المعري في بغداد بين المتنبي وشوبنهور 1/ كريم مرزة الاسدي

المقدمة :

أبو العلاء المعري (973 - 1058م / 363 - 449هـ) : أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي , عربي النسب من قبيلة تنوخ اليمانية , ولد في معرة النعمان , وأكسبها شهرته , بالرغم من أنّ عائلته  كريمة فاضله شهيرة بالرئاسة ,  يسودها  القضاة والعلماء والأدباء , ثم نكبه الدهر   بفقد بصره عقبى إصابته بالجدري  , وعمره أربع سنوات وتمم عماه في السادسة , ولم يرَ الا اللون الأحمر, ولكنه خرج علينا بتعليل غريب عجيب :
قالوا العمــى منظرٌ قبيحٌ       قلتُ بفقدانكم يهــــونُ
واللهِ ما في الوجودِ شيءٌ     تأسى على فقده العيون ُ
 تتلمذ على أبيه , وكان من دعاة الفاطميين الذين يقدسون العقل , وما زال شيخ عقلهم حتى اليوم رمزا , وروتْ جدّته أم سلـّمه بنت أبي سعيد الحسن بن إسحاق عليه الحديث , وكانت تـُعدُّ من شيوخه , وأخذ على بعض علماء مدينته المشهورين , وبدأ بقرض الشعر , وعمره إحدى عشرة سنة , وهاجر إلى حلب حيث أخواله من آل سبيكة المعروفين بالتجارة والشرف والكرم , وحلب - كما لا يخفى -  حاضرة سيف الدولة سابقا , ومركز العلم والأدب , وأخذ العلم عن تلاميذ ابن خالويه  ومنهم محمد بن عبد الله بن سعد النحوي ,راوية المتنبي  , فتأثر به  و تعصب لمتنبيه  , وضاقت به الدنيا فعرج على إنطاكية , فحفظ كثيراً من علوم مكتباتها العامرة, وخصوصاً البيزنطية منها , ومنها ذهب إلى  طرابلس في صباه  - على أغلب الظن - للتعلم والتثقف , ولكنه سرعان ما قطع دراسته فيها لوفاة أبيه سنة 377هـ /987م على حد رواية ياقوت في كتابه الجامع المانع (1), وهو صبي حيث عانى الفاقة  والعوز , فبقى معتكفاً في بيته حتى العشرين , إذ ترك له والده عقارا , يكريه بمبلغ زهيد يقارب ثلاثين ديناراً فيقتات مع خادمه منه , وللخادم النصف ! , انكب على دروسه الأدبية واللغوية والفلسفية  , وفي سنة 392 هـ / 1001م رجع مرة ثانية إلى طرابلس  وحط رحاله في مكتبتها - ولم تكن لبني عامر في حينها - , فتفرغ لها , ونهل منها ما نهل من علوم جمّة  لحافظته القوية , وذكائه الحاد , وعبقريته الفذة   ومنها عرج  إلى اللاذقية , وانبهر بصخبها , وزار أديرتها , وبالأخص الفاردوس  واستمع إلى رهبانها عن إصول الديانات المسيحية واليهودية وفرقهما , وغيرهما , لذلك ليس عبثاً أن يقول :
في اللاذقية ضجّة ٌ     ما بينَ أحمدَ والمسيحْ
هذا بناقوس ٍ يدقُّ        وذا بمئذنــــةٍ يصيحْ
كلٌّ يمجّدُ دينــهُ      ياليتَ شعري ما الصحيحْ
وقوله :
هفتْ الحنيفة ُ والنصارى ما اهتدتْ         ويهودُ حارتْ والمجوسُ مضللة
اثنان أهلُ الأرض ِذو علــــم ٍ بلا             دين ٍ وآخر دينٌ لا عقـــل لـــه
وتشعب في تساؤلاته وشكوكه أبان شرخ شبابه - ومن المحال نقل كل الأقوال -  ومثله من يملك عقلاً جباراً لابدَّ أن يجعل من الشك أساساً لليقين أخيراً ثبت إيمانه  ,  وخلاصة التفكير الإنساني الواعي للنابه الرفيع , لملمها المعري لنا  وأشار إليها , أعرف أنك ستقول هذه الأمور بسيطة كل واحد يعرفها , أقول لك رجاءً قف عند حدود الضياع , كلّ الأمور موجودة في الحياة تمرّ على الجميع , وتعبر إلى ذاك الصوب , العبقري من يمسكها , ويلفت نظرك إليها لتتأمل وتتمعن وتتفكر :
حياة ٌوموتٌ وانتظار قيامةٍ       ثلاث ٌأفادتنا ألوف معان ِ
لملم علومه اللغوية , وفنونه الشعرية . وفلسفته البيزنطينية والإغريقية , وما تعلم عن عقائد الأديان , وعقله , وتشككه , وحافظته , ورواياته , وأحاديثه , وعلوم القرآن , وتفسيره , واستأذن أمه الحلبية العجوز , فرفضت بادئاً , فاقنعها  , فوافقت على شفق ’ ثم توجّه إلى بغداد حاضرة الدنيا أو تكاد !
أبو العلاء إلى بغداد :
نعم  قصد بغداد عاصمة العباسيين ( 398- 400 هـ / 1007 - 1009 م ) , في عهد الخليفة أبو العباس أحمد القادر بالله (2) , ولكن السلطة الفعلية كانت بيد السلطان بهاء الدولة البويهي بن عضد الدولة  (3) , وكان غرضه تحصيل العلم , واكتساب الشهرة , وفي مقال في المكتبة الشاملة  يذكر , قدأشار بعض المؤرخين  من طرف خفي إلى فقره وطلبه الغنى ,  ونص القفطي والذهبي  على أن عامل حلب كان قد عارض أبا العلاء في وقف له، فارتحل إلى بغداد شاكيًا متظلمًا. وقد يكون الاضطراب السياسي في الشام آنذاك أحد الأسباب التي أخرجته وبغضت إليه المعرة فتركها ليقيم ببغداد , وأعد له خاله أبو طاهر سفينة انحدر بها إلى الفرات حتى بلغ القادسية ، وهناك لقيه عمال السلطان فاغتصبوا سفينته واضطروه إلى أن يسلك طريقًا مخوفة إلى بغداد  , فالتمس أبا  حامد الأسفراييني لمساعدته في رد سفينته بقصيدة قدمها إليه, فيها شيء من لطف الظرفاء , وحجة الفقهاء : 
ورب ظهر وصلناها على عجل    بعصرها من بعيد الورد لمّاع
بضربتين لطهر الوجه واحدة      وللذراعين أخرى ذات إسراع
وكم قصرنا صلاة غير نافلة    في مهمه كصلاة الكسف شعشاع
و المعري ينفي أن يكون خروجه طلبًا لدنيا أو التماسًا لرزق :
أنبئكم أني على العهد سالم      ووجهي لما يبتذلْ بسؤال ِ
وأني تيممتُ العراقً لغيرما     تيممهُ غيلان عنــــد بلال ِ(4)
ومثله من لا يحتاج إلى النفي , لَِما يتمتع به من عزّة نفس فطرية  , وتفهم للتقاليد الإجتماعية العرقية , وما يحمله من تراكمات علمية وثقافية , مهما يكن حين حط ّرحاله في كرخ بغداد , واستقر به الحال  وجّبها , ووجّب العراق كلـّه من خلالها :
كلفنا بالعراق ِونحن شرخٌ       فلمْ نلممْ بهِ إلاّ كـــــهولا
وردنا ماءً دجلة ًخيرً ماءٍ     وزرنا أشرفً الشجرَالنخيلا
وزلنا بالغليل وما اشتفينا     وغاية كلّ شيءٍ أنْ  يزولا
وربما بعد أن ْعانى مرارة نعته  بالكلب من قبل رجل عثر به معرينا  , في مجلس الشريف المرتضى  عشية تأبين والده  الشريف الطاهر , وكان الشاعرفي طريقه لإلقاء قصيدة ارتجالية في رثاء الفقيد , تعد من غرر قصائده  , والرجل العاضب تجاهله للباسه  المتعفف غير الباذخ , وهيئته التي توحي بالتطفل , ولعدم معرفته بالعالي المقام , والقوي النفس  , والناس مظاهر عند الناس لا معادن , لاسسيما كان الزائر الضيف حديث العهد في بغداد , ومع ذلك لم يفته الرد المفحم حين أجابه : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً , ثم واصل المسير , وأنشد رثاءً ما أروعه :
أودى فليتَ الحادقاتِ كفافِ        مال المسيف وعنبر المستافِ
أبقيت فينا كوكبين سنـاهما      في الصبح والظلماء ليس بخافِ
ساوىالرضيُّ المرتضى    وتقاسما خطط العلى بتناصفٍ وتصافِ
وأجلّ الرجلان الشريفان أبا العلاء أيّما إجلال , وقرّباه إليهما , وضمّاه إلى مجلسهما معزّزا مكرما ,لذلك من المحال أن يطلق المرتضى صفة الكلب على أبي العلاء كما تـًنسب بعض الكتب  لمجرد اختلافهما حول المتنبي أواخر رحلة الغريب الكبير إلى بغداد  - سنأتي عليها -  , المهم في بدايات الأيام حنّ إلى مدينته وأهلها وقومه , وخصوصاً لتجهاله من الجهال , فقال في حالة خيبة وشوق :
فيا برقُ ليس الكرخُ داري وإنّما      رماني إليهِ الدّهرُ منذُ ليال ِ
فهل ْ فيكَ منْ ماءِِ المعرّةِ قطرةٌ       تغيثُ بها ظمآن ليسَ مبال ِ
صدمة الغربة بادئ الأمر , لاجرم تأخذ من النفوس أمرا , بعد أن تشربت من ماء بلادانها عمرا , وعاشت بين آنامها دهرا , فمن يعذله على قوله :
يا ماءَ دجلة َما أراك تلذّ ُ لي     شوقاً كماء معرّة النعمان ِ 
ولكن بعد أنْ عرفوا أنّ الرجل الماثل أمامهم هو أبو العلاء المعري , وكانت سمعته قد جابت الآفاق , وملأتْ الدنيا , وصكت الأسماع , احتفى به البغدايون , وأحاطوه بما يستحق من التبجيل والتكريم , وعرضوا عليه الأموال الطائلة للإقامة في ديارهم , ولكن الرجل كان عفيف اليد , عزيز النفس , أبي الهمة , لا ياتفت إلى الصغائر , وكلّ ما فوق التراب ترابُ , يكتب رسالة إلى خاله بالمعرة أبي القاسم يقول فيها  عن أهل بغداد : " ورعاية الله شاملة لمن عرفته في بغداد , أفردوني بحسن المعاملة , وأثنوا عليّ في الغيبة , وأكرموني دون النظراء..."  والحقيقة إضافة إلى حظوته في مجلس الشريفيَن , وعلو شأنه بينهم , تعرف على الشيخ حامد  الأسفراييني كبير فقهاء الشافعية , و كان يحضر ندوات الشعراء في جامع المنصور , ويشارك الشعراء بشعره , ويناقشهم ناقداً ومعلماً ومتعلماً, وأخذ الفلسفة الهندية والفارسية , وتأمل في حكمتيهما , ولم يفته مجمع سابور بن أردشير (ت 416 هـ /1026م) , وزير بهاء الدولة ابن عضد الدولة , ومكتبته الشهيرة  ما بين السورين (دار العلم) , والتي أ ُحر ِقتْ ( 450 هـ) ,بعد دخول  طغرل بك السلجوقي بسنتين, ولابد أنك سمعت بقصيدة معرينا  التي يقول فيها:
وعنـّتْ لنا في دار سابور قنية ٌ   من الورق مطراب الأصائل ِمهيال
فيا دارها بالحزن ِ,إنَّ مزارها     قريبٌ  ,  ولكن دونَ ذلك أهــــوال
وكان يحضر يوم الجمعة ندوة عبد السلام البصري , صاحب خزانة الكتب , وقرأ عنده ديوان تيم اللات وبعد أن اشتهر بين أهلها , وروى (سقط زنده) , وشرح معناه , فأخذ منزلته الرفيعة فيها , وحدثت أيام زيارته اضطرابات وقلاقل , وثار الجند بسبب ضعف الخليفة العباسي واللسلطان البويهي , وقد سبق أن ألمحنا إلى ما عاناه في حلبه و معرته ,  مما حدا شاعرنا أن يتأفف من الأوضاع في القطرين المتجاورين :
إنَّ العراقَ وإنّ الشامَ مذ زمن ٍ      قطران ما لهما للملكِ ســــلطانُ
ساسَ الأنامُ  شياطينٌ  مسلطة ٌ     في كلّ مصر ٍمن الوالين شيطانُ
ويزعمون حدثت في أواخر أيامه ببغداد جلسة مشاحنة بينه وبين الشريف المرتضى , وكان الشريف يحمل البغضاء للمتنبي , ولما ورد اسمه في المجلس , ذم الشريف شعر المتنبي ونال منه - ويقال أيضاً إنّ المرتضى تعمد إثارة الموضوع - وكان أبو العلاء جريئا وشديد التعصب  له ,  ويحسب أنه أشعرالمحدثين , ويفضله على بشار وأبي نؤاس وأبي تمام , فأجابه لو لم تكن للمتنبي إلا قصيدته  التي مطلعها :
لكِ يا منازلُ في القلوبِ منازلُ      أقفرتِ أنتِ وهنّ منكِ أواهلُ
لكفاه فضلاُ , فغضب المرتضى , وأمر حجابه أن يسحبوه من رجله ويخرجوه من المجلس , وقال لمجمعه ,إن المعري ما كان يقصد إلاّ بيتاً واحداً منها , و إلا للمتني قصائد أفضل منها , والبيت هو :
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ     فهي الشهادة لي بأنـّي كاملُ
هذا الكلام لا يعقله عاقل منصف , لعدة أسباب منها , أبو العلاء رثى والده بالقصيدة التي ذكرنا مطلعها  , بأشجى الرثاء , ومدح الأخوين بأفضل المديح  , والرجل غريب , والشاعر أريب , وشهير ضرير , ووقور مهيب , ومتواضع رفيع  , كان يرفض أن يكنى بأبي العلاء قائلاً :
دُعيت أبا العلاء وذاك مينُ     ولكن الصحيحّ أبو النزول ِ
أمّا الشريف كان شريف الطالبيين , منزلته توازي منزلة الخلافة  رسميا ًوأكثرمنها اجتماعياً , كيف يتقبل القارئ اللبيب أنْ ينزل الشريف العالي  إلى هذا المستوى السوقي العامي !!, بل أن الشريف الرضي (ت 406هـ / 1016م) , وهو الأخ الأصغر للمرتضى (ت 436 هـ / 1035م) , يخاطب الخليفة القادر  قائلاً :
مهلاً أميرَ المؤمنبن فإننا       في دوحةِ العلياءِ لا نتفرقُ
ما بيننا يومَالفخار ِتفاوتْ     أبداً كلانا في المعالي مفرقُ
إلاّ الخلافة  ميّزتك فإنني    أنا عاطلٌ منها وأنتَ مطوّقَُ
 أمثال  هذه الشخصيات الكبيرة الشريفة , لايمكن أن تنزلق إلى الهاوية بالإساءة المباشرة وبكلام بذيء يعرفون مدى حجم مردود إساءته , وسعة سلبية  سمعته .
والسيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة) يعتبر الرواية موضوعة , ويذكر صاحب ( أدب الطف) عن ( الأمين)  بما معناه , من قال : إنّ المرتضى كان يبغض المتنبي ؟ ولماذا يبغضه, , وهو لم يعاصره , فولادته كانت بعد وفاة المتنبي ؟ والأخير من يستطيع إخفاء فضله على الشعر العربي ؟ ثم أنّ المعري هو الذي مدح الشريفين , فكيف يعقل أنه يضمر النيل من الشريف ؟(5) .
 وهذا ما أشرت إليه سابقا , نعم المتنبي توفي 354 هـ / 965م) , والشريف المرتضى تولد (355 هـ /966م) , وأخوه الرضي ولادة ( 359 هـ /970م) , وكيف يركن المرتضى حكمه على الظن  والوهم ؟
ربما الشريفان - كما أرى - لهما موقف عقائدي من تشكك شيخ المعرة , وأرائه من الدين والأديان , لاسيما قد عرض بضاعته في بغداد , وكان عز شبابه , ولم يبلغ مرحلة الكهولة , وإنْ زعم " فلم نلمم به إلا كهولا " ! إذ كان عمره دون الأربعين بأربع سنوات , وما قوله :
تناقض ما لنا إلا السكوت  له      وأنْ نعوذ بمولانا مــن النار ِ
يدٌ بخمس مئين ٍعسجدٍ وديتْ     ما بالها قـُطعت في ربع دينار ِ
يذكر الذهبي في (سيرة نبلائه) بخبر مسنود , سألناه عن البيتين , فقال : هذا كقول الفقهاء عبادة لا يعقل معناها , قال كاتبه : لو أراد ذلك قال : تعبدٌ   ولِما قال : تناقضٌ , وأردفه ببيت يعترض فيه على ربه (6).
يقال أن الشريف الرضي أجابه ببيت مشهور :
عزُّ الأمانةِ أغلاها وأرخصها    ذلُّ الإمانة فأعرف حكمة الباري
والمعري محرك العقول ومحيرها له مثل هذه الأشعار ما لا تحصى :
صرف الزمان مفرق الإلفين     فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا    وبعثت أنت لقبضها  ملكين
وزعمت أن لها معـادا ثانيا     ما كان أغناها عن الحالين
وبهذه تتمسك العقول المادية النافية, وترفضها النفوس المتدينة الناقلة و العقول المؤمنة , ومن العجيب هو نفسه القائل :
أثبتَ لي خالقاً حكيماً        ولستُ من معشر ٍ نفاةِ
هذا دليل قاطع وحكم جازم بمدى إيمانه بالله , بل في قصيدته التي أجاب بها الشريف أبا إبراهيم موسى بن إسحاق , يؤمن بأصحاب  الكساء الذين خلقوا قبل المريخ والميزان :
يا ابن مستعرض الصفوفِ ببدر ٍ       ومبيد الجموع مــــــن غطفان ِ
أحد الخمســة الذين هـــــم الأغـْ        ــراض ِفي كلِّ منطق ٍوالمعاني
والشخوص التي خلقنَّ ضيـــاءً        قبلَ خلق المريخ والميـــــــزان ِ
يقول ابن رشيق  القيرواني في (عمدته ) عن المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس ) , وذهبت مقولته على كل لسان , وأنا عندي أبو العلاء المعري (محرك العقول ومحير الناس ) !! لا ندري من أين نمسك الرجل , ولا هو يدري أين هو ؟!
سألتموني فأعيتني إجابتكم      مَن ادّعى أنـّهُ دار ٍفقد كذبا
العبقري الخالد قضى سنة وسبعة أشهر في بغداد , وغادرها على مضض موجغ الفلب , وقال فيها عدة قصائد تشير إلى وجدٍ , لم يبق ِله وجدا ! :
أودعكم يا أهل  بغداد  والحشا     على زفرات ٍما ينين من اللذع ِ
وداع ضناً  لمْ يســـتقل  وإنّما      تحامل من بعد العثار على ظلع ِ
فبئس البديلُ الشام منكم وأهلهُ     على أنهم أهلـــي وبينهم ربعي
ألا زودوني  شربة ًولو أنـّني       قدرتُ إذاًً أفنيتُ دجلة  بالكرع ِ
هذا الشعر لا يمكن أن تبثـّه خوالج نفس سيمت الخسف من سيد بغداد في زمنه ,  ولولا وصول رسالة من أهله تخبره بمرض أمه , ولابد أدرك بحدسه أنه الموت , فقال :
إذا نأتِ العراقَ بنا المطـايا     فلا كنـّا ولا كان المطيّ ُ
على الدنيا السلامُ فما حياة ٌ     إذا فارقتـــــكم إلا نعيُّ
ولما نعى مشى , وشدّ رحاله مع الركبان إلى معرّة النعمان , وإلى اللقاء لتكملة العنوان , والله المستعان .     
          
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيما يذكر ابن العديم في تاريخ حلب وفاته 395 هـ 1004م بدليل قوة ونضوج قصيدة رثاء أبيه 
(2) هو أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله  , حكم بعد الطائع بالله ابن المطيع ابن المقتدر, أي  بين (381هـ - 422 هـ / 991م - 1031م
(3) هو أبو نصر فيروز  ابن عضد الدولة  , تسلطه بعد أخيه شرف الدولة ,أي  بين ( 380 هـ - 404 هـ / 990 - 1013م )
(4) موقع المكتبة الشاملة :مقال عن أبي العلاء
shamela.ws
 (5) أدب الطف : السيد جواد شبر , الجزء الثاني ص 302 , مؤسسة التاريخ - 2001 م - بيروت
(6) سيرة أعلام النبلاء : محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي  ج 18 ص 31 مؤسسة الرسالة  - 2001 م -  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق