هذا هو عنوان البحث الذي أصدره مؤخرا معهد "بيجن- السادات" للأبحاث الاستراتيجيّة أجراه رئيس المعهد البروفيسور إفراييم عنبار من جامعة بار إيلان، موضوع هذا البحث الذي يلخصّه العنوان يثير التساؤل أو السؤال: ما هذا التوقيت ولماذا؟!
هذا البحث والممتد على 30 صفحة يجتر الادعاءات الإسرائيليّة المعروفة حول هضبة الجولان والمشهور منها هي الادعاءات الدفاعيّة الاستر اتيجيّة، ولكن البحث أضاف أو أبرز البعد "الأخلاقي" مدعمّا إياه ب"حقائق تاريخيّة" وأخرى "شرعيّة دوليّة" ، فيقول:
"على إسرائيل أن تدعم بقاءها في هضبة الجولان اعتمادا على حدود قابلة للدفاع بدوافع تاريخيّة وقانونيّة وشرعيّة. فالعودة لحدود ال1967 غير مقبولة من الناحية الأخلاقيّة لأن معناها هو إنقاذ سوريّة من مسؤوليتها ومن تحميلها الثمن عن الإخلال الفظ بالشرعة الدوليّة حين هاجمت إسرائيل في ال67، ومن الناحية التاريخيّة فلإسرائيل حقوق تاريخيّة في هضبة الجولان تم الاعتراف بها في وثائق دوليّة في القرن العشرين ولذا فهي جزء من أرض إسرائيل، فعدا عن بضع سنوات امتدت من ال46 إلى ال67 كانت فيها تحت السلطة السوريّة، كانت الهضبة عمليّا لليهود وعلى إسرائيل أن تعيد لنفسها التفوّق الأخلاقي لتظهر أنها تدّعي على أرض من تراثها التاريخيّ وليس مجرد أرض احتلت بقوة الذراع.".
ويضيف في هذا السياق:
"استطاعت الحركة الصهيونيّة أن تضمن اعترافا بحق اليهود الأخلاقي اعتمادا على التاريخ في مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء في نيسان 1920 للبحث في مصير تركة الامبراطوريّة العثمانيّة، وقد حوّل هذا المؤتمر وعد بلفور الذي لم يتعدّ كونه إعلان نوايا بريطانيّ إلى وثيقة قانونيّة أمميّة ملزمة ونافذة...وفقط العلاقات التبادليّة الإمبرياليّة بين فرنسا وبريطانيا أدت إلى ضم الجولان للانتداب الفرنسيّ ومن ثمّ لسوريّة.".
لا يمكن قراءة هذا البحث القديم الجديد بمعزل عن توقيته والمؤلف بنفسه سهّل علينا هذا الادعاء إذ أدخل في معرض بحثه إشارة لما تتعرّض له سوريّة الآن، وإن اعتراضيّا، لكنه يقول:
"سوريّة اليوم تعيش في وضع من انعدام النظام ولا يعرف أحد ما يخبئه لها المستقبل، هذا الوضع يجعل التفاوض على السلام غير واقعيّ. إذا هدأت الأمور في سوريّة وإذا لم يقم حكم إسلاميّ متطرف في سوريّة فمن المتوقّع أن نداء للعودة لطاولة المفاوضات سوف يُسمع مرّة أخرى.". ويضيف:
"حتّى إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة.".
إن من يتجاهل أو يستخفّ أو لا يعطي بالا لما يصدر عن معاهد الأبحاث الإسرائيليّة وبالتالي لا يعرف دورها في التأثير على الساسة الإسرائيليين لا بل على رسم السياسة الإسرائيليّة، فينقصه الكثير عن تقدير أو قراءة المخططات والخطوات الإسرائيليّة تجاه المنطقة برمتها وليس فقط تجاه دولة بعينها. أُضمّن هذه الملاحظة مقالي هذا ليس فقط لأهميتها وإنما لأنه في مقال لي قبل أسابيع استعرضت تقديرات رجالات الصف الأول من الأمنيين الإسرائيليين تجاه الحاصل في سوريّة ورأيهم في "النظام" السوريّ وخطره عليهم، فجاءتني من قاريء "ليبراليّ متجمّل أو إسلاميّ ليبراليّ" رسالة يطالبني بعدم إرسال حماقاتي إليه معتبرا إياها استخفافا بعقله، لأن كثيرا من أولئك "اللبراليين" والمرسِل منهم، لا يقبلون حتى التلميح إلى إسرائيل إذ أنها بنظرهم بريئة ك"حمام مكة" من أي دور في "ربيعهم الخليجيّ أو الإسلاميّ" وأي إشارة إليها تمسّ شعورهم اللبراليّ المرهف.
إنّ إعادة هضبة الجولان إلى الواجهة على يد هذا الباحث وهذا المعهد وفي هذا التوقيت الذي لا تجري فيه مفاوضات حولها ولا مبادرات بشأنها في الأفق ولن تكون، ليست مجرّد اجتهاد بحثيّ معزول عن العدوان المركّب على سوريّة، وحتى لو لم يُشر الباحث لذلك وحتى لو كان أشار إليه تورية لا صراحة، يرتكب القاريء وأي كان متابعا مواليا أو معارضا أو مسؤولا خطأ فادحا إن لم يصل إلى الاستنتاج إنّ بقاء الأسد ليس الشخص وبقاء سوريّة ليس الأرض وإنما الموقف والموقع فيهما خطر كامن ستكون إسرائيل عرضة له، ودون أن يقول ذلك الإسرائيليّون أمنيّون أو باحثون.
إذا كان هذا لا يكفي فلنعد إلى المناورات العسكريّة الدوريّة الإسرائيليّة الجارية منذ ال2007 تحت مسمّى نقاط التحوّل، وكان أخرها المناورة نقطة تحوّل رقم 5 عام ال-2011. فمن هو العدو الاستراتيجي في هذه المناورات؟ أهو مثلا جيوش السعوديّة والخليج المرابطة على أكناف بيت المقدس ؟ أم الجيش العربيّ السوريّ وأجنحته لبنانيّا وعراقيّا إيرانيّا ؟
صحيح أن هذا التحالف "الديموقراطي المتنور" بدء بالظواهري ومرورا بحمد ونتانياهو وأردوغان وانتهاء ببراك حسين أوباما استطاع أن يشغل هذا الجيش بمعركة استباقيّة لكنه سيبقى وأكثر من الماضي لأنه اليوم مُوسما بدم شهدائه، مكمن الخطر الأساسي على قاعدة الأمن القوميّ الغربيّ الأماميّة في الشرق الأوسط ، إسرائيل، وعلى ضِباع حماتها، تماما كما قال إفرايم عنبار هذا وهو أصدق ألف مرّة من كلّ الغُربان ومن العُربان وحُداتهم من "المثقفين المفكّرين الليبراليين" دعاة الحريّة والديموقراطيّة. وبكلماته: "إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة".
أواخر تموز 2012
Sa.naffaa@gmail.com
هذا البحث والممتد على 30 صفحة يجتر الادعاءات الإسرائيليّة المعروفة حول هضبة الجولان والمشهور منها هي الادعاءات الدفاعيّة الاستر اتيجيّة، ولكن البحث أضاف أو أبرز البعد "الأخلاقي" مدعمّا إياه ب"حقائق تاريخيّة" وأخرى "شرعيّة دوليّة" ، فيقول:
"على إسرائيل أن تدعم بقاءها في هضبة الجولان اعتمادا على حدود قابلة للدفاع بدوافع تاريخيّة وقانونيّة وشرعيّة. فالعودة لحدود ال1967 غير مقبولة من الناحية الأخلاقيّة لأن معناها هو إنقاذ سوريّة من مسؤوليتها ومن تحميلها الثمن عن الإخلال الفظ بالشرعة الدوليّة حين هاجمت إسرائيل في ال67، ومن الناحية التاريخيّة فلإسرائيل حقوق تاريخيّة في هضبة الجولان تم الاعتراف بها في وثائق دوليّة في القرن العشرين ولذا فهي جزء من أرض إسرائيل، فعدا عن بضع سنوات امتدت من ال46 إلى ال67 كانت فيها تحت السلطة السوريّة، كانت الهضبة عمليّا لليهود وعلى إسرائيل أن تعيد لنفسها التفوّق الأخلاقي لتظهر أنها تدّعي على أرض من تراثها التاريخيّ وليس مجرد أرض احتلت بقوة الذراع.".
ويضيف في هذا السياق:
"استطاعت الحركة الصهيونيّة أن تضمن اعترافا بحق اليهود الأخلاقي اعتمادا على التاريخ في مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء في نيسان 1920 للبحث في مصير تركة الامبراطوريّة العثمانيّة، وقد حوّل هذا المؤتمر وعد بلفور الذي لم يتعدّ كونه إعلان نوايا بريطانيّ إلى وثيقة قانونيّة أمميّة ملزمة ونافذة...وفقط العلاقات التبادليّة الإمبرياليّة بين فرنسا وبريطانيا أدت إلى ضم الجولان للانتداب الفرنسيّ ومن ثمّ لسوريّة.".
لا يمكن قراءة هذا البحث القديم الجديد بمعزل عن توقيته والمؤلف بنفسه سهّل علينا هذا الادعاء إذ أدخل في معرض بحثه إشارة لما تتعرّض له سوريّة الآن، وإن اعتراضيّا، لكنه يقول:
"سوريّة اليوم تعيش في وضع من انعدام النظام ولا يعرف أحد ما يخبئه لها المستقبل، هذا الوضع يجعل التفاوض على السلام غير واقعيّ. إذا هدأت الأمور في سوريّة وإذا لم يقم حكم إسلاميّ متطرف في سوريّة فمن المتوقّع أن نداء للعودة لطاولة المفاوضات سوف يُسمع مرّة أخرى.". ويضيف:
"حتّى إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة.".
إن من يتجاهل أو يستخفّ أو لا يعطي بالا لما يصدر عن معاهد الأبحاث الإسرائيليّة وبالتالي لا يعرف دورها في التأثير على الساسة الإسرائيليين لا بل على رسم السياسة الإسرائيليّة، فينقصه الكثير عن تقدير أو قراءة المخططات والخطوات الإسرائيليّة تجاه المنطقة برمتها وليس فقط تجاه دولة بعينها. أُضمّن هذه الملاحظة مقالي هذا ليس فقط لأهميتها وإنما لأنه في مقال لي قبل أسابيع استعرضت تقديرات رجالات الصف الأول من الأمنيين الإسرائيليين تجاه الحاصل في سوريّة ورأيهم في "النظام" السوريّ وخطره عليهم، فجاءتني من قاريء "ليبراليّ متجمّل أو إسلاميّ ليبراليّ" رسالة يطالبني بعدم إرسال حماقاتي إليه معتبرا إياها استخفافا بعقله، لأن كثيرا من أولئك "اللبراليين" والمرسِل منهم، لا يقبلون حتى التلميح إلى إسرائيل إذ أنها بنظرهم بريئة ك"حمام مكة" من أي دور في "ربيعهم الخليجيّ أو الإسلاميّ" وأي إشارة إليها تمسّ شعورهم اللبراليّ المرهف.
إنّ إعادة هضبة الجولان إلى الواجهة على يد هذا الباحث وهذا المعهد وفي هذا التوقيت الذي لا تجري فيه مفاوضات حولها ولا مبادرات بشأنها في الأفق ولن تكون، ليست مجرّد اجتهاد بحثيّ معزول عن العدوان المركّب على سوريّة، وحتى لو لم يُشر الباحث لذلك وحتى لو كان أشار إليه تورية لا صراحة، يرتكب القاريء وأي كان متابعا مواليا أو معارضا أو مسؤولا خطأ فادحا إن لم يصل إلى الاستنتاج إنّ بقاء الأسد ليس الشخص وبقاء سوريّة ليس الأرض وإنما الموقف والموقع فيهما خطر كامن ستكون إسرائيل عرضة له، ودون أن يقول ذلك الإسرائيليّون أمنيّون أو باحثون.
إذا كان هذا لا يكفي فلنعد إلى المناورات العسكريّة الدوريّة الإسرائيليّة الجارية منذ ال2007 تحت مسمّى نقاط التحوّل، وكان أخرها المناورة نقطة تحوّل رقم 5 عام ال-2011. فمن هو العدو الاستراتيجي في هذه المناورات؟ أهو مثلا جيوش السعوديّة والخليج المرابطة على أكناف بيت المقدس ؟ أم الجيش العربيّ السوريّ وأجنحته لبنانيّا وعراقيّا إيرانيّا ؟
صحيح أن هذا التحالف "الديموقراطي المتنور" بدء بالظواهري ومرورا بحمد ونتانياهو وأردوغان وانتهاء ببراك حسين أوباما استطاع أن يشغل هذا الجيش بمعركة استباقيّة لكنه سيبقى وأكثر من الماضي لأنه اليوم مُوسما بدم شهدائه، مكمن الخطر الأساسي على قاعدة الأمن القوميّ الغربيّ الأماميّة في الشرق الأوسط ، إسرائيل، وعلى ضِباع حماتها، تماما كما قال إفرايم عنبار هذا وهو أصدق ألف مرّة من كلّ الغُربان ومن العُربان وحُداتهم من "المثقفين المفكّرين الليبراليين" دعاة الحريّة والديموقراطيّة. وبكلماته: "إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة".
أواخر تموز 2012
Sa.naffaa@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق