حتى لو ، نيزك عملاق ، يضرب الأرض غداً مساءً بكل تأكيد ، ويقسمها إلى نصفين . في هذه الساعات المتبقية ، من العالم ، والأنفاس الأخيرة للحضارات البشرية ، أكتب لكم قصيدة . لا توجد كارثة أعظم من الكتابة . إِنَّ الشِّعر تَجربةٌ شخصية ، بمعنى أنه يهدد حياتك كلَّها كشاعر شاب . هل تستطيع أن لا تُنجب كالمعري ودرويش و النواب ؟ . أن تضيع في الشوارع بين أناسٍ عاديين جداً ، تتعلم منهم مشكلة الإنسان ؟. لقد انتهت أجيالٌ بأكملها ، بسبب استنساخ بعضهم بعضا . يحملون حقيبة ، يجلسون في المقهى ، يطبعون دواوين ، ينشرون في الصحف وربما يبحثون عن معجبات . هكذا ضاع العمر ، بلا تجربة ، تستحق الذكر . إن الشعر تضحية ، وليس نجومية ، إنك تخسر حين تقبل بهذا القدر ، هذا إذا قبلت بهذه المغامرة ، و دفعت بنفسك في العاصفة إلى لجة البحر . لا يستطيع الشعر أن يغامر بدلا عنك . لا تستطيع أن تقول ، إنّ المغامرة في قصائدي ، لكنني هنا جالس بأمان ، هذا غير ممكن مستحيل . الشعر يفرض عليك تجربة جسدية . يفرض الخطر ، والضياع ، والضلالة . وإلا هو مجرد كلام فاشل ، بلا طاقة . هل تتحَمَّلُ رؤية أترابك ، يعملون ، يشترون البيوت ، و قد أنجب كل واحد منهم سبعة أبناء ، ذرية صالحة ، رزق السماء ، بينما أنت مشرد ، من قرية إلى قرية ، ومن عشيقة إلى أخرى . في الاربعين ، بلا آمال ولا بنين ؟ . هل يمكنك ذلك ؟؟ . أم أنك ستدور في نفس البيدر الذي هو : مقهى + أمسية + صحافة + فضائية + جائزة أدبية + إعلام + طبع ديوان + مهرجان + وفد إيفاد عن وزارة الثقافة + اتحاد أدباء + اتحاد صحفيين + وظيفة + خراب و تكرار لموت الثقافة الوطنية
.
ربما الشعر ، لا يكمل الحياة كما يقول أدونيس .ربما هو عدم قناعة بالحياة ، و عدم رغبة بها . تعبير عن دخولك زمناً غريباً ، ليس زمنك . دليل على أنك عشت حياة رجل آخر . وأن هذه ليست حياتك . اغتراب كبير يؤدي إلى هذا النوع من الحياة . لأن كل محاولاتك الذوبان في الواقع تفشل . لأنك منذور للفقدان والخسارة والشعر . نعم يبدو الشعر صعباً جداً هنا ، وهذا ما يجعل الشباب ينفرون مني . حتى لو شجعتهم فإنهم لا يصدقونني . و ماذا أفعل لكم ؟ الشعر صعب جداً . و ثرثرتكم مجرد تمارين بيتية . لقد تم التطاول على سعدي يوسف بسبب الجهل . حين تقرأه ، و تتأمل تجربته حقاً سوف تصمت . لن تشعر برغبة بالكلام . تجربة شاسعة , مغامرة بمعنى الكلمة . يبدو الأمر ، كما لو أننا ، لا نرى سوى الجانب الصاخب ، البرّاق من القصيدة . لا نرى مظفر النواب ، في الستين ، يتجول مع صبيان لا يعرفهم في دمشق . وحين يودعونه آخر السهرة ، يخرج الشاعر العجوز ، من البار ، ليقف وحيدا في شارع الصالحية . أحيانا ساعة كاملة ، لا يعرف أين يذهب ؟ . كأن في شقته وحشاً سيلتهمه ، أو خبراً سيّئاً لا يريد معرفته . الوحدة ، والمصير المأساوي للشعراء عبر التاريخ ، هو في الحقيقة ما ينتظر النواب في شقته ( ذيب حزن اللّيل ) . لا أحد يرى محمود درويش ، آخر أيامه ، في محطة الباص بلندن . يكتب عن المسرعين أبدا في شوارع الدنيا ، وهم يتطلعون إلى ساعات اليد . يكتب عن الحياة كمحطات الباصات ، لا أهلٌ ولا وطنٌ ، ولا ولدٌ يَمْسِكْ يده على حافّة قبره العميق المظلم ( تُنْسى كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ ، تُنْسى كَمَصْرَعِ طائِرٍ ) . لا أحد يفكر ب سعدي يوسف ، في الثمانين ، يسقي حديقة المنزل الحزينة بلندن . يذهب على وهنٍ إلى بار يوناني قديم ، وقد يتوقف في الحديقة العامة ، خلف المقبرة الكاثوليكية ، ليبكي وحيداً قليلا . قد يجبره المطرُ ، الإختباءَ في محطة الباص لدقيقة . قد ينزلق في الثلج ويؤذي ركبته العجوز الهشّة ، ثمَّ ينهض كطفل . قد يرثي نفسه كمالك بن الريب ، هنا على جسر إنكليزي قديم ، وقد يقفز منتحرا هذا المساء ( أَسِيْرُ مَعَ الجَمِيْعِ ، و خُطْوَتِيْ وَحْدِيْ ) . لا أحد يريد أن يرى تضحية الشعراء .
.
ربما الشعر ، لا يكمل الحياة كما يقول أدونيس .ربما هو عدم قناعة بالحياة ، و عدم رغبة بها . تعبير عن دخولك زمناً غريباً ، ليس زمنك . دليل على أنك عشت حياة رجل آخر . وأن هذه ليست حياتك . اغتراب كبير يؤدي إلى هذا النوع من الحياة . لأن كل محاولاتك الذوبان في الواقع تفشل . لأنك منذور للفقدان والخسارة والشعر . نعم يبدو الشعر صعباً جداً هنا ، وهذا ما يجعل الشباب ينفرون مني . حتى لو شجعتهم فإنهم لا يصدقونني . و ماذا أفعل لكم ؟ الشعر صعب جداً . و ثرثرتكم مجرد تمارين بيتية . لقد تم التطاول على سعدي يوسف بسبب الجهل . حين تقرأه ، و تتأمل تجربته حقاً سوف تصمت . لن تشعر برغبة بالكلام . تجربة شاسعة , مغامرة بمعنى الكلمة . يبدو الأمر ، كما لو أننا ، لا نرى سوى الجانب الصاخب ، البرّاق من القصيدة . لا نرى مظفر النواب ، في الستين ، يتجول مع صبيان لا يعرفهم في دمشق . وحين يودعونه آخر السهرة ، يخرج الشاعر العجوز ، من البار ، ليقف وحيدا في شارع الصالحية . أحيانا ساعة كاملة ، لا يعرف أين يذهب ؟ . كأن في شقته وحشاً سيلتهمه ، أو خبراً سيّئاً لا يريد معرفته . الوحدة ، والمصير المأساوي للشعراء عبر التاريخ ، هو في الحقيقة ما ينتظر النواب في شقته ( ذيب حزن اللّيل ) . لا أحد يرى محمود درويش ، آخر أيامه ، في محطة الباص بلندن . يكتب عن المسرعين أبدا في شوارع الدنيا ، وهم يتطلعون إلى ساعات اليد . يكتب عن الحياة كمحطات الباصات ، لا أهلٌ ولا وطنٌ ، ولا ولدٌ يَمْسِكْ يده على حافّة قبره العميق المظلم ( تُنْسى كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ ، تُنْسى كَمَصْرَعِ طائِرٍ ) . لا أحد يفكر ب سعدي يوسف ، في الثمانين ، يسقي حديقة المنزل الحزينة بلندن . يذهب على وهنٍ إلى بار يوناني قديم ، وقد يتوقف في الحديقة العامة ، خلف المقبرة الكاثوليكية ، ليبكي وحيداً قليلا . قد يجبره المطرُ ، الإختباءَ في محطة الباص لدقيقة . قد ينزلق في الثلج ويؤذي ركبته العجوز الهشّة ، ثمَّ ينهض كطفل . قد يرثي نفسه كمالك بن الريب ، هنا على جسر إنكليزي قديم ، وقد يقفز منتحرا هذا المساء ( أَسِيْرُ مَعَ الجَمِيْعِ ، و خُطْوَتِيْ وَحْدِيْ ) . لا أحد يريد أن يرى تضحية الشعراء .
البعض ، بكل أسف ، ينظرون إلى النجومية ، والشهرة السخيفة . الكل يريد كتابة قصيدة ، ثُمَّ ينتظرُ التصفيق من جهلة مفلسين . يريدون القصيدة ، دون أن يعرفوا ثمن القصيدة . إن كراهيتي لمسوخ الثقافة ، ليس لها حدود . لقد فتحوا مواقع أدبية ، لإهانة الشعر ، و تحويله إلى رقصة كاولية ، و شهادات زور ، و شراء ذمم . مسوخ لوثوا الثقافة العراقية ، آخر معقل للضمير ، والفرار الروحي . كان تطهير النهر من هذا التصريف الصحي ، وفئرانه ، واجبا قوميا . إنّ الكلام كثيرٌ ، حين تنعدم الموهبة . و لعلّي غير مُدركٍ لهذا النداء المقدس الذي وهبتُهُ نفسي . الإيمان ، نعم الإيمان ، هذا أقل ما يطلبه الشاعر من شعبه ، وإلا لا يمكنه الإخلاص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق