، لقاء وفراق، الغدر والوفاء، الصدق والخداع، الوديان والجبال، المياة واليابسة، بل حتّى إنساننا عبارة عن حقيقة واحدة في وجهين مُختلفين مُتناقضين هما الذكر والأنثى!
ولكن ليس من قبيل المغالاة أن قلت: إنَّ هذه الثنائيات- التناقضات، نابعة من ملءِ تكويننا الإنساني كناس- بشر- من لحم ودم، وهي التي تدفعنا للتأمّل في أسرار الحياة وطرح تساؤلات وجودية عن معنى الحياة وسرّ الإنسان ووجوده.
ولعل من المفيد الإستشهاد هنا بما كتبه الأديب العربي- اللبناني الخالد جبران خليل جبران (ت1931) حينما وصف الحياة على إنها دمعة وإبتسامة، إذ قال: " أتمنى أن تبقى حياتي دمعة وإبتسامة، دمعة تُطهر قلبي وتُفهمني أسرار الحياة.... وإبتسامة اشارك فيها مُنسحقي القلوب".
غالبًا ما تستوقفني كلمات جبران هذه، وكأن في حياة الإنسان مفهومين مُتناقضين يتصارعان ويتجاذبان وهما (الدمعة والإبتسامة)، وفي هذا التناقض يكمن المعنى في حياة الإنسان!
ولو تفحصنا مُعظم الأعمال الأدبية وتعمقنا بها سنجد أنها تحمل بين طياتها مُفارقات وتناقضات لا حصر لها، لكن هذه التناقضات هي التي تشدنا وتجتذبنا وتستهوينا وتجعل للعمل الأدبي قيمة أدبية وإنسانية!
ويطيب لي أن أروي لكم قصّة حياة، علنا نجني منها حكمًا من حياة الممثل الكوميدي شارلي تشابلن الذي طالما أضحك الناس ورسم البسمة على وجوههم، لكنه كان يعيش حياة لم تخلُ تفاصيلها من المشقات والاحزان!
شارلي تشابلن مُمثل كوميدي إنكليزي ومخرج أفلام صامتة. كان أشهر نجوم الأفلام في العالم قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. ولد في 16 أبريل 1889 وأنتقل لدار البقاء في 25 ديسمبر 1977. كان يستعمل تشابلن الإيماء، التهريج والكوميديا المرئية، وقد استمر بالنجاح حتّى في عصر السينما الناطقة، بالرغم من تراجع عدد أفلامه سنويًا منذ نهاية عشرينات القرن العشرين. ومن أشهر أدواره هو الصعلوك.
من يقرأ مُذكرات الفنان الكبير الساخر شارلي تشابلن سيعرف أنه وهو في قمة مجده وتألقه، أستغرق عامًا في كتابة وتمثيل وإخراج فيلم كوميدي جديد... وبعد أن أنتهى من عمل المونتاج له، وشاهده بمفرده في صالة العرض؛ إنتابته نوبة إكتئاب قاتلة، واحس بانه قد انتهى كفنان، ولم يعد لديه ما يقدمه كفنان.. فالفيلم سخيف بكل معنى الكلمة، وليس فيه لمسة بهجة وفكاهة ومعنى، وقرر إلقاءه في صندوق القمامة، مُضحيًا بكل ما تكلفه لإنتاجه، وعاش أيامًا كئيبة لا يستمتع فيها بشيء.
مرت الأيام ليشفق عليه صديقه النجم دوكلاس فيربانكس محاولاً انقاذه من معاناته؛ فطلب منه مُشاهدة الفيلم، واعدًا إياه بأن لا يخفي عنه الحقيقة، إذا كان الفيلم فعلاً لا يستحق المُشاهدة ولا يليق باسمه. وجاء مع صديق له، وجلس بجوار تشابلن في قاعة العرض الخاصة، وبدء عرض الفيلم، فلم تمضِ دقائق حتّى إستغرق دوكلاس وصديقه في ضحك متواصل بلا إنقطاع.... وإنتهى العرض، وأضيئت الصالة، فرآه تشابلن يجفف دموع الضحك، فنظر إليه حائرًا وسأله: أتظنه حقًا مُضحكًا إلى هذا الحد؟! فلم يجبه دوكلاس بشيء، وإنّما قال لصديقه: ما رأيك في هذا الرجل الذي كان يُريد إلقاء هذا الفيلم في القمامة؟! ثم انصرف مُصطحبًا صديقه دون أنْ يتفوه بكلمة! وعُرض الفيلم، فإذا به يُحقق نجاحًا ساحقًا وإيرادات وشهرة لم يحققها فيلم لتشابلن من قبل!
لماذا نحن كبشر تعودنا على دهس الأزهار الطبيعية الجميلة لنشم رائحة العفونة من على سطح الأزهار الصناعية! وكبشر غالبًا ما لا نشعر بقيمة الأشياء والأشخاص ألا حين نفقدهم ونخسرهم؟!!
يقول المفكر والفيلسوف الأسباني المُعاصر أونامونو:"إننا لا نحيا إلاّ على مُتناقضات، ومن أجل مُتناقضات، فالحياة صراع Conflict ، بل إنها مُجرد تناقض".
نعم الحياة مُجرد تناقض، نولد لنموت، تشرق الشمس لتغرب من جديد، نفرح ونحزن، نجوع ونشبع، نلتقي لنفترق.... سعادتنا اليوم لا تدوم طويلا وسرعان ما تصبح ماضٍ مؤلم..... ويبقى السؤال الذي يقض مضجعي دومًا: لماذا الإنسان والحزن سائران صحابا في دروب الحياة؟! ولماذا يصبح (فلان) كلّ شيء في حياتنا لوقت ما؟ وسرعان ما يصبح ذكرى ومحطة من المحطات التي مرّ بها قطار حياتنا؟! ولماذا يصبح من كان بالامس كل شيء في حياتنا لا شيء في حياتنا اليوم؟!! سؤال صعب والإجابة عليه أصعب. إنه سرّ الوجود، ولعل فيه يكمن سرّ معنى حياة الإنسان؟
في الآونة الأخيرة كنتُ قد قطعت العهد على نفسي أن لا أتمنى، لأنني لم أحصد من التمني سوى التمني! ولكن كم تمنيت اليوم أن ادرك لماذا ونحن غارقين في بحر أمالنا واحلامنا وتطلعاتنا هناك ألم وحزن يفسدان علينا متعة التمني، ولماذا وسط الألم والحزن هناك في الأعماق أمل يبشر بغدٍ مشرق؟!! وكأن حياة الكثير منّا هي اشبه بحياة الشاعر الإلماني غوته صاحب الرواية الشهيرة(رواية فاوست) حينما وصف حياته قائلاً:"إنَّ حياتي كانت كلها دفعًا لحجر ينبغي عليَّ أن أدفعه إلى أعلى التل، وكلما بلغت القمة سقط الحجر إلى السفح وعدت لمحاولة دفعه إلى القمة من جديد".
أختم هذه الكلمة، التأمل، بقناعة ترسخت في الأعماق ومفادها:
الحياة مجرد تناقض! ولكن صدقوني بعد خبرة سنين ليست بالطويلة أدركت إن في هذه التناقضات يكمن سرّ الحياة ومغزاها، فلولا الموت لما عرفنا قيمة الحياة، ولولا الحزن لما تقنا للفرح، ولولا تعب النهار وزحمته لما بحثنا عن هدوء الليل.
أتعلمون أن في عمق آمالنا وألامنا هناك الرجاء، والرجاء يجعلنا نبتسم ونرجو ونثق في الرب. الرجاء يجعلنا نصمت، نتأمل، نحلم، نسمو، نفرح، نعيش اللحظة الحاضرة بأمل متطلعين إلى غدٍ مُشرق.
لذا أقول هنيئًا بل طوبى لك أيها الإنسان إذا قبلت بهذه المُتناقضات والمفارقات، لأنها تحمل لك في طياتها مفاجأت وأسرار تجعلك في بحث مستمر عن مغزى الحياة.
وتبقى الحياة وفق تصوري الشخصي مجرد تناقضات، وتبقى احلامنا ومشاريعنا فيها عبارة عن دوامة (جدلية) كما يقول الفيلسوف الالماني هيكل. إذ احلامنا تدور وتتلاطم بين دوامة الشروق والغروب، والغروب والشروق. إنها مفارقة ولكن هذا ما خرجت به من عِبّر حصيلة تجارب حياة ليست بالطويلة.
مقالة جدا جدا رائعة كيف أستطيع ان احصل عَل نسخ منً كتب ابونا يوسف جزراوي
ردحذفشكرًا
مقالة جدا جدا رائعة كيف أستطيع ان احصل عَل نسخ منً كتب ابونا يوسف جزراوي
ردحذفشكرًا