.....القدس تتعرض لحرب شاملة من قبل الإحتلال الصهيوني،حرب تستهدف إخراجها من دائرة الصراع والسيطرة عليها بشكل نهائي،حرب تطال سكانها في كل مناحي وتفاصيل حياتهم اليومية الإقتصادية والإجتماعية منها،وهي حرب تتقدم على جبهتين،جبهة التهويد من خلال الإستيطان المكثف والمتصاعد،والسيطرة على الممتلكات والأراضي والبيوت العربية،من خلال المصادرة والتزوير للملكية او التواطؤ ما بين أجهزة الإحتلال الأمنية والقضائية والسياسية،والجمعيات الإستيطانية المتطرفة او الشراء بطرق ملتوية من قبل بعض ضعاف النفوس والمتعاملين مع الإحتلال،والأسرلة من خلال محاولة إحتلال الوعي الفلسطيني المقدسي و"كيه"،مترافقاً ذلك مع سياسة تطهير عرقي وإجراءات وممارسات وتشريعات وقوانين عنصرية،كلها تصب في خانة الطرد والترحيل القسري للمقدسيين عن مدينتهم،والإحتلال بلغت فيه العنجهية والصلف حداً غير مسبوق عندما حشد في الذكرى السادسة والأربعون للضم القسري لمدينة القدس اكثر من نصف مليون مستوطن،مارسوا كل أشكال شعوذتهم وشذوذهم وطقوسهم وعربدتهم وزعرنتهم في المدينة وأغتصبوا بلدتها القديمة وساحات المسجد الأقصى تحت حماية وحراسة ألآلاف من قوات حرس حدوده وجيشه وشرطته ومخابراته ومستعربيه،وامام هذا التوحش والتغول والصلف الصهيوني،حاول الشباب المقدسيون واهل المدينة بقدر إمكانياتهم وطاقاتهم التصدي لهذه البلطجة والعربدة والزعرنة،وكانت هذه الهجمة الصهيونية بمثابة لطمة قاسية للمقدسيين،وتعلموا الدرس جيداً بأنه لا بد من توحدهم وتكاتفهم معاً،من أجل ان يجعلوا العدو يفكر ألف مرة،قبل ان يقدم على إقتحام أقصاهم وممارسة كل أشكال الشذوذ والعربدة في ساحاته،او ممارسة الشعوذة والطقوس التوراتية والإستفزازات المتعمدة في قلب مدينتهم.
وبالفعل جاء يوم النكبة،وكان يوماً فلسطينياً بإمتياز،حشد له شعبنا من الداخل الفلسطيني والقدس،وكان جوهر هذا الحشد من الشباب الذين كان عمل الإحتلال منصباً عليهم،من اجل تخريب وتشويه وعيهم،واخراجهم من دائرة الفعل الوطني،ولكن اثبت الشباب المقدسيون للعدو،بان كل محاولته لن تنجح في سلخهم عن حركتهم الوطنية،وكانو هم القادة الحقيقيون في الميادين،وأثبتوا بالفعل انهم لن يكونوا خارج خيارات شعبهم،بل سيبقون جزء أساسي من حركتهم الوطنية،سيكونون الجنود الافياء المخلصين لقدسهم وأقصاهم ومشروعهم الوطني،فكان يوم النكبة في القدس،ليس يوم طقوس إحتفالية أو إستعراض للقدرات الكلامية والإنشائية في مهرجانات او مسيرات مدجنة،كما جرى في اكثر من منطقة خارج مدينة القدس،بل يوماً رفرفت فيه اعلام فلسطين والنكبة في كل شوارع القدس عبر مسيرة حاشدة وعمليات كر وفر في كل زقة وشارع مع قوات الإحتلال والاشتباك معها ومع مستوطنيها لأكثر من ست ساعات متواصلة،فرض فيه شبان سيطرتهم الكاملة على المدينة،وأثبتوا انهم يختزنون الكثير من الطاقات والابداعات،والقدرة العالية على التضحية والعطاء،وهم بحاجة فقط الى قيادة ترتقي الى مستوى تضحياتهم ونضالاتهم وابداعاتهم،قيادة تعرف جيداً كيف تستثمر في هؤلاء الشباب،ليس من منطلق الإستثمار السياسي لمشاريع واجندات مشبوهة او الفئوية المفرطة،الإستثمار باتجاه تعميق وعيهم وحسهم الوطني،وجعلهم جزء فاعل من القرار الوطني والمرجعية للمدينة،فهم اسود الميدان،وحجر الرحى في المواجهة والفعل،وهؤلاء الشباب حركتهم وحراكهم،يجب إخراجها من دائرة الفئوية والتشتت الى دائرة التأطير والتنظيم والمأسسة، فالتنيظم يتضاعف الجهد ،ويعمل على صقل وتنمية قدرات وابداعات الشباب،ويفجر طاقاتهم ويوسع مداركهم وينمي ويصلب وعيهم،وهم بحاجة الى حواضن تنظيمية وسياسية،حتى يتم مراكمة الجهد والفعل،ومن اجل ان يستمر ويتواصل العمل الكفاحي والنضالي والجماهيري والشعبي،ولا يكون عملاً موسمياً او جهدا وفعلا غير متناغمين وموحدين،وهذا رهن بالأساس بالحركة الوطنية المقدسية ومؤسسات العمل الأهلي والمجتمعي والشخصيات المقدسية،المطالبة بوضع خطط وبرامج ورسم استراتيحيات،من شأنها ان تؤطر وتنظم وتصهر كل الطاقات والفعاليات المقدسية في بوتقة واحدة،يكون الشباب جزء أساسي فيها،فالتاريخ والثورات تعلم بان القائد من يتقدم الصفوف،لا من يسير خلف جنوده في المعركة،والشباب هم قادة الميادين،ويستحقون القيادة عن جدارة.
ويبدو ان الحركة الوطنية،لم تتعلم الدرس جيداً،ولم تجري عملية مراجعة للأوضاع،على ضوء ما حصل في يوم النكبة،حيث ان الإحتلال كثف من هجماته على مدينة القدس،وكان واضحاً بان المسجد الأقصى في صلب الإستهداف الصهيوني،حيث اصبحت عمليات إقتحامه شبه يومية،والهدف واضح جعل عمليات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين أصحاب الحق الحصري في المسجد الأقصى كمكان مقدس لهم وبين الدخلاء المستوطنين حقيقة قائمة.
فالحركة الوطنية،لم تمارس دورها ومهامها ومسؤولياتها،تجاه الشباب المقدسيين ولم تنجح في تاطيرهم ونظم حركتهم بشكل فاعل ومنظم،فكان الحراك في العديد من الأحيان يتسم بالعفوية والهمة والفردية.
وعلى الرغم من ذلك ما حدث في يوم النكبة،كان بمثابة بروفا لما ستكون عليه الأمور والمواجهات والمعارك في المرات القادمة،فجاء يوم الخامس عشر من تموز، حيث كان يوما للتصدي ولمقاومة مشروع"برافر" لتهويد النقب،وإقتلاع ابناء شعبنا هناك من أرضهم،طردهم وتهجيرهم في نكبة جديدة،تقتلعهم من أرضهم وبيوتهم وقراهم.
فقد إنتفض وإلتحم شعبنا الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية في حيفا ويافا واللد والرملة والمثلث والجليل والنقب والضفة الغربية والقدس،في ملحمة بطولية من اجل إسقاط مشروع"برافر" العنصري ،وكانت القدس ساحة مشتعلة،حيث سجل فيها الشباب المزيد من البطولات،التي تنم عن إستعدادات عالية للتضحية والفداء،فقد إشتبكوا مع قوات الإحتلال من الساعة التاسعة مساءاً وحتى ساعات الفجر الأولى،ولم يسمحوا لجماعة ما يسمى بخراب الهيكل،من القيام بمسيراتهم العنصرية والإستفزازية على أسوار مدينة القدس،وكان لمسيرتهم وإشتباكهم مع قوات الإحتلال الدور البارز في منع المستوطنين من إقتحام المسجد الأقصى في اليوم التالي،وليحول المقدسيين ساحات باب العامود الى ساحات حرب،إضطر العدو على أثرها لأغل ق منطقة باب العامود وإعلانها منطقة عسكرية.
نعم إشتعلت القدس غضباً وكفاحاً،وما جرى في القدس كان مواجهات حقيقية،اثبتتب ان الشباب المقدسي في الخنادق الأمامية للنضال،وهذا الشباب تقدم على غيره في ساحات المواجهات الأخرى،فالقدس كانت وستبقى البوصلة وساحة الإشتباك المتقدمة،وسيبقى شبابها شعلة وراية النضال والكفاح وقادة الميدان الفعليين،وصانعي الحدث في كل مرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق