مراهنات فلسطينية جديدة على المفاوضات/ ابراهيم الشيخ

انتظرت القيادة الفلسطينية بفارغ الصبر تنصيب الرئيس الامريكي ونتائج الانتخابات الاسرائيلية على امل تحريك المفاوضات المتوقفة منذ عدة سنوات، وجميع الاطراف تبدي اهتمامها بالبدء في مفاوضات جديدة، ولكن لا أحد يطرح الأسس التي ستقوم عليه هذه المفاوضات، أم ستكون مفاوضات لمجرد المفاوضات كما أرادتها اسرائيل في السابق، ويبدو ان الفلسطينيين يستعجلون العودة الى المفاوضات والوصول الى حلول ممكنة قبل ضياع الاراضي المتبقية، والتي لم تبنى عليها المستوطنات الاسرائيلية بعد.
ان الحماسة التي أبدتها ادارة اوباما عند توليها السلطة منذ اربع سنوات تصرفت كباقي الادارات السابقة التي في بداية ولايتها دائماً تطرح المبادرات من اجل حل القضية الفلسطينية، ولكن هذه المبادرات لا تلقى اذانا صاغية من قبل دولة الاحتلال الاسرائيلي التي لا تؤيد أي حل لا  يعترف بشرعية مستوطناتها على الارض الفلسطينية وتطرح شروطا تعجيزية وتطلب من الفلسطينيين القبول بما تقدمه من حلول لا تحقق طموحات الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، وتسعى ايضاً الى فرض الوصاية والتبعية بكافة اشكالها على الشعب الفلسطيني.
ولكن ما الذي تغير من اجل عودة الفلسطينين الى المفاوضات مع العدو الاسرائيلي، فالادارة الامريكية لم تغير موقفها ولن تغيره من مسألة دعم اسرائيل، واسرائيل لم تغير من سياساتها وشروط الحل مع الفلسطينيين، وما زال نتنياهو الذي يعمل حاليا على تشكيل حكومة ائتلافية يمينية جديدة يشترط عدم طرح شروط  مسبقة للعودة الى المفاوضات من قبل الفلسطينيين كما اعلن مؤخرا، وبغض النظر عمن يحكم ومن سيحكم في اسرائيل فان الشروط تبقى كما كانت والتي تتمثل بعدم تفكيك المستوطنات، وعدم الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وابقاء القدس موحدة كعاصمة لدولة الاحتلال.
 ان القيادات الفلسطينية طوال الوقت تراهن وتنتظر تغير الوضع الدولي، وانتظار المبادرات من قبل الدول الكبرى وخاصة من قبل بريطانيا وفرنسا كما اشيع مؤخراً من اجل الضغط على دولة الاحتلال والعودة الى المفاوضات وإجبارها على تقديم التنازلات وقبول حل الدولتين، ولكن هذا الانتظار من الممكن ان يطول في ظل ضعف عربي، واطراف دولية لا تملك الارادة وهي غير مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع اسرائيل وبالتالي مع الولايات المتحدة من اجل عيون الشعب الفلسطيني.
ولكن على الصعيد الداخلي الفلسطيني فما زالت القيادات الفلسطينية غير قادرة على تحقيق الوحدة وانهاء الانقسام الذي افقد القضية الفلسطينية الكثير، والنهوض بالموقف الفلسطيني على مستوى التحديات الجمة التي تواجه الشعب الفلسطيني ومحاولات تصفية قضيته.
ان الانتظار الذي ادمنت عليه القيادات الفلسطينية دون امتلاك استراتيجية للخطوات القادمة افقد القضية ديناميتها، واصبح الموقف الفلسطيني ضعيفا لا يملك من اوراق الضغط ما يؤهله الضغط على الاحتلال، وخاصة بعد التعهد بعدم القيام بأي انتفاضة وممارسة المقاومة المسلحة ضده، مما شجعه على عدم الخوف من اي عواقب قانونية على اعماله التي يقوم بها، بدءأ من سرقة الاراضي وتدنيس المقدسات وقتل واعتقال الفلسطينيين، وتُقابل جرائم الاحتلال دون اي ردة فعل من القيادات الفلسطينية التي تعمل طوال الوقت على ابداء حسن النية تجاه دولة الاحتلال، والنتيجة هي عدم  تقديم مقابل من قبلها.
 من جهة اخرى ان التلويح بالذهاب الى محكمة الجنايات الدولية من قبل القيادات الفلسطينية التي تعتبر هذه المسألة ورقة قوية في يدها يجب ان تستعملها في الحال، وعدم انتظار المزيد من القتل وسرقة الاراضي، وألا يكفي ما فعله ويفعله الاحتلال من ممارسات تعسفية ومجرمة بحق هذا الشعب طوال اربعة وستين عاما، وهنا نطرح سؤالا ما معنى حسن النية تجاه اسرائيل، والتنسيق الامني الذي يضر فقط بالمصلحة الوطنية والذي يستفيد منه العدو الاسرائيلي فقط، هل في مقابل هذا كله استطاعت السلطة الفلسطينية اطلاق اسير واحد من سجون الاحتلال.
ان ممارسة السلطة  مسؤولية يجب ان يحاسب اصحابها على الاخطاء التي يقومون بها والرجوع الى الشعب في اي قرار يتخذونه مثل العودة الى المفاوضات وايضاح كل خطوة يقومون بها، وان أي عودة للمفاوضات مستقبلا وفي حال فشلها ستكون المحاولة الاخيرة للقيادة الفلسطينية للاستمرار في مسلسل المفاوضات العبثية والغير مجدية.
وفي هذه  الحالة لا يبقى امام الشعب الفلسطيني سوى تفجير انتفاضة ثالثة ومقاومة المحتل دون قرار من القيادات التي تظن نفسها قادرة على لجم ومنع الشعب الفلسطينيي من اتخاذ قرارات تهم مستقبله ومصيره للتخلص من الاحتلال، وتحاول هذه القيادات فرض سياسة القوالب الجاهزة على الشعب الفلسطيني حسب رؤيتها للامور، والتي تعمل طوال الوقت على الحفاظ على سلطاتها ومكتسباتها ولو على حساب معاناة الشعب الفلسطيني الذي يريد اليوم قبل الغد التخلص من حراب الاحتلال الاسرائيلي، وعدم الانتظار اكثر  والمراهنة على المفاوضات التي لا يمكن الاستمرار بها الى ما لا نهاية.
ابراهيم الشيخ
كاتب وصحفي فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق