المجتمع المصري منذ زمن بعيد قد يرجع إلى الإحتلال الإنجليزى لمصر اعتاد علي احترام "الخواجة" حيث جعله دوما نصب عينيه مضرب الأمثال فى الإلتزام المهنى والسلوكى ، ولم تكن الثقة فى الخواجه وليدة الصدفة ، ولكن هى نتيجة واقع ملموس ، ومشاركة ، ومحاكاه كانت ومازالت لما يتميز به هذا الخواجة من إحترام لكلمته وتعاقداته واتفاقياته ، فقد كان أهم مايميز الخواجه وهو الأجنبى ( صاحب العمل ) فى مصر أنه إعتاد أن يعطى الحقوق لاصحابها من العاملين تحت إدارته وإشرافه ، ماداموا يؤدون ماعليهم و يحققون المستهدف والمخطط المنشود على أكمل وجه ، ومن هنا إستقرت المقولة الشهيرة "عقدة الخواجه" لدى المصريين ، من منطلق الثقة فى هذا الخواجة الذى تفوق على كثير من المصريين فى اداء الحقوق لاصحابها ، ولكن السؤال المحير هنا : هل الخواجه اليوم مثل الخواجة الذى عرفناه وسمعنا عنه إبان الإحتلال الإنجليزى لمصر ؟ الإجابة بالطبع بالنفى لأن دوام الحال من المحال وطبيعة الدنيا فى التغيير ، والخواجة اولا واخيرا بشر، ولكن عندما يكون التغيير فى أشياء راسخة فى الاذهان ، فلابد ان نبحث وننقب عن اسباب هذا التغيير الذى اصاب الخواجة من عصر لعصر ، رغم مايتمتع به من ثقة لدى المصريين وانطباع دائم انه لايحيد عما يلتزم به مطلقا " فالإنطباعات الاولى تدوم " كما يقال .
إذن مالسبب فى تغير "الخواجة" صاحب العمل اليوم فى عدم الوفاء بإلتزاماته تجاه العاملين فى المؤسسات والشركات والبنوك التى يديرونها ؟ والإجابة على هذا السؤال من وجهة نظرى المتواضعة تكمن فى أمرين هما : "الأول" يكمن فى وجود بعض المصريين الذين يكرهون الخير لزملائهم والمقربين من الخواجة والذين يحاولون كسب ثقته وحبه على حساب ألاف العاملين بدعوى التوفير وتحقيق اعلى الارباح للشركة أو المؤسسة التى يملكها ولو جاء ذلك على حساب ألاف العاملين الذين هم السبب الاول لكل ماتحقق من ارباح وإستقرار مالى .
والغريب أن هؤلاء المقربين من الخواجه فى سبيل إقناعهم الخواجة (بالمنع ) عن العاملين يظفرون هم (بالمنح) والعطايا ، فيتم مكافأتهم بسخاء على إدعاءهم كذبا وافتراءا بالتوفير لصاحب العمل ، ولو على حساب حقوق وعرق وجهد العاملين الكادحين ، فهل نسى هؤلاء ان هناك إله وحساب وسؤال عما يقترفون ، إننى لاالوم الأجنبى ( الخواجة ) المالك او المدير قدر ما ألوم المصرى الذى إستطاع بجبروته ان يغير فكر هذا الاجنبى الذى كنا نتوسم فيه الحق والعدل ، إستطاع أن يقوم بعمل فورمات لكل الثوابت التى عرفناها عن هذا الخواجة بإدخال فيروس مدمر .
والأمرالثانى : يكمن فى أن بعض الاجانب الملاك الذين عاشوا فى مصر فترات طويلة عرفوا طبائع المصريين جيدا ودرسوها بحرفية وفطنوا إلى حالاتهم الإقتصادية تارة ، وإلى ظروفهم السياسية تارة اخرى، فاستطاعوا أن يخلقوا من هذا المنطلق مجالا للمساومة ، فنجدهم يساوموهم على حقوقهم حتى لو كانت مكتوبة ومتفق عليها بموجب عقود واتفاقيات وشهود ، بغية تحقيق اعلى المكاسب لصالحهم ، فكما ان هناك اجانب ملتزمون فى اداء الحقوق لاصحابها ، هناك ايضا من هم يعشقون الفصال فى الحق ، والنقاش ، والجدال ، واحيانا التعنت ، واحيانا الإطاحه بالإتفاقيات عرض الحائط وكأن شيئا لم يكن .
ورغم كل ذلك فمازلت أتمسك بأن الأجنبى المالك لايريد سوى تحقيق اقصى مصلحة له وهذا حقة ، ولكن على الجانب الاخر فلابد ان يفكر جيدا انه من الفطنة منح الحقوق إلى اصحابها دون تمييز او تفضيل ، كما أنه من الفطنة أيضا تحفيز العاملين ، ومنحهم الثقة ، وتوفير المناخ الجيد لهم للعمل والعطاء ، والإنتماء للمكان الذى يعملون به ، والإستقرار الذى هو الأهم فى نجاح وتقدم وريادة اى مؤسسة .
أناشد المصريين قبل الاجانب وأقول لهم راجعوا أنفسكم بل حاسبوها قبل ان تحاسبوا فلايصح إلا الصحيح ولابد لكم أن تقرأوا التاريخ جيدا فالمُلك والكرسى لايدوم لأحد ، سبحان من له الدوام ، فأكم من مسئولين ظلموا وسلبوا حقوقا ليست لهم ونافقوا وتملقوا وفجأة كانوا بين يدى الله لايستطيعون حتى النطق بالشهادتين قبل مغادرة الدنيا ، رسالة إلى كل من ظلم او شارك أو ساهم فى ظلم أن يتقى الله ويعود إلى صوابه فالعوده والرجوع للحق من الفضائل وليتذكر كل ظالم أن الدنيا إلى زوال فليتقوا دعوة المظلومين فليس بينها وبين الله حجاب واذكرهم بقول مأثور يقول : النفس تبكى على الدنيا وقد علمت ان السلامة فيها ترك مافيها ، لادار للمرء بعد الموت يسكنها ، إلا التى كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها – حفظ الله مصر وحفظ شعبها العظيم " ولايضيع حق وراءه مطالب ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق