الطوشة العمومية في اسرائيل حول موضوع الخدمة الوطنية والمدنية تشتد وتتحول الى مناطحات حزبية وانشقاقات في الحكومة وتمرد أحزاب إئتلافية على رئيس حكومتها، والقاسم المشترك بين الجميع المكاسب الانتخابية في الانتخابات البرلمانية المتوقعة قريبا. المميز ان رئيس الحكومة نتنياهو كعادته،غائب عن القرار وهدفه الأساسي اطالة عمر حكومته. ما هو موقفه؟ هذه أحجية كبيرة أضفت عليه صفة "رئيس الحكومة الذي لا يقرر".
لا يهمني موضوع المتدينين المتعصبين اليهود (الحراديم) انما يهمني اسلوب طرح موضوع الخدمة المدنية على العرب في اسرائيل بمقاييس لا تتلاءم اطلاقا مع خصوصيات المجتمع العربي. من جهة ارفض اسلوب الأحزاب العربية وتوجهها، ولا ارفض موقفها بحد ذاته، انما قصر نظرها وعجزها عن مواجهة الطرح بطرح سياسي وبرلماني وقانوني مناسب. الرفض ليس موقفا، انما تعبير بدائي عن اتجاه. مبررات الرفض التي قدمت لا تخدم استراتيجية النضال السياسي للعرب في اسرائيل. مما يثير المخاوف ان فهمهم قاصر حول دوافع المشروع.
الرفض بدون تبرير يعتمد الحجة القانونية والفكرية ليس سياسة ولن يكون سياسة، هذا موقفي منذ طرح مشروع الخدمة المدنية في اسرائيل عبر "لجنة عبري". كل ما استطيع تسجيلة من مواقف الأحزاب العربية وممثليها هو الرفض دون طرح فكر سياسي بعيد عن مجرد التلويح بشعارات الصراخ بلا منهج عمل، ودون الانتباه للناحية الأكثر خطورة من المشروع الجديد، بالتالي لا يبرزون جوهر مطالب الجماهير العربية ليفهم المواطن اليهودي حقيقة الموقف العربي ، نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج الى استراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى،تأخذ بعين الأعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها، ويفترض طرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي ، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى راسها سياسة الأراضي والتخطيط ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع اسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الإجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير والعمل واقامة مناطق صناعية والتصنيع ، القوانين والمجتمع العربي وغير ذلك.
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا ارى ان الواقع تغير رغم تقرير "لجنة اور" التي بحثت وحققت بموضوع الإنتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة، لم ينفذ منها شيء ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها. كذلك هناك تقرير أكاديمي أكثر أهمية قدم أيضا على أثر انتتفاضة العام 2000 الى رئيس الحكومة في وقته ايهود براك، اعده باحثين جامعيين يهودا وعربا من المستوى الأول في اسرائيل ، تحت عنوان "بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة بخصوص العرب في اسرائيل" طرحوا في تقريرهم دراسة علمية مفصلة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي واقتراح الحلول. وهذا التقرير الأكاديمي يصح ليكون مستندا سياسيا علميا لسياسة عربية تواجه المؤسسة العنصرية للسلطة في اسرائيل لا تعتمد على "ادعاءات عربية" بل على توثيق طرحه الأكاديميون اليهود والعرب من ذوي الأسماء الأبرز في اسرائيل، ولن يدعي عندها أي موبوء بالعنصرية والعداء للجماهير العربية انه موقف عربي هدام وسلبي.
اسجل هنا مسالة جوهرية أكدها التقرير أيضا، أن الاجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في اسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات اسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي. المطلوب تغيير جوهري يطرح فيه من جديد تعريف للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بخصوص المواطنين العرب. هذا يعني ملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات ونشاطات المؤسسة الحاكمة في التعامل مع العرب في اسرائيل. وفي اقتراح المساوة في الخدمات (أي التجنيد الألزامي للخدمة المدنية) هناك تجاهل لسياسات التمييز العنصري والإضطهاد القومي المتواصلة منذ نكبة شعبنا الفلسطيني، واستمرار سياسة الاحتلال والقمع ضد شعبنا الفلسطيني في المناطق المحتلة بعد 1967 ، ورفض الاعتراف بحقه في الحرية واقامة دولته المستقلة، الذي يجب ان يطرح كجزء من المساواة في الحقوق.
لست واهما من امكانية حدوث مثل هذا التغيير الجوهري من تقرير او توصيات لجان قانونية، لأنه ببساطة سيكون تجاوزا للمفاهيم التي بنيت عليها سياسات السلطة الصهيونية حتى قبل حرب 1948.لكن يوجد بايدينا سلاح سياسي اكاديمي موثق وقانوني وهام. اسرائيل ليست مؤسسة سلطة فقط، بل مجتمع بشري أيضا يشمل كل الأطياف السياسية، ومن يتوهم اننا سننجز أهدافنا بدون تجنيد اليهود العقلانيين، وهم قوة هامة اثبتت نفسها في الانتفاضة الاجتماعية وفي المهرجانات الضخمة من أجل السلام وضد الاحتلال والحرب، هو واهم.
الطرح سابقا كان في اطار خدمة تطوعية مدنية، أي خدمة غير ملزمة . اليوم يطرح مشروع الخدمة الإلزامية، وراء هذا المشروع تقف أكثر الأحزاب عنصرية وفاشية في اسرائيل. والفاشي الصغير مارزل جاء الى الناصرة كي "يجندنا" لنقاتل الأعداء حولنا، وانا لا ارى أعداء من حولنا أكثر منه ومن سوائبه المستوطنين. دعوة مارزل مقبولة!!
تبريرات الرفض للخدمة المدنية التي طرحتها الأحزاب العربية ضعيفة وغير مدروسة وظرفية. لا بد من فهم أعمق لصياغة موقف مضاد، يفضح جذور ما تدعيه السلطة عن "واجبات مقابل حقوق".
مشروع الخدمة المدنية السابق كان يمكن استغلاله، ومعلوماتي الموثوقة تقول ان قيادات لجنة المتابعة العربية العليا في وقته تحمست جدا لتفاصيل مشروع التطوع المدني (غير الإلزامي)الذي قدم لها وكان طموحه لا يتجاوز انضمام عشرات الشباب كل سنة للتطوع في مؤسسات اجتماعية مختلفة داخل المجتمع العربي، تشرف لجنة المتابعة على توزيعهم في المؤسسات المدنية العربية، ولكن اعتراض هيئة داخلها جر اعتراضا واسعا ، وسرنا في "جنازة حامية والميت كلب". الموضوع صار وراءنا.
حول المشروع الجديد قرأت مقالات لعدد من الأكاديميين والمثقفين العرب يدعمون فكرة الخدمة المدنية، وهي فكرة لا ننكر أهميتها، ولكن الإطار الذي تطرح فيه الخدمة الإلزامية اليوم يختلف عن الإطار السابق التطوعي الذي أيدته انا شخصيا أيضا بصفته خدمة اجتماعية مدنية تطوعية وغير الزامية للمجتمع العربي ومؤسساته . الفكرة اليوم تحمل أهدافا مختلفة ، وهذا ما حثني للكتابة وطرح وجهة نظري.
الإقتراح اليوم، خدمة مدنية الزامية ( ليست تطوعية) مرفوض من جذوره، ولكني لم أسمع تبريرات رفضه بمنطق سياسي عبر طرح حقائق التمييز الموثقة التي تتعلق بسياسات المؤسسة الحاكمة،بكل ما يخص الأقلية العربية. التعامل في السياسة يحتاج الى اخضاع كل العوامل من اجل احداث تغيير لصالح المجتمع الذي ندعي اننا نمثل مصالحة العليا.
الحجج التي تطرح ظرفية تماما، بعيدة عن العمق في فهم صياغة استراتيجية وتكتيك مناسبين لمواجهة الإقتراح. الحالة الآن تختلف عن الحالة السابقة(التطوعية) معظم ما يطرح يستند الى ان الرفض هو لأن اقتراح التجنيد للخدمة المدنية هو خطوة نحو التجنيد في الجيش. هذا بعيد عن الواقع بُعد الأرض عن الشمس. لا رغبة ولا تفكير في السلطة الصهيونية لتجنيد عرب في جيش الاحتلال والعدوان. هذا الأمر لا يحتاج الى بحث في الكنيست واقرار قانون حوله، لأنه قانونيا قائم وجرى ايقاف العمل به بقرار وزير الدفاع ورئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون في بداية الخمسينات من القرن الماضي، الأسباب التي دفعته لوقف تجنيد العرب في الجيش ما زالت قائمة بل أصبحت أكثر حدة وخطورة من وجهة نظر المؤسسة الصهيونية السياسية والعسكرية. تجنيد العرب يحتاج الى أمر من وزير الدفاع يلغي فيه قرار وزير الدفاع الأول بن غوريون. لا ارى ان اسرائيل الرسمية معنية بالتورط مع جنود عرب معادين لسياسة الاحتلال والتمييز العنصري، سياسة العدوان والحرب ضد شعبنا وضد شعوبنا العربية. السلطة الصهيونية تعرف اننا لن نقاتل ابناء شعبنا، بل سنناضل مع شعبنا ضد احتلال ارضه وضد سلب حقوقه داخل اسرائيل أيضا، سنقف ضد الفاشية ممثلة بباروخ مارزل وعصابات الفاشيين ولن نوفر الحماية لسوائب المستوطنين واعتادءاتهم على شعبنا الفلسطيني، شباب عرب مسلحين هم مشكلة مخيفة ومرعبة للسلطة الصهيونية واستمرار سياستها العنصرية.
لا اريد ان اقول انها غير محقة بذلك.حجة "خطوة لتجنيد العرب في الجيش" باهتة وصبيانية.
اذن نعود لموضوع الخدمة المدنية الإلزامية كما تطرح اليوم، بتعريفها انها خدمة غير أمنية. الطرح يبدو نظيفا من أهداف عنصرية . هل حقا الأمر كذلك؟
عندما يطرح موضوع الخدمة المدنية كخدمة الزامية من منطلق واجبات مقابل حقوق ( لا نحصل عليها) ، لا بد ان نلاحظ ان الخدمة الألزامية المقترحة لن تكون مخصصة بشكل كامل للمجتمع العربي ومؤسساته، بل خدمات مدنية لكل المجتمع الاسرائيلي الذي نعاني فيه من تمييز في جميع مجالات الحياة، ونموذجا على ذلك ميزانيات التعليم التي تبلغ حصة الوسط العربي منها ما يقارب 7% بينما يشكل الجمهور العربي 20% من المواطنين، وعدد طلابه نسبتهم أكثر من نسبة المواطنين.هذا نموذج صغير والتمييز في سائر الميزانيات والمخصصات أكثر سلبية وحرمانا للجماهير العربية. البطالة مثلا تزيد أضعافا عن الوسط اليهودي ولا توجد مخططات لمشاريع تنموية للوسط العربي اسوة بما يخصص للوسط اليهودي. اذن نحن امام حالة جديدة ومختلفة. ماذا يخفي المشروع الجديد؟ ما هي تبريراتنا؟ كيف نواجه الاعلام النشيط لجهاز السلطة ؟ الم يحن الوقت لنفهم اننا نواجه ماكينة اعلامية صهيونية مشحمة جيدا؟ هل سنظل ارتجاليين؟
اوافق ان واقعنا السياسي ليس واقعا طبيعيا. لكن السياسة ليست كل الحكاية. الى جانب ذلك نحن مجتمع مدني. من المفروض ان لنا حقوقا مدنية، حقوق مواطنين، حقوق انسان، حقوق بالتطور، حقوق بالميزانيات، حقوق بالتعلم وتطوير مرافق التعليم، حقوق بتوسع مسطحات بلداتنا التي صودرت اراضيها وتمنح بلا حساب للبلدات اليهودية، حقوق بمناطق صناعية لا تبقي بلداتنا فنادق للنوم للعمال الذين يعملون في الصناعة والخدمات والمشاريع في المدن اليهودية، حقوق في السكن وتطوير البنى التحتية، حقوق في العمل وليس اتساع البطالة بشكل يتجاوز عدة أضعاف لواقع البطالة في المجتمع اليهودي. هناك تمييز في المجال القضائي أيضا. هناك استبعادنا من الوظائف الحكومية رغم كل وعود السلطة بالتمييز لصالح العرب،هناك حقوق طبية، لم يبن أي مستشفى حكومي في الوسط العربي، والمستشفيات العربية هي مستشفيات ارساليات مسيحية تعاني من تمييز كبير أيضا. جامعة في المناطق المحتلة تخصص لها الملايين بلا حساب، رغم اعتراض الجهاز الأكاديمي وتحذيره من رد الفعل الدولية على اقامة جامعة في المناطق المحتلة، بينما مشروع جامعة عربية في الناصرة لا يحظى بأي دعم وتقام العراقيل أمامه.
يطرحون الواجبات مقابل الخدمات. الحقوق المتساوية هي الوجه الآخر للواجبات.لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هذا من جذور النظام الديمقراطي، لكنه غائب،او مغيب،من الوسط العربي.
ما العمل؟
لا بد من تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الأقتصادي، الثقافي ، التعليمي، القانوني، ومكاننا كأقلية قومية، وعلاقاتنا بشعبنا الفلسطيني وطرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.
المطلوب تغيير جوهري يضمن تعريفا للأهداف العليا التي توجه سياسة السلطة الحاكمة في اسرائيل وملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات النشاطات العامة للمؤسسة الحاكمة بكل ما يتعلق بأهداف التعامل مع العرب في اسرائيل، ومع ابناء شعبهم في المناطق الفلسطينية المحتلة او شبه المحتلة، على راس ذلك فحص برلماني لجدية اعلان رئيس الحكومة نتنياهو في خطابه في جامعة بار ايلان، عن قبوله مبدأ دولتين لشعبين.
بالطبع لست واهما ولا انتظر عجائب سياسية من المؤسسة التي بتنا نعرف تفكيرها ونهجها. ما اعرفه اننا نملك حقائق يجب ان نطرحها امام الجمهور الاسرائيلي وامام الراي العام الدولي.
مثلا ما هو تعريف المواطن في اسرائيل؟ من هو الاسرائيلي حسب مفاهيم المؤسسة الحاكمة؟هذا يفترض اعادة صياغة وثيقة جديدة حول الحقوق والواجبات المتبادلة بشكل متزن ودون تفضيل طرف على حساب طرف آخر على اساس عنصري.
اسرائيل تصف نفسها يهودية صهيونية . العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها.اذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة امام مواطنيها، خاصة المواطنون العرب. هذا جزء من الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، رفضه هو نفي للحقوق، لا واجبات بدون حقوق. لا افهم بالقانون، لكني المس هنا مضمون قانوني ضد فرض التجنيد على مجموعة سكانية غير معترف بها مواطنين متساوي الحقوق، مميز ضدهم في الميزانيات وفي كل مرافق الحياة الأخرى وتوصيات اللجان التي تقيمها الحكومة نفسها لا تنفذ والدولة بتعريف هويتها لا تشملهم ، بل تنقلهم الى وضع مواطنين غير قانونيين.
الجمهور اليهودي الحرادي ( المتعصب) معفي من التجنيد بسبب قوة أحزابهم السياسية داخل الإئتلافات الحكومية، لا واجبات تطلب منهم ولكنهم يحصلون على حقوق حتى المجندين اليهود لا يحصلون عليها. رغم ذلك أحد القادة التاريخيين لحزب العمل ، عوزي بارعام، طرح فكرة ممتازة في مقال له نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" بتأكيده ان المساوة في الواجبات، يجب ان تبدأ بالتعليم، أي اخراج الشباب اليهود من ما يلقنوا به في التعليم الديني المتزمت الى دراسة المواضيع العلمية والرياضيات ، طبعا لم يذكر انهم يحصلون على ميزانيات خاصة وعادية أكبر من أي وسط آخر في اسرائيل. من هنا رؤيتي ان الواقع العربي مختلف,التمييز في العديد من القضايا هو حاجز لا يمكن تجاوزه بقرار برلماني يفرض التجنيد على العرب بحجة واجبات مقابل حقوق.
أخطر الأهداف من المشروع الجديد، وهذا يلزم دراسة من باحثين تعتمد على معطيات صحيحة، هو ان فرض التجنيد المدني الإلزامي على العرب يعني فقدان الفرص أمام مئات الشباب العرب من مواصلة تعليمهم الجامعي اذا لم يواصلوا فورا تعليمهم كما هو سائد اليوم، ونعرف عن محاولات سن قوانين عنصرية تمنع انتساب الطلاب للدراسة الجامعية الا بعد جيل ال(21)، المقصود من تلك القوانين ( حتى الآن يدور حديث حولها) التضييق على الطلاب العرب الذين يواصلون دراساتهم الجامعية بعد الثانوية مباشرة (بجيل 18 سنة) ، بالتالي سيضطر المئات من الشباب الى الدراسة في الخارج، هربا أيضا من التطوع الإلزامي، هذا يعني أيضا التورط بمشاكل قانونية تمنع عودتهم بسبب العقاب المتوقع الذي يفرضه قانون الخدمة الإلزامية، وربما يمنع سفر الشباب للخارج بدون اذن مسبق من مديرية التجنيد. هنا الإشكالية الكبيرة والخطيرة.
ليس غريبا ان بعضهم سيندمج في المجتمعات الغربية التي دراسوا فيها او بغيرها، وهي ظاهرة قائمة اليوم بنسب صغيرة ولكنها ستتسع مع قانون التجنيد الإلزامي ، سنواجه مشكلة تفريغ المجتمع العربي من ابنائه الجامعيين، البطالة مرتفعة بينهم حتى بدون قانون التجنيد، بعضهم يهاجر يأسا للبحث عن فرص عمل في دول أجنبية.
هذا هو الخطر الأكبر. كيف سيكون مجتمعنا بعد عقد او عقدين من بدء تنفيذ قانون التجنيد الإلزامي؟
بيبي نتنياهو له صيغة مشهورة في تعامله مع الفلسطينيين :"يعطوا يأخذوا ، لا يعطوا لا يأخذوا" لماذ لا يطبقها حضرته مع العرب الذين يعطون ويعطون ولا يأخذوا مقابل عطائهم الا التمييز العنصري وتفليت الفاشيين للتحريض عليهم في بلداتهم؟ عدا المسرحيات البرلمانية العنصرية لسن قوانين فاشية معادية للعرب في الكنيست لدرجة اقتراح قانون يمنعهم حتى من البكاء على نكبتهم وتشريد شعبهم وهدم قراه وسرقة تاريخه ومصادرة أرضه ورفض الاعتراف بدولته المستقلة حتى على جزء لا يتجاوز خمس مساحة وطنه؟
ها هم ابناء شعبنا الدروز فرض عليهم التجنيد الإجباري، ما هي الحقوق المساوية لليهود التي حصلوا عليها عدا المقابر العسكرية؟ لا مساواة في حقوق بل التمييز ضدهم لا يختلف عن سائر الجماهير العربية.من هنا أيضا الى جانب تعمق الوعي الوطني، اتساع ظاهرة رفض التجنيد الإلزامي في الجيش ، وللأسف هناك ظاهرة التجند على قاعدة تطوعية في الجيش والأرقام ليست صغيرة وتشمل كل الطوائف العربية.
ماذا فعلت احزابنا ، قائدة مجتمعنا المدني، لزيادة التوعية ؟ كيف ننقذ الاف الشباب من مقاهي الأرجيلة والسقوط في الجنح؟ كنا مجتمعا مثقفا في القرن الماضي فصرنا مجتمعا "مؤرجلا" في القرن الحادي والعشرين، نعيش ظواهر سلبية عديدة أبرزها وأخطرها تراجع الوعي الاجتماعي العام ، تضعضع الوعي الثقافي، الارتداد للعائلية وتنامي الطائفية المدمرة ، الا تستحق هذه الظواهر السلبية ان تشعل الاف الأضوية الحمراء؟!
ان ازمة الأحزاب العربية تبرز أيضا بنسبة التصويت المنخفضة جدا في الوسط العربي (53%)، وهذا رد فعل تلقائي على حالة اليأس والامتعاض من اسلوب ادارة المجتمع المدني العربي من أحزابه بصفتها الأجهزة المفروض انها تدير شؤون المجتمع المدني العربي. من هنا ارى وجود قطيعة بين من يطمحون ليكونوا قادة وممثلين للجمهور العربي ، وبين جمهورهم. ثلث ال (53%) الذين شاركوا في الانتخابات صوتوا للأحزاب الصهيونية. حساب بسيط يظهر ان جميع الأحزاب العربية التي تتنافس على قيادة الجماهير العربية وتمثيلها لا تحظى الا بثلثي اصوات المشاركين العرب في الانتخابات، أي ثلث مجمل كل الجمهور العربي في اسرائيل باحسن الأحوال. هذا نزع ثقة مرعب، لا ارى ان القيادات الحزبية متنبه لهذا الواقع وقادرة سياسيا وفكريا على تغييره.
طرح سياسة سليمة يعني رفع نسبة التصويت لتصل الى (80%) كما هو الحال في التصويت للسلطات المحلية.هذا سيزيد عدد اعضاء الكنيست ووزن السياسة العربية وتأثيرها في المجتمع الاسرائيلي عامة. انا غير متفائل من مستوى قادة الأحزاب وفهمهم لأهمية دورهم السياسي.لا اعني بالدور السياسي جعجعة الشعارات،بياعي الخضار أيضا يعرفون صياغة شعارات تزيد تسويق بضاعتهم، أعني العمل القانوني والبرلماني والشعبي المنظم. اعني التنسيق وبرمجة العمل النضالي وليس الارتجال والتشاطر للبروز قبل الآخرين. ما طرح من مواقف حتى اليوم حول التجنيد المدني، يثير مخاوفي اننا في الطريق الى المصيدة السلطوية.
ما يعرقل اقرار القانون حتى اليوم محاولة رئيس الحكومة ايجاد صيغة تبقى على تحالفة مع الأحزاب الدينية، بالنسبه له الجمهور العربي بقياداته واساليب النشاط والرفض المتبعة لا يشكل مشكلة او تحديا سياسيا .
ان موقفه المتردد من تجنيد الحراديم، حلفائه الدائمين والمخلصين في السلطة، سيسهل سقوطه السياسي كما يرى الكثير من المحللين السياسيين اليهود، وحسب آخر استطلاع للرأي الليكود بدأ يفقد الكثير من قوته السياسية والبرلمانية لصالح حزب العمل وأحزاب اليسار وحزب يائير لبيد (يش عتيد) الجديد.
لست ضد فكرة الخدمة المدنية الإجتماعية. لكني ضد فكرة واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هنا يجب تركيز معركتنا. المساوة بند اساسي لأي نظام ديمقراطي. المساوة في الواجبات ليست أمنية فقط، أي ليست عسكرية في جذورها. المساواة في الواجبات هي أكثر في الاتجاه المدني والإقتصادي والقانوني. لذلك اقتراح تجنيد العرب للخدمة المدنية دون تغيير استراتيجي في السياسة العنصرية للسلطة، نحو مساواة كاملة بين المواطنين اليهود والعرب واعتراف الدولة بهم كمواطنين كاملي الحقوق في تعريفها القانوني أيضا واسقاط التعريف العنصري دولة يهودية الذي ينفي مواطنة العرب، هذا لن يكون بدون تغيير مضمون سياسة التمييز العنصرية.
التجنيد المدني الإلزامي سيظل اقتراحا عنصريا مرفوضا يهدف جعل اللامساواة أكثر عمقا وأكثر خطرا على المجتمع العربي بظل استمرار السياسات العنصرية والتمييزية وفتح ابواب التشريع العنصري امام الأحزاب اليمينية المتطرفة.
كما أفهم، هذه هي طريقنا لمواجهة سياسات السلطة العنصرية باقتراح قانون التجنيد المدني وبمختلف المجالات.
nabiloudeh@gmail.com
لا يهمني موضوع المتدينين المتعصبين اليهود (الحراديم) انما يهمني اسلوب طرح موضوع الخدمة المدنية على العرب في اسرائيل بمقاييس لا تتلاءم اطلاقا مع خصوصيات المجتمع العربي. من جهة ارفض اسلوب الأحزاب العربية وتوجهها، ولا ارفض موقفها بحد ذاته، انما قصر نظرها وعجزها عن مواجهة الطرح بطرح سياسي وبرلماني وقانوني مناسب. الرفض ليس موقفا، انما تعبير بدائي عن اتجاه. مبررات الرفض التي قدمت لا تخدم استراتيجية النضال السياسي للعرب في اسرائيل. مما يثير المخاوف ان فهمهم قاصر حول دوافع المشروع.
الرفض بدون تبرير يعتمد الحجة القانونية والفكرية ليس سياسة ولن يكون سياسة، هذا موقفي منذ طرح مشروع الخدمة المدنية في اسرائيل عبر "لجنة عبري". كل ما استطيع تسجيلة من مواقف الأحزاب العربية وممثليها هو الرفض دون طرح فكر سياسي بعيد عن مجرد التلويح بشعارات الصراخ بلا منهج عمل، ودون الانتباه للناحية الأكثر خطورة من المشروع الجديد، بالتالي لا يبرزون جوهر مطالب الجماهير العربية ليفهم المواطن اليهودي حقيقة الموقف العربي ، نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج الى استراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى،تأخذ بعين الأعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها، ويفترض طرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي ، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى راسها سياسة الأراضي والتخطيط ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع اسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الإجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير والعمل واقامة مناطق صناعية والتصنيع ، القوانين والمجتمع العربي وغير ذلك.
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا ارى ان الواقع تغير رغم تقرير "لجنة اور" التي بحثت وحققت بموضوع الإنتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة، لم ينفذ منها شيء ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها. كذلك هناك تقرير أكاديمي أكثر أهمية قدم أيضا على أثر انتتفاضة العام 2000 الى رئيس الحكومة في وقته ايهود براك، اعده باحثين جامعيين يهودا وعربا من المستوى الأول في اسرائيل ، تحت عنوان "بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة بخصوص العرب في اسرائيل" طرحوا في تقريرهم دراسة علمية مفصلة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي واقتراح الحلول. وهذا التقرير الأكاديمي يصح ليكون مستندا سياسيا علميا لسياسة عربية تواجه المؤسسة العنصرية للسلطة في اسرائيل لا تعتمد على "ادعاءات عربية" بل على توثيق طرحه الأكاديميون اليهود والعرب من ذوي الأسماء الأبرز في اسرائيل، ولن يدعي عندها أي موبوء بالعنصرية والعداء للجماهير العربية انه موقف عربي هدام وسلبي.
اسجل هنا مسالة جوهرية أكدها التقرير أيضا، أن الاجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في اسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات اسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي. المطلوب تغيير جوهري يطرح فيه من جديد تعريف للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بخصوص المواطنين العرب. هذا يعني ملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات ونشاطات المؤسسة الحاكمة في التعامل مع العرب في اسرائيل. وفي اقتراح المساوة في الخدمات (أي التجنيد الألزامي للخدمة المدنية) هناك تجاهل لسياسات التمييز العنصري والإضطهاد القومي المتواصلة منذ نكبة شعبنا الفلسطيني، واستمرار سياسة الاحتلال والقمع ضد شعبنا الفلسطيني في المناطق المحتلة بعد 1967 ، ورفض الاعتراف بحقه في الحرية واقامة دولته المستقلة، الذي يجب ان يطرح كجزء من المساواة في الحقوق.
لست واهما من امكانية حدوث مثل هذا التغيير الجوهري من تقرير او توصيات لجان قانونية، لأنه ببساطة سيكون تجاوزا للمفاهيم التي بنيت عليها سياسات السلطة الصهيونية حتى قبل حرب 1948.لكن يوجد بايدينا سلاح سياسي اكاديمي موثق وقانوني وهام. اسرائيل ليست مؤسسة سلطة فقط، بل مجتمع بشري أيضا يشمل كل الأطياف السياسية، ومن يتوهم اننا سننجز أهدافنا بدون تجنيد اليهود العقلانيين، وهم قوة هامة اثبتت نفسها في الانتفاضة الاجتماعية وفي المهرجانات الضخمة من أجل السلام وضد الاحتلال والحرب، هو واهم.
الطرح سابقا كان في اطار خدمة تطوعية مدنية، أي خدمة غير ملزمة . اليوم يطرح مشروع الخدمة الإلزامية، وراء هذا المشروع تقف أكثر الأحزاب عنصرية وفاشية في اسرائيل. والفاشي الصغير مارزل جاء الى الناصرة كي "يجندنا" لنقاتل الأعداء حولنا، وانا لا ارى أعداء من حولنا أكثر منه ومن سوائبه المستوطنين. دعوة مارزل مقبولة!!
تبريرات الرفض للخدمة المدنية التي طرحتها الأحزاب العربية ضعيفة وغير مدروسة وظرفية. لا بد من فهم أعمق لصياغة موقف مضاد، يفضح جذور ما تدعيه السلطة عن "واجبات مقابل حقوق".
مشروع الخدمة المدنية السابق كان يمكن استغلاله، ومعلوماتي الموثوقة تقول ان قيادات لجنة المتابعة العربية العليا في وقته تحمست جدا لتفاصيل مشروع التطوع المدني (غير الإلزامي)الذي قدم لها وكان طموحه لا يتجاوز انضمام عشرات الشباب كل سنة للتطوع في مؤسسات اجتماعية مختلفة داخل المجتمع العربي، تشرف لجنة المتابعة على توزيعهم في المؤسسات المدنية العربية، ولكن اعتراض هيئة داخلها جر اعتراضا واسعا ، وسرنا في "جنازة حامية والميت كلب". الموضوع صار وراءنا.
حول المشروع الجديد قرأت مقالات لعدد من الأكاديميين والمثقفين العرب يدعمون فكرة الخدمة المدنية، وهي فكرة لا ننكر أهميتها، ولكن الإطار الذي تطرح فيه الخدمة الإلزامية اليوم يختلف عن الإطار السابق التطوعي الذي أيدته انا شخصيا أيضا بصفته خدمة اجتماعية مدنية تطوعية وغير الزامية للمجتمع العربي ومؤسساته . الفكرة اليوم تحمل أهدافا مختلفة ، وهذا ما حثني للكتابة وطرح وجهة نظري.
الإقتراح اليوم، خدمة مدنية الزامية ( ليست تطوعية) مرفوض من جذوره، ولكني لم أسمع تبريرات رفضه بمنطق سياسي عبر طرح حقائق التمييز الموثقة التي تتعلق بسياسات المؤسسة الحاكمة،بكل ما يخص الأقلية العربية. التعامل في السياسة يحتاج الى اخضاع كل العوامل من اجل احداث تغيير لصالح المجتمع الذي ندعي اننا نمثل مصالحة العليا.
الحجج التي تطرح ظرفية تماما، بعيدة عن العمق في فهم صياغة استراتيجية وتكتيك مناسبين لمواجهة الإقتراح. الحالة الآن تختلف عن الحالة السابقة(التطوعية) معظم ما يطرح يستند الى ان الرفض هو لأن اقتراح التجنيد للخدمة المدنية هو خطوة نحو التجنيد في الجيش. هذا بعيد عن الواقع بُعد الأرض عن الشمس. لا رغبة ولا تفكير في السلطة الصهيونية لتجنيد عرب في جيش الاحتلال والعدوان. هذا الأمر لا يحتاج الى بحث في الكنيست واقرار قانون حوله، لأنه قانونيا قائم وجرى ايقاف العمل به بقرار وزير الدفاع ورئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون في بداية الخمسينات من القرن الماضي، الأسباب التي دفعته لوقف تجنيد العرب في الجيش ما زالت قائمة بل أصبحت أكثر حدة وخطورة من وجهة نظر المؤسسة الصهيونية السياسية والعسكرية. تجنيد العرب يحتاج الى أمر من وزير الدفاع يلغي فيه قرار وزير الدفاع الأول بن غوريون. لا ارى ان اسرائيل الرسمية معنية بالتورط مع جنود عرب معادين لسياسة الاحتلال والتمييز العنصري، سياسة العدوان والحرب ضد شعبنا وضد شعوبنا العربية. السلطة الصهيونية تعرف اننا لن نقاتل ابناء شعبنا، بل سنناضل مع شعبنا ضد احتلال ارضه وضد سلب حقوقه داخل اسرائيل أيضا، سنقف ضد الفاشية ممثلة بباروخ مارزل وعصابات الفاشيين ولن نوفر الحماية لسوائب المستوطنين واعتادءاتهم على شعبنا الفلسطيني، شباب عرب مسلحين هم مشكلة مخيفة ومرعبة للسلطة الصهيونية واستمرار سياستها العنصرية.
لا اريد ان اقول انها غير محقة بذلك.حجة "خطوة لتجنيد العرب في الجيش" باهتة وصبيانية.
اذن نعود لموضوع الخدمة المدنية الإلزامية كما تطرح اليوم، بتعريفها انها خدمة غير أمنية. الطرح يبدو نظيفا من أهداف عنصرية . هل حقا الأمر كذلك؟
عندما يطرح موضوع الخدمة المدنية كخدمة الزامية من منطلق واجبات مقابل حقوق ( لا نحصل عليها) ، لا بد ان نلاحظ ان الخدمة الألزامية المقترحة لن تكون مخصصة بشكل كامل للمجتمع العربي ومؤسساته، بل خدمات مدنية لكل المجتمع الاسرائيلي الذي نعاني فيه من تمييز في جميع مجالات الحياة، ونموذجا على ذلك ميزانيات التعليم التي تبلغ حصة الوسط العربي منها ما يقارب 7% بينما يشكل الجمهور العربي 20% من المواطنين، وعدد طلابه نسبتهم أكثر من نسبة المواطنين.هذا نموذج صغير والتمييز في سائر الميزانيات والمخصصات أكثر سلبية وحرمانا للجماهير العربية. البطالة مثلا تزيد أضعافا عن الوسط اليهودي ولا توجد مخططات لمشاريع تنموية للوسط العربي اسوة بما يخصص للوسط اليهودي. اذن نحن امام حالة جديدة ومختلفة. ماذا يخفي المشروع الجديد؟ ما هي تبريراتنا؟ كيف نواجه الاعلام النشيط لجهاز السلطة ؟ الم يحن الوقت لنفهم اننا نواجه ماكينة اعلامية صهيونية مشحمة جيدا؟ هل سنظل ارتجاليين؟
اوافق ان واقعنا السياسي ليس واقعا طبيعيا. لكن السياسة ليست كل الحكاية. الى جانب ذلك نحن مجتمع مدني. من المفروض ان لنا حقوقا مدنية، حقوق مواطنين، حقوق انسان، حقوق بالتطور، حقوق بالميزانيات، حقوق بالتعلم وتطوير مرافق التعليم، حقوق بتوسع مسطحات بلداتنا التي صودرت اراضيها وتمنح بلا حساب للبلدات اليهودية، حقوق بمناطق صناعية لا تبقي بلداتنا فنادق للنوم للعمال الذين يعملون في الصناعة والخدمات والمشاريع في المدن اليهودية، حقوق في السكن وتطوير البنى التحتية، حقوق في العمل وليس اتساع البطالة بشكل يتجاوز عدة أضعاف لواقع البطالة في المجتمع اليهودي. هناك تمييز في المجال القضائي أيضا. هناك استبعادنا من الوظائف الحكومية رغم كل وعود السلطة بالتمييز لصالح العرب،هناك حقوق طبية، لم يبن أي مستشفى حكومي في الوسط العربي، والمستشفيات العربية هي مستشفيات ارساليات مسيحية تعاني من تمييز كبير أيضا. جامعة في المناطق المحتلة تخصص لها الملايين بلا حساب، رغم اعتراض الجهاز الأكاديمي وتحذيره من رد الفعل الدولية على اقامة جامعة في المناطق المحتلة، بينما مشروع جامعة عربية في الناصرة لا يحظى بأي دعم وتقام العراقيل أمامه.
يطرحون الواجبات مقابل الخدمات. الحقوق المتساوية هي الوجه الآخر للواجبات.لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هذا من جذور النظام الديمقراطي، لكنه غائب،او مغيب،من الوسط العربي.
ما العمل؟
لا بد من تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الأقتصادي، الثقافي ، التعليمي، القانوني، ومكاننا كأقلية قومية، وعلاقاتنا بشعبنا الفلسطيني وطرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.
المطلوب تغيير جوهري يضمن تعريفا للأهداف العليا التي توجه سياسة السلطة الحاكمة في اسرائيل وملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات النشاطات العامة للمؤسسة الحاكمة بكل ما يتعلق بأهداف التعامل مع العرب في اسرائيل، ومع ابناء شعبهم في المناطق الفلسطينية المحتلة او شبه المحتلة، على راس ذلك فحص برلماني لجدية اعلان رئيس الحكومة نتنياهو في خطابه في جامعة بار ايلان، عن قبوله مبدأ دولتين لشعبين.
بالطبع لست واهما ولا انتظر عجائب سياسية من المؤسسة التي بتنا نعرف تفكيرها ونهجها. ما اعرفه اننا نملك حقائق يجب ان نطرحها امام الجمهور الاسرائيلي وامام الراي العام الدولي.
مثلا ما هو تعريف المواطن في اسرائيل؟ من هو الاسرائيلي حسب مفاهيم المؤسسة الحاكمة؟هذا يفترض اعادة صياغة وثيقة جديدة حول الحقوق والواجبات المتبادلة بشكل متزن ودون تفضيل طرف على حساب طرف آخر على اساس عنصري.
اسرائيل تصف نفسها يهودية صهيونية . العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها.اذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة امام مواطنيها، خاصة المواطنون العرب. هذا جزء من الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، رفضه هو نفي للحقوق، لا واجبات بدون حقوق. لا افهم بالقانون، لكني المس هنا مضمون قانوني ضد فرض التجنيد على مجموعة سكانية غير معترف بها مواطنين متساوي الحقوق، مميز ضدهم في الميزانيات وفي كل مرافق الحياة الأخرى وتوصيات اللجان التي تقيمها الحكومة نفسها لا تنفذ والدولة بتعريف هويتها لا تشملهم ، بل تنقلهم الى وضع مواطنين غير قانونيين.
الجمهور اليهودي الحرادي ( المتعصب) معفي من التجنيد بسبب قوة أحزابهم السياسية داخل الإئتلافات الحكومية، لا واجبات تطلب منهم ولكنهم يحصلون على حقوق حتى المجندين اليهود لا يحصلون عليها. رغم ذلك أحد القادة التاريخيين لحزب العمل ، عوزي بارعام، طرح فكرة ممتازة في مقال له نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" بتأكيده ان المساوة في الواجبات، يجب ان تبدأ بالتعليم، أي اخراج الشباب اليهود من ما يلقنوا به في التعليم الديني المتزمت الى دراسة المواضيع العلمية والرياضيات ، طبعا لم يذكر انهم يحصلون على ميزانيات خاصة وعادية أكبر من أي وسط آخر في اسرائيل. من هنا رؤيتي ان الواقع العربي مختلف,التمييز في العديد من القضايا هو حاجز لا يمكن تجاوزه بقرار برلماني يفرض التجنيد على العرب بحجة واجبات مقابل حقوق.
أخطر الأهداف من المشروع الجديد، وهذا يلزم دراسة من باحثين تعتمد على معطيات صحيحة، هو ان فرض التجنيد المدني الإلزامي على العرب يعني فقدان الفرص أمام مئات الشباب العرب من مواصلة تعليمهم الجامعي اذا لم يواصلوا فورا تعليمهم كما هو سائد اليوم، ونعرف عن محاولات سن قوانين عنصرية تمنع انتساب الطلاب للدراسة الجامعية الا بعد جيل ال(21)، المقصود من تلك القوانين ( حتى الآن يدور حديث حولها) التضييق على الطلاب العرب الذين يواصلون دراساتهم الجامعية بعد الثانوية مباشرة (بجيل 18 سنة) ، بالتالي سيضطر المئات من الشباب الى الدراسة في الخارج، هربا أيضا من التطوع الإلزامي، هذا يعني أيضا التورط بمشاكل قانونية تمنع عودتهم بسبب العقاب المتوقع الذي يفرضه قانون الخدمة الإلزامية، وربما يمنع سفر الشباب للخارج بدون اذن مسبق من مديرية التجنيد. هنا الإشكالية الكبيرة والخطيرة.
ليس غريبا ان بعضهم سيندمج في المجتمعات الغربية التي دراسوا فيها او بغيرها، وهي ظاهرة قائمة اليوم بنسب صغيرة ولكنها ستتسع مع قانون التجنيد الإلزامي ، سنواجه مشكلة تفريغ المجتمع العربي من ابنائه الجامعيين، البطالة مرتفعة بينهم حتى بدون قانون التجنيد، بعضهم يهاجر يأسا للبحث عن فرص عمل في دول أجنبية.
هذا هو الخطر الأكبر. كيف سيكون مجتمعنا بعد عقد او عقدين من بدء تنفيذ قانون التجنيد الإلزامي؟
بيبي نتنياهو له صيغة مشهورة في تعامله مع الفلسطينيين :"يعطوا يأخذوا ، لا يعطوا لا يأخذوا" لماذ لا يطبقها حضرته مع العرب الذين يعطون ويعطون ولا يأخذوا مقابل عطائهم الا التمييز العنصري وتفليت الفاشيين للتحريض عليهم في بلداتهم؟ عدا المسرحيات البرلمانية العنصرية لسن قوانين فاشية معادية للعرب في الكنيست لدرجة اقتراح قانون يمنعهم حتى من البكاء على نكبتهم وتشريد شعبهم وهدم قراه وسرقة تاريخه ومصادرة أرضه ورفض الاعتراف بدولته المستقلة حتى على جزء لا يتجاوز خمس مساحة وطنه؟
ها هم ابناء شعبنا الدروز فرض عليهم التجنيد الإجباري، ما هي الحقوق المساوية لليهود التي حصلوا عليها عدا المقابر العسكرية؟ لا مساواة في حقوق بل التمييز ضدهم لا يختلف عن سائر الجماهير العربية.من هنا أيضا الى جانب تعمق الوعي الوطني، اتساع ظاهرة رفض التجنيد الإلزامي في الجيش ، وللأسف هناك ظاهرة التجند على قاعدة تطوعية في الجيش والأرقام ليست صغيرة وتشمل كل الطوائف العربية.
ماذا فعلت احزابنا ، قائدة مجتمعنا المدني، لزيادة التوعية ؟ كيف ننقذ الاف الشباب من مقاهي الأرجيلة والسقوط في الجنح؟ كنا مجتمعا مثقفا في القرن الماضي فصرنا مجتمعا "مؤرجلا" في القرن الحادي والعشرين، نعيش ظواهر سلبية عديدة أبرزها وأخطرها تراجع الوعي الاجتماعي العام ، تضعضع الوعي الثقافي، الارتداد للعائلية وتنامي الطائفية المدمرة ، الا تستحق هذه الظواهر السلبية ان تشعل الاف الأضوية الحمراء؟!
ان ازمة الأحزاب العربية تبرز أيضا بنسبة التصويت المنخفضة جدا في الوسط العربي (53%)، وهذا رد فعل تلقائي على حالة اليأس والامتعاض من اسلوب ادارة المجتمع المدني العربي من أحزابه بصفتها الأجهزة المفروض انها تدير شؤون المجتمع المدني العربي. من هنا ارى وجود قطيعة بين من يطمحون ليكونوا قادة وممثلين للجمهور العربي ، وبين جمهورهم. ثلث ال (53%) الذين شاركوا في الانتخابات صوتوا للأحزاب الصهيونية. حساب بسيط يظهر ان جميع الأحزاب العربية التي تتنافس على قيادة الجماهير العربية وتمثيلها لا تحظى الا بثلثي اصوات المشاركين العرب في الانتخابات، أي ثلث مجمل كل الجمهور العربي في اسرائيل باحسن الأحوال. هذا نزع ثقة مرعب، لا ارى ان القيادات الحزبية متنبه لهذا الواقع وقادرة سياسيا وفكريا على تغييره.
طرح سياسة سليمة يعني رفع نسبة التصويت لتصل الى (80%) كما هو الحال في التصويت للسلطات المحلية.هذا سيزيد عدد اعضاء الكنيست ووزن السياسة العربية وتأثيرها في المجتمع الاسرائيلي عامة. انا غير متفائل من مستوى قادة الأحزاب وفهمهم لأهمية دورهم السياسي.لا اعني بالدور السياسي جعجعة الشعارات،بياعي الخضار أيضا يعرفون صياغة شعارات تزيد تسويق بضاعتهم، أعني العمل القانوني والبرلماني والشعبي المنظم. اعني التنسيق وبرمجة العمل النضالي وليس الارتجال والتشاطر للبروز قبل الآخرين. ما طرح من مواقف حتى اليوم حول التجنيد المدني، يثير مخاوفي اننا في الطريق الى المصيدة السلطوية.
ما يعرقل اقرار القانون حتى اليوم محاولة رئيس الحكومة ايجاد صيغة تبقى على تحالفة مع الأحزاب الدينية، بالنسبه له الجمهور العربي بقياداته واساليب النشاط والرفض المتبعة لا يشكل مشكلة او تحديا سياسيا .
ان موقفه المتردد من تجنيد الحراديم، حلفائه الدائمين والمخلصين في السلطة، سيسهل سقوطه السياسي كما يرى الكثير من المحللين السياسيين اليهود، وحسب آخر استطلاع للرأي الليكود بدأ يفقد الكثير من قوته السياسية والبرلمانية لصالح حزب العمل وأحزاب اليسار وحزب يائير لبيد (يش عتيد) الجديد.
لست ضد فكرة الخدمة المدنية الإجتماعية. لكني ضد فكرة واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هنا يجب تركيز معركتنا. المساوة بند اساسي لأي نظام ديمقراطي. المساوة في الواجبات ليست أمنية فقط، أي ليست عسكرية في جذورها. المساواة في الواجبات هي أكثر في الاتجاه المدني والإقتصادي والقانوني. لذلك اقتراح تجنيد العرب للخدمة المدنية دون تغيير استراتيجي في السياسة العنصرية للسلطة، نحو مساواة كاملة بين المواطنين اليهود والعرب واعتراف الدولة بهم كمواطنين كاملي الحقوق في تعريفها القانوني أيضا واسقاط التعريف العنصري دولة يهودية الذي ينفي مواطنة العرب، هذا لن يكون بدون تغيير مضمون سياسة التمييز العنصرية.
التجنيد المدني الإلزامي سيظل اقتراحا عنصريا مرفوضا يهدف جعل اللامساواة أكثر عمقا وأكثر خطرا على المجتمع العربي بظل استمرار السياسات العنصرية والتمييزية وفتح ابواب التشريع العنصري امام الأحزاب اليمينية المتطرفة.
كما أفهم، هذه هي طريقنا لمواجهة سياسات السلطة العنصرية باقتراح قانون التجنيد المدني وبمختلف المجالات.
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق